«خاتمة» فيلم إسرائيلي يصوّر نهاية لدولة الحلم الصهيوني

معروفٌ أن نظرة الأجيال في إسرائيل إلى دولتهم تغيّرت منذ قيام الدولة على أنقاض بيوت الفلسطينيين إلى يومنا هذا، ما يمكن قراءته في الصحف والكتب ومشاهدته في الأفلام يشير إلى أن الجيل الحالي في الدولة العبرية (الطامحة لتكون يهودية بشكل رسمي) أميل للعلمانية منه للتديّن، وأن الشباب هناك لم يعد يأخذون مسائل كـ«شعب الله المختار» و«أرض الميعاد» مأخذ الجد، هم أميل للبراغماتية سياسياً والمادية اجتماعياً، بما يتماشى مع صهيونيتهم بطبيعة الحال.
وليس المقصود هنا التطرف الأرثوذكسي اليهودي، الحاريديم، بل فكرة «اليهودية» كجامع ديني أسطوري ومصيري للممٍ من شعوب أخرى تمّ تجميعها لأسباب ظاهرها ديني في فلسطين، فكرة الجماعة الدينية لم تعد تروق لكثير من أبناء أكثر من جيل إسرائيلي.
لكن هنالك بعداً آخر يوثّق هذه الفجوة بين الأجيال الأولى المؤسسة للصهيونية، منذ الهجرات أوائل القرن الماضي حتى سبعينياته، وبين الجيل الحالي، الشباب.  يخصّ هذا البعدُ الصهيونيةَ كإيديولوجية «علمانية» بمعزل عن التغليف الديني لها، فالحركات الصهيونية بدأت الترويج لإسرائيل كدولة اشتراكية تقوم على تعاونيّات عمّالية وزراعية (الكيبوتس)، وهي أساس الحركات الاستيطانية التي بدأت قبل قيام إسرائيل بعشرات السنين ولم تنته إلى يومنا هذا. هو جيل اشتراكي آمن بإسرائيل كـ»الدولة- الحلم» للعمال اليهود، ومن هنا فقد أسّس وقاد إسرائيل في مراحلها الأولى حزب العمل، الاشتراكي الصهيوني اليهودي غير المتديّن.
المخرج الإسرائيلي أمير مانور ينقل في فيلمه الروائي الأول خاتمة خيبةَ الجيل الصهيوني المؤسس لدولة الاحتلال كنموذج اشتراكي يجمع يهود العالم في دولة رفاه اجتماعي. ليس في الفيلم أي إشارة لحلم تلمودي أو وعد ربّاني، بل لحلم الصهاينة «العلمانيين» الكلاسيكي في بناء دولتهم، هذا الحلم الذي عبّر عنه العديد من منظّري الصهيونية، من بينهم آرون دافيد غوردون، أحد أبرز منظّري الايديولوجية الصهيونية.
في الفيلم الذي يصوّر يوماً من حياة زوجين عجوزين ممّن هاجروا من الصهاينة الأوائل إلى فلسطين ما قبل عام النكبة 1948، نراهما (هايوتا وبريل) وحيدين في بيتهما، ابنهما الوحيد ترك «دولتهما» ولحق مستقبَله وعملَه في نيويورك، لا تزورهما غير موظّفة التأمين الصحّي، منعزلين لا عن الناس فحسب (لا نرى في الفيلم حياة اجتماعية ولا معارف أو أصدقاء)، بل عن الفكرة الصهيونية التي أتوا إلى البلد من أجل تجسيدها. الزوج (بريل) يذهب إلى مكتبة تبيع وتشتري الكتب المستعملة ليعرض عليها كتباً صهيونية كلاسيكية، من بينها كتاب للمنظّر غوردون وعليه توقيعه، يرفض العامل الشاب في المكتبة شراءها بأكثر من مئتي شيكل معلّقاً أن أحداً لم يعد يقرأ كتابات «مفكّرين يهود اشتراكيين»، يضيف: «لقد تطوّرنا، لا نحتاج للإيديولوجيا لتوحيد الشعب»، يرفض العجوز بيع كتبه التنظيرية لحلمه الصهيوني بهذا المبلغ التافه ويعيد كتبه إلى حقيبته، ليخرجها ثانية ويبيعها، مدفوعاً بعوزه، مقابل المبلغ المذكور.
كان العجوز في أربعينيات القرن الماضي قائداً عمّالياً، نراه حتى اليوم يحاول إنشاء جمعيات تعاونية إحياء للفكرة الصهيونية الكلاسيكية، من دون أن يلقى تجاوباً من أحد، ليقضي وقته في محاولة تصليح تلفاز في شقته الصغيرة في تل أبيب، فيتسبّب بانقطاع الكهرباء عن البيت بأكمله.

Top