تم بمدينة العيون، تنظيم ملتقى عيون الأدب العربي، في نسخته السابعة، وقد أُطلق اسم الشيخ سيدي أحمد الرقيبي على الدورة الحالية باعتباره أحد شيوخ قبيلة الرقيبات في الجنوب المغربي، وذلك جريا على عادة هذا الملتقى في تكريم قبائل المناطق المغربية الجنوبية واستحضار تاريخها ومنجزاتها في الفكر والأدب والثقافة وأيضا جهودها في خدمة الهوية المغربية والتشبث بالوحدة الوطنية وترسيخ قيم المواطنة والتسامح والتعايش والانفتاح، وقد اختارت اللجنة المنظمة، موضوع: “الزوايا: بحث في النشأة والتطور، قراءة في الإنتاج العلمي والأدبي” أرضية للنسخة السابعة من ملتقى عيون الأدب العربي، تتمحور حوله مداخلات المشاركين وأعمال الجلسات العلمية، والقراءات الشعرية، وقد أقيمت فعاليات هذا الملتقى الدولي بالقاعة الكبرى لقصر المؤتمرات بمدينة العيون- الساقية الحمراء- خلال الفترة الممتدة من 26 إلى 28 ماي 2016، وذلك ببرنامج حافل بالجلسات العلمية والقراءات الشعرية والأنشطة الموازية والزيارات الميدانية.
دأبت “جمعية النجاح للتنمية الاجتماعية” بمدينة العيون –الساقية الحمراء- تنظيم هذا الملتقى الأدبي والثقافي في شهر ماي من كل عام، موظفةً في ذلك كل إمكاناتها الذاتية وجهودها الفردية وتضحيات أعضاء مكتبها التنفيذي ومساعدة بعض الجهات الداعمة، حيث يبقى هذا الحدث الثقافي عملاً طموحا وسلوكا ثقافيا مُواطنا بالنظر لحجم الإمكانات التي يتطلّبها في التنظيم والتسيير والإعداد والإشراف والتتبع، والذي لا يتحمّل أعباءه إلا مَنْ كان له صبر أيوب، ومع ذلك فقد استطاعت جمعية النجاح للتنمية الاجتماعية أن تحقق ما لم تحققه الكثير من المؤسسات الثقافية والجمعوية، عندما حملت أعباء تنظيم ملتقىً دوليا تحضره وتشارك فيه نخب ثقافية عربية وإفريقية وإعلامية، جاءت إلى العيون من عدة بلدان، يتداولون لأزيد من أربعة أيام مواضيع ثقافية وفكرية وحوارات علمية وموضوعات لها صلة بالثقافة الوطنية والتراث المغربي، مما يعطي لأقاليمنا المغربية الجنوبية إشعاعا ثقافيا قويا، وحضورا دوليا مشرّفا في الجانب الثقافي والفكري والأدبي، ويجعل من منطقة العيون الساقية الحمراء مركزا للعلم والأدب تحج إليه الوفود المشاركة في الملتقى من كل أرجاء العالم العربي والإفريقي.
شارك في النسخة السابعة من ملتقى عيون الأدب العربي نخبة من العلماء والباحثين والأدباء والشعراء من عدة دول عربية وإفريقيا، ويمثلون الدول الآتية: الجزائر وموريتانيا وتونس والسودان وسوريا والعراق والسعودية وفلسطين.. ومن المغرب حضر المشاركون المغاربة من كل جهات المملكة، لتتحول مدينة العيون الساقية الحمراء لمركز جذب علمي وأدبي رفيع المستوى تلتقي فيه الثقافات والحضارات وتجتمع فيه الدول المشاركة لتقديم المداخلات العلمية والقراءات الشعرية وعرض المؤلفات وحصيلة الأبحاث والدراسات، ولقد كانت فرصة التواجد في مدينة العيون الساقية الحمراء مناسبة للوقوف على ما يطبع الأقاليم الجنوبية المغربية من نهضة عمرانية وتهيئة مجالية راقية، حيث عبّر المشاركون عن إعجابهم بهذه المدينة الجميلة، وخاصة ساحاتها الأنيقة ونافورات مياهها العذبة ونظافة شوارعها الواسعة وطيبوبة سكانها وحسن ضيافتهم ومحبتهم لكل مَنْ تطأُ أقدامهم مدينة العيون، حيث يضعونه في عيونهم إمعانا في الكرم ومحبة الآخر، ولم يكن هذا الخُلق غريبا عن أهل الصحراء المغربية، بل هو طبع أصيلٌ فيهم.
هكذا، شُرع في استقبال الضيوف المشاركين في ملتقى عيون الأدب العربي منذ أيام قبل الموعد، واستمر الاستقبال إلى يوم 25 ماي، حيث اجتمعت الوفود المشاركة في محل إقامتها بالعيون الساقية الحمراء في فندق نكجير المدينة الفخم إكراما لضيوف العيون، وانطلقت الفعاليات صباح يوم الخميس 26 ماي بالالتحاق بقصر المؤتمرات، حيث الافتتاح الكبير الذي حضره والي جهة العيون الساقية الحمراء وضيوف الملتقى والمشاركين والفاعلين الجمعويين والنخب الثقافية المحلية والصحفيين والإعلاميين، إلى جانب عامة الحضور من سكان مدينة العيون الساقية الحمراء المهتمين بالثقافة والإبداع، والذي تم افتتاحه بآيات بينات من الذكر الحكيم تلاها على مسامع الحضور أحد شباب مدينة العيون الفائز بإحدى المسابقات الوطنية في حفظ وتجويد القرآن الكريم، ثم تلتها كلمات اللجان التنظيمية وخلية الإعلام والتواصل، وبعد ذلك، وعلى أنغام الموسيقى الحسانية بكلمات ترحيبية صادقة تتسلل إلى القلوب بعذوبة ويسر، قام الوالي رفقة الوفد الرسمي المرافق له بزيارة معرض الكتب والإصدارات التي قامت بطباعتها الجهة المنظمة للملتقى “جمعية النجاح للتنمية الاجتماعية”، كما تمت زيارة معرض خاص باللوحات التشكيلة والصور المعبر عن ثقافة الصحراء المغربية، وجمال التشكيل والإبداع في هذه المنطقة الحضارية الكبيرة، وقد تمت تغطية فقرات الافتتاح الإذاعة الجهوية للعيون الساقية الحمراء والمنابر الالكترونية والورقية المحلية إلى جانب التغطية العربية والدولية نظرا لمشاركة جملة من الصحفيين والإعلامين في هذا الملتقى الأدبي والثقافي والإبداعي.
وتميزت الجلسة الافتتاحية للنسخة السابعة من ملتقى عيون الأدب العربي بقديم كلمة لخونا ماء العينين رئيس جمعية النجاح للتنمية الاجتماعية، وكلمة لخلية الإعلام والتواصل ألقاها الأديب والشاعر المصطفى المعطاوي، وكلمة باسم المشاركين ألقاها الدكتور عبد الوهاب الفيلالي، ثم مشاهدة شريط فيديو من ست دقائق يوثّق لفعاليات الدورة السابقة من الملتقى، ومما اختصّت به هذه الدورة هو تكريم والي جهة العيون الساقية الحمراء، حيث قدم له الرئيس المؤسس المركز الأكاديمي للثقافة والدراسات المغاربية والشرق أوسطية والخليجية الدكتور عبد الله بنصر العلوي درعا تكريميا وشهادة تقديرية لجهوده في دعم الثقافة والفكر في منطقة العيون الساقية الحمراء، معبرا له عن اعتزازه بمنجزاته وحصيلة أعماله المشرّفة للمملكة المغربية، كما قدّم له جملة من إصدارات المركز ومنشوراته.
وإلى جانب تكريم والي العيون الساقية الحمراء، كرّم المركز الأكاديمي للثقافة والدراسات المغاربية والشرق أوسطية والخليجية المشارك في أشغال الملتقى هذا العام، كرّمَ بعض أعضاء اللجنة المنظمة للملتقى؛ وعلى رأسهم خونا ماء العينين رئيس جمعية النجاح للتنمية الاجتماعية، ثم الأديب الشاعر الأستاذ المصطفى المعطاوي رئيس خلية الإعلام والتواصل، بمنحهم شهادة تقديرية وجملة من منشورات المركز، اعترافا بما قاموا به من جهود في إثراء ثقافة العمل الاجتماعي والثقافي، وقد وقع شهادة التكريم الدكتور عبد الله بنصر العلوي والدكتور عبد الوهاب الفيلالي والدكتور خالد سقاط، أساتذة في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بِفاس.
وانطلقت في الفترة المسائية جلسات الفكر والأدب والثقافة بتقديم مداخلات العلماء والباحثين المشاركين في ملتقى عيون الأدب العربي، واختتمت الجلسات بقراءات شعرية ألقاها الشعراء بأداء جميل استمتع به الحضور، وتفاعلوا مع الكلمات، ومما ينبغي التنويه به هو حرص الجهة المنظمة على إكرام ضيوفها والعناية بهم من خلال كل المساعدات التي كانوا يقدمونها إليهم، مما ترك انطباعا حسنا عند كل الضيوف الذين جاؤوا من المغرب ومن خارجه، وكثير منهم تطأ أقدامهم العيون الساقية الحمراء أول مرة.
وهكذا، توالت الجلسات حسب ما هو مسطّر في البرنامج العام الذي توصل به المشاركون مع حقيبة الملتقى، بمجرد وصولهم لمقر إقامتهم بالعيون، علما أن جمعية النجاح للتنمية الاجتماعية كانت تتواصل باستمرار مع كل المشاركين من خلال موقعها الالكتروني الرسمي ومن خلال صفحتها في مواقع التواصل الاجتماعي، وهكذا حقق الملتقى نجاحا باهرا، بفضل الله، الذي وفّق اللجنة المنظمة لأداء مهمتها على أحسن ما يرام وأفضل ما يمكن أن يُنجَز، لتؤسس هذه الجمعية أعراف الثقافة المواطنة في المغرب، ولتنخرط في أعمال جليلة تنهض بالتنمية الثقافية والروحية للإنسان العربي وتبحث عن المشترك من أجل خلق فرص للتعايش والسلام والوئام والوحدة والتعاون.
شكّل مضمون المداخلات فرصة لمناقشة عدة قضايا فكرية وثقافية وفلسفية ترتبط بهوية الزوايا المغربية من النشأة إلى التطور والإنتاج العلمي، وتواصلات التراث المغربي في العالم من خلال تأثير الثقافة المغربي في بلدان عديدة، فمن المعروف أن التصوف الإسلامي بخصوصياته المغربية قد انتشر في إفريقيا جنوبي الصحراء وامتد في آفاق الشمال في أوروبا وأمريكا، الشيء الذي يؤكد قوة الخطاب الصوفي المغربي، نظرا لتميّزه ببعض السمات ومنها الوسطية والاعتدال ونشر الأمن والتضامن وغيرها من القيم الدينية والإنسانية التي تشكل صمام أمان لاستقرار الأوطان ونهضة البلدان، وستعمل اللجنة المنظمة على طبع أعمال الملتقى ضمن كتاب جماعي، جريا على عادتها في إصدار منشورات علمية وأدبية تؤرخ لأنشطتها وتجمع حصيلة المنجزات، وخاصة أعمال الملتقى الذي قُدّمت فيه مداخلات قيمة ومفيدة، يمكن أن تكون مرجعا للباحثين والدارسين، خاصة وأن الأوراق العلمية المشاركة أنجزها مختصون ودكاترة وأدباء لهم خبرة وتجربة في البحث العلمي.
أما في اختتام فعاليات الملتقى وانسجاما مع ما كان مسطّرا في البرنامج العام، فقد تمَّ تكريم عَلمين مِن أعلام الثقافة والفِكر والتَّصَوُّف في أرض المملكة المغربية، هما الشيخ ماء العينين الشيخ لاراباس رئيس المجلس العلمي بمدينة العيون الساقية الحمراء، والشيخ العلامة الدكتور أحمد العبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء. وتمت تلاوة البيان الختامي للملتقى والذي كان بمثابة تقرير عام لأشغال الملتقى في نسخته السابعة مستعرضا بعض إنجازات جمعية النجاح للتنمية الاجتماعية، ومنها طباعة أربعة كتب دفعة واحدة، ما بين دراسات علمية وإبداعات، إضافة إلى كتابين قيد الطبع، وللمرة الأولى تعلن فيها الجمعية عن جائزة دولية خاصة بثقافة الصحراء، كما استحضر البيان جملة بعض ما تفرّدت به هذه الدورة من الملتقى ومنها الانفتاح على إفريقيا السمراء المسلمة، وأيضا استحضار جهود الصحفيين والإعلاميين العرب وخاصة وفد تونس الشقيقة في التغطية الإعلامية اليومية لأشغال الملتقى، إلى جانب التغطية الوطنية والمحلية، ولم تنس اللجنة المنظمة توجيه آيات الشكر والامتنان لكل المشاركين الذين تجشموا عناء السفر الطويل لهذه الرقعة المغربية الجميلة، وأيضا شكر الجهات الداعمة والمساندة والمشجعة، وكذلك التعبير عن الامتنان والشكر لشباب قبيلة الرقيبات وأبناء وأحفاد الشيخ العلامة أحمد الرقيبي الذين قدّموا درعا تكريميا لجمعية النجاح للتنمية الاجتماعية، واختتمت فعاليات ملتقى عيون الأدب العربي بإخبار المشاركين بموضوع الدورة القادمة من الملتقى والتي ستتمحور حول أدب الرحلة، وتحتفي بشخصية حمو سعيد، أحد رجالات منطقة الصحراء المغربية.
خالد التوزاني