أول ما يسترعي الانتباه عند مطالعة البلاغ الأخير الصادر عن مجلس المنافسة، هو أنه لم يعرض تفاصيل وطبيعة المؤاخذات المسجلة على شركات المحروقات، كما أنه لم يكشف عن أي جديد يختلف عما كان المجلس، في تركيبته السابقة، قد سجله بشأن الموضوع نفسه.
هاتان الملاحظتان تركتا الرأي العام الوطني حائرا ومستغربا أمام موقف مجلس يفترض أنه مستقل ويحرص على السهر على احترام المنافسة وإعمال القانون ضد من يخالف قواعدها وقوانينها.
المؤاخذات المعلن عنها يعرفها المهتمون وكافة المواطنين، وشعبنا يكتوي يوميا بتبعات الاحتكار والإخلال بشروط المنافسة، ويؤدي كلفة ارتفاع أسعار المحروقات من جيبه، ولهذا هو يتساءل اليوم عن الجديد الذي اكتشفه مجلس المنافسة ولم يرد في بلاغه السابق، ويتساءل هل إرجاع الملف الى مصالح التحقيق حينها كان مبررا أم فقط لربح الوقت.
لقد استغلت شركات المحروقات كامل هذا التلكؤ في مراكمة الأرباح على حساب جيوب المغاربة، وأتاح لها موقف مجلس المنافسة الكثير من الوقت للاستفادة من فرص عديدة والركوب على ظروف مختلفة من أجل المزيد من الأرباح.
منذ مدة طويلة وشعبنا يعاني من آثار غلاء أسعار المحروقات، ولم تستطع الحكومة إعمال أي نظام موازي لحماية القدرة الشرائية للمغاربة جراء ذلك، والجميع يدرك اليوم الخروقات المرتكبة من لدن الشركات العاملة في سوق المحروقات ببلادنا، ويشير لها بكامل الوضوح اللازم ويعرض تفاصيل مخالفاتها لقواعد المنافسة، لكن مجلس المنافسة وحده لا يريد السير في الملف الى نهايته، ولم يمتلك شجاعة وضع النقاط على الحروف وتحديد المتورطين وإعلان الإجراءات ضدهم.
اليوم، مجلس المنافسة هو الذي يوجد على المحك، ومصداقيته واستقلاليته هما موضوع السؤال والانشغال.
لا يتعلق السؤال اليوم بالاستعراض البلاغي والتحليلي للمخالفات المرتكبة، فهذه يعرف الجميع تفاصيلها، ويتداول المختصون معطيات أكثر وضوحا مما تضمنه بلاغ المجلس، ولكن الأمر يتعلق بالموقف من تضارب المصالح المحيط بهذا الملف الحساس والأساسي، ويتعلق بشجاعة المجلس أمام سلطة ولوبيات الحكومة ومحيطها.
هذا ما يتجلى واضحا وفاضحا من القراءة البسيطة للبلاغ الأخير لمجلس المنافسة، وهو ما يجعل المراقبين يتساءلون عن موقف أعضاء المجلس لما سيكون عليهم مستقبلا البث في المطروح عليهم من مؤاخذات، وإدانة المرتكبين لها أو ربما تبرئتهم حتى.
كيف لمجلس لم يمتلك شجاعة عرض تفاصيل المؤاخذات وتحديد المتورطين بالضبط أن يتجرأ على إصدار أحكام الإدانة؟
وقد دفع هذا بعض المتابعين لتطورات هذا الملف أن يقترحوا حتى تغيير أعضاء المجلس الحالي قبل الشروع في المداولات والبث وإصدار الأحكام.
وفي كل الأحوال، الملف يطرح أمامنا اليوم معضلة مصداقية واستقلال مؤسسة دستورية مثل مجلس المنافسة، والحاجة إلى تقوية وتمتين هذه المصداقية، ويطرح كذلك ضرورة التصدي لتضارب المصالح وانتشار الاحتكار والريع، وأساسا الإخلال بقواعد المنافسة، وهو ما يضر بتنافسية المقاولات الوطنية، علاوة على إضراره بالقدرة الشرائية لفئات واسعة من شعبنا، أي أن دولة القانون يجب أن يكون لها الامتداد والحضور والأثر في عالم الاقتصاد والمال والأعمال كذلك.
محتات الرقاص