دعوات لـ «إعدام» رموز النظام المصري السابق سياسياً
على غرار اجتثاث حزب البعث في العراق عقب الحرب الأميركية والبريطانية بتاريخ 9 أبريل في العام 2003، تتعالى الأصوات في مصر مطالبة بإصدار تشريع قانوني أو قرار إداري بحرمان أو إقصاء أعضاء الحزب الوطني الحاكم السابق والمنحل حالياً بموجب حكم قضائي من الحياة السياسية مؤقتاً لمدد تتراوح ما بين 5 و 10 سنوات. وتباينت مواقف القوى السياسية سواء الأحزاب أو التيارات أو الحركات التي شاركت في ثورة 25 يناير من الدعوة. فبينما أيدها البعض، معتبراً أنه من الضروري تطهير الحياة السياسية ممن أفسدوها على مدار ثلاثة عقود، يرفض البعض الآخر تطبيق مبدأ الإقصاء والإعدام السياسي، لأنه لا يتماشى مع روح الثورة الداعية للحرية والديمقراطية.
وتجددت الدعوات لإعدام أعضاء الحزب الحاكم المنحل سياسياً، في أعقاب صدور توصيات عن مؤتمر الوفاق القومي الذي يترأسه الدكتور يحيي الجمل نائب رئيس مجلس الوزراء، بإقصاء هؤلاء الأشخاص لمدة خمسة أعوام على الأقل، وحرمانهم من ممارسة العمل السياسي أو النقابي طوال تلك المدة، وشملت التوصيات التي صدرت، الخميس، حرمان كل من أعضاء الأمانة العامة والأمانات الرئيسية وأمناء الحزب بالمحافظات، والأقسام والمراكز والوحدات المحلية، وبالإضافة إلى كل من ترشح عن الحزب الوطنى فى الانتخابات الرئاسية، والبرلمانية، والمحلية والنقابية والعمالية، فى عامي 2005 و2010، وكل من فاز فيها سواء من الوطنى أو المعارضة وأثبت القضاء أنها مزورة، فضلاً على كل من أدين فى قضايا فساد، وإهدار للمال العام و المتورطين في تضليل الرأى العام وتزييف الثورة، والدفاع عن قتلة المتظاهرين، من خلال وسائل الإعلام الحكومية.
واتهمت التوصيات التي خرجت المؤتمر كل هؤلاء بالتسبب في إفساد وتدمير الحياة السياسية في مصر قبل ثورة 25 يناير.
واللافت أن من يقفون ضد القيام بعلمية الإعدام السياسي بحق أعضاء ورموز الحزب الوطني المنحل، هم من عانوا من إقصائه لهم، وارتكابه الجريمة ذاتها بحقهم، حيث ترفض جماعة الأخوان المسلمون وحزبها العدالة والحرية بالإضافة إلى زعيم حزب الغد أيمن نور حرمان أعضاء الحزب الوطني من ممارسة حقوقهم السياسية.
ويقول الدكتور عصام العريان القيادي بالجماعة إن الإقصاء مبدأ لا يتماشى مع مباديء ثورة 25 يناير، مشيراً إلى أن الثورة تنادي بالديمقراطية وحرية ممارسة العمل السياسي وحرية التعبير، وأضاف ل»إيلاف» أن الإخوان أكثر الفصائل السياسية التي قاست من الإقصاء السياسي من جانب الحزب الوطني والنظام البائد، لكن لا ينبغي معاملة أعضائه ورموزه بالمثل، لافتاً إلى ضرورة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وصوت الناخب المصري، الذي يعي جيداً الصالح من الطالح.
ورغم أنه عاني من إقصاء الحزب المنحل له، وممارسة التزوير ضده في الانتخابات الرئاسية في العام 2005، والانتخابات البرلمانية في العام نفسه، إلا أن الدكتور أيمن نور المرشح الرئاسي المحتمل، يرفض معاملة أعضاء الحزب الوطني بالمثل، وقال ل»إيلاف»، إن مبدأ الإعدام السياسي على الإطلاق مرفوض، وأضاف أن ثورة 25 يناير قامت من أجل القضاء على الاستبداد والقمع والإقصاء الذي كان يمارسه النظام السابق ضد خصومه السياسيين، وليس من المقعول أن تمارس الأمر ذاته مع المعارضين لها، ويقترح نور أن يتم الالتزام بأحكام القضاء، فكما صدر حكم قضائي بحل الحزب، بناء على دعوى أقامها محام، من الأفضل إقصاء كل من يتم إدانته في جرائم تتعلق بالفساد المالي أو السياسي، مثل تزوير الانتخابات.
ووفقاً لوجهة النظر الحقوقية، فإنه لا يجب منع أي مواطن من ممارسه حقوقه السياسية إلا بموجب حكم قضائي، وقال حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان لـ»إيلاف»، إنه لا يختلف شخصان على أن الحزب الوطني المنحل مارس كل صنوف الإقصاء ضد خصومه السياسيين، من تلفيق التهم الجنائية مرورا بتزوير الإنتخابات، وأنه أفسد الحياة السياسية ودمر الأحزاب على مدار ثلاثين عاماً، لكن لا يجب أن يتم معاملتة بالطريقة ذاتها، لأن الدولة البوليسية والقمعية قد زالت للأبد، والثورة تحاول بناء دولة جديد عمادها الديمقراطية واحترام القانون وحقوق الإنسان. وأضاف أبو سعدة أن الدعوة إلى إقصاء أشخاص بعينهم من العمل السياسي سيفتح الباب أمام آخرين للمطالبة بإقصاء خصوم لهم. مفضلاً أن يكون الإقصاء بناء على حكم قضائي وليس بناء على قرار سياسي.
فيما يرى الدكتور يحيي الجمل نائب رئيس مجلس الوزراء أن إقصاء رموز الحزب الوطني المنحل من الحياة السياسية خلال الخمس سنوات المقبلة على الأقل، سوف يتيح للثورة بناء حياة سياسية نقية، مشيراً إلى أن قيادات الحزب المنحل أفسدوا الحياة السياسية بتزوير الانتخابات، و تفجير الأحزاب السياسية، وتجميد الانتخابات في النقابات المهنية وتزويرها في النقابات العمالية. وهؤلاء لا يصلحون للعمل في البيئية الجديد التي سوف تعتمد على الشفافية والنزاهة.
ويؤكد الدكتور عمار على حسن رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية ل»إيلاف» أن 95% من أعضاء الحزب المنحل ساهموا في إفساد الحياة السياسية بطرق مباشرة من خلال الإشراف على تزوير الانتخابات أو إصدارات قرارات بالاغتيال السياسي ضد المعارضين والناشطين الحقوقيين أو الإعلاميين المناهضين للنظام السابق، أو من خلال التزوير بطريقة مباشرة أو حشد البلطجية، وهؤلاء يجب منعهم من العمل السياسي، حتى لا يلوثوا الأجواء النقية بعد الثورة. وشدد على أهمية ألا يكون ذلك من خلال قرارات إدارية بل بحكم قضائي نهائي.
فيما يدعو الدكتور محمود شاكر أستاذ القانون الدستوري إلى ضرورة عدم التسامح مع أعضاء ورموز الحزب الوطني المنحل ممن أثبتت التحقيقات تورطهم في جرائم تتعلق بالفساد أو تزوير الانتخابات أو التحريض على العنف ضد المتظاهرين أثناء الثورة، وأضاف ل»إيلاف» إنه يجب أن يعاقب هؤلاء بعقاب سياسي من خلال حرمانهم من ممارسة العمل السياسي مرة أخرى، لأنهم سوف يمارسون بنفس العقلية القديمة مما يهدد مكتسبات الثورة، ويضع الأشواك في طريق إرساء دعائم الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير.
تاريخيا، أنشأ الرئيس الراحل أنور السادات الحزب في عام 1978 على أنقاض الاتحاد الاشتراكي العربي، وتولى رئاسته حتى اغتياله في 1981، ثم ترأسه الرئيس السابق حسني مبارك، حتى إسقاط ثورة 25 يناير نظام حكمه في 11 فبراير 2011. ثم حاول محمد رجب الأمين العام للحزب ترميمه سياسياً، داعياً ألد أعداء الحزب لرئاسته وهو طلعت السادات نجل شقيق الرئيس السادت، وقد كان، لكنه لم يستمر في رئاسته أكثر من ثلاثة أيام، حيث تولى قيادته في 13 أبريل، و في 16 من الشهر نفسه صدر حكم قضائي بحل الحزب، ونقل ملكية أصوله الثابتة وأرصدته البنكية للدولة.
ويضم الحزب المنحل قضائياً ما يتراوح بين 1.5 و 3.5 مليون شخص، منهم حوالي 45 ألف عضو في المجالس المحلية التي لم يتم حلها بعد، وهو مجالس منتخبة لإدارة كل قرية ومدينة ومركز ومحافظة. وكان يسيطر على الغالبية الساحقة لمقاعد مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية والنقابات العمالية والمهنية، وفي حاله عدم قدرته على تحقيق تلك الأغلبية في بعض النقابات، تدخل إصدار قرارات إدارية وأحكام قضائية بتجميد الانتخابات فيها، كما هو الحال في نقابتي المهندسين والأطباء.
ووفقاً لتقارير دولية وحقوقية، فإن الحزب المنحل، كان يستخدم التزوير وأعمال البلطجة والعنف في الفوز بالأغلبية في المجالس النيابية.