اجتهادات محكمة النقض المغربية -الحلقة 17-

الموضوع: امتناع مسؤولين في الحكومة عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في حق وزاراتهم

دأبت محكمة النقض المغربية، باعتبارها أعلى محكمة قضائية، مع افتتاح كل سنة قضائية، عن الإعلان عن اجتهادات جديدة.
وفي هذا الإطار، أصدرت محكمة النقض في السنوات الأخيرة، مجموعة من القرارات، تخص مواضيع مرتبطة بضمانات المحاكمة العادلة والحق في الدفاع وحماية المال العام، وحماية الحق في الصحة والتعليم وضمان الأمن الأسري وحماية المصلحة الفضلى للطفل؛ ناهيك عن تكريس الأمن التعاقدي والتجاري والعقاري وإيجاد التوازن في علاقات الشغل وقضايا التأمين، وضبط مفاهيم هامة كحماية المستهلك وملك الدولة.
.وفي إطار التمييز بين الحق في ممارسة الحريات العامة وبين واجب الانضباط لشروط العمل، أيدت محكمة النقض قرار محكمة الموضوع التي اعتبرت مغادرة الأجيرة لعملها بعدما تم منعها من الدخول بسبب ارتدائها سترة للوجه داخل المؤسسة، ما يحول دون التحقق من هويتها ويخالف النظام الداخلي، مغادرة تلقائية وليس فيه أي تمييز أو خرق لحق دستوري.
وحماية للمال العام وضمانا للمساواة في مجال الصفقات العمومية، فقد اعتبرت محكمة النقض، أن آجال تنفيذ الصفقات، تشكل عنصرا أساسيا من العناصر المحددة لعروض المتنافسين في ولوج الطلبات العمومية أثناء إعداد تعهداتهم، وان عدم تنفيذها يمس بالأسس التي قامت عليها المنافسة.  وفي نفس السياق وضمانا لحقوق المقاولات التي تتعامل مع المؤسسات من خلال الصفقات العمومية، فقد أيدت محكمة النقض الاتجاه الذي أعطى للمقاولة الحق في تسلم مستحقاتها من الوكالة صاحبة المشروع والتي لا تنكر تسلمها الأشغال موضوع النزاع واستفادتها منها، مستندة في ذلك على نظرية الإثراء بلا سبب.
 وبنفس المقاربة الحمائية للمال العام، فقد اعتبرت محكمة النقض، أن رسوم المحافظة العقارية، رسوم شبه ضريبية لا إعفاء منها، إلا بنص القانون وأن إعفاء المكتب الوطني للسكك الحديدية من أداء الرسوم المتعلقة بالتقييدات، التي تجرى على الصك العقاري قياساعلى المادة 23 من قانون المالية لسنة 2005، يبقى غير مرتكز على أساس قانوني سليم. وتعميما للفائدة، سنعمل طيلة شهر رمضان الأبرك، على نشر يوميا أحد الإجتهادات القضائية لمحكمة النقض سواء في المادة الجنائية أو المدنية أو الإدارية بالإضافة لاجتهادات أخرى تخص بعض محاكم الاستئناف.

غرامة تهديدية ضد وزير التربية الوطنية في الرباط لامتناعه عن تنفيذ حكم

في سابقة تعد الأولى من نوعها، قضت المحكمة الادارية بالرباط، بغرامة تهديدية في شخص وزير التربية الوطنية في المغرب، قدرها 1000 درهم، عن كل يوم تأخير جراء امتناع وزارته عن تنفيذ حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به. ويأتي هذا التطور المغربي ليذكّر بإشكالية امتناع مسؤولين في الحكومة عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحق وزاراتهم.

وقائع القضية
تقدم المحامي عبد اللطيف وهبي بتاريخ 04/08/2016 بمقال استعجالي أمام رئيس المحكمة الادارية بالرباط نيابة عن موظف بوزارة التربية الوطنية، في مواجهة الوزير المشرف على القطاع المذكور. وقد عرض فيه أن موكله سبق له وأن تقدم بطلب أمام المحكمة الادارية بالرباط يطلب فيه إلغاء قرار السيد وزير التربية الوطنية التعويض عن التكوين لمرسوم رقم 02/05/1366، المتعلق بالتكوين المستمر لفائدة موظفي وأعوان الدولة، بدل مرسوم 02/57/1841 المتعلق بتحديد الأمور المنفذة للموظفين والأعوان والطلبة الذين يتابعون دورات تكوين أو دروس استكمال الخبرة. وقد استجابت المحكمة الادارية للطلب، بحيث ألغت القرار المذكور. كما تمّ تأييد هذا الحكم استئنافيا. لكن وزارة التربية الوطنية في شخص ممثلها القانوني وهو الوزير المشرف على القطاع امتنعت عن تنفيذ هذا الحكم رغم أنه أصبح حائزا لحجية الشيء المقضي به. فتقدم المحامي بطلب إصدار أمر بفرض غرامة تهديدية على الوزير المذكور لامتناعه عن تنفيذ حكم قضائي.
وبتاريخ 30/08/2016، أصدر رئيس المحكمة الادارية بالرباط قراره المبدئي الذي قضى بتطبيق الغرامة التهديدية بصفة شخصية على وزير التربية الوطنية لامتناعه عن تنفيذ الحكم الصادر ضد وزارته، وجاء في حيثيات هذا القرار:
“وحيث انه بالرجوع الى الملف يتضح أن المطلوب ضده، قد امتنع عبر مصالحه عن تنفيذ الحكم موضوع الطلب، بدون مبرر مقبول اذ ماطلت هذه المصالح في تنفيذ الحكم مند توصلها بأول اعذارلتنفيذه بتاريخ 12-04-2013 أي مند أكثر من ثلاث سنوات خلت، الى أن حرر المفوض القضائي في مواجهتها محضر امتناع عن التنفيذ بتاريخ 27-01-2015 بعد عدم استجابتها لتذكير في هذا الشأن بتاريخ 05 -12-2014.

كما أن مبررات التأخير في التنفيذ التي ساقها المطلوب ضده، ضمن مذكرة الجواب جاءت بدورها كاشفة عن مزيد من التمادي في التماطل والتسويف، حينما اعتبر أن ادارته بصدد تنفيذ الحكم وأن عملية الاستفادة من التعويض عن التكوين المحكوم به انما تتم وفق الاقدمية والاسبقية في التكوين.
وحيث أنه أخداً بعين الاعتبار لطبيعة الحكم المعني بالتنفيذ ولدرجة التعنت في تنفيذه، وبما لنا من سلطة تقديرية في هذا الباب، فقد ارتأينا تحديد غرامة تهديدية قدرها 1000 درهم يوميا في مواجهة وزير التربية الوطنية بصفته الشخصية تحتسب ابتداء من تاريخ توصله بهذا الأمر لإجباره على التنفيذ الفعلي والحقيقي للحكم المشار إليه”.
ويكشف القرار من جهة عن استمرار ظاهرة مماطلة الادارة في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتها. كما يكشف من جهة ثانية عن ضعف المديريات القانونية داخل الوزارات مما يتسبب في صدور قرارات لا تحترم القانون.
ويبدو أن محامي المدعي لجأ لطلب غير مسبوق حينما طالب المحكمة باصدار غرامة تهديدية في مواجهة وزير التربية الوطنية. كما طالب باستخلاصها من أجره بصفة شخصية، وذلك من أجل إجبار الإدارة على تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتها. وهو ما استجابت له المحكمة التي عملت على تعليل قرارها بشكل واضح يؤكد أنها راعت طبيعة الحكم المعني بالتنفيذ ولدرجة التعنت في تنفيذه. وقد لجأت إلى تطبيق الغرامة التهديدية بصفة شخصية على وزير التربية الوطنية، اقرارا منها بمبدأ المسؤولية الشخصية للمسؤول الإداري الذي يمتنع عن تنفيذ الأحكام القضائية وترتيب غرامة تهديدية يؤديها المسؤول الإداري الممتنع تأسيسا على أنه لا يمكن أن يكون الامتناع الصادر عنه امتناعا صادرا عن المرفق العام الذي يمثله طالما أن المفترض في الشخص العام الامتثال للأحكام القضائية النهائية المذيلة بالصيغة التنفيذية.
ويؤمل أن يسهم هذا الاجتهاد المبدئي للمحكمة الادارية بالرباط في تسريع وتيرة تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضد الدولة والمؤسسات العمومية تجنبا لأداء الغرامات التهديدية المحكوم بها على المسؤولين.

> إعداد: حسن عربي

Related posts

Top