تعتبر الأزمات المالية والإقتصادية إحدى أبرز الظواهر الإقتصادية التي يكون لها أثرا عميقا على حركة النشاط الاقتصادي وعلى العلاقات الاقتصادية الدولية.
وتحتاج الأزمات المالية، مدة زمنية قد تكون طويلة جدا، للتعافي من آثارها السلبية، كما أنها تهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي للعلم بشكل عام والدولة المعنية بشكل خاص.وأمست الأزمات المالية والاقتصادية من أبرز سمات العقود الأخيرة، مثيرة اهتمام اهتمام الكتّاب والباحثين والاقتصاديين وحتى السياسيين في مختلف دول العالم وتطور الفكر الاقتصادي الذي يتناول الأزمات ويبحث في مسبباتها وكيفية معالجتها.
ولا غرو أن الأزمات الإقتصادية والمالية لها آثار سلبية عديدة تتعدى الجانب الاقتصادي ممتدة إلى الجوانب الأخرى كالسياسية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها، لذا فإن دول العالم تحاول قدر الإمكان التخفيف من آثار هذه الأزمات.
وفي هذا الصدد، سنحاول خلال هذه الفقرة اليومية طيلة هذا الفضيل، تسليط الضوء على أبرز الأزمات الاقتصادية التي عرفها العالم، مسلطين الضوء على سياقها وأبرز أسبابها ونتائجها.
“أزمة لبنان الاقتصادية 1-3”
وسنتطرق في فقرة اليوم في جزئها الأول، لأزمة “لبنان الاقتصادية”، يعيش لبنان أزمة اقتصادية طاحنة بعد أن تراكمت الديون على الحكومات المتعاقبة في أعقاب الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين 1975 و1990 دون أن تحقق إنجازات بهذا الإسراف في الإنفاق.
وأصاب الشلل البنوك التي تعد محورية للاقتصاد القائم على الخدمات. وعجز أصحاب المدخرات عن سحب أموالهم بعد أن حالت الأزمة بينهم وبين حساباتهم الدولارية أو قيل لهم إن الأموال التي يمكنهم السحب منها الآن لم تعد تساوي سوى جزء صغير من قيمتها الأصلية.
وانهارت العملة اللبنانية مما دفع قطاعا كبيرا من السكان إلى صفوف الفقراء. ويعاني لبنان من أزمة اقتصادية حادة بدأت في عام 2019 عندما انهار النظام المالي تحت وطأة الديون السيادية والطرق غير المستدامة التي كانت تمول بها بينما لم يخرج السياسيون بعد بخطة إنقاذ.
ما الخطأ الذي حدث؟
شهد لبنان منذ 2019 قصة انهيار مالي تعد قصة انحراف رؤية لإعادة بناء دولة اشتهرت فيما مضى بأنها سويسرا الشرق، وهذا الانحراف مرده إلى سوء الإدارة عندما عمدت النخبة الطائفية للاقتراض دون ضوابط تذكر.
في وسط بيروت الذي سوّته الحرب الأهلية بالأرض، ارتفعت من جديد البنايات العالية التي شيدها مهندسون معماريون عالميون، ومراكز التسوق الفاخرة التي امتلأت بمنتجات أسماء تجارية كبرى وكانت تقبل الدفع بالدولار أو بالعملة اللبنانية.
لكن لبنان لم ينجز شيئا آخر بجبل الديون الذي تنامى حتى بات في ذلك الوقت يعادل 150% من الناتج المحلي ليكون واحدًا من أكبر أعباء الديون في العالم.
ولم يعد بإمكان محطات الكهرباء أن تلبى الاحتياجات على مدار الساعة، وصارت الثروة البشرية هي الصادرات الوحيدة التي يمكن التعويل عليها.
ووصف بعض الاقتصاديين النظام المالي في لبنان بأنه احتيال منظّم على المستوى الوطني على غرار “خطة بونزي الهرمية” والتي يتم فيها اقتراض أموال جديدة لسداد مستحقات الدائنين الحاليين، وتفلح هذه الخطة في تحقيق مآربها إلى أن تنفد الأموال الجديدة.
وبعد الحرب الأهلية، عمد لبنان إلى موازنة دفاتره بإيرادات السياحة والمساعدات الخارجية وحصيلة إيرادات القطاع المالي وسخاء دول الخليج العربية التي مولت الدولة بدعم احتياطيات البنك المركزي.
كان أحد المصادر الرئيسة للدولار هو تحويلات ملايين اللبنانيين الذي سافروا للعمل في الخارج، وحتى في الأزمة المالية العالمية عام 2008 واصل المغتربون اللبنانيون تحويل الأموال إلى البلاد.
التحويلات الخارجية
ومنذ 2011، بدأت وتيرة التحويلات تتباطأ عندما أدت الخلافات الطائفية في لبنان إلى مزيد من التصلب السياسي وانزلق جانب كبير من الشرق الأوسط وخاصة سوريا المجاورة إلى حالة من الفوضى.
وبدأت دول الخليج “السنية” التي كانت في وقت من الأوقات مصدرا يعوّل عليه للدعم تدير ظهرها بسبب تنامي نفوذ إيران في لبنان من خلال جماعة حزب الله.
وقفز العجز في الميزانية إلى مستويات كبيرة وازداد العجز في ميزان المدفوعات عندما عجزت التحويلات عن مجاراة الواردات التي تشمل كل شيء من الأغذية الأساسية إلى السيارات الفارهة.
كان هذا هو الوضع حتى 2016 عندما بدأت البنوك تعرض أسعار فائدة مرتفعة على الودائع الجديدة بالدولار الذي كان عملة مقبولة رسميًا بفعل “دولرة” الاقتصاد وتعرض كذلك أسعار فائدة أعلى كثيرًا على الودائع بالليرة اللبنانية.
وفي أماكن أخرى من العالم كان أصحاب المدخرات يحصلون على عوائد زهيدة.
وكانت العملة اللبنانية مربوطة مقابل العملة الأمريكية بسعر 1500 ليرة للدولار منذ أكثر من 20 عامًا ويمكن تغييرها بكل حرية من أي بنك أو حتى من صراف السوبر ماركت، وتدفقت الدولارات من جديد واستطاعت البنوك أن تواصل تمويل الإنفاق العام.
كيف أمكن للبنوك أن تعرض عوائد عالية هكذا؟
خلال معظم عام 2016، كانت حالة الشلل السياسي قائمة في لبنان وأدت الخلافات إلى بقاء البلاد بلا رئيس، غير أن مصرف لبنان المركزي بقيادة حاكمه رياض سلامة -المصرفي السابق في ميريل لينش منذ 1993- استحدث “هندسة مالية” بسلسلة من الآليات أدت إلى تقديم البنوك عوائد سخية على الودائع الدولارية الجديدة.
وقال مصرفيون إن هذا الأسلوب كان من الممكن أن يكون ملائمًا إذا ما تبعته إصلاحات سريعة، لكنه ليس كافيًا دون هذه الإصلاحات وهو ما آلت إليه الأمور، وظهر تحسن التدفقات الدولارية في زيادة الاحتياطيات الخارجية، وما كان أقل وضوحًا صار الآن موضع خلاف وهو زيادة الالتزامات.
ووفق بعض الحسابات انمحى من أصول البنك المركزي ما يفوق ديونه، وفي الوقت نفسه صعدت كلفة خدمة الدين اللبناني إلى حوالي ثلث الإنفاق في الميزانية أو أكثر.
> عبد الصمد ادنيدن