أخطر من “كوفيد-19”

شكل التأخير الذي راكمه ملف مباراة فريقي الدفاع الحسني الجديدي والرجاء البيضاوي، نقطة ضعف كبيرة، زجت بمناطق صراع فارغ، وساحة تدافع مفخخة، تزيد من احتقان وضعية هي أصلا متشنجة، إلى درجة أن الكل أصبح يلعب دور البطولة، دون أدنى تردد في استغلال الموقف بهدف تحقيق مكاسب آنية، والبحث عن شعبوية زائفة.
كان هذا الملف سيكون عاديا في تفاصيله، لو تم التعاطي معه منذ البداية بكثير من الموضوعية، بالاستجابة لطلب التأجيل. وبعد أن غاب فريق الرجاء، وحدث ما حدث، كان لابد من المصادقة على النتيجة، في موعدها وساعتها وآجالها القانونية، وبعد ذلك لكل جهة ترى نفسها متضررة اللجوء إلى الأجهزة المختصة.
إلا أن تعمد برمجة المباراة، وبعد ذلك اجترار الملف، بطريقة غير طبيعية، واتباع سيناريو سينمائي في التعامل معه، كانت له تداعيات غير مرغوب فيها، إلى درجة أن الموسم الكروي، ككل أصبح رهينة لهذه النازلة.
على هذا الأساس، كان طبيعيا أن تثير ما يسمى بالوثيقة المسربة كل هذا اللغط، حتى لا أقول ردود فعل، لأن التفاعلات عندما تصل إلى حدود يغيب عنها أسلوب اللباقة والاحترام ونقاش الأفكار، تسمى شيئا آخر لا يستحق، أي صفة من هذه الصفات المتعارف عليها في التعاطي الحضاري بين الأشخاص الأسوياء والذين يصفون بالاتزان.
هناك من يسعى للعب دور البطولة، وهناك من يحاول تبرئة الذمة، ومن يصفي حسابات، ومن يضرب تحت الحزام، ومن يبحث عن الاستفادة من الاهتمام الجماهيري غير العادي، ومن يخرج بداخله من معاناة نفسية دفينة، وغيرها من حالات التي تجعلنا أمام شكل من أشكال التيه وسط صحراء لا حدود لها.
المؤكد أن تداعيات هذا الملف، لن تنتهي بإصدار قرار اللجنة التأديبية أو حتى اللجوء للاستئناف، وربما التقاضي أمام غرفة التحكيم الرياضي الدولية بلوزان، وهو الجهاز السويسري الذي تحولنا هذه الأيام، إلى أكبر زبائنه الأوفياء، بتعدد الملفات الشكاوى وحالات التظلم، ونشر الغسيل الوسخ للرياضة الوطنية.
فهذا الملف بالذات سيصبح سابقة، ومبررا يتم اللجوء له عند الحاجة، كما يمكن أن تبني عليه مستقبلا، الكثير من المواقف والسلوكات أو حالات الرفض وتعمد العرقلة، وهذا طبيعي جدا عندما لا تكون هناك صرامة في تطبيق القانون، بوضوح دون ادني تردد، لأن التساهل يصبح قاعدة، من الصعب القطع معها دون خسائر.
فريق زائر غاب عن الحضور يوم المباراة له مبرراته، وفريق مضيف تصرف وفق ما يقتضيه قانون المسابقة، وهو الآن يطالب بالإنصاف، بحكم أنه كان في الموعد، مستوفيا كل الشروط الضرورية، بشاهدة حكم قام بواجبه كمسؤول أول عن تطبيق القانون يوم المباراة، فما ينص عليه القانون بالحرف، يجب أن يطبق دون لف ولا دوران.
إلا أن الأمر تحول إلى حكاية سئم الصغار والكبار من تكرارها، تشبه إلى حد كبير الحكايات المملة التي ترويها كل ليلة العجائز للأطفال، دون أن تدرك الجدات أنها تكررها يوميا، ولم تعد تثر في الصغار أي شوق أو استعداد لسماعها كل يوم وكل ليلة، لا جديد يذكر، ولا اجتهاد في إدخال عناصر تشويق، تطرد عنها لعنة الرتابة والملل.
هكذا تحولت مباراة ملعب العبدي إلى حكاية تعكس وجها من أوجه الإخفاق في تكريس التجرد المطلوب، والابتعاد عن كل ما هو تأثير خارجي، وحماية المجال من الاختراقات. لا أحد فوق القانون، ولا يسمح نهائيا بالميز ولا المفاضلة، بين هذه الجهة أو تلك.
وإلى حين التفضل بالفصل في ملف ملعب العبدي، نستودعكم الله، ونترككم مع متابعة فيلم طويل، نعرف مسبقا أنه غير ممتع بالنسبة للأشخاص العقلاء.
تنبيه : لا يسمح بمشاهدته من طرف الجيل الناشئ، حتى لا يصاب مبكرا بعدوى تفوق “كوفيد 19” فتكا وشراسة.

محمد الروحلي

الوسوم , , ,

Related posts

Top