حزب التقدم والاشتراكية يستحضر المسار السياسي والنقابي للفقيد الحاج بنبلا في الذكرى الأربعينية لرحيله

إعداد: حسن عربي تصوير: عقيل مكاو

عائلة الرفيق الراحل الحاج محمد بنبلا، طيب الله ثراه ومثواه
رفيقاتي رفاقي الأعزاء
أيها الحضور الكريم
ونحن نخلد، في يوم الجمعة المباركة هذه، الذكرى الأربعينية لرحيل فقيدنا الغالي الرفيق الحاج محمد بنبلا، رحمه الله، في إطار الوفاء لقائد سياسي فذ معطاء، ومناضل نقابي كبير، لاشك في أننا نتقاسم الإحساس بمدى ماأصابنا، جميعا، من خسارة فادحة ومصاب جلل بفقدان رفيق من طراز رفيع، رفيق عصامي انتمى مبكرا، وانحاز كليا، في أيام الشدة وسنوات الرصاص، قبل عهد الانفتاح والانفراج،إلى قضايا الوطن وهموم الشعب، رفيق ظل، على الدوام، مدافعا مستميتا عن الطبقة العاملة، والفلاحين الصغار، والجماهير الشعبية الكادحة وسائر الفئات المستضعفة، وعموم الشغيلة اليدوية والفكرية، رفيق كان، ولا يمكن إلا أن نستحضر ذكراه إلا كما كان: مثالا للوفاء والالتزام والشجاعة، رجلا بشوشا، شعبيا ونموذجا في التواضع والحرص على تجسيد سياسة القرب من الجماهير، والارتباط اليومي بقضاياها، من خلال بقائه مخلصا للطبقة العاملة وزملائه في المهنة، حيث لم يطلب قط التفرغ رغم كثرة مسؤولياته الحزبية والنقابية.
لقد التحق رفيقنا، الغائب عنا جسدا، الحاضر معنا روحا وسيرة وسلوكا، في خمسينيات القرن الماضي،  وهو لايزال في ريعان الشباب، بالحركة العمالية التي أكسبته طاقة قوية كمناضل واع بالقضايا الايديولوجية والسياسية في الحزب الشيوعي المغربي، الذي بقي في صفوفه مناضلا صنديدا صلبا عنيدا، قوي الشكيمة والعزيمة، سخيا في تفانيه، صادقا في إخلاصه، كامل الاستعداد للتضحيات الجسيمة ذودا عن حزبه ووطنه وشعبه، من خلال الإصرار على مواصلة مشوار كفاحه المتميز في حزب التحرر والاشتراكية ثم في حزب التقدم والاشتراكية، حيث تقلد مسؤوليات وطنية ومحلية عديدة، على مستوى اللجنة المركزية للحزب ثم مكتبه السياسي فمجلس الرئاسة فضلا عن تنظيماته على صعيد الدار البيضاء، صامدا في وجه كل المحن والشدائد والمضايقات والصعوبات، متحملا لكل أشكال البطش والقمع والاستبداد، ومنتصرا على كل أساليب التهديد والترغيب، متشبتا، أقوى مايكون التشبث، بالمبادئ السامية والمثل العليا التي من أجلها انخراط في حزبه العتيد، مجسدا، من خلال مابذله من جهود مضنية، وأسهم في تحقيقه من انجازات كبيرة، سياسية وتنظيمية، مثال العامل الواعي المتنور، والقدوة الحسنة لعشرات بل آلاف المناضلات والمناضلين، من أجيال متعاقبة، خاصة من كان لهم حظ النضال معه وإلى جانبه،  أو بدء المسيرة النضالية بإشراف وتوجيه وتكوين منه.
لقد استطاع الفقيد، الإبن  الأصيل للطبقة العاملة، حيث اشتغل في قطاع النسيج، وعرف بنضاله في صفوف الاتحاد المغربي للشغل، أن ينسج وشائج رفاقية ونضالية وإنسانية طيبة ومتينة مع من جايلوه أو عاشروه عن قرب أو تتلمذوا عليه، أو استلهموا تجربته، في ميدان الكفاح من أجل الانتصار لخيار الديمقراطية وقيم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة، مما جعل منه، حقا، قامة نضالية متميزة، معلمة بارزة من معالم حزبنا، وثروة لامادية ثمينة من تراثه الرمزي الزاخر.
ودعوني هنا، أقف عند محطتين بارزتين دالتين في مسار فقيدنا الحاج محمد بنبلا،  الذي عاش وواكب، على مدى عقود، كل مراحل الحزب سواء في السرية أو بعد انتزاع حقه في الشرعية، وكان له شرف وواجب التوقيع، في أوقات عصيبة، على وثائقه التأسيسية:
المحطة الأولى تتصل بما يمكن اعتباره، دون خوف من الجنوح إلى المبالغة، تجسيدا من الرفيق الحاج محمد بنبلا للصيغة الخلاقة التي اهتدى إليها حزبنا منذ مؤتمره الوطني الثالث، الذي انعقد سنة 1966 بالدار البيضاء، في ظروف السرية، بمنزل الرفيق الراحل المرحوم عبد المجيد الدويب، والذي صادق، بالخصوص، على وثيقة سياسية تقارب، من حيث الجوهر، سبل التكيف مع تطور الواقع الوطني، وخصوصيات المجتمع المغربي،  وثقافات وتقاليد شعبنا، حيث تم وضع استراتيجية لملاءمة عمل الحزب وبرنامجه السياسي مع الواقع الجديد للبلاد دون التفريط بكنه المبادئ الأساسية للاشتراكية، من خلال أخذ بعين الاعتبار واقع المغرب الفتي، آنذاك، بعد الاستقلال، ومتطلبات استكمال وحدته الترابية، وإرساء قاعدة اقتصادية متينة لتنميته، وضمان توزيع عادل للثروات، لفائدة الجماهير الشعبية، وضمنها الطبقة العاملة والفلاحين والفقراء، وذلك في إطار الملكية الدستورية، والإسلام وموازين القوى التي كانت قائمة…( وهي بالمناسبة، مع الاحتفاظ بالمسافة اللازمة في أي مقارنة، المقاربة ذاتها، من حيث جوهر المنهجية، التي اعتمدتها اللجنة المركزية لحزبنا لدى اتخاذها قرار المشاركة في التجربة الحكومية الراهنة)
تجسيد الرفيق الراحل الحاج محمد بنبلا لهذه الصيغة تجلى، بشكل ساطع، في موقفه الثابت خلال المحاكمة الجائرة التي تعرض لها حزب التحرر والاشتراكية في يوليوز1969، بتهمة الإلحاد الواهية، وأفضت، ضدا على الحجج القوية للدفاع، إلى منعه من حقه في النشاط العلني، بعد نحو 14 شهرا من انتزاعه لهذا الحق الشرعي.
هذه المحاكمة الجائرة تمت، كما هو معروف، في أعقاب ندوة للأحزاب الشيوعية والعمالية، احتضنتها موسكو في الفترة ما بين 5و 17 يونيو من السنة ذاتها، وشارك فيها وفد من الحزب، ضم الرفاق على يعته وشعيب الريفي رحمهما الله والرفيق اسماعيل العلوي أطال الله عمره الذي اضطر إلى العودة للمغرب قبل يومين من انطلاق أشغال هذه الندوة، مشاركة متميزة تمحورت حول الدفاع بقوة عن القضية الوطنية، وقضية التحرر الوطني في العالم العربي وقضية الشعب الفلسطيني باعتبارها قضية شعب لا قضية لاجئين.
وقد انبرت ثلة من كبار المحامين لمؤازرة الحزب في هذه المحاكمة الجائرة، من بينهم الرفيق الأستاذ حميد لحبابي رحمه الله، والمرحوم الأستاذ عبد الرحيم بوعبيد، والأستاذ محمد بوستة، أمد الله في عمره، وفي هذه المحاكمة، التي جرت بحضور الرفيق الحاج محمد بنبلا، الذي كان قد قام في السنة نفسها بأداء مناسك الحج ضمن الوفد المغربي الرسمي، نادى الأستاذ امحمد بوستة على الحاج بنبلا كشاهد، وسأله عمن أرسله إلى الحج لأداء مناسك الحج، فأجاب: حزب التحرر والاشتراكية، ثم سأله عن من اتصل به لأجل ذلك، فأجاب: الرفيق علي يعته، مؤكدا أنه فخور بنضاله في صفوف حزب التحرر والاشتراكية وريث الحزب الشيوعي المغربي، وأن ذلك لم ينقص في شيء من قوة إيمانه وعمق تشبثه بعقيدته الإسلامية..
 وبعد ذلك نادى الأستاذ بوستة على الرفيق علي يعته، وسأله كيف فعل ليرسل الحاج بنبلا إلى مكة وفي أي ظروف، فكان جواب الرفيق الأمين العام، أن مجيد بنجلون، مدير الديوان الملكي آنذاك، هو الذي اتصل به وأخبره بأن للحزب( التحرر والاشتراكية)  الحق في مقعدين ضمن الوفد الرسمي للحجاج المغاربة، على غرار الهيئات السياسية الأخرى.
أما المحطة الثانية في المسار النضالي للرفيق الحاج بنبلا، فأود أن أشير إليها من خلال صورة فوتوغرافية للفقيد، تجمعه مع القائد الكبير والبارز لحزبنا المرحوم محمد شعيب الريفي، والمناضلين الاتحاديين، المرحومين عمر بنجلون وحبيب سيناصر، والحاضر معنا، هنا وفي القيادة الوطنية للحزب، الرفيق عبد الواحد سهيل( بلحية وقتذاك الشبابية الثورية) الذي يتضمن حسابه الفيسبوكي هذه الصورة، التي تعود إلى سنة 1975 ( عشية المسيرة  الشعبية الخضراء المظفرة) وتؤرخ للتجمع العمومي المشترك بين حزب التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بسينما الكواكب بالدار البيضاء.Sans titre-27
 في حينه ولاحقا، شكل هذا التجمع العمومي، الذي تحدث فيه رمزان بارزان من رموز حزبيهما واليسار ككل، الراحلان عمر بنجلون وشعيب الريفي، علامة مميزة، ومنارة هادية، لما كان ينبغي أن يكون عليه مسارومآل القوى اليسارية التقدمية الديمقراطية، في إطار العمل الوحدوي المشترك، الجاد والمجدي، وفق ما تقتضيه مستلزمات توطيد المسار الإصلاحي في أفق انجاز مشروع المجتمع الحداثي المنشود، القائم على الديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية.
إن لجوئي إلى هذه الصورة _ الحدث ليس أمرا اعتباطيا، بل هو نابع من مصادفة بليغة الدلالة، إن لم أقل أنها تنطوي على مساءلة، وهي أن تخليدنا يومه 18 دجنبر 2015 لأربعينية رفيقنا وفقيدنا العزيز محمد الحاج بنبلا يتزامن بالتمام والكمال، مع مرور أربعين سنة على اغتيال الشهيد عمر بنجلون في 18 دجنبر1975.
وهذه المصادفة جديرة بأن تكون، بعد الترحم على الأرواح الطاهرة للفقيدين وسائر شهداء الوطن، مناسبة لنؤكد مجددا، في حزب التقدم والاشتراكية، الذي يعد بحق مؤسس الثقافة الوحدوية في بلادنا بامتياز، حيث ظل هاجس وحدة الصف الديمقراطي وقوى اليسار ملازما له منذ نشأته، (لنؤكد) على أنه بصرف النظر عن الاصطفافات والتموقعات الظرفية، فإن حرصنا، من منطلق تقديرنا الموضوعي للظروف المميزة للمرحلة التاريخية الراهنة، على تيسير أسباب نجاح التجربة الحكومية الحالية في مواصلة انجاز المشاريع الكبرى والإصلاحات الأساسية، لا يتعارض مع استعدادنا المبدئي، كحزب اشتراكي يساري تقدمي ديموقراطي وحداثي، لبحث كل ما من شأنه أن يفضي إلى توحيد اليسار وسائر القوى الديموقراطية واليسارية، بما يجعلها حجر الزاوية في كل الجبهات النضالية، دفاعا عن قضايا الوطن ومصالح الشعب.
 رفيقاتي العزيزات، رفاقي الأعزاء،
أيها الحضور الكريم،
 لي اليقين أننا جميعا يخامرنا إحساس، بأن الرفيق الحاج محمد بنبلا، الذي لاشك سنفتقده، لم يرحل عنا إلا جسديا، لأنه بتجربته الثرية والمتفردة، كمناضل ثابت على مبادئ وقيم الاشتراكية، سيظل حاضرا بيننا، سائرا معنا ونبراسا لنا، فلنكن أوفياء لأعماله الجليلة وحافظين لذكراه الطيبة، ومواصلين للمشوار النضالي الذي كرس له حياته، وضحى بالغالي والنفيس من أجله بروح تضحية عالية ونكران ذات قل نظيرها.
 تعازينا الحارة، مجددا، لأهله وذويه.. ورحمة الله عليه.

–  المحجوب الكواري*:
كان الفقيد ذا حس إنساني كبير وعميق امتلكه من خلال شخصيته السياسية والتزامه النقابي

السيدة فاطمة ابنة المرحوم الحاج بنبلا
السيد ادريس مرافق الرفيق الحاج حتى الساعات الأخيرة من حياته
عائلة المرحوم
الرفيق محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام للحزب رفاقي رفيقاتي
في صبيحة يوم الاثنين 16 نونبر الماضي، عشية الذكرى الستين ( 60) لعيد الاستقلال، غادرنا إلى دار البقاء الرفيق الحاج محمد بنبلا. غادرنا الرفيق الحاج بنبلا كما كان ينادونه رفيقاته ورفاقه في صمت مدوي دون إنذار ودون نداء استغاثة. و كأنه كان يتحاشى ما سوف يتسبب فيه نبأ وفاته من حزن وحسرة وألم لذويه والرفيقات والرفاق في حزبه وأصدقائه.  لأن المرحوم الرفيق الحاج بنبلا ذا حس إنساني كبير وعميق امتلكه من خلال شخصيته السياسية والتزامه النقابي في نقابة الموحدة للنسيج التابعة للاتحاد المغربي للشغل.
فبمساره عبر الحزب الشيوعي المغربي والنضال الرهيب في ظل السرية، وبعد ذلك النضال من أجل الديمقراطية في ظل حزب التحرر والاشتراكية وبعده النضال من أجل ترسيخ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة وتحسين عيش المواطنات والمواطنين والنضال الذي يخوضه حزب التقدم والاشتراكية، أفضى إلى تواجده اليوم من بين الموقعين على عقد ميلاد الحزب إلى جانب فقيد الوطن والشعب المرحوم الرفيق علي يعته والقيادي المحنك المرحوم الرفيق شعيب الريفي.
رفاقي رفيقاتي ..الحضور الكريم.
 إن هذا المسار المتميز إلى جانب سيرة لم تعرف يوما خرقا للمبادئ والطابع الشعبي ونكران الذات، كلها عناوين أعطت للمرحوم الحاج صفة المناضل المثالي التي وصفه بها الرفيق إسماعيل العلوي رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية.هذه الهيئة الحزبية التي انتخبت الحاج من بين أعضائها خلال المؤتمر 10 للحزب وساير اجتماعاتها إلى أن منعه المرض من التنقل. أجل إن المرحوم الحاج بنبلا كان يشكل نموذجا فريدا لقيادي في تاريخ حزبنا.
الحاج بنبلا الإنسان، كان يتجنب إزعاج الآخر مهما كانت الظروف ومهما كلفه الأمر ذلك. إلا أنه بقدر ما كان متواضعا في سلوكه وتعامله، فإنه كان شامخا عظيما ثابتا على المبادئ، حين يتعلق الأمر بالوطن، أو حين يتعلق الأمر بقضايا الطبقة العاملة أو حين يتعلق الأمر بهموم الشعب، وقد خاض معارك نضالية في كل هذه الجبهات إن على الصعيد الوطني أو على الصعيد المحلي بمدينة الدار البيضاء. وقد استطاع بفضل سلوكه وتعامله الواضح أن يبني علاقات مع رفاقه الشباب من فوج المؤتمر الأول لحزب التقدم والاشتراكية وفوج المؤتمر الثاني، إذ كان المرحوم الحاج بنبلا يتميز من بين أعضاء المكتب السياسي بطاقة خاصة للتواصل والإنصات والنقاش مع الرفيقات والرفاق على صعيد ناحية الدار البيضاء .
وهذا الطبع وهذا السلوك، جعل منه رفيقا يحظى باحترام وتقدير كافة الرفيقات والرفاق. لذلك كان الرفيق بنبلا العامل بمعمل النسيج بأنفا وعضو المكتب السياسي للحزب من أبرز المكونين الميدانيين لحزب التقدم والاشتراكية، إذ كان رحمه الله دائما متواجدا من أجل إرساء التنظيم الحزبي في مختلف الأنشطة التي ينظمها الحزب دفاعا عن قضايا الوطن والشعب، وفي السعي المتواصل من أجل وحدة اليسار، وفي الدفاع عن قضايا الطبقة العاملة والسعي إلى وحدتها، وفي البيع النضالي لصحافة الحزب، وهذه مناسبات كانت كلها فرصا لتكوين ميداني للرفيقات والرفاق.
وفي هذا الإطار نفسه، استفدت ككاتب أول لناحية الدار البيضاء آنذاك من التكوين من طرف قيادي متمكن ومبتكر لأساليب لمواجهة المشاكل التنظيمية وحلها في إطار توافقي. إن نقاش المرحوم الحاج بنبلا كان درسا تكوينيا وعمله النضالي درسا ميدانيا وتعامله درسا أخلاقيا. رجل بشوش دائم الابتسامة وقليل الغضب، أستاذ في ضبط النفس واحترام الآخر. إنها الدروس نفسها التي وضعها حزب التقدم والاشتراكية في قوانينه.
ونحن نحيي اليوم الذكرى الأربعينينة لوفاة قيادي من طراز الحاج محمد بنبلا لا يمكن أن نطوي هذه الصحيفة دون أن نلتمس من قيادة الحزب، من الرفيق نبيل بنعبد الله  الأمين العام لحزبنا حزب التقدم والاشتراكية من أجل السهر على التعجيل بخلق مؤسسة على يعته أو مرصد للحفاظ على ذاكرة الحزب والسلام.
* عضو مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية

– عبد السلام الصديقي*:
 الفقيد كان مناضلا عصاميا ترك بصمات واضحة على مسار الحزب

ارتأيت أن أشارك بدوري في هذا الحفل التأبيني، لرفيق عزيز علينا، تقاسمنا وإياه  محطات نضالية وأخوية، امتزج فيها النضال والصداقة والحميمية، حيث استقبلته عدة مرات  وسط أسرتي. لذا أحس بنوع من الإحباط، لأنه من الصعب أن أعبر عن ما أشعر به، من حزن وألم على فقدانه.
لقد تعرفت على الفقيد الحاج بنبلا، في بداية الثمانينات، حيث كنت أدرس آنذاك بكلية الحقوق  بطريق الجديدة بالدار البيضاء، وكنا نلتقي  رفقة رفاق  آخرين  بمنزل أحد الرفاق بالدار البيضاء، لمناقشة الأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد، حيث كان الرفيق بنبلا متميزا بقدرته على تفسير الأوضاع السائدة آنذاك، مهما بلغت تعقدها،  بأسلوب سلس. وكان يتمتع  بروح نقدية  عالية وينبذ الدوغمائية.
كما شاركت في دورة تكوينية ببلغاريا في بداية الثمانينيات، كان يترأس وفد المشاركين فيها الفقيد الحاج بنبلا، فتبادلنا الرأي آنذاك في موضوع الاشتراكية الواقعية، حيث كانت آراؤنا منسجمة.
وعموما، فقد كان الفقيد مؤمنا بفضيلة الحوار، ويناقش بهدوء ، وقد سررت بالتعرف عليه أكثر في هذه الدورة التكوينية، كما كان الشأن بالنسبة لمجموعة من الرفاق، فعندما تجالسه، لاتظن  أنك أمام عامل بسيط، بل على العكس، يتبادر إلى ذهنك منذ اللحظة الأولى، أنك أمام  مناضل له تكوين سياسي عميق، ومن ضمن المناضلين العصاميين، الذين تركوا بصمات واضحة على مسار الحزب سواء في حياتهم، أوبعد رحيلهم من خلال التراث النضالي الزاخر الذي تركوه للأجيال القادمة.

* عضو المكتب السياسي 

– أحمد بوكيوض*:

الحاج بنبلا كان مثالا ونموذجا للعامل المناضل والكادح الواعي الذي جد واجتهد لاكتساب أدوات معرفية في التكوين السياسي والقدرة على تحليل الأحداث

بكل إجلال وتقدير، أساهم في هذا الحفل التأبيني الذي نستحضر فيه جميعا ذكرى الرحيل الحاج محمد بنبلا.
الرفيق الحاج  بنبلا، تعرفت عليه منذ ما يقارب نصف قرن من الزمن، وكان أول رفيق أقابله بعد التحاقي بصفوف الحزب، وبالذات في خلية المدينة القديمة.والحقيقة أنه من الصعب الخوض في تفاصيل المسار النضالي الذي جمعنا بالرجل. ولذلك سأكتفي ببعض رؤوس أقلام مستوحاة من هذا المسار، مع محاولة ربطها ببعض قضايا الراهن السياسي والتنظيمي.
أولا: إن تأبين الفقيد بنبلا كما غيره من القادة والمناضلين والمناضلات الذين رحلوا عنا إلى دار البقاء، هو عربون وفاء وتقدير لما قدموه من عطاءات وتضحيات، وإن استمرار نبض الحزب  وتوافد الطاقات الجديدة على صفوفه، وانصهار وتمازج التجارب والكفاءات داخله، يعني أن الوضع الطبيعي في تنظيمات حزب التقدم والاشتراكية هو تكامل وتعاقب الأجيال وليس صراع الأجيال.
ثانيا: الحاج بنبلا كان مثالا ونموذجا للعامل المناضل والكادح الواعي الذي جد واجتهد لاكتساب أدوات معرفية في التكوين السياسي والقدرة على تحليل الأحداث والظواهر المجتمعية، مما مكنه من الاجتهاد في التعريف بمبادئ الحزب ومشروعه السياسي. واليوم، وحين الحديث عن هوية الحزب ومبادئ الحزب وقيم الحزب، فنحن مساءلون في مجال الاهتمام بالتكوين وبالنقاش السياسي وبالاجتهاد الفكري، لأن الاجتهاد فكرا وممارسة هو ما يمكن الحزب من مواكبة التحولات الاجتماعية والتأثير فيها.
ثالثا: الحاج محمد بنبلا، والى جانب حضوره المتواصل في القيادة الوطنية للحزب وكونه كان من الموقعين على الوثائق التأسيسية لحزبي التحرر والاشتراكية والتقدم والاشتراكية، كان لعدة عقود من بين الأعمدة الأساسية للنشاط الحزبي في هذه المدينة، الى جانب رفاقه ومنهم من رحلوا عنا كالفقيه اوبلا القوقجي، شعيب الريفي، عبد المجد الدويب، شمعون ليفي، أحمد السربوتي، محمد أنيق، سعيد الرايس وغيرهم، دون نسيان الأحياء طبعا.
ومنذ بداية السبعينات، بالخصوص، ساهم الرفيق الحاج بفعالية كبيرة في ما يمكن أن نسميه بإعادة تأسيس وبناء التنظيمات الحزبية داخل الدارالبيضاء أولا، ثم في مناطق « ناحية الدارالبيضاء» التي كانت تمتد، تنظيميا، إلى سطات والجديدة والى سيدي بنور وسيدي سليمان. وكان من ثمار هذا العمل أن تأسست العشرات من الفروع والخلايا الحزبية بمجموع هذه المناطق، وفي العديد من المؤسسات الإنتاجية والخدماتية، وفي الجامعة وفي مجموعة هامة من الثانويات كما تم توفير المقرات والتجهيزات لكل هذه الفروع. وبشكل مسترسل، تزايد حضور حزب التقدم والاشتراكية بين مختلف شرائح المجتمع البيضاوي، وتجلى ذلك من خلال عدة تظاهرات ومهرجانات سياسية ، ونضالات متعددة الأشكال من أجل مطالب وحقوق الساكنة، وفي مختلف الميادين، ومن أجل دمقرطة تدبير الشأن المحلي والنهوض بمرافقه إلى غير ذلك، مما لا يسمح الوقت  بالتوسع فيه. على أنه إذا كان من المهم الحديث عن الجوانب المضيئة لتجارب الحقب السابقة، فيبقى الأهم الاهتمام بقضايا وإشكالات اليوم. ولذلك، أعتبر بأن أحسن تكريم وأفضل تقدير يمكن أن يقدم لرواد ورائدات وقيادات تلك الحقبة هي التركيز على تقدم البلاد والارتقاء بمستوى عيش المواطنين.
وهذا هو الأمر بالنسبة لنا في هذه الجهة وفي هذه المدينة التي كانت محور النشاط السياسي لرفيقنا بنبلا. وفي هذا الصدد لا بد من أن نلاحظ بأن الانتخابات الأخيرة خلقت خريطة جديدة  على مستوى تدبير الشأن، وإن الدار البيضاء عرفت وضعا جديدة على مستوى تدبير الشأن، وان الدار البيضاء عرفت وضعا جديدا  منذ عهد المجموعة الحضرية. وفي ظل هذا الوضع ، وبرغم تواضع حصيلته الانتخابية، فان حزب التقدم والاشتراكية يمكنه أن يضطلع بأدوار مهمة في التأثير على القرار المحلي والجهوي، وفي طرح البدائل الكفيلة بمعالجة الاشكالات والملفات الكبرى للمدينة والجهة.
وهذا ا يتطلب بالضرورة تنسيق عمل الرفاق والتنظيمات الحزبية، والعناية أكثر بتتبع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، عوض التركيز على القضايا التنظيمية وردود الفعل اللا مجدية، مع الأمر الآخر الهام والأساس، وهو توسيع قنوات الاتصال والتواصل مع فعاليات المجتمع المختلفة، حتى نوفر أجود التعاون والتعبئة  اللازمة لتجاوز اختلالات الماضي وتصحيح المسار ببلورة انتظارات الساكنة وتسريع وتيرة التنمية المحلية.
*  الكاتب السابق لخلية الحزب بالمدينة القديمة بالدار البيضاء

– نورالدين برشيد*:

المجد للبذلة الزرقاء..

المجد للبذلة الزرقاء، المجد للمعاول، المجد للسنابل، للضفائر، لسواعد العمل، لزارعي الأمل،المجد لمن سبقونا في النضال، حين لم يكن للنضال غاية غير النضال، نضال من أجل مغرب حر وديمقراطي، مغرب الكرامة، مغرب هامته في السماء. كلما فقدنا رفيقا من طينة الرفيق بنبلا، فقدنا مناضلا من أولئك الرفاق الذين قبضوا على الجمر في سنوات الجمر، بنوا قلعتنا العتيدة، حزبا وطنيا أمميا صرحا ينشد الخلود، خدمة لقضايا الشعب ونصرة لأقلام المتنورين وغصة في حلق الرجعيين والعدميين.
الرفيق بنبلا رفيق ليس ككل الرفاق، رفيق أتى من صفوف الطبقة العاملة، رفيق آمن بقضايا هذه الطبقة وقضايا كل الكادحين، فانضم إلى صفوف المناضلين، لأن للتغيير طريق والحزب هو الطريق والنبراس…
الرفيق بنبلا ذلك العالم البسيط، سيتخرج من مدرسة عليا، كونته فأحسنت تكوينه، هذبته
فأحسنت تهذيبه، هي مدرسة الحزب، وفي خضم معارك النضال صقل أدواته المعرفية، أهلته لكسب ثقة رفاقه، مسؤولا في ناحية الدار البيضاء، والتي كان له فيها حضورا متميزا وفي قيادة الحزب، كعضو في مكتبه السياسي.
الرفيق بنبلا، هو كذلك المناضل التقدمي داخل الاتحاد المغربي للشغل، دفاعا عن قضايا العمال عموما وعمال النسيج على الأخص.
الرفيق بنبلا من جيل الستينات، مسار نضالي نفتخر به، استمرارية في القناعات، استمرارية في النضال، استمرارية في الوفاء للمبادئ وما بدل تبديلا.
الرفيق بنبلا العامل البسيط، سيجالس ويناقش ويحاور المسؤولين الحزبيين وطنيا وأمميا، خلال تجواله في مدن عديدة، وبلدان عدة، ويكون بذلك ندا لمناضلين لهم مكانة وحظوة، ويكسب صداقات من مختلف فئات الشعب.
الرفيق بنبلا صقلته المعارك والتجارب، إذ راكم رصيدا معرفيا متميزا عبر تحمله مختلف المسؤوليات.
الرفيق بنبلا كان يعمل في صمت، ويغادرنا في صمتن غير أن في غيابه حضور، حضور عبر الأجيال .، عبر شباب سيستحضر ماضيه المجيد ليس لتحنيطه، بل ليكون نبراسا لمواصلة الطريق، طريق النضال، طريق يطبعه التجديد بدون تبديد.

المجد للبذلة الزرقاء               لسواعد العمل
لمنبع الرخاء                       لزارعي الأمل
بسواعد المعاول                   تزهرالحقول
المجد للمناجل                     مجدا لن يزول
المجد للضفائر                     تهزم المحال
أنشودة كل ثائر                    رفيقة النضال
المجد للقلم                          أبهى رفيقا
يدحر العدم                          ينير الطريق

المجد لرفيقنا بنبلا، المجد لكل رفاقنا، أساتذتنا في النضال، علي يعته، عبد الله العياشي، عبد السلام بورقية، شمعون ليفي، عبد المجيد الذويب، القوقجي، أنيق، عبد الكريم بنعبدالله، ولائحة الخالدين طويلة طويلة…. كدرب النضال..

* مناضل بحزب التقدم والاشتراكية

Related posts

Top