جمعية الأمل المغربية للمعاقين..متنفس كبير لذوي الاحتياجات الخاصة

بناية متواضعة تتوسط حي عادل بتراب عمالة الحي المحمدي. احتضنت منذ سنة 1992 أشخاصا من ذوي الاحتياجات الخاصة بعد أن اختمرت في ذهنهم فكرة تأسيس جمعية تعنى بتحسين وضعية المعاقين. كثير من الجهد، وصلابة في العزم رغم قلة ذات اليد أفضيا إلى فتح بوابة أمل لكل من فقد القدرة على الحركة السليمة، سواء كانت إعاقته خلقية أو نتيجة حادث غير متوقع.  الأمل في غد أفضل كان دافعهم. فأسسوا «جمعية الأمل المغربية للمعاقين».

اتسعت دائرة الأمل مع دوران عجلة الجمعية التي لاقت استحسان كل الأسر التي وجدت فيها قلبا رحيما بأبنائهم المعاقين، وزاد حجم مسؤولية يوسف الرخيص الرئيس المؤسس الذي وظف كل وقته وطاقته لاستيعاب أعداد متنامية للراغبين في الاستفادة من خدمات الجمعية التي أضحت تقوم  بعدة أنشطة تتوخى منها التحسيس بمشاكل الأشخاص المعاقين، وخلق تضامن بين مكونات المجتمع لفائدتهم.

في انتظار الثالث…مركزان  لاستيعاب طلبات لا تنتهي

طلبات متنامية تنهال على إدارة الجمعية التي باتت اليوم تضم حوالي 5000 معاقا منخرطا، و تدبير يومي  شاق لمركزين  بتراب عمالة عين السبع الحي المحمدي. وهما مركز الأمل  الطبي والتربوي لإدماج وتأهيل المعاقين بحي عادل والذي  تم بناءه سنة 1998 ويضم أزيد من ثمانين طفلا مصابا بإعاقات ذهنية يسهر على تربيتهم فريق متعدد الاختصاصات.
أما المركز الثاني فهو مركز الكدية للترويض الذي تم إنشاؤه سنة 2002 والذي يقدم حصصا للترويض لفائدة 800 شخص مصابا بإعاقات حركية، ويستقبل حوالي 40 طفلا وعائلاتهم من أجل التوجيه والإرشاد، دون الحديث عن 80 طفلا معاقا يتابعون دراستهم بالمركز نفسه تحت إشراف طاقم تربوي متخصص.
وبما أن باب الأمل يظل دائما مفتوحا بفضل الجهود الذي يبذلها الرئيس المؤسس وطاقمه، فجمعية الأمل المغربية للمعاقين تنتظر ميلاد مركزها الثالث بعمالة عين السبع الحي المحمدي خاص بالإعاقات الذهنية والذي قد يرى النور خلال شهر رمضان القادم.
يقام المركز على مساحة 1900 متر ويتكون من طابق سفلي وطابقين: يضم الطابق السفلي إدارة المركز وقاعة للترويض الطبي بالإ6ضافة إلى قاعة الترويض على النطق وقاعة للفحص الطبي متعدد الاختصاصات وقاعة للتكوين المهني بالإضافة إلى مراكز صحية.
أما الطابق الأول فيتكون من ثلاثة أقسام تختص في الإعاقة الذهنية “ثلاثي الصبغي Trisomie 21  ومكتب المديرية البيداغوجية بالإضافة إلى مطعم مع قاعة للأكل ومكتب للكتابة العامة ومرافق صحية.
ويختص الطابق الثاني بالأطفال المصابين بالتوحد Les Autisme و ثلاثة أقسام لتمدرس الأطفال المصابين بهذا المرض بالإضافة الى قاعة الأكل والمرافق الصحية.
ويقوم المركز بتنظيم ورشات تربوية “فنون، أعمال يدوية وأنشطة في فنون الطبخ والخياطة مع فتح المجال للمبدعين في مختلف المجالات المهنية المتنوعة من أجل تكوين مستمر ودائم للفئات المعاقة من مختلف الأعمار دون المستويات الثقافية، مما سيخلق بينهم نوعا من التنافس الشريف ومواجهة كل التحديات والصعوبات والإعاقات. كما يعمل المركز على خلق خلايا للإنصات الاجتماعي حيث يكون بمقدور كل معاق البوح بكل ما يحسه داخل نفسه وما يطمح لتحقيقه وذلك عبر جلسات خاصة مع أساتذة واختصاصيين في الاجتماع والتوجيه والارشاد.
وسيكون هذا المركز من بين أهم المراكز التي ستسعى لتحسين نطق المعاقين الذين يعانون من إعاقة الكلام وذلك أيضا في دروس خاصة مع المختصين في هذا الميدان.

خدمات متواصلة ودعم محدود

تحرص الجمعية على تنظيم حملات وأيام تضامنية لدعم المعاق ماديا ومعنويا، وتقديم الإرشادات القانونية والاجتماعية والتوجيه اللازم للأشخاص المعاقين ولأسرهم، إلى جانب خلق ورشات حرفية للمعاقين والبحث عن فرص الإدماج السوسيو مهني لفائدة هاته الفئة التي مازالت تعاني من الإقصاء والتهميش. وهي نشاطات تدخل في إطار برامج سنوية  معد سلفا.
فبخصوص سنة 2016 ، مثلا، تمت بعد الاحتفال باليوم العالمي للمعاق  وما تخلله من أسبوع للتضامن مع المعاق، عملية الإعذار لفائدة 100 طفل ، وذلك يوم الأحد 8 ماي 2016 . وطيلة شهر رمضان القادم ستنظم الجمعية الدورة الثامنة لـ”قفة الرحمان” يتم خلالها توزيع مواد غذائية لإفطار المعاقين.
بخصوص هذا الشهر، فحاجيات الجمعية تتمثل في 5000 قفة  يستفيد منها حوالي 500 معاق. وتتم عملية التوزيع  بحضور المحسنين والمساهمين وأعضاء المكتب. وهي عملية تتكرر كل يوم خميس طيلة الشهر الفضيل ليصل عدد المستفيدين في الأخير إلى 2500 معاق بغلاف مالي يتجاوز 30 مليون سنتيم.
وتفرض أنشطة الجمعية، سواء المتعلقة بتوزيع المواد الغذائية، أو توزيع كراسي متحركة على المعاقين، في سياق برنامج سنوي لإدماج المعاقين، خاصة الفقراء منهم، التوفر الإلزامي على آليات ومواد وميزانية كافية. فالحاجيات من الكراسي المتحركة تصل إلى 250 كرسي، ومن عكاكيز الإبط تبلغ 200 عكاز، والحاجيات من عكاكيز اليد تصل إلى 200 عكاز ، فيما يوجد 120 طفلا في حاجة ماسة إلى أدوية شهريا.

بين سندان القانون ومطرقة الخصاص

وفي تصريح يوسف رخيص، رئيس الجمعية، لبيان اليوم، فإن الجمعية تسعى من خلال هذه المبادرات إلى تحقيق بعض أهدافها، خصوصا أنها جمعية ذات طابع اجتماعي وحقوقي، وتضم المئات من المعاقين منخرطين في صفوفها، إضافة إلى اهتمامها بالرعاية والإدماج والدعم المتنوع لكل الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة باختلاف سنهم ونوعية إعاقتهم إلى جانب تنمية قدراتهم ومساندة ودعم آباء وأولياء أمورهم، والقيام بعملية التوعية والتحسيس بمشاكل المعاقين وسبل الوقاية من الإعاقة والنهوض بأوضاع المعاقين والدفاع عن حقوقهم.
وأضاف يوسف الرخيص أن الجمعية تزاول أنشطة أخرى، مثل تنظيم ندوات وأيام دراسية وموائد مستديرة ومناظرات وطنية للتعريف بالإعاقة ووضعية المعاق، و حملات وأيام تضامنية لدعم العاق ماليا ومعنويا، والبحث عن فرص الشغل والإدماج السوسيو-مهني، بالإضافة إلى خلق مرافق وبنيات تحتية تستوعب الأنشطة المدمجة “مراكز الإدماج والترويض” ثم خلق ورشات حرفية.
ورغم الدعم التي تقدمه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في شكل مشاريع موجهة إلى هذه فئة المعاقين الهشة التي تحتاج إلى عناية واهتمام مستمرين، تواظب جمعية الأمل المغربية للمعاقين على الاشتغال وفق أجندة منتظمة تنطلق من الالتزام المجتمعي مع فئات المعاقين ذهنيا وحركيا، كما تواظب على تخليد الأيام الوطنية والعالمية والمناسبات ذات الصلة عبر برمجة أنشطة حية موجهة إليهم، سواء في المجال الرياضي أو التربوي، أو الفني، أو الصحي، أو على مستوى تقنيات الاندماج في المجتمع وداخل الأسر.
تضحيات جسام يتطلبها الاشتغال في مجال الإعاقة الصعب، يقول يوسف الرخيص، مشددا على أن رعاية هذه الفئة يتطلب  تضحيات كبيرة من طرف  فرق العمل بالجمعية التي  تعمل على تجاوز جزء من هذه المعيقات التي ظهرت منذ تأسيسها سنة 1992، قبل أن تتبدد نسبيا بإقرار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005 التي ساهمت بقسط وافر في حمل أعباء تمويل المشاريع والبرامج الموجهة للمعاقين.
وأكد الرخيص أن الجمعية التي تبحث دائما عن الاكتفاء الذاتي المالي، تعتبر أن كل ما أنجز غير كاف نظرا إلى حجم الانتظارات والعدد الكبير من المعاقين الذين لا يمكن استيعابهم بسبب قلة الإمكانيات المالية، مشيرا إلى أن تحقيق الاكتفاء المالي من شأنه مواصلة العمل مع المعاقين بجدوى أكبر، وذلك من خلال الاستفادة من مشاريع تجارية تعود عائداتها للجمعيات وإقرار تبرعات ثابتة، إضافة إلى دعم الدولة والقطاع الخاص الذي يمكن تحفيزه من خلال إعفاء مساعداته للمعاقين من الضريبة.
كما شدد المتحدث على أن المغرب بحاجة إلى قانون لحماية الشخص المعاق لا إلى قانون لرعايته، مؤكدا أن مساعدات الدولة يجب أن تصل مباشرة إلى الشخص المعاق الذي يجد صعوبات في التمدرس بسبب مشكلة ” الولوجيات”، وفي التطبيب والترويض  وفي الاستفادة من نظام الرميد الذي كان من المفروض أن يستهدف هذه الفئة الهشة مباشرة، وفي التشغيل.
بهذا الخصوص،  يقول يوسف الرخيص لبيان اليوم، إن “دستور 2011 أعطى أهمية كبرى لهاته الفئة وأصبحت لها حقوق وواجبات، ولن يهدأ لجمعيتنا بال حتى يتحقق أملها المنشود المدرج ببرنامجها النبيل الأساسي والهادف إلى سوق الشغل، علما أن المشرع ألزم الدولة بتكريس 7 بالمائة من مناصبها السنوية للأشخاص في حالة إعاقة..  هذا الحق الذي لا يتم إجراؤه بمبررات غير معقولة كخوصصة المرافق العمومية  مما يحرمها من حق مضمون قانونيا في قانون الوظيفة العمومية، وان كانت الحكومة الحالية تفكر في تقديم منح أو مساعدات لهاته الفئة فالأمر في نظرنا غير كاف لان هذه الفئة في حاجة إلى الإحساس بالاستقلالية والقدرة على الإنتاج والعمل، لا أن تتحول إلى طالبي معونات اجتماعية ما تنفك تكرس اقتصاد الريع الاجتماعي الذي يعوق التنمية الشاملة التي أمر بها ملك البلاد”.
وهو موقف تجمع عليه كل مكونات الجمعية التي ترفع شعار “نسعى لإسعاد الأشخاص في حالة إعاقة ولا نمن”.
والواقع أن جمعية الأمل المغربية للمعاقين تسير على النهج الصحيح الذي يظل في منأى عن كل علاقة ربحية انسجاما مع الأدوار المنوطة بمكونات المجتمع المدني الذي هي جزء منه، وقد لمسنا أن الجميع يعبر عن وفائه لاسم  هذه المعية والعمل على بلورته ميدانيا ضمن إستراتيجية كاملة تتبنى شعار الأمل كما ترحب بكل من أراد أن يسير رفقتها بهذه الجمعية قدما حتى يتحقق أملنا المنشود كي يصبح الشخص في وضعية إعاقة فعالا وغير معزول عن باقي أفراد المجتمع ويكون له حق مساو في كل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

مصطفى السالكي – تصوير: عقيل مكاو

Related posts

Top