الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان يضع عشر قضايا ذات صلة بحريات وحقوق الإنسان تحت مجهر التقييم

أوصى الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، في أول تقرير أنجزه حول وضع حقوق الإنسان والحريات في المغرب، وذلك برسم سنة 2019، بضرورة استرجاع المبادرة الإصلاحية واستغلال الإمكانيات التي تتيحها فرصة بلورة نموذج تنموي جديد، مؤكدا على أن “النموذج المأمول إما يكون بنفس حقوقي أو لايكون”.
كما أوصى الوسيط، الحكومة فيما يتعلق بالحق في الحياة إلى عدم اختزال هذا الحق في الأحكام الخاصة بالإعدام بل ينبغي العمل على توسيع نطاق الحماية في علاقة بهذا الحق ليشمل ضحايا الإهمال الصحي وحوادث السير والانتحار، مردفا بالتأكيد على إلغاء عقوبة الإعدام وذلك بالمصادقة على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الخاص بإلغاء الإعدام، والعمل على القطع مع المنطق التبريري الرافض للإلغاء، والذي يتذرع بكونها قضية خلافية تحتاج لتعميق النقاش المجتمعي،
وأوضح الكاتب العام للوسيط عبد الغفور دهشور ، في هذا الصدد، من خلال التصدير الذي قدم به هذا التقرير، ” إلى أن تعاطي الوسيط بشأن هذا الموضوع يتجاوز المقاربة التي ظلت تختزل المس بالحق في الحياة فقط في الأحكام ذات الصلة بالإعدام، أو حالات الوفيات بالأماكن الخاصة بسلب الحرية، أو في علاقة بأحداث ذات صلة بالتجمع والتظاهر وعلى خلفيته، أو في علاقة بالإجهاض”.
ولفت إلى الأهمية التي أفردها التقرير للحق في الحياة، وحرصه على مقاربتها بمنظور مبتكر أكثر شمولية مما هو متعارف عليه، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بكل ما قد يمس بالحق في الحياة ويؤدي إلى الوفاة المبكرة، والذي قد يكون بسبب التشريعات والسياسات غير المنصفة وضعف الخدمات العمومية غير الملائمة مع احتياجات المواطنات والمواطنين وتزايد الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية. وذلك وفقا لما تشير إليه الاجتهادات والتوصيات الصادرة عن مختلف الآليات الأممية،
ولفت إلى أن جائحة كوفيد 19 عززت مركزية هذا الحق ، وقد ظهر ذلك بشكل جلي من خلال الدعوات والنداءات التي أكدت على ضرورة وأهمية تعبئة كل الوسائل لصونه وحمايته وإذكاء الوعي بأهمية الوقاية بالنسبة للأفراد حالا وخلال إعداد السياسات والبرامج والخطط.
هذا واختار الوسيط الذي دأب منذ تأسيسه قبل 15 عاما على إنجاز تقارير موضوعاتية، أن يقف في بداية هذا التقرير الشامل حول وضعية حقوق الإنسان، على المستجد الظرفي الذي يعيشه المغرب في الوقت الراهن، ممثلا في حالة الطوارئ التي فرضتها تحديات مواجهة انتشار فيروس كوفيد 19.
ويسجل أنه بقدر ما ثمن الوسيط التدابير التي اعتمدها السلطات في هذا الصدد، بقدر ما نبه إلى ما أظهره الوضع من عواقب ضعف الاستثمار في القطاعات الاجتماعية، ملفتا في ذات الوقت إلى القلق الذي أبداه الفاعلون الحقوقيون بشأن تسجيل ارتفاع حالات المتابعين قضائيا بسبب خرق تدابير الحجر الصحي.
وقال الكاتب العام للوسيط عبد الغفور دهشور بهذا الخصوص” إن ما سجلناه إيجابيا بشأن مجمل التدابير المتخذة لمواجهة هذه الجائحة لا ينبغي أن يحجب علينا حقيقة القلق البالغ الذي يساور المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، بشأن التزايد المضطرد للمتابعين قضائيا بسبب خرق تدابير الحجر الصحي”،
واضاف،معلنا عن موقف الوسيط بشأن هذا الموضوع” بتأكيده على أن العقوبات السالبة للحرية ليست حلا ناجعا وخاصة في مثل هذه الظرفية، التي ولأسباب موضوعية قد يتضاعف فيها خطر الإصابة بجميع أماكن سلب الحرية، وما قد يترتب عنه من تداعيات على العاملين بها والوافدين عليها”، مقترحا أن يتم اعتماد الغرامات كعقوبة ردعية، على اعتبار أنه لا بديل عن الصرامة في إعمال القانون تجاه المخالفين كما جرى هنا ويجري في الكثير من بلدان العالم.

القضايا العشر موضوع التقرير

وبشأن مضامين التقرير، رصد الوسيط عديد عقبات وقف عليها خلال تقييمه للمسار الحقوقي، الذي اختارمنه عشر قضايا ذات صلة بحريات وحقوق محددة، ويتعلق الأمر بالحق في الحياة، حرية الجمعيات، وحرية التجمع والتظاهر السلمي، حرية الرأي والتعبير، حرية المعتقد، الحقوق الإنسانية للنساء والمساواة بين الجنسين، حقوق السجناء وأوضاعهم، حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، حقوق المهاجرين واللاجئين، حماية الحياة الخاصة والمعطيات ذات الطابع الشخصي.

حرية الجمعيات

ففيما يتعلق بحرية الجمعيات، سجل التقرير مجموعة من الأعطاب التي تطبع ممارسة هذا الحق، وذلك بالرغم من أن المعطيات الرقمية التي تخص عدد الجمعيات المصرح بها لدى السلطات الإدارية المحلية، والتي صرح بها رئيس الحكومة، تفيد بتواجد أكثر من 200 ألف جمعية سنة 2019، تنشط في مجالات مختلفة، ضمنها نحو 6500 جمعية تعمل في مختلف مجالات حقوق الإنسان.
ومن الأعطاب التي وقف عليها التقرير على هذا المستوى، غياب الشفافية والإنصاف وعدم الانضباط للمعايير الموضوعية في الغالب عن عملية اختيار الجمعيات للمشاركة في مبادرات الحوار والتشاور التي تطلقها بعض القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية ، أو إشراكها بشكل شكلي، لضرورة تفرضها إما الإكراهات المتصلة بالممارسة الاتفاقية للمغرب. أو تحت ضغط شروط شركاء الحكومة والمانحين لدعم برامجها.
ومحصلة هذا الإشراك الشكلي، مؤداها تجاهل مقترحات تلك الجمعيات لحظة بلورة الاختيارات النهائية، سواء تعلق الأمر بإعداد التشريعات أو وضع السياسات العمومية والبرامج والمخططات وطنيا وترابيا.
ويسجل التقرير، إشكاليات أخرى ترتبط بممارسة هذا الحق، ويتعلق برفض تسليم الوصل المؤقت، واشتراط وثائق إضافية وخارج ما هو منصوص عليه في الفصل 5 من ظهير 1958، أو تسليم الوصل المؤقت، والامتناع عن تسليم الوصل النهائي في الأجل المحدد قانونيا في 60 يوما، أو بعد انصرام هذا الأجل .
وهذا النهج يجعل الجمعيات ، وفق ما جاء في التقرير، في وضعية “معلقة”، ويعطل أنشطتها ويؤثر على التزامتها،خاصة بعد أن أصدر بنك المغرب تعليمات للبنوك بعدم القيام بأي عمليات بنكية لفائدة الجمعيات ما لم تكن تتوفر على وصل الإيداع النهائي، وتكون محصلة هذا الإشراك الشكلي تجاهل مقترحات تلك الجمعيات لحظة بلورة الاختيارات النهائية، سواء تعلق الأمر بإعداد التشريعات أو وضع السياسات العمومية والبرامج والمخططات وطنيا وترابيا.
ودعا الوسيط لتجاوز مختلف تلك الأعطاب وغيرها، إلى العمل على مراجعة الظهير الشريف رقم 1.58.376 بما يتلاءم مع الدستور والممارسة الاتفاقية والالتزامات الدولية ذات الصلة بحرية الجمعيات، و توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان في هذا الباب.
وتسريع العمل على إلغاء العقوبات السالبة للحرية من النصوص التشريعية بشأن حرية الجمعيات،
وإنهاء منع السلطات الإدارية من تحويل مبدأ التصريح بتأسيس الجمعيات إلى نظام الترخيص. هذا مع الحرص على تمكين جميع الجمعيات من ولوج واستعمال مختلف الفضاءات والمقرات لتنظيم أنشطتها، سواء الموجهة إلى أعضائها، أو الموجهة للعموم.

حرية التجمع والتظاهر السلمي

رصد الوسيط استعمال الحكومة “لغة الأرقام” للرد على منتقديها ، وذلك وفق مقاربة كمية تختزل التحديات في معطيات تفيد بأن التظاهر بات ممارسة عادية ووقع التطبيع معه، ولم يقع التدخل الأمني لفض المظاهرات إلا في 941 شكلا احتجاجيا من أصل 12.052 برسم الأشهر العشرة الأولى من سنة 2019،
غير أن المغيب في هذه المقاربة، وفق منطوق تقرير الوسيط، هو عدم الوقوف عند بعض المظاهر والتحولات المقلقة والمفارقة، كاللجوء من حين لآخر إلى استعمال القوة غير المناسبة خلال فك بعض الأشكال الاحتجاجية واستمرار الفراغ القانوني أمام انبثاق وتعدد أنماط الاحتجاج وأشكال التعبير، ومحدودية المقتضيات القانونية وعدم ملاءمتها مع مستجدات الواقع، ومع الضمانات الدستورية والالتزامات الدولية للمغرب.

حرية الرأي والتعبير

كما سجل التقرير على أنه بالرغم من تكريس الدستور لحرية الرأي وحرية التعبير وتسييجهما بالضمانات اللازمة، واستجابة مدونة الصحافة والنشر للعديد من مطالب الحركة الحقوقية والمهنيين في مجال الصحافة وتعبيراتهم النقابية والمهنية،فإن الممارسة ما تزال تكشف عن محدودية حماية الحق في حرية الرأي والتعبير،
وأفاد على أن القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر لم ينص على العقوبات السالبة للحرية، إلا أن الفقرة الأخيرة من المادة 17، تركت المجال مفتوحا لإمكانية اللجوء إلى قوانين أخرى، مما فتح الباب أمام استعمال القانون الجنائي وقانون مكافحة الإرهاب وقوانين أخرى في علاقة بقضايا الصحافة والنشر.
وتضمن التقرير في هذا الباب جملة من التوصيات، دعا فيها الوسيط إلى حصر المتابعة بقانون الصحافة والنشر في الجنح ذات الصلة، والحد من السلطة التقديرية للقضاة على مستوى التكييف بما يعزز الحقوق والحريات المتعلقة بالصحافة.
كما أوصى بالحرص على حماية سرية مصادر الخبر والتنصيص على مبدأ التناسب ما بين الضرر المحدث والتعويضات المحكوم بها في جنح القذف، بالإضافة إلى العمل على مراجعة قائمة الاستثناءات المنصوص عليها في القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات.

حرية المعتقد

حرص الوسيط بهذا الخصوص على تجديد لفت الانتباه إلى إحدى الملاحظات التي ترتبط بالمتن الدستوري في هذا الباب، حيث أشار إلى أنه رغم تنصيص الدستور صراحة على العديد من الحقوق والحريات، غير أنه لم يأت على ذكر حرية الضمير أو المعتقد أو الوجدان صراحة، والتي يمكن استخلاصها فقط من التصدير الذي أكد التزام الدولة بحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء، وحظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي،
واعتبر الوسيط أن هذا المجال لازال ينتظر القيام بالكثير، داعيا، إلى رفع التجريم عن كل فعل قد يكون تعبيرا عن حرية المعتقد والضمير كما وردت ضمن معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان، خاصة الفصلين 200 و222 من مجموعة القانون الجنائي، وإعادة النظر في أحكام مدونة الأسرة ذات الصلة بالموضوع، خاصة المادتين 39 و332،
هذا مع العمل على إخراج تشريعات تجرم التكفير والتمييز على أساس المعتقد، والعمل بالموازاة مع ذلك على اعتماد التربية على القيم الإنسانية الكونية كمرتكز بيداغوجي لمراجعة مناهج وبرامج التعليم.

الحقوق الإنسانية للنساء والمساواة بين الجنسين

أشار الوسيط إلى أن المساواة بين الجنسين ومختلف الحقوق الإنسانية للنساء بالمغرب ماتزال تعهدا حكوميا بدون إعمال، وذلك رغم تنصيص الدستور على حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس وتكريسه لمبدأ المساواة بين الجنسين، والتزام المغرب بملاءمة القوانين مع الاتفاقية الدولية ذات الصلة، والتي يعد طرفا فيها، وكذا التزامه بإعمال أهداف خطة التنمية المستدامة 2030.
وهذا الوضع تظهره عديد معطيات، منها تسجيل تعرض 57 في المائة من النساء لنوع واحد من العنف على الأقل خلال سنة 2019، واستمرار تزويج الأطفال، حيث وفقا للأرقام المتاحة إلى حدود بداية سنة2019 سجلت أكثر من 2600 حالة دون احتساب التزويج غير القانوني للأطفال.
هذا فضلا عن تدني حضور النساء في مواقع القرار بمختلف المستويات سواء الجهاز التنفيذي أو التشريعي، بل وغياب كلي للنساء ضمن قائمة التعيينات الخاصة بالولاة والعمال برسم سنة 2019.

حقوق السجناء ووضع السجون

أورد التقرير أحد المعطيات التي باتت تتردد بارتباط مع ذكر السجون، ويتعلق الأمر بظاهرة الاكتظاظ التي تشهدها هذه المؤسسات ، إذ بالرغم من الجهود المبذولة لتحسين الطاقة الاستيعابية ومحاولة الرفع من معدل المساحة المخصصة لكل نزيل، ما يزال الاكتظاظ داخل الزنازن تحديا قائما أمام أغلبية السجون،
وأوضح بهذا الخصوص بأن متوسط المساحة المخصصة لكل نزيل لاتتعدى في أحسن الحالات 1.86 متر مربع، ولا تتجاوز هذه المساحة في سجون الدار البيضاء وسطات 1.2 متر مربع، في حين أن تقدر المساحة وفق المعايير المعترف بها دوليا بحوالي أربعة (4) أمتار مربعة لكل سجين، وتبلغ في بعض دول الاتحاد الأوروبي ستة (6) أمتار مربعة دون احتساب مساحات المرافق الصحية.
وأفاد أن المؤسسات السجنية البالغ عددها خلال سنة 2019 ما مجموعه 77 مؤسسة ، تتوزع بين 66 سجنا محليا و6 سجون فلاحية و3 مراكز للإصلاح والتهذيب وسجنان مركزيان، تضم ساكنة يفوق عددها 85 ألف شخص وتحديدا 85,756 سجين وسجينة.
وأبرز أن هذه الساكنة السجنية تتوزع 34.698 من السجينات والسجناء الاحتياطيين، بنسبة تفوق 40 في المائة، بينهم أكثر من 33ألف ذكور و1039 إناث،
فيما يصل عدد الأطفال المرافقين لأمهاتهم في 86، منهم 53 ذكورا و33 إناثا، بينما عدد السجناء الأحداث يبلغ عددهم 1395 حدث، ما يمثل بنسبة 1.63في المائة، من مجموع الساكنة السجنية، أما بالنسبة لعدد السجناء البالغ سنهم ف 60 عاما فما فوق، فيصل عددهم إلى 1369، بنسبة 1.6في المائة.
ويصل عدد السجناء الأجانب نحو 1127، سجينة وسجين ، يتوزعون بين 1025 سجين و102 سجينة، أغلبهم ينحدرون من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بما مجموعه 754، مقابل 193 سجينة وسجين من بلدان أوروبا و31 من بلدان عربية.
وسجل التقرير، في رصده لهذه المؤسسات إلى المحكومون بسنتين أو أقل يبلغ عددهم أكثر من 40 ألف سجين وسجينة، بما يمثل نسبة تتجاوز بقليل 46 في المائة، داعيا إلى التسريع بإصدار وإعمال المقتضيات التشريعية المتعلقة بالعقوبات البديلة، وخاصة ما يتصل منها بإجبارية القيام بأعمال لفائدة المصلحة العام ة، وذلك في محاولة للتخفيف من الاكتظاظ الذي تشهده السجون، والتي زادت حدتها مع الارتفاع المضطرد لحالات الاعتقال بسبب الإخلال بإجراءات الحجر الصحي وحالة الطوارئ الصحية.
ومن جملة التوصيات التي حملها التقرير بارتباط بهذا الجانب، الدعوة إلى مراجعة السياسة الجنائية وملاءمة المنظومة القانونية بما يعزز التدابير ذات الصلة بقرينة البراءة، ويؤسس للعقوبات البديلة لسلب الحرية، وتسريع اعتماد آلية الحراسة الإلكترونية، وتدابير الحرية المقيدة بالنسبة للأحداث والنساء والشيوخ،
هذا مع الحرص على إعمال المقتضيات القانونية المتعلقة بالإفراج المقيد، ذات الصلة بالاستفادة من العفو، في إطار سياسة عمومية إدماجية تؤكد على الإجراءات التيسيرية لفائدة المفرج عنهم من السجناء وتعزز مناهضة التمييز والإقصاء والوصم الموجهة ضد هذه الفئة
والعمل بالموازاة مع ذلك على تحسين شروط وظروف عمل موظفي إنفاذ القانون بالمؤسسات السجنية والنهوض بأوضاعهم المادية والمعنوية، بما يحفزهم على الرفع من مستوى الأداء ومردوديته خلال أدائهم لمهامهم

حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة

أورد التقرير معطيات إحصائية حول عدد الأشخاص في وضعية إعاقة البالغ عددهم 1 مليون و700 ألف شخص من مجموع السكان يتوزعون على الوسط الحضري الذي يضم أكثر من 975 ألف شخص، والوسط القروي الذي يوجد به أكثر من 727 ألف شخص ، بينهم 859 ألف من الإناث وأكثر من 843 ألف من الذكور.
ودعا التقرير المغرب الذي يعد طرفا في الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبروتوكول الاختياري الملحق بها، إلى العمل على التسريع بإخراج النصوص التنظيمية الخاصة بالقانون الإطار 97.13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها، وملاءمة التشريعات والقوانين بما يجعل الحرمان من الترتيبات التيسيرية المعقولة شكلا من أشكال التمييز.
وكذا العمل على توسيع مجال الولوجيات حتى يصبح شاملا لمختلف المباني والمنشآت بما فيها الطرق ووسائل النقل والمعلومات والاتصالات والخدمات الأخرى والحرص على إلزامية تفعيل الخدمات المتصلة بها، وترتيب الجزاء في حالات تعطيل تيسيرها.
و إقرار الاعتراف بمساواة الأشخاص في وضعية إعاقة مع الجميع أمام القانون عبر تمكينهم من الأهلية القانونية ودعم ممارستها، لضمان الحق في الملكية والإراثة واللجوء إلى القضاء، وضمان العيش المستقل، وتوفير الشغل، والتسريع بالموازاة مع ذلك باعتماد وتنفيذ مخطط عمل شامل ومندمج لتوفير تعليم دامج، في جميع المناطق والجهات.

حقوق المهاجرين واللاجئين

أشار الوسيط في هذا الجانب، إلى التحول الملحوظ الذي شهده المغرب في مسارات الهجرة الدولية، إذ ابتداء من سنة 2000، تحول من بلد عبور، يقصده المهاجرون أساسا من دول غرب إفريقيا وبلدان أخرى في طريقهم إلى أوروبا، إلى بلد إقامة، مما تنج عنه ارتفاع عدد المهاجرين في وضعية غير نظامية،
ويصل حاليا عدد الأجانب المقيمين بالمغرب بشكل نظامي أزيد من 86 ألف شخص ينتمون إلى جنسيات مختلفة (45.9في المائة أوروبيون، 23.9في المائة مغاربيون،فيما 11.5في المائة من الشرق الأوسط، ونسبة تتجاوز 10 في المائة بقليل ،هم أفارقة من جنوب الصحراء أما نسبة تفوق 8 في المائة فهم ينتمون إلى دول أخرى، آسيا أمريكا وأستراليا.
وسجل الوسيط بإيجابية التدبير الذي اعتمدته الحكومة للهجرة واللجوء والذي تم انطلاقا من الإستراتيجية الوطنية الخاصة في المجال ، والتي تقوم على البعد الإنساني الذي يشمل احترام حقوق الإنسان ومحاربة الميز وتدبير تدفقات المهاجرين ومحاربة الاتجار في البشر، فضلا عن رهان الاندماج الذي يشمل تسهيل الولوج إلى النظام الصحي والتربية والتكوين والسكن ومناصب الشغل.
لكن سرعان ما أشار التقرير إلى أحد العناصر السلبية التي طبعت تدبير السياسات العمومية ذات العلاقة بالهجرة، ممثلا في إلغاء القطاع المكلف بها الملف، داعيا إلى العمل على تجاوز الالتباس المؤسساتي الذي يطبع تدبير سياسة الهجرة بعد إلغاء القطاع الذي كان مكلفا بذلك إلى حدود التعديل الحكومي بتاريخ 09 أكتوبر 2019، وذلك من أجل ضمان استكمال مسار الإصلاحات ذات الصلة بهذا المجال.
كما أوصى بالعمل على التسريع بتعديل القانون المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمغرب وكذا القانون المتعلق باللجوء، ومواصلة العمل من أجل تجاوز العوائق التدبيرية على مستوى الإدارات الترابية التي يترتب عليها حرمان المهاجرين من الحق في الصحة والتعليم وتجديد وثائق الإقامة.

الحق في حماية الحياة الخاصة والمعطيات ذات الطابع الشخصي

حرص الوسيط على التذكير بالأهمية الخاصة التي أولاها النظام الاتفاقي الدولي لحماية المعطيات الشخصية والحق في الحياة الخاصة، داعيا في هذا الصدد المغرب الذي أقر عددا من المقتضيات التي تضمن حماية هذا الحق سواء من خلال ما تضمنه الدستور في هذا الجانب، والقانون 09,08،إلى ضرورة تجويد هذا الإطار القانوني وملاءمته مع أحكام الدستور والاتفاقيات الدولية، فيما يتعلق بالأشخاص الذاتيين عند معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.
كما دعا في ذات الوقت إلى العمل على تأهيل اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية والارتقاء بها إلى مصاف المؤسسات المستقلة المحدثة بقانون طبقا لما هو منصوص عليه في الفصل 159 من عليه في الدستور،ووضع الضمانات القانونية والإجرائية اللازمة لضمان أن تكون معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي متلائمة مع مضامين الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي صادق عليها المغرب.

غياب عبارات التوصيف عن التقرير ومضمون يحفل بالتوصيات

ورغم أن مضمون التقرير يحيل بشكل واضح على نبرة عالي منسوبها من التشاؤم، خاصة عند تصفح التوصيات والتي بقدر ما تمثل مقترحات فهي عند قراءتها بشكل معاكس تقف على أنها تقصد ملء الفراغات، لكن يلاحظ أنه(التقرير) لم يفرد أي توصيف في تقييمه لوضع حقوق الإنسان والحريات في المغرب، ويبدو ذلك متعمدا، حيث أعلن الوسيط أنه اختار الابتعاد عن المعطى الذي يؤطر حول وضع حقوق الإنسان والذي يتصف بالتشديد على منحى”التراجع” أو “النكوص” أو “الإحساس بالتدهور الحاد”، كما تم وصفته من قبل مؤسسة عمومية، ممثلة في المندوبية السامية للتخطيط .
وبرر الوسيط هذا المنحى ، بالقول ” إن المنظور الذي يتبناه بهذا الخصوص يعتبر ” أن أي حديث موضوعي عن حالة حقوق الإنسان لا يحتمل اعتناق “النَفَسِ الثوري” الذي يقيم الوضعيات بمنطق القطائع المطلقة والمقاربة المثالية للحلول والإجابات. فمجال حقوق الإنسان هو مجال إصلاحي بطبيعته، يؤمن بالتدرج والتراكم”.
وزاد موضحا، على أن”النظر إلى حالة حقوق الإنسان في المغرب لايمكن أن يتم كما هو الحال في بقية دول العالم، إلا من خلال زاوية معيارية تقيس الوضعيات في ضوء المعايير الدولية”، مشيرا ان منطلق التقرير كان من الممارسة الاتفاقية للمغرب ثم تم الانتقال إلى ترجمة تعهده الدولي إلى سياسات عامة وقطاعية والانتهاء إلى قياس اثرها في الواقع اليومي للمواطنات والمواطنين”.
وأكد أن الوسيط من خلال هذا التقرير، يهدف إلى تحيين المقاربة في التعاطي مع قضايا الحقوق والحريات بالمغرب لتجاوز التقاطب الحاد بين خطاب “الردة والنكوص والعودة إلى ممارسات ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان” من جهة، والخطاب المحتفي ب”الإنجازات الكبرى” من جهة أخرى.
وأوضح على أنه من أجل ذلك لجأ إلى نهج التحري والأخذ بالوقائع والأخبار المؤكدة وتعدد المصادر ، تحقيقا للهدف الأساس، ممثلا في المساهمة في تقديم مؤشرات ذات مصداقية من شأنها أن تساعد على فهم أفضل لوضعية الحقوق والحريات التي تمت مقاربتها.
هذا فضلا عن إعمال مسافة مع ردود الفعل الأقرب إلى المزاجية الطارئة منها إلى العمل الدؤوب ، وذلك حتى يتسنى بناء رأي عام وطني، يعتمد التقارير الموضوعية التي يجدها وسيلة إجرائية توفر له المعطيات، وتمنحه عناصر بناء القناعات، وتيسر له سبيل الترافع واتخاذ الموقف وهو متملك لبعض من وسائل ممارسة مواطنته.
ويستنتج من خلال هذه التبريرات والتوضيحات التي قدمها الوسيط، وهو الذي دأب على إعداد تقارير موضوعاتية ، طيلة 15 سنة من تواجده، أن الوسيط يعلن بشكل غير مباشر عن فتح آفاق مرحلة جديدة لتقييم المنجز على المسار الحقوقي، بنهج يسعى مسؤولو هذه الهيئة الحقوقية أن يشكل إضافة نوعية بحيث يتصف بالابتكار وبنوع من التجرد في مقاربة القضايا الحقوقية.

***

عبد الغفور دهشور، الكاتب العام للوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان

< دأب الوسيط من أجل الديمقراطية طيلة 15 سنة من التواجد، على إصدار تقارير موضوعاتية، ولأول مرة يصدر تقريرا شاملا حول حالة حقوق الإنسان والحريات في المغرب، فما هي الدوافع التي أملت هذه النقلة؟
> دافعان اثنان. نحن في الوسيط كنا قد ركزنا كثيرا على تقييم السياسات العمومية في ارتباط مع مجالات محددة واشتغلنا كثيرا على القطاعات العمومية ذات الطابع الاجتماعي وبالخصوص ، التعليم، السكن والصحة، وطبعا تقييم السياسات العمومية هو تقييم داخلي ، بمعنى أنه ينطلق من الأهداف والغايات التي سطرها الفاعل العمومي لنفسه كأهداف يجب بلوغها وتحقيقها في زمن أو أجل معين والذي هو في الغالب ولاية الحكومة ، انطلاقا من الوسائل التي يضعها الفاعل العمومي بين يديه سواء كان الأمر يتعلق بميزانيات عمومية أو موارد بشرية إدارية أو نصوص قانونية .
وبالتالي هذا الانتقال من التقارير الموضوعاتية إلى تقرير حقوقي شامل لايعني بالمرة أن الوسيط سوف يتخلى عن هذا التقليد الذي خطه لنفسه واعتبره من بين الأهداف التي يجب السعي وراءها على اعتبار أن التقارير الموضوعاتية دائما ما تكون دقيقة في معطياتها وفي خلاصاتها، ونعتبر أن النوعين من التقارير هي مكملة لبعضها البعض .
الاعتبار الثاني يعتبر أن البلاد في حاجة إلى تقارير من هذا النوع في الظرفية الحالية ، تقارير تنآى عن تقييمات ذاتية ، وكما جاء في التقديم الذي تصدر التقرير هو كيف الابتعاد من التقاطب الحاد بين أطروحتين اثنتين عمرتا خلال السنوات الأخيرة، ألا وهي أطروحة الردة وتقابله أطروحة الإنجازات الكبرى، واعتبرنا ان تقريرا من هذا النوع سوف يعيد النقاش وسوف يعمل على تنسيبه وسوف يساهم بقدر متواضع على إعادة الاعتبار لمنهجية حقوق الإنسان ، ونحن نحترم طبعا جميع التقارير- دون السعي إلى إصدار أحكام قيمة التي ستظل في الغالب نسبية .
< ركزتم في التقرير على مقاربة حصرا لعشر قضايا حقوقية ، ما هي الاعتبارات التي تحكمت في هذا الاختيار؟
> اعتبرنا في الوسيط أن هذه القضايا العشر كانت تتردد وتعود بشكل متواتر في الفضاء العام للنقاش، طبعا نحن لم نتعامل أثناء اختيارنا للقضايا بمنطق التفضيلي أو التراتبي، بمعنى أن هذه القضية هي أفضل من قضية أخرى، بل اعتبرنا أن كل القضايا جديرة بالاهتمام لسبب اساسي هو أن الأشخاص المعنيين بهذه القضايا هم في نفس الأهمية وكلهم متساوون ويستحقون نفس القدر من الاهتمام.
الاعتبار ينحصر في كون فقط أن هذه القضايا تكرر إثارتها في النقاش العمومي ، ثم المسألة الثانية ترتبط بقدرات الوسيط سواء من ناحية الموارد المالية أو البشرية لاتسمح بإنجاز تقرير جامع لكل القضايا والحقوق وبالأخص الحقوق الفردية التي يمكن القول أنها لم تكون حاضرة بنفس الدرجة قياسا بباقي الحقوق التي شملها هذا التقرير برسم 2019.
و الحقوق التي تم إغفالها بين مزدوجتين ، فإته حتى الدولة لاتقدم فيها كل سنة تقرير، إذ يسجل أن الدولة بإمكانياتها ومواردها المالية والبشرية لاتقدم تقارير دورية إلا كل أربع أو خمس سنوات، فما بالك بجمعية متواضعة في حجم الوسيط، وهذا لايعني أننا سنستمر في إغفال هذا الحقوق، بل سيأتي دورها فيما سيأتي من تقارير مقبلة، والأهم أنه لم تكن غايتنا والهدف والرهان هو بناء مؤشرات، كما أنه كان تمرينا بالنسبة لنا هذه السنة لتجويد وتطوير عملنا مستقبلا ، تقرير شامل يلامس جميع الحقوق

< من حيث المنهجية يلاحظ أنكم أحجمتم عن إصدار أي عبارة لتوصيف حالة حقوق الإنسان في المغرب، هل في نظركم الموضوعية تقتضي تغييب التوصيف؟
> اعتبرنا أننا سنكون أكثر إفادة عند تقديم تقرير موضوعي ينطلق من الالتزامات الدولية للمغرب أي الاتفاقيات والعهود التي صادق عليها وتعهد باحترامها وضمان الحقوق والحريات المتضمنة فيها، ثم تتبع كيفية إعمال هذا التعهد والالتزام السياسي من خلال القوانين والتدابير والإجراءات في مجال السياسات القطاعية، ثم الأثر الذي يخلفه مجمل هذا المسلسل على المعيش اليومي للمواطنين، وأعتقد أن عملا بمثل هذه المنهجية سوف يكون أفيد من حكم قيمة يطلق في كلمة واحدة أو حتى جملة، بمعنى ما هو المفيد الذي يقدمه توصيف ” حالة حقوق الإنسان بأنه يطبعها ردة”سوف لن يكون مفيدا ، لأن هذا حكم قيمة ذاتي بالإضافة إلى الحمولة الدينية لهذه الكلمة، وكذا حينما نصف الوضع بالتقدم أو التدهور، فقياسا إلى ماذا.
فهذه التحديات والاحترازات المنهجية هي التي ينبغي التعامل معها، أية حكومة وفي أي مستوى، هذه التحديات الكامنة خلف أحكام القيمة، ونحن في الوسيط نطمح أن نكون عمليين أكثر ، بحيث نبني مؤشرات ومن خلالها نقيس حالة حقوق الإنسان، وهذا الأمر قاربناه عبر ثلاثة مستويات، عبر الالتزامات الاتفاقية للمغرب، والسياسات القطاعية والتدابير ، وأثرها على المواطنين ، إذ بنفس البنية والمنهجية قاربنا القضايا العشر الحقوقية التي تناولها التقرير .

> فنن العفاني

Related posts

Top