تعتبر الأزمات المالية والإقتصادية إحدى أبرز الظواهر الإقتصادية التي يكون لها أثرا عميقا على حركة النشاط الاقتصادي وعلى العلاقات الاقتصادية الدولية.
وتحتاج الأزمات المالية، مدة زمنية قد تكون طويلة جدا، للتعافي من آثارها السلبية، كما أنها تهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي للعلم بشكل عام والدولة المعنية بشكل خاص.وأمست الأزمات المالية والاقتصادية من أبرز سمات العقود الأخيرة، مثيرة اهتمام اهتمام الكتّاب والباحثين والاقتصاديين وحتى السياسيين في مختلف دول العالم وتطور الفكر الاقتصادي الذي يتناول الأزمات ويبحث في مسبباتها وكيفية معالجتها.
ولا غرو أن الأزمات الإقتصادية والمالية لها آثار سلبية عديدة تتعدى الجانب الاقتصادي ممتدة إلى الجوانب الأخرى كالسياسية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها، لذا فإن دول العالم تحاول قدر الإمكان التخفيف من آثار هذه الأزمات.
وفي هذا الصدد، سنحاول خلال هذه الفقرة اليومية طيلة هذا الفضيل، تسليط الضوء على أبرز الأزمات الاقتصادية التي عرفها العالم، مسلطين الضوء على سياقها وأبرز أسبابها ونتائجها.
“ازمة أسواق شرق آسيا 1997”
وسنتطرق في فقرة اليوم، لأزمة “أسواق شرق آسيا 1997″، بدأت هذه الأزمة في تايلاند عام 1997 ثم امتدت الى باقي دول جنوب شرق آسيا، وكان السبب الأول لهذه الأزمة هو إفراط دول شرق آسيا في نظام الائتمان، وهو ما تسبب في تراكم ضخم من الديون لمجموعة النمور الاسيوية.
ولم يكن أمام الحكومة التايلاندية سوى التخلي عن سعر صرف عملتها الثابت مقابل الدولار الأمريكي، وذلك سبب نقص الدخل من النقد الأجنبي.
وأعقب تلك الأزمة موجة من الذعر أصابت الأسواق المالية الآسيوية، وانعكس ذلك بشكل واسع على الاستثمارات الأجنبية في تلك الدول، إضافة إلى خوف عالمي من انهيار مالي وشيك.
وعن تفاصيل الأزمة، فقد بدأت أول الأمر في تايلند في أعقاب انهيار عملة البات التايلندي، إذ أجبرت الحكومة على تعويم البات بعد أن اختفت العملات الأجنبية التي كانت توازن معدلات تحويل العملة، لتنقطع الرابطة بين البات التايلندي والدولار الأمريكي. كانت هناك جهودٌ حثيثة لدعم البات التايلندي في وجه انعدام التوازن المالي الشديد، والذي كانت تجارة العقارات الحقيقية أحد أسبابه البارزة. كانت تايلند تتحمل في ذلك الحين عبء ديون خارجية، ممَا قاد الدولة إلى حالةٍ من الإفلاس، ليتبع ذلك انهيار عملتها. انتشرت الأزمة لاحقاً، وبدأت عملات كامل جنوب شرق آسيا وكوريا الجنوبية واليابان بالسقوط، وانخفضت أسعار البورصة المالية وكافَّة المنتجات، مقابل ارتفاعٍ هائل في القروض الخاصة.
كانت أكثر البلدان تأثُّرا بالأزمة المالية الآسيوية هي إندونيسيا وكوريا الجنوبية وتايلند، تليها بدرجة أقل ماليزيا والفلبين ولاوس وهونغ كونغ، وكذلك الصين وتايوان وسنغفورة وبروناي وفيتنام، وقد عانت جميعها من انخفاض الطلب والثقة في السوق على مستوى المنطقة بأسرها.
ارتفعت نسبة الديون الأجنبية بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي من 100% إلى 167% في اقتصادات اتحاد دول جنوب شرق آسيا (آسيان) الكبرى بين عامي 1993 و1996، لتجتاز 180% خلال أسوأ مراحل الأزمة. ارتفعت النسبة في كوريا الجنوبية من 13% إلى 21%، ووصلت فيما بعد حتى 40%، فيما أن الدول الصناعية الجديدة الشمالية الأخرى كانت نسبتها أفضل بكثير.
رغم أن معظم حكومات آسيا سنَّت ظاهريا سياسات مالية لمكافحة الأزمة، فقد أطلق صندوق النقد الدولي برنامجاً كلفته 40 بليون دولار أمريكيٍّ لدعم اقتصادات إندونيسيا وتايلند وكوريا الجنوبية، وهي أكثر الاقتصادات تأثُّراً بالأزمة، حيث كان الهدف من هذه الخطوة كبح الأزمة عن التحوُّل إلى أزمة مالية عالمية. رغم ذلك، لم تساعد هذه الجهود كثيراً بإعانة اقتصاد إندونيسيا المحلي، وقد اضطرَّ إثر ذلك الرئيس الإندونيسي سوهارتو إلى الاستقالة في 21 مايو عام 1998 بعد ثلاثين عاماً من الحكم المتواصل، وذلك إثر احتجاجات عارمة أعقبت ارتفاع الأسعار في البلاد. بدأت آثار الأزمة بالانخفاض مع عام 1998. في العام ذاته، انخفض معدل نمو اقتصاد الفلبين إلى قرابة الصفر. لم تستطع سوى سنغافورة وتايوان الاحتماء إلى حدٍّ ما من الأزمة، إلا أن كليهما واجها أضرارا كبيرة، خصوصاً سنغافورة الواقعة بين ماليزيا وإندونيسيا المتضرّرتين. رغم ذلك، رأى الاقتصاديون إشارات بحلول عام 1999 إلى أن اقتصادات آسيا آخذةٌ بالتعافي. منذ الأزمة المالية الآسيوية، بدأت اقتصادات آسيا تعمل على موازنة نفسها عبر المراقبة المالية المستمرة.
> عبد الصمد ادنيدن