الكاتب المغربي فؤاد العروي.. ساخرا

 ينوع الكاتب المغربي فؤاد العروي في كتاباته؛ فإلى جانب كونه روائيا وقصاصا أصيلا وباحثا أكاديميا، نجده حريصا على تخصيص حيز من وقته لكتابة نصوص ذات طابع نقدي، نقد المجتمع ومشاكل الهجرة والعادات والعلائق الإنسانية بوجه عام.
 هذا الكاتب المقيم بالمهجر، وتحديدا بهولاندا، الذي اختار اللغة الفرنسية وسيلة للتعبير عن آرائه وما يختلج في وجدانه والذي حظيت إنتاجاته الأدبية بالتتويج في محافل دولية، على سبيل الذكر: «القضية الغريبة لسروال الداسوكين» الفائزة بجائزة الغونكور للقصة القصيرة.. ظل محافظا على روحه الخفيفة حتى وهو يكتب نصوصا ذات طابع جدي، كما أنه لم يضح بالبعد الجمالي والإبداعي لهذه النصوص، رغم منحاها التقريري.

الحلقة الثامنة

دريهمات لأجل الكناويين

 كل واحد يحكم على الأشياء انطلاقا من رؤيته الخاصة. بتعبير آخر، لا ننظر إلى العالم إلا من خلال مصفاة من الأحكام المسبقة ومن الاعتقادات والتخمينات، إلى آخره.
  العالم غير موجود (شيء مثير أليس كذلك)، هناك بالنسبة لكل فرد، مصفاة تكشف له عن عالم، هو عالمه الخاص.
 التسونامي الفلسفي الذي يجتاحكم، أصدقائي القراء العزل، لم يكن ربما من المهم إقحام ما يأتي في التالي.
 لكن لماذا يتم رفض هذه الرغبة الصغيرة؟
 إذن، كل واحد يحكم على الأشياء انطلاقا من منظوره الخاص، تأكد لي هذا مؤخرا بينما كنت أتابع، وأنا جالس بشكل متخف في مكان قصي في قاعة رديئة بمدينة لاهاي، أتابع ندوة عن الموسيقى الكناوية المغربية.
 العرض كان جيدا ودقيقا، تتخلله وصلات موسيقية وأفلام فيديو قصيرة.
 بمجرد ما تم النطق بآخر كلمة في العرض، ضجت القاعة بالتصفيقات الحارة. حيى المحاضر بإيماءة صغيرة برأسه. كل شيء تم على ما يرام.
 ثم أعطيت الكلمة للقاعة.
 عند ذاك خامرت ذهني القولة التي قمت بذكرها في مقدمة هذا المقال. لأنه ما الذي فعلته القاعة؟ لقد انصب اهتمامها، مثل شخص واحد، على السؤال الآتي الذي تم طرحها من طرف أول متدخل، أنصتوا جيدا:
ـ إذا كان الكناويون هم من سلالة العبيد الذين تم إبعادهم منذ عدة قرون عن موطنهم الأصلي: غينيا (وبعض البلدان المجاورة). ألم يكن من حقهم، على الدولة المغربية، تلقي تعويضات مادية؟
 لا شك أنكم تتفقون معي على أن هذه القضية المثيرة، لا صلة لها بالموسيقى بصفة عامة وقرع الطبل بصفة خاص.
 ومع ذلك فإن القاعة، اللئيمة، أومأت بالموافقة.
وقام كل واحد من الحاضرين يطالب بجبر ضرر أولائك الكناويين الذي أعطوا الانطباع فجأة بأنهم ضحايا أبرياء.
 كان المسير يحاول جر النقاش حول المجال الفني. أثار الحديث حول الإيقاعات القديمة، نغمات الكنبري والقرقاب.. المهددة بالزوال.
 لم يعد يتم الحديث سوى عن قضية جبر الضرر: كم؟ متى؟  كنت أريد أن أنهض وأرفع عقيرتي بالاحتجاج، وألفت انتباه هؤلاء الأشخاص الماكرين، إلى أن أي كناوي مغربي لم يكن يتصور أن يستجدي فلسا بسبب ضرر لحق بجده البعيد.
 ما الفائدة؟
 حاولت مرارا أن أفسر لإحدى المنظمات غير الحكومية النرويجية أن القضية الصحراوية (هذا موضوع آخر لكنه مثال جيد) هي أكثر تعقيدا مما قد يبدو لأول وهلة لفاقدي الذاكرة الذين يسيرون تلك المنظمة.
 غير ممكن. كل واحد يحكم على الأشياء انطلاقا من رؤيته الخاصة، أو كما يقال بالتعبير الفرنسي: كل واحد يرى منتصف النهار عند بابه.
 هذا يقال، بالنسبة للباب، لو أنهم مكثوا أمام بابهم، ولم يأتوا لقرع الطبول عندنا، كانت الأمور ستسير ربما بشكل أفضل.  

 ترجمة: عبد العالي بركات

Related posts

Top