حلت أمس الإثنين الذكرى الـ19 للجريمة الإرهابية المروعة التي ضربت الدار البيضاء في:16 ماي2003، وخلفت قتلى وجرحى، وأحدثت هزة جعلتنا كلنا ندرك أن بلادنا هي أيضا مستهدفة بالإرهاب.
في ذكرى الجريمة البشعة، نجدد الترحم على الشهداء، ونتذكر أسرهم، ونعتبر أن ما وقع سيجعلنا دائما نرفض الإرهاب والتطرف وندينهما، ونحرص على أمن بلادنا واستقرارها ووحدتها، وننتصر لوطننا وشعبنا.
جريمة 16 ماي 2003، كان هدفها جر بلادنا إلى الخراب، وكونها وقعت في هذا التاريخ المتزامن مع الذكرى السنوية لتأسيس الأمن الوطني، فالأمر، في الغالب، لم يكن صدفة، ولكن الرمزية كانت مبيتة وبغيضة، وتكرس الرغبة الدموية في ضرب بنيان الدولة وهد المعنى الأساس.
وهنا تستحق المؤسسة الأمنية منا كلنا التحية والإشادة، لأنها صدت القتلة وتصدت لجرائمهم، وأفشلت مخططاتهم الدموية، وأنقذت بذلك الوطن.
لقد نجحت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية منذ 2003 في تفكيك الكثير من الخلايا الإرهابية وكشف العديد من المخططات الإجرامية وإفشالها، وكرست تميز مقاربتها الاستباقية، والتي صارت علامة مميزة للتفوق الأمني المغربي، كما استفادت منها بلدان أخرى، ونوهت بالنجاح المغربي.
في السنوات الأخيرة، وبالرغم من تعقد التحولات التي يعيشها العالم، وبالرغم أيضا من الظواهر والظروف التي استجدت في المملكة، وعلى مستوى تقاطعاتها الإقليمية والدولية، فإن الجماعات الإرهابية الدموية لم تنجح في اختراق اليقظة الأمنية المــــــغربية، علاوة على الأدوار التي صار يقوم بها المغرب على الصعيدين الإفريقي والدولي في مواجهة مخاطر الإرهاب والتطرف، وهو ما يحضى اليوم بالكثير من التقدير والإعجاب، وآخر تجلياته احتضان مراكش لمؤتمر عالمي للتحالف ضد» داعش»، والإجماع الكوني المسجل خلاله لصالح التجربة المــــــغربية وتفوقها.
هل يعني ما سبق أن النجاح الأمني والاستخباراتي كاف لحماية أمن بلادنا واستقرارها، والقضاء على الخطر الإرهابي؟
من المؤكد أنه ليس كافيا، ولكنه يضمن التأسيس لمسارات أخرى والنجاح فيها.
لقد باشر المغرب كذلك ورش إصلاح وهيكلة الحقل الديني، وأطلق برامج تنموية للقضاء على الفقر والبؤس والتهميش والحرمان، ومن ثم اعتبر المسار الديني والمسار التنموي صروريين ومكملين وداعمين للمقاربة الأمنية، وفقط عبر تكامل المسارات كلها يتحقق النجاح الحقيقي.
اليوم، ونحن نقترب من العام العشرين لوقوع جريمة 16 ماي 2003 في الدار البيضاء، لا بد أن نلفت إلى أنه بالرغم من نجاح الأجهزة الامنية والاستخباراتية في التصدي الميداني للخطر الإرهابي وإفشال المخططات الدموية قبل تنفيذها، فإن اليقظة المجتمعية تجاه الأفكار لا زالت مطلوبة لحماية استقرار مجتمعنا وانفتاحه وتميزه، وهنا يجب أن يتواصل ورش الإصلاح والتأهيل الدينيين، وأيضا أن يتحقق النجاح في تأهيل منظومة التعليم العمومي، وأن يجري الارتقاء بالشأن الثقافي، وبمنظومة الصحافة والإعلام في بلادنا…
هذه دعامات أساسية في التأطير والتنوير والتوعية، وفي إنماء الشعور بالمواطنة، وهي أيضا أدوات في معركة الدفاع عن المصالح الوطنية وصيانة وحدة البلاد واستقرارها.
الإرهاب يقوم على الشحن والأفكار والترويج لمفاهيم وتفسيرات، ولهذا لا يجب إغفال التصدي له على هذا الصعيد أيضا، أي من طرف المفكرين والمثقفين والأدباء، وعبر الصحافة ووسائل الإعلام، ومن خلال مختلف مؤسسات التنشئة والتأطير الأخرى.
وعندما تنجح البلاد في إعمال سياسات عمومية لتحسين الأوضاع المعيشية للناس والارتقاء بظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، ومحاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، وأيضا عندما يتم الارتقاء بالحياة السياسية وإشعاع أجواء ديموقراطية في البلاد، وتطوير التعددية والحريات، فهذا يجعل المدخل التنموي والاجتماعي وأيضا المدخل السياسي والديموقراطي رافعتين لتحصين الاستقرار المجتمعي وتمتين التعبئة الوطنية والجبهة الداخلية لمواجهة كل المتربصين بوحدة البلاد وأمنها واستقرارها.
يعني ما سبق، أن المقاربة الأمنية المغربية تعتبر ناجحة ورائدة وتستحق الإشادة، ولكنها في حاجة إلى نجاح باقي المداخل، التنموية والديموقراطية والدينية والتأطيرية والتعبوية، وبالتالي تحقيق الاتقائية بين مختلف هذه المداخل، وتعزيز ثقة شعبنا وشبابنا في الوطن وفي المستقبل.
اليوم، أمام ما يلف العالم والمنطقة من مخاطر، وما يطرح على بلادنا من تحديات استراتيجية وتنموية، تبقى مواجهة التحدي الإرهابي وتقوية المقاربة الأمنية وتعزيز نجاحها أكثر راهنية من أي وقت سابق، كما أنه بات واجبا تسريع العمل بباقي المداخل والدعامات لتحقيق الاتقائية المطلوبة.
<محتات الرقاص