عرفت الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت منذ 24 فبراير 2022، اهتماما واسعا من قبل الرأي العام الدولي، نظرا لمكانة البلدين في الساحة العالمية، سواء على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري، ناهيك عن الجانب التاريخي المعقد الذي تمتد سرديته إلى التطورات الأخيرة في العلاقة المتوترة بين موسكو وكييف.
ويتوالى الهجوم الروسي على أوكرانيا الذي يصفه الكرملين بـ”العملية العسكرية” المحددة الأهداف، بتدمير المنشآت العسكرية، ونزع سلاح هذا البلد، ودفعه إلى الحياد تجاه حلف الشمال الأطلسي”النيتو”.
ولا توجد حاليا مؤشرات دالة على قرب انتهاء هذه الأزمة التي أرخت بظلالها على العالم، بفعل دمار “الغزو” الذي لحق أوكرانيا، والعقوبات المفروضة على روسيا من قبل الغرب.
وتعد هذه الحرب الدائرة رحاها فوق الأراضي الأوكرانية، والتي أدت إلى نزوح أزيد من 10 ملايين أوكراني داخل البلاد وخارجها، تطورا حتميا للعلاقات المتشنجة بين الكرملين والغرب، هذا الأخير الذي يقدم مساعدات عسكرية لفائدة القوات الأوكرانية لمواجهة الجيش الروسي، وهو ما يدفع إلى مزيد من المواجهة في الوقت الذي تسير فيه المفاوضات بشكل “ثقيل” على حد وصف وزارة الخارجية الروسية.
ومن خلال هذه الزاوية الرمضانية، سنعيد تركيب قطع “البوزل” لمحاولة فهم ما يجري بين روسيا وأوكرانيا، والوقوف عند تداعيات هذه الحرب، وما سيترتب عنها في المستقبل من إعادة لرسم خريطة العلاقات الدولية، وهو ما ظهر بشكل واضح بتحالف التنين الصيني مع الدب الروسي في وجه الغرب”أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية”.
التخلي عن فكرة الانضمام للناتو
أقال البرلمان الأوكراني في 3 مارس 2010، حكومة يوليا تيموشينكو، بمبادرة من حزب الأقاليم الذي كان يتزعمه الرئيس الأوكراني السابق فكتور يانوكوفيتش، وقد صوت لصالح هذا القرار 243 نائبا.
وبعد ذلك، تم انتخاب فكتور يانوكوفيتش رئيسا لأوكرانيا، ليعلن أن العلاقات مع روسيا ودول رابطة الدول المستقلة الأخرى ستكون أولوية لبلاده خلال فترته الرئاسية، لأنها كانت في السابق تميل للغرب.
وأعرب يانوكوفيتش عن ثقته بأن أوكرانيا وروسيا قادرتان على إعادة علاقاتهما إلى مستوى لائق، ليبدأ الطرفان في تنفيذ عدد من المشاريع المشتركة في مجال الصناعة والطاقة والغاز والتجارة والبنية التحتية والثقافة.
وفي ذات الوقت، كان قد شدد الرئيس الأوكراني المنتخب على أنه مع تطوير علاقات حسن الجوار مع كافة الدول، مشيرا إلى أنه سيعمل على عقد لقاءات مع قيادة روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وأعلن وقتها أن كييف ستواصل العمل على توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في إطار برنامج سياسة حسن الجوار، وتقديم المساعدات الاقتصادية التي تتبعها بروكسل، مع تأكيده على أنه لن يتسرع في إجراء إصلاحات جذرية على النظام السياسي الأوكراني، بما في ذلك تعديل الدستور.
وقرر فكتور يانوكوفيتش عدم طلب الانضمام إلى حلف الناتو الذي ترفض روسيا أن يصل إلى حدودها المشتركة مع أوكرانيا.
وقال “إذا ما دار الحديث حول الانضمام إلى الناتو فإن ذلك أمر غير واقعي في الوقت الراهن بالنسبة لبلادنا، وحسب معايير الناتو فيتعين من أجل ذلك أن نحصل على رأي غالبية السكان”.
وأكد يانوكوفيتش أن أوكرانيا تود بناء علاقات مع الناتو على أسس الشراكة، وقال إن أوكرانيا كبلد كبير لا يمكنها الاستغناء عن ذلك.
وشدد يانوكوفيتش على أن بلاده ستمارس سياستها بشكل مفتوح ومتوازن وخارج التحالفات، وأنها ستشارك بنشاط في إقامة منظومة الأمن الجماعي في أوروبا.
وهذا الطرح، هو ما أكده أيضا، وزير الخارجية الأوكراني قسطنطين غريشينكو في كييف يوم 27 ماي 2010، مشددا بأن بلاده لا تنوي الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وبأن “أوكرانيا ستواصل العمل على تنمية علاقاتها مع الحلف، غير أن مسألة الانضمام إلى الناتو ألغيت من الأجندة الآن”.
وأوضح الوزير أن هذا القرار جاء نتيجة رفض فكرة انضمام البلاد إلى الحلف من قبل غالبية مواطني أوكرانيا. وحسب معطيات عدد من استطلاعات للرأي العام أجريت وقتها، فإن أكثر من 50% من الأوكرانيين يعارضون الخطوة.
والجدير بالذكر، أن كييف كانت قد تقدمت عام 2008 إلى الناتو بطلب المشاركة في “خطة العمل” من أجل الانضمام إلى الحلف، غير أن وزراء خارجية الدول الأعضاء في الناتو قرروا عدم تلبية هذا الطلب ليصادقوا بعد ذلك على نموذج جديد للتعاون مع أوكرانيا في إطار ما يطلق عليه بـ “البرنامج القومي السنوي”.
وهكذا، أعلن فكتور يانوكوفيتش بعد توليه مهام الرئاسة في البلاد في فبراير عام 2010 أن عدم عضوية أوكرانيا في الحلف تتناسب مع مصالح كييف الجيوسياسية، مؤكدا في الوقت ذاته أنه يعتزم مواصلة التعاون مع الحلف.
وفي تعليقه على علاقات أوكرانيا مع كل من روسيا والولايات المتحدة كان قد أكد وزير الخارجية الأوكراني على تحسنها الواضح، مشيرا إلى أن العلاقات الأوكرانية الروسية أنجزت تقدما بالغا، كما “أن الاتفاقيات الثنائية التي تم تبنيها أكدت أنه تسنى التوصل إلى تفاهم فيما يتعلق بالقضايا المعقدة للغاية، وفي النتيجة تحولت هذه القضايا من مربع التوتر المزمن إلى عناصر التعاون الواسع النطاق وذي المنفعة المشتركة”، ومن ثم عرفت العلاقات الثنائية بين سنتي 2010 و2014، استقرارا بين أوكرانيا وروسيا، بعدما مرت بمجموعة من الهزات والأزمات في الفترات السابقة.
> إعداد: يوسف الخيدر