التطبيق الحرفي للقانون الجنائي في حالات الحبس الاحتياطي والجرائم البسيطة يساهم في تفكيك بعض الروابط الاجتماعية

أكدت دراسة أنجزتها جمعية “عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة” حول ” استثمار الدولة في الميزانيات الاجتماعية في علاقة بظاهرة الجنوح البسيط”، أن ” العقوبة لا تكون لها عواقب شخصية فقط على الجانح، بل لها تأثيرات جماعية، متسببة في آثار ملحوظة على العديد من الأقارب والمجموعات بل على الأمة بأكملها”.
وأبرزت الجمعية في هذه الدراسة التي تم تقديمها في ندوة صحافية يوم الجمعة الماضي، أن “التجارب والدراسات الوطنية والدولية تظهر بوضوح أن عقوبة الحرمان من الحرية لها عواقب متعددة، وأنه إذا كان الأساس النظري للعقوبة يكمن في الحفاظ على التماسك الاجتماعي واستقرار الروابط الاجتماعية، فإن بيانات الواقع تشهد على مفارقة كبيرة، تتمثل في أن التطبيق الحرفي للقانون الجنائي، لا سيما في حالات الحبس الاحتياطي والجرائم البسيطة، يساهم بشكل عكسي، في تفكيك بعض الروابط الاجتماعية المتينة”.
وبخصوص الجانب المالي، أشارت الدراسة إلى أن الميزانية العامة لوزارة العدل عرفت زيادة مهمة خلال العشرية الأخيرة، حيث انتقلت من 2,9 مليار درهم إلى 6,2 مليارات درهم، وهو ما يمثل 1,95 في المائة من الميزانية العامة للدولة.
وبالرغم من أن هذه النسبة تقارب المعدل العالمي، فإن معدي الدراسة اعتبروها غير كافية من أجل الاستجابة لحاجيات هذا القطاع، وتجاوز مختلف التحديات المتعلقة بتوفير الموارد البشرية واللوجستية، والتي تعيق تجويد حكامة منظومة العدل
وتوقفت الدراسة عند نسبة المعتقلين من إجمالي عدد السكان، حيث يمثلون 227 معتقلا لكل 100 ألف نسمة، وهو رقم يعتبر كبيرا مقارنة بدول أخرى، حيث لا يتجاوز العدد في كندا 114 معتقلا، وفي الجزائر 155 معتقلا، بينما المعدل العالمي في حدود 163 معتقلا لكل 100 ألف نسمة.
وأوضح عزيز شاكر، الخبير الاقتصادي الذي قدم الملخص التنفيذي للدراسة، أن المغرب لا يتوفر، مقارنة بعدد من الدول، على معدل جيد بالنسبة لعدد المعتقلين مقارنة بالعدد الإجمالي للسكان .
ونبهت الدراسة إلى أن “هناك عدة فرص مشجعة على التغلب على هذه القضية، نذكر من بينها، إصلاح منظومة قانون المالية من خلال القانون التنظيمي لقانون المالية الذي أصبح يلزم القطاعات الحكومية بإعداد مشروع الميزانية بمقاربة مبنية على النتائج وعلى النوع الاجتماعي، مع تحديد البرامج والأهداف والتدابير والنتائج المنتظرة ومؤشرات التحقق”.
وركزت الدراسة على “أهمية أدوار منظمات المجتمع المدني الحقوقية في التمسك بقضية الجنوح البسيط والتدابير البديلة، وتحريكها من الجمود في تناغم مع الفاعلين المؤسساتيين الرسميين (وزارة العدل، النيابة العامة والمندوبية العامة لإدارة للسجون والإدماج).
وشدّدت الدراسة على أن “الهدف الاستراتيجي هو القضاء أو الحد من العنف والجنوح البسيط من المنبع، هنا يستوجب أخذ بعين الاعتبار إخفاق سياسات التنمية الاجتماعية بصفة عامة، من بينها أساسا السياسة التربوية بالمعني الشامل، من تعليم وتأطير ثقافي وتنشيط رياضي”.
وسجلت الدراسة أن إخفاق سياسات التنمية الاجتماعية، يأتي بالرغم من بعض النتائج الإيجابية التي سجلت على الصعيد الكمي، كالرفع من مستويات الولوج إلى التمدرس، وبالرغم من تخصيص ميزانية هائلة لقطاع التعليم التي وصلت نسبتها هذه السنة إلى 29% من الميزانية العامة للدولة”.
كما سجلت الدراسة أيضا “ضعف الميزانية المخصصة للقطاعات الحساسة، ولو أن نسبها في الميزانية العامة للدولة قد تبدو غير بعيدة عما هو عليه الحال في بلدان أخرى. إلا أن اعتبار النسب المئوية لا يستقيم دون الرجوع إلى الأرقام المطلقة، في ارتباط مباشر بحجم الناتج الداخلي الخام من جهة، ومجموع ساكنة البلاد من جهة أخرى. هذا مع العلم أن موارد الميزانية العامة جد محدودة، بالنظر أساسا إلى ضعف المنظومة الضريبية وثقل المديونية العامة”.
واعتبرت الدراسة أن “التركيز على الزيادة في الميزانيات المعنية هو لا ريب أمر مستعجل على المدى القصير، إلا أنه لا يكفي وحده للتصدي لآثار الجنوح البسيط، بل إنه يجب توسيع المقاربة بمنهجية نسقية شاملة، من شأنها مسائلة القطاعات الاجتماعية الأخرى المعنية مباشرة بشؤون الطفولة والشباب والفئات الهشة، من تعليم وثقافة ورياضة ومحاربة الفقر والفوارق الاجتماعية”.
ولفتت إلى ضرورة “التحول الرقمي كناقل أساسي لتنفيذ مشاريع إصلاحية (قطاع التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة) مع السجل الاجتماعي الموحد، قطاع الصحة لترشيد التدبير وتوسيع الحماية الاجتماعية، قطاع التربية وعملية التتبع الفردي للتلاميذ عبر آلية مسار”.
ودعت إلى “اعتماد النموذج التنموي الجديد الذي يولي اهتماما خاصا للقطاعات الاجتماعية وعلى رأسها التعليم والصحة، على عكس ذلك، هناك مخاطر، من أبرزها تراجع معدلات النمو الاقتصادي وتفاقم الفقر، حسب تنبؤات البنك الدولي، وذلك بفعل تأثيرات جائحة كوفيد 19، متبوعة بآثار الحرب الحالية بين دولتي روسيا وأوكرانيا، ثم تراجع المحاصيل الزراعية بسبب الجفاف الذي تعيشه البلاد هذه السنة”.

Related posts

Top