الفنان التشكيلي المغربي عبد اللطيف الشوفاني

لوحاته عبارة عن رسائل مشفرة، حيث يترك للمتلقي مساحات للتأمل ولطرح تساؤلات وتأويلات، انطلاقا من التقنيات التي اكتسبها عن طريق البحث وكذلك الاحتكاك بفنانين آخرين من خلال مشاركاته بعدد من المعارض والمهرجانات أو خلال زياراته لها، كمتتبع أو زائر مهووس بالفن التشكيلي، فنان عصامي، انخرط في مجال الرسم كهاو وهو في عقده الأول عندما كان يستغل ساعات فراغه في زخرفة وتزيين التذكارات الفخارية برسومات معبرة وجد بسيطة، كانت تشتهر ببيعها محلات تجارية بالقرب من ضريح مولاي بوشعيب أيوب السارية بمدينة آزمور، إنه الفنان التشكيلي عبد اللطيف الشوفاني من مواليد مدينة آزمور سنة 1957، ترعرع في بيت محافظ حيث فتح عينيه على نضام الشعر والملحون من قبيل عمه الشيخ السي اسماعيل الشوفاني، ورغم عدم استكمال مسيرته الدراسية إلا أنه واصلها بطريقته الخاصة بين الكتب و المراجع على شتى أنواعها، إلى جانب ممارسته للرسم، متخذا في أولى مراحله الانطباعية الفطرية من خلال رسومات لأسوار المدينة العتيقة و بعض مبانيها و ما يحيط بها من طبيعة خلابة بما فيها المدخل البانوراميكي المطل على نهر أم الربيع، ليتحول تدريجيا بعد اكتسابه مهارات و تقنيات الاشتغال على المواد إلى عالم لا متناهي في البحث عن الذات و الحلم في دوائر اللون و اللغات المرئية و اللامرئية، جسدها في أشكال وهاجة استطاع أن يوظف فيها طاقته الروحية المختزنة في ذاكرته و خصوصياته و قدرته على امتلاك المساحة، يقول عنه الصحافي أبوحاسم ” عبد اللطيف الشوفاني فنان عصامي صاغ عالمه الفني بنفسه بدون معرفة بالحركات التشكيلية الحديثة، و هذا ما جعل موقعه منفردا في الحركة التشكيلية، أما فيما يخص طباعه فهي مثل فنه، ذا حس وجداني مرهف، عفوي و تلقائي، مما يجعله محبوبا لدى الجميع، إضافة إلى سمة التواضع و الاستفسار عن أي صغيرة و كبيرة في المجال الفني .. ”
يقول عبد اللطيف الشوفاني أنه في بحث مستمر و دائم عن الشحنات الداخلية و محاولة تجسيدها من خلال أشكال غير مألوفة لخلق أجواء جديدة في الرؤية، لبناء لوحة غير مقيد بحركة فنية معينة، تُرغم المشاهد أن يبذل جهداً كبيراً في تفكيك شفراتها اللونية و الرمزية، و البحث والتفكير في قراءتها و استخلاص الرسائل التي تحملها مع كشف الإشارات و ضربات الفرشاة، فرغم بساطتها فإنها لا تتيح للمشاهد تلك الاستراحة البصرية التي تمنح الرؤية البصرية لدى المشاهد في انسيابية وسهولة. و هو ما يجعلنا ندرك مدى انتقال الفنان عبد اللطيف الشوفاني عبر العديد من المدارس و الاتجاهات الفنية لتطوير أسلوبه و تقنياته، ليبقى في كل ذلك تأثير البيئة على شخصيته قويا و جليا من خلال أعماله التي تحمل التأثير اللوني المجسد لهذه البيئة كاللون الأزرق و الأحمر و الأخضر و البني مع استخدام الأسود أحيانا، والذي يتجلى في أسوار مدينته و محيطها و في حقولها وغاباتها، نهرها وبحرها، حيث نجد أن كل عمل يتميز بلون عن باقي الألوان، و أحيانا نجده ثنائي و أكثر داخل أسوار كل لوحة من لوحاته، مؤلفا مجموع مكونات شكلية ذات محتوى موضوعي، على شاكلة قصيدة مؤثثة بالخطوط والألوان المتضاربة وفق توليفات تعكس عفوية الفنان التي تعكس شخصيته و سلوكه و مدى تفاعله مع محيطه لا تحده حدود و لا أمكنة و لا أزمنة، و عن أعماله يقول أحد المهتمين بالفن التشكيلي ” يؤكد عبد اللطيف الشوفاني في لوحاته على البعد التصويري، حيث أنه يؤكد على الرموز و الأشياء و الانسان غير أن اسلوبه ليس كلاسيكي، أي أنه لا يقوم على البعد الثالث، و نقل الأشياء كما تراها العين المجردة في الطبيعة، بل هو أسلوب حديث يعتمد على الأبعاد المتوازية مستوحيا مواضيعه من الأجواء الشعبية المغربية التي يستقيها من الوسط المحلي، ليقوم بتلوينها بعفوية و حرية بألوان حارة تنبض بالحياة، كما يمكننا أن نلاحظ أن هناك جوانب مشتركة بين لوحاته وأعمال فناني حركة ” كوبرا” وهي حركة غربية انطلقت بعد الحرب العالمية الثانية معلنة عصيانها على العقلانية الباردة والجامدة التي سيطرت على الفن السريالي، مؤكدة على ضرورة الحرية والعفوية في العمل الفني” .

> بقلم: محمد الصفى

Related posts

Top