المهرجان الذي مضى…

(دابا تشوف الزمان الماجي… دابا تشوف)
 المشاهب

الآن وبعد أن أصبحت سنة 2016 ضمن سجل الذكريات، بما لها وما عليها كما يقال، هل يمكن العودة للحديث عن الدورة 16 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش؟
عودة تتوخى الانحياز للأفق الجديد الذي تدشنه السنة الجديدة بكل طموحاتها وآمالها.
نعم، لا بد من العودة إلى مراكش…، مرات عديدة وبمختلف صيغ النقاش، تماما كما كان الأمر في 2001 عندما رفع شعار: “لا بد من الذهاب إلى مراكش”، على إثر الضربة الإرهابية التي استهدفت نيويورك وزعزعت العلاقات الدولية، وأدخلت السينما في سيناريو مرعب.
لقد كان هكذا حظ مراكش منذ لحظة الميلاد: مهرجان ولد ليبقى في خضم عالم تتحرك خرائطه باستمرار، وكان اختيار السينما نوعا من اختيار جمالي ضمن برنامج المقاومة في وجه اختيارات تريد أن يعود العالم إلى إحياء التناقضات والثنائيات البدائية.
أقول بضرورة استحضار هذا المعطى الموضوعي لفهم الموقع الثقافي – السياسي الفوق سينمائي الذي فرضته الوضعية الجيو إستراتيجية على مهرجان مراكش، وليس صدفة أن يكون ذلك ضمن اختيارات العهد الجديد وسعيه لتأسيس صورة أخرى للمغرب في زمن جديد يتطلب تصورات أخرى للتحالفات وتعبئة إمكانيات )لا مادية( إضافية للإمكانات الذاتية التقليدية: )دولة المؤسسات، مجتمع منسجم، وعي سياسي مطابق للمرحلة…(.
إنه قدر السينما…
إنه قدر مراكش…
والحاصل أن مهرجان مراكش كان إجابة ذكية واختيارا سليما في وجه الردة الرجعية التي اجتاحت العالم، وله يحسب بفخر أن العديد من السينمائيين الأمريكيين اختاروا الذهاب إلى مراكش ضدا على مشروع المحافظين الجدد وأطروحة محور الشر سيئة الذكر.
أقول هذا علما أن المهرجان كانت له تناقضاته الداخلية الناتجة عن الشروط اللوجيستيكية لميلاده، والتي ما زال بعضها يلقي بظلاله على تنظيمه ويغذي بعض الخطابات الانتقادية الموجهة له من بعض الجهات المغربية، علما أن تطور المهرجان عرف تعديلات وتدخلات جوهرية وضعته على السكة الصحيحة، خاصة بعد التحول الاستراتيجي الذي عرفه سنة 2004، بفضل تدخل مباشر من مؤسس المهرجان وراعيه جلالة الملك محمد السادس.
نعم، في تلك السنة تم فك “عقدة المامونية”، نسبة للفندق المراكشي الشهير، وحققت السينما المغربية تصالحا جذريا مع مهرجانها، وتم طي صفحة سوء الفهم بفضل العمل الجبار لرئيسه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، ونوابه، ليصل المهرجان لهويته المتميزة، والتي جعلته اليوم يتبوأ موقع الصدارة جهويا وقاريا، رغم الصراع الشرس الذي فرض عليه من طرف مهرجانين كبيرين في المنطقة العربية، واللذين لهما من الإمكانيات أضعاف ما يتوفر لمهرجان مراكش.
هذه الهوية عمادها المزج الذكي بين ما هو سينيفيلي )ثقافي( ومهني وجماهيري، وهذه الأعمدة الثلاثة هي التي تسمح لكل مراقب موضوعي أن يسجل على أن الدورات الأخيرة للمهرجان عرفت نجاحا تنظيميا، فنيا وجماهيريا، غير أن البعض منا يرفض أن يرى ذلك )انظر سكيتش حسن الفذ  حول المغاربة والنقد(.
خلال الدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة السينمائي، قال لي أحد ابرز النقاد العرب، وهو من أصل عراقي مقيم في هولندا: “إن مهرجان مراكش هو الأنجح تنظيميا في المنطقة”.
أستحضر كل هذه المعطيات بشعور مزدوج فيه نوع من الاعتزاز بهذا الإشعاع المغربي الذي يلعب فيه سحر مراكش دورا بارزا، وفيه أيضا نوع من الأسى عندما أسمع أو أقرا ما يصرح به بعض المتحاملين على كل ما هو جميل وناجح في هذا البلد، وهذا الأسى يبلغ مداه عندما تأتي هذه التصريحات من مهنيين يقدمون من حيث يدرون أو لا يدرون خدمة مجانية لأعداء السينما في هذه البلاد.
يحكى أنه في زمن ما، كان هناك بلد اسمه الصومال، كان يشق طريقه في أفق تحرري إنساني، وكانت عاصمته مقديشو تحتضن مهرجانا سينمائيا فقيرا ولكنه متميز، وحضي بعطف السينمائيين من بلدان الشمال…، لكن هبت ريح عاكست تلك السفينة…، ولم يعد هناك اليوم لا سينما ولا مهرجان ولا… صومال…
الله يحفظ !!!

محمد باكريم

Related posts

Top