الأكيد أن المغرب في أحسن حاله. بعيدا عن أداء الحكومة والبرلمان، وعن مناورات الأغلبية والمعارضة.. تلكم عبارات ما فتئ يرددها المغاربة في دردشاتهم اليومية بالمقاهي والأزقة والشوارع والجلسات الأسرية.. أو عبر تدويناتهم وتعليقاتهم المكتوبة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. عبارات ترسخت لدى المغاربة. وبات من الواجب التفكير في إحداث آليات للتخلص منها، والتحسيس والتوعية بأهمية الاهتمام بالسلطتين التنفيذية والتشريعية. بالانخراط السياسي والحزبي والمشاركة المكثفة في كل الاستحقاقات الوطنية وقطع الطرق على المفسدين والسماسرة.
الأكيد أنه لا يمكن تأهيل أية دولة والرقي بشعبها، بدون التأثيث لها سياسيا بموارد بشرية مؤهلة وفق الشروط والمعايير الخاصة بكل مقعد أو كرسي. والتي تحترم قوانين البلاد والمقتضيات الدولية. إن على مستوى الديمقراطية أو الحريات أو المساواة. وأن تفرض مبدأ وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. مع فرض المحاسبة والمراقبة والإنصاف. والأكيد أنه لا يمكن تفعيل كل هذا دون وجود أحزاب سياسية ونقابات ومجتمع مدني فاعل. وأن الواقع يفرض تطهير الأحزاب والنقابات والجمعيات وليس الحديث عن تجاوزها وإهمالها.
ما عاشه المغاربة، بعد خروج دستور 2011، من معاناة وإحباط عمر لعقد من الزمن، يستدعي التعجيل بالإنصاف والاعتذار للشعب الذي عاش يقاوم موجات الغضب والتذمر. سنوات غاب خلالها التجاوب والتفاعل مع مطالب وطموح الشعب. لم نر سوى زلات بعض الوزراء، وخرجاتهم غير المحسوبة التي تبرز بجلاء أنهم مبتدئون في عالم السياسة، وأنهم يجهلون معنى الوطنية والوطن. هذا ما يراه المغاربة المحبطون من أدوار بعض الأحزاب السياسية والنقابات، وصمت وتواطؤ المسؤولين المثيرين للسخرية والبكاء.
حل فصل الصيف، بعد شتاء ممطر وربيع مزهر. وانتظر المغاربة أن تكون الغلة وفيرة بدون أدنى تدخل للحكومة. وعاد المغرب إلى حضنه الإفريقي من بابه الواسع.. وأخذت قاطرة الحياة مسارها بدون أصحاب السعادة والوسادة. واجتاز المغرب مرحلة الصراع مع فيروس كوفيد 19 المستجد بفضل حنكة ورؤى ملك البلاد. وتعثرت بعض البرامج الصحية بسبب الخرجات والمبادرات غير المحسوبة لبعض أعضاء الحكومة ورئيسها. وتحدى المغرب خصوم الوحدة الترابية. وكسب جولات عدة. وخيب آمال النظام الجزائري والحكومة الإسبانية التي أفرزت غضبها في وجه وزيرة خارجيتها وأعفتها من مهامها. ولو أن نبضات قلوب الموظفين لم تعد للاستقرار في انتظار الإجهاض على مخطط التقاعد الظالم وإنصاف الأساتذة الجدد الذين ينتظرون الدمج الكامل في الوظيفة العمومية وباقي فئات العمال والموظفين المظلومين.
يرى المغاربة أن المغرب يسير بخطى آمنة وسليمة، بدون سلطة تنفيذية. كلهم يتذكرون كيف أجهضت حكومة عبد الإله بن كيران في رحم الأحزاب السياسية، وكيف سارت البلاد لعدة أشهر بدون حكومة. وكيف كتب لها أن تنجب في ظرف أسبوعين برئاسة رفيقه في حزب المصباح سعد الدين العثماني بتشكيلة حزبية غريبة جمعت بين الأرنبات وداكشي.. مخاض لم يرى منه المغاربة سوى (وحم) و(هوس) بعض الأحزاب السياسية بالاستوزار. الكل كان يريد ويسعى إلى التموقع داخل الأغلبية. والكل كان يفاوض من أجل كعكة الاستوزار ومعه مئات المناصب السامية والوظائف داخل دواوين الوزارات ومرافقها المركزية والفرعية.
المغاربة يتهامسون ويتغامزون ويتسلون بالحديث عن دور الحكومة. وماذا بإمكانها أن تقدم لهم مقابل ما يستنزفه أعضاؤها (وزراؤها) من رواتب وتعويضات سمينة، وسيارات وخدم ومنازل فخمة ومجانية استهلاك الماء والكهرباء والهاتف والوقود.. وسلطة تستغل في غير محلها.. أموال بالجملة تهدر سدى من أجل مؤسسة يفرضها الدستور داخل بلد نام بأحزاب نائمة، لا يمكن أن تلعب سوى دور تسويقي وإشهاري شبيه بـ (الفترينا أو التوجيهة) لإطفاء طعم الديمقراطية التي تفتقدها حتى الدول العظمى. والظهور بمظهر الحكومة الجادة.. مؤسسة غير ذات جدوى.. تزيد من نزيف ميزانية الدولة…. وعوض أن تلعب دورها الحقيقي وفق ما يخول لها الدستور المغربي.. يختار أعضاؤها الغوص في ملفات وقضايا جانبية أو الرد بحقارة واستبلاد على مطالب الشعب وغضبه. وإطلاق كلمات كلها مهينة للمواطنين الذين أبهروا العالم باحتجاج (المقاطعة) الذي لم يكن يحتاج إلى قوة عمومية وشغب وعنف وتخريب للممتلكات واعتقالات. من قبيل (مداويخ، خونة، مجهولين..)، أو الترفع عن المواطن (ولد الزنقة). علما أن المغربي المجرد من الوطنية والغيرة الأكيدة على الوطن، لا يمكن أن يحظى بمنصب المسؤولية. لأنه ببساطة لن يكون أهلا لها. هذه هي الحصيلة التي وجب الوقوف عليها، وتحليل مضامينها، لأنها أبانت على أن الحكومات شكلت في معظمها من وزراء مبتدئين، ورضع في التواصل والسياسة والتدبير العقلاني. وأنها جلبت على نفسها غضب الشارع في عدة مناسبات، بطرق أقل ما يمكن القول عنها إنها تافهة ومجانية، وكان بالإمكان تفاديها لو تم ضبط لسان المسؤولين الحكوميين، وحثهم على التحاور والتواصل في ما يخص عملهم بلا زيادة ولا نقصان. والابتعاد عن الارتجال والحديث الفضفاض. خرجات وفلتات ألسنة أدخلت وتدخل المغاربة في جدل عقيم، وتفرض عليهم الغوص في نقاشات وحوارات حول مواضيع تافهة بعيدة عن مصالح البلاد وأولويات التنمية. وتصبح تلك الأموال التي تصرف للحكومة من ميزانية الدولة. أموالا غير مستحقة. وتتحول تلك الحكومات، إلى ما يشبه عصابة علي بابا والأربعين حرامي. التي تسرق أحلام وآمال المغاربة في وطن المفروض أنه يحضن ويرعى كل مواطنيه بكل فئاتهم الاجتماعية.
بقلم: بوشعيب حمراوي