اختتمت، مؤخرا بالرباط، فعاليات الملتقى العلمي الدولي حول “دور البحث العلمي في رصد اتجاهات الجريمة وتحليل الظواهر الإجرامية”، الذي نظمته وزارة العدل، على مدى يومين، بشراكة مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ومجلس أوروبا.
وذكر بلاغ لوزارة العدل أن هذا الملتقى عرف مشاركة أزيد من 230 خبيرا وباحثا متخصصا من مختلف الجامعات ومراكز البحث الوطنية والدولية، إلى جانب ممثلين عن المؤسسات المعنية بمكافحة الجريمة، مضيفا أنه شكل منصة متميزة لتبادل الخبرات وتطوير آليات التعاون بين مختلف المتدخلين في مجال السياسة والعدالة الجنائية والبحث العلمي.
وأكد المصدر ذاته أن أشغال الملتقى تميزت بتنظيم خمس جلسات علمية رئيسية تناولت محاور تهم “المنهج الإحصائي لقياس اتجاهات الجريمة وتحليل الظواهر الإجرامية”، و”فهم الجريمة: المقاربات الكيفية لتحليل الظواهر الإجرامية”، و”محددات ومتغيرات السياق لتحليل الظواهر الإجرامية”، و”التجارب الدولية الفضلى في مجال تطوير المختبرات والمنتديات العلمية”، و”التجارب الوطنية الفضلى في مجال تطوير المختبرات والمنتديات العلمية”.
وأشار إلى أن هذا الملتقى العلمي توج بالتوقيع على اتفاقيات شراكة بين المرصد الوطني للإجرام ومجموعة من الجامعات المغربية، وكذا الإعلان عن إحداث شبكة نخبة الخبراء المتخصصين في تحليل الظواهر الإجرامية بالمغرب وإفريقيا.
وأضاف أن هذا الملتقى خرج بتوصيات تهم، على المستوى العلمي، تطوير أدوات علمية مبتكرة لتحسين المقاربات التحليلية للظواهر الإجرامية، وتعزيز القدرات البحثية من خلال تبادل الخبرات والتجارب الفضلى، ووضع نماذج متقدمة للاستجابة الجنائية تستند إلى البحث العلمي.
أما على مستوى التعاون والشراكة، فقد أوصى بتأسيس إطار للتعاون المستدام بين المؤسسات البحثية والجهات المعنية بمكافحة الجريمة، وتطوير آليات التنسيق وتبادل المعلومات بين مختلف الفاعلين، وتعزيز التعاون الدولي في مجال البحث العلمي المرتبط بتحليل الظواهر الإجرامية.
وكان وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، قد ألقى كلمة في الجلسة الافتتاحية لهذا الملتقى العلمي الدولي، أكد فيها، أن مهمة التصدي للظاهرة الإجرامية والوقاية منها تقتضي ضمان تنسيق منتظم ومتواصل مع مختلف الفاعلين الوطنيين والدوليين المعنيين، والانفتاح الواسع على البحث العلمي الأكاديمي والتجريبي من خلال شراكات مستديمة وهيكلية.
وأبرز وهبي، أهمية بناء جسور قوية بين الجامعات والمؤسسات القضائية، وفتح نقاش معمق حول سبل تطوير مناهج البحث العلمي في مجال دراسة وتحليل الظواهر الإجرامية، من خلال الجمع بين التجارب الأكاديمية المتميزة والممارسات المؤسساتية الفضلى.
وأضاف في هذا السياق، أن “مهمة التصدي للظاهرة الإجرامية وضبط مرتكبيها، وصولا إلى إصدار أحكام عادلة تحقق الردع بنوعيه العام والخاص، وجبر الضرر وتأهيل وإعادة إدماج المنحرفين عن القانون، تقتضي مقاربة شمولية تستند إلى الفهم المعمق للظاهرة الإجرامية وأسبابها وابتكار حلول ناجعة لا تقتصر على النصوص القانونية السالبة للحرية فحسب؛ لأن السجن لا يمكن أن يحل جميع الإشكالات المرتبطة بالظاهرة”. وأشار الوزير إلى أن هذا الملتقى المنظم بشراكة مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار والذي يشارك فيه ثلة من الخبراء الدوليين والمغاربة، يندرج في إطار جهود الوزارة لتفعيل المرصد الوطني للإجرام. كما يعد فرصة ثمينة لتبادل الخبرات وتطوير آليات التعاون بين مختلف المتدخلين في مجال السياسة والعدالة الجنائية والبحث العلمي للمساهمة في تعزيز فعالية السياسات العمومية في مجال مكافحة الجريمة والوقاية منها. ولفت إلى أن أكبر تحد أمام الوزارة يتمثل في تطوير المعلوميات والرقمنة وتأهيل الكفاءات في هذا المجال من خلال التكوين المستمر، باعتبار ذلك رافعة قوية في مسار إصلاح المنظومة القضائية.
ومن جانبه، أكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين ميداوي، على حاجة الجامعة إلى هذا النوع من الشراكات الوطنية والدولية المتعددة الأبعاد والتخصصات، بما في ذلك العلوم الإنسانية والحقوق والعلوم الدقيقة والمعلوميات، التي من شأنها أن تعزز مكانة الجامعة وأدوارها داخل نسيج المجتمع و رصد تحولاته والتنبؤ بها عبر البحث العلمي، لاسيما مع التقدم التكنولوجي وتطور أدوات الفعل الجرمي وأشكاله.
وشدد ميداوي في هذا الصدد، على أن التعاون بين الجامعات والأجهزة القضائية وصناع القرار السياسي والمجتمع المدني شرط حيوي لضمان التقائية الأهداف والتنسيق في تطبيق نتائج البحث العلمي، وتشجيع الاستثمار فيه بغرض تقديم إجابات علمية لمنشأ وبنية ومآل الفعل الجرمي.
ومن جهتها، أبرزت سفيرة الاتحاد الأوروبي بالمغرب، باتريسيا لومبارت كوساك، أهمية هذا الملتقى الذي يجمع كفاءات أكاديمية وقضائية بارزة، مشيرة إلى أنه يمثل مناسبة لتأكيد دعم الاتحاد الأوروبي الموصول لجهود المملكة في مجال إصلاح العدالة، وتعزيز دينامية التعاون بين المغرب وأوروبا وتبادل التجارب والخبرات في مجال التصدي للظاهرة الإجرامية والوقاية منها.
وبدورها، شددت رئيسة مكتب مجلس أوروبا بالرباط، كارمن مورتي غوميز، على ضرورة اعتبار البحث العلمي أولوية، لا سيما في مجالات الإحصاءات القضائية والقانون المقارن، من أجل ابتكار حلول ناجعة تمكن من ملاءمة فضلى للسياسة الجزائية الحالية مع اتجاهات الجريمة وأنماطها الأخرى.
وأعربت بهذه المناسبة، عن دعم مجلس أوروبا الكامل للجهود التي يبذلها المرصد الوطني للإجرام من أجل إرساء بيئة مواتية للشراكة بين المؤسسات القضائية والجامعات ومراكز البحث العلمي والفاعلين المعنيين قصد الإحاطة بالظاهرة الإجرامية ومكافحتها والوقاية منها، مشيرة إلى أن تنظيم هذا الملتقى الدولي يشكل فرصة لتقديم الخبرة الأوروبية، خاصة ما يتعلق بالمنهجية وأدوات تحليل الظاهرة. وتم خلال الجلسة الافتتاحية لهذا الملتقى، توقيع اتفاقيات شراكة بين المرصد الوطني للإجرام ومجموعة من الجامعات المغربية. كما تم إطلاق شبكة من الخبراء المتخصصين في تحليل الظواهر الإجرامية، تجمع بين الكفاءات الأكاديمية والخبرات الميدانية، في أفق تطوير مقاربات مبتكرة في مجال رصد وتحليل الاتجاهات الإجرامية على المستويين الوطني والإقليمي لدعم المرصد الوطني للإجرام بصفة خاصة، وتعزيز آليات التحليل والتخطيط الجنائي بشكل عام.
وخلص المشاركون إلى أهمية تعزيز دور البحث العلمي في فهم وتحليل الظواهر الإجرامية المعقدة وتطوير استراتيجيات مواجهتها، مؤكدين على ضرورة تفعيل التوصيات الصادرة عن هذا الملتقى العلمي.