بكل الأرقام والدلالات، كان الاعتراف بالتفوق، وبكل لغات العالم، جاءت مجموع شهادة الاستحقاق من كل حدب وصوب.
مسار متميز لـ “أسود أطلسية”، أظهر بالملموس أنها تجاوزت إخفاق محطة كوت ديفوار، وبدأت تنظر لما هو قادم بكثير من التفاؤل، واستشراف المستقبل بطموح ورغبة، في الاستمرار بواجهة الأحداث قاريا ودوليا.
فإنهاء التصفيات الإفريقية بتفوق، يعطي الدليل أن هناك تغييرا حقيقيا، مكن من تجاوز النمطية التي طبعت الأداء منذ إنجاز المونديال القطري، بعد أن مكن من تنويع مصادر قوة في الأداء…
احتلال المرتبة الأولى بالمجموعة الثانية من التصفيات، بدون هزيمة وبدون حتى أي تعادل، بحصيلة مهمة تتمثل في تحقيق ستة انتصارات في ست مقابلات، بمجموع 18 نقطة، وبفارق ثماني نقط عن الغابون، صاحبة الصف الثاني…
تسجيل 26 هدفا، وتلقي هدفين فقط، مع تتويج إبراهيم دياز كهداف للتصفيات بسبعة أهداف، كما احتل سفيان رحيمي الصف الرابع بثلاثة أهداف…
هذه الحصيلة الرقمية، خلفت ردود فعل جد إيجابية، إلى درجة أن أغلب المحللين أصبحوا يضعون المنتخب المغربي في مقدمة المرشحين، للفوز بكأس الأمم الأفريقية القادمة، والتي ستجرى بالملاعب المغربية السنة القادمة، ترشيح جاء بناء على تطور عرفه أداء العناصر الوطنية، منذ المشاركة المخيبة للآمال بـ “الكان” الأخير .
ما يبعث صراحة عن الارتياح، أن وليد اقتنع أخيرا بأهمية الحفاظ على ملامح التشكيل الأساسي، وتجاوز مرحلة تجريب، طالت منذ العودة من مونديال قطر، لتمتد إلى ما بعد كأس أمم إفريقيا بكوت ديفوار…
ثاني معطى إيجابي، يبرز في ردة فعل إيجابية، كما حدث بعد تلقي الهدف الأولى ضد الغابون، إذ ظهر تماسك واضح للأسود، اخذين بزمام المبادرة سريعا، ليتمكنوا من إنهاء المواجهة، بفوز أكثر من مستحق…
ثالث النقط الإيجابية، هناك تطور ملحوظ في كيفية استغلال الكرات الثابتة، حيث تم تسجيل، خمسة أهداف خلال مباراتي الغابون وليسوتو من كرات كلها ثابتة…
هناك أيضا جوانب أخرى ايجابية، ظهرت بصفة خاصة، بمباراة الإياب ضد أصدقاء العميد أوباميانغ، إذ تعد الأولى لبعض العناصر، والذين اكتشفوا القارة السمراء لأول مرة، وليس من السهل، اللعب وسط أجواء وظروف، تختلف جملة وتفصيلا عن البلد النشأة أو الإقامة…
ملاحظات أخرى تحسب ضمن خانة المعطيات الإيجابية، وتتمثل في قيمة البدائل من اللاعبين الجاهزين؛ شكلوا قوة إضافية، بعد أن تمكنوا من إظهار مستوى جيد جدا، كإسماعيل الصيباري صاحب الهدفين الأنطولوجيين ضد كل من الغابون وليسوتو، والمدافع الأيسر الواعد آدم أزنو، دون أن ننسى المستوى القار لكل من عبد الصمد الزلزولي وإلياس بن الصغير، في انتظار انضمام آخرين ممن توجوا بالاستحقاق الأولمبي، وغيرهم كثير…
مقابل ذلك، ما يزال الأداء المغربي تطبعه بعض السلبيات، كما هو الحال في ظهور فراغات بخط الدفاع، خاصة الكرات الطويلة خلف ظهر المدافعين، وبالضبط بالجهة اليسرى…
كما ظهر إشكال كبير في كيفية استرجاع الكرات بوسط الميدان، والصعوبة التي صادفها سفيان أمرابط، قصد القيام بهذه المهمة الأساسية بمفرده، وهنا يبرز ضعف عز الدين أوناحي العاجز كليا عن أداء هذا الدور، على النحو الأمثل…
صحيح أن المنتخب المغربي واجه خلال تصفيات “الكان” والمونديال منتخبات من الصف الثاني، إلا أن كل المؤشرات تؤكد بالملموس، أن تطورا ملحوظا طرأ على أداء الفريق الوطني، بعدما فهم وليد الركراكي، أن ما تحقق بالمونديال القطري انتهى، ولم تعد تلك الوصفة ناجعة، ولابد من إحداث تغيير يمكن من الاستمرار في صدارة الأحداث على الصعيدين القاري والدولي..
والأكيد أن اللازمة التي تتردد حاليا على لسان أغلب الأوساط الرياضية على الصعيد الوطني: “ما أهمية كل هذه المكاسب، إذا لم تترجم كألقاب على مستوى التظاهرات الكبيرة”…
فبعد محطة مارس المقبلة والخاصة بتكملة تصفيات المونديال ضد كل من النيجر وزامبيا، سيكون الموعد الكبير، وتتمثل في كأس إفريقيا للأمم على أرض المغرب، حيث تكبر الآمال، وتكثر الأماني وتتعاظم الطموحات…
فكل الإيجابيات التي وقفنا عليها خلال الجولات الأخيرة من التصفيات، من المفروض الحفاظ عليها، ومعالجة بعض الاختلالات تعاني منها التشكيلة الأساسية، على بعد سنة تقريبا من مونديال إفريقي، كحدث هام يطمح الجمهور الرياضي إلى تحويله لعرس حقيقي يتوج خلاله الأسود بتاج قاري غاب عن الخزائن منذ عقود خلت…
محمد الروحلي
تصوير: عبد العزيز الصالحي