في زمن كورونا..الأرض تنتعش بفضل تحسن مؤشر البصمة الإيكولوجية

تزداد كل يوم وتيرة الاستهلاك لدى الإنسان في كوكب أزرق محدود الموارد. وأصبح ما يعرف بـ”يوم تجاوز موارد الأرض” يأتي كل عام في موعد أبكر من سابقه، إلا أنه في زمن كورونا، وخلافا لكل التوقعات، فقد قرر هذه السنة التراجع عن موعده بثلاثة أسابيع إلى الوراء، حيث سيصادف يوم السبت 22 غشت المقبل، بعدما كانت المنظمة غير الحكومية “غلوبال فوتبرنت نتوورك” قد أعلنت في العام الماضي تاريخ 29 يوليوز يوما لتجاوز موارد الأرض، ومن تم تكون البشرية قد استهلكت مجمل الموارد القابلة للتجدد المتوافرة لمدة سنة كاملة في غضون ثمانية أشهر تقريبا )سبعة أشهر وثلاثة أسابيع( أو بمعنى آخر يتطلب الأمر 1.75 كوكب أرض لتلبية حاجيات سبع مليارات و سبعمائة مليون من سكان العالم.

22 غشت يوم تجاوز موارد الأرض

يشكل هذا اليوم “انعكاسا تاريخيا” مقارنة بالاتجاه طويل المدى لزيادة البصمة البيئية العالمية، تفسره التدابير الاحترازية التي تم وضعها في جميع أنحاء العالم استجابة لوباء كوفيد 19، ومع ذلك فإن هذه الحسابات تقدم شكوكا كبيرة لدى العديد من الخبراء ولا ترضي العديد من زعماء الدول والحكومات لأن هذا المؤشر يفضح وبقوة مدى الدمار الذي تعيشه الأوساط الطبيعية والموارد المائية ومدى العجز المائي الذي ستعيشه العديد من البلدان نتيجة الاستهتار في التعامل مع هذه المادة الحيوية، بالإضافة الى النمط الاستهلاكي الفردي غير المعقلن.
وكما يقول ماتيس واكرناجل رئيس منظمة “غلوبال فوتبرنت نتوورك”. فالجائحة أظهرت أن “التغييرات الرئيسية والسريعة ممكنة، لكن هذا الانخفاض في بصمتنا البيئية مفروض وغير مرغوب فيه، وبما أنه لا يأتي مع تغيير نظامي في أنماط الإنتاج والاستهلاك لدينا، فلن يستمر”.

ما هو يوم تجاوز موارد الأرض؟

يوم تجاوز موارد الأرض هو التاريخ الذي تكون فيه البشرية قد استهلكت العديد من المواد والموارد أكثر من تلك التي تكون الأرض قادرة على تجديدها في سنة من الوقت، كالأسماك والغابات والأراضي الصالحة للزراعة، وهو يحتسب منذ العام 2003 بمبادرة من منظمة “غلوبال فوتبرنت نتوورك” الأميركية لإظهار الاستهلاك متسارع الوتيرة لسكان الأرض الذين يزداد عددهم في كوكب محدود الموارد.
ويحتسب هذا التاريخ بالاستناد إلى البصمة الإيكولوجية للأنشطة البشرية: المساحات البرية والبحرية الضرورية لإنتاج الموارد المستهلكة وامتصاص مخلفات البشر، من جهة وقدرة الأرض الحيوية من جهة أخرى، أي قدرة الأنظمة البيئية على التجدد وامتصاص النفايات التي يولدها الإنسان، خصوصا فيما يخص احتباس ثاني أكسيد الكربون.
وحسب المنظمة غير الحكومية “غلوبال فوتبرنت نيتوورك” فقد شرع في تسجيل العجز البيئي منذ فترة السبعينات وتحديدا يوم 29 دجنبر 1970 ثم 4 يوم نونبر 1980، وصولا إلى يوم 11 أكتوبر 1990 ويوم 23 شتنبر 2000 ويوم غشت 2010 ويوم 22 غشت 2020.
هناك اختلافات هائلة بين البلدان مرتبطة خصوصا بنموها الاقتصادي ونماذج الإنتاج والاستهلاك المتبعة فيها، ولتصوير هذه الفروق، تحتسب شبكة “غلوبال فوتبرنت نيتوورك” يوم تجاوز موارد الأرض لكل بلد على حدة، ما يوازي تاريخ حصول هذه الحالة إذا ما كان العالم بأسره يستهلك مثل هذا البلد، وهي مسألة اختيارية حيث لا يمكن أن نجد جميع الدول مسجلة على لائحة المنظمة الغير الحكومية.
وبينت حسابات عام 2020 أن هذا التجاوز البيئي كان ليحصل يوم 11 فبراير لو كان العالم برمته يستهلك الموارد بقدر دولة قطر، وفي يوم 18 مارس في حالة دولة كندا، وفي يوم 14 ماي في حالة دولة فرنسا، وصولا إلى يوم 16 دجنبر في حالة دولة المغرب.
وبعبارة أخرى، لو كان سكان العالم بأسره يعيشون كالأميركيين، كنا سنحتاج إلى خمسة كواكب لسد حاجيات البشرية بصورة مستدامة أو 2.2 كوكب لو كان العالم يعيش كالصينيين.
يكتسي “يوم تجاوز موارد الأرض” أهمية رمزية، غير أن السلوكيات التي يسلط الضوء عليها وتبعاتها موثقة على نطاق واسع من العلماء، من الاضطرابات المناخية إلى الزوال الكارثي للأجناس والأنظمة البيئية.
وتحدد آخر تقارير الخبراء في الأمم المتحدة بشأن الاحترار المناخي والتنوع الحيوي بوضوح الاتجاهات الواجب إتباعها، بما يشمل تقليص انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة واستخدام مصادر الطاقة الأحفورية والتغيير الجذري لنموذج الإنتاج الزراعي، وأشار “الصندوق العالمي للطبيعة” إلى أنه “من خلال تقليص استهلاك البروتينات الحيوانية إلى النصف، يمكننا إرجاء هذا الموعد 15 يوما”.

ما هو الهدف من يوم التجاوز؟

قبل كل شيء يهدف تحديد يوم التجاوز إلى زيادة الوعي بحماية البيئة، وبالرغم من ذلك يتم انتقاد مفهوم “يوم التجاوز” بانتظام لتقريبه، ففي عام 2010 اعتقد الرئيس السابق لمنظمة صندوق حماية الطبيعة غير الحكومية في المملكة المتحدة “ليو هيكمان” أنه من المستحيل تجميع مثل هذه البيانات المتنوعة للوصول إلى رقم واحد”، و”أن هذا يرقى إلى “مقارنة التفاح والإجاص من أجل الوصول إلى نتيجة شاملة”.
وتضيف المنظمة غير الحكومية أن هذا “الانكماش المفاجئ للبصمة البيئية من سنة إلى أخرى” ليس مرضيا، لأنه ناتج عن كارثة عالمية وليس عن “انعكاس مخطط له”، وبعبارة أخرى فالأمر متروك لصانعي القرار السياسي لتطبيق “مبدأ التجديد” الدائم، وليس فيروسًا لإجبار الأشياء، وتعتقد شبكة البصمة العالمية أن الوباء قد أظهر قدرة الحكومات على التصرف وبسرعة: “سواء من حيث السياسات العامة والإنفاق عندما تضع الحياة البشرية فوق كل اعتبار”.
لذلك لابد من بذل الجهود المتضافرة لوضع سياسات حقيقية للتنمية المستدامة من خلال الإصرار على التطور السلبي لمؤشرها، مع العلم أن البشرية تستخدم 60٪ أكثر مما يمكن تجديده بقدر ما نحن نعيش على 1.6 كوكب”.

البصمة البيئيــــة أو البصمة الإيكولوجية؟

إن تدهور الأنظمة البيئية بشكل مستمر وبسرعة متزايدة يبرز الحاجة الملحة إلى الاستدامة وإلى التنمية المستدامة، فإدارة التنمية المستدامة تحتاج إلى الأدوات والطرق لحساب الطلب على الموارد البيئية وكذلك لحساب قدرة هذه الموارد على الاستمرارية.
وتعرف البصمة البيئية بكونها أداة محاسبية تجعل من التنمية المستدامة عنصراً قابلاً للقياس عن طريق قياس الاستهلاك الإنساني لمجاله الحيوي مقارنة بقدرة هذا المجال الحيوي على تجديد ذاته، على المستوى العالمي تظهر تحاليل البصمة البيئية أن المجتمع الإنساني في حالة تجاوز حيث أن استهلاك المجال الحيوي يزيد بمقدار 80% عن قدرة المجال على تجديد ذاته في العام 2002.
ويمكن استخدام البصمة البيئية بواسطة الأفراد والشركات والحكومات للوصول إلى التنمية المستدامة، كذلك تساعد مؤشرات البصمة البيئية على صناعة القرار فيما يتعلق باستخدام الموارد البيئية والتعرف على الطرق والوسائل التي يمكن بها التقليل من الضغط على المنظومات البيئية.

قطر بطل العالم في البصمة الإيكولوجية

في بداية التسعينات بدأ باحثون في جامعة كولومبيا بقياس مساحة الأرض المطلوبة لتزويد السكان بالمواد والموارد بشكل عام بناء على معدلات الاستهلاك المتباينة جغرافيا وكذلك قياس المساحة التي يتطلبها امتصاص نفاياتهم، وقد أطلق على هذه الطريقة المبتكرة “البصمة الايكولوجية وتقاس بالهكتار.
في بعض البلدان مثل قطر أو الامارات العربية المتحدة أو الكويت أو الولايات المتحدة الامريكية، تعتبر البصمة البيئية أكبر من مساحة البلاد نفسها بسبب اعتمادها الكامل على الواردات، أو بسبب الاستغلال الجائر لمصادرها، وكذا قدراتها على امتصاص النفايات، وقد خرج الباحثون في الجامعة بنتيجة تؤكد أن الموارد المطلوبة لتأمين مستوى معيشة مثل الذي يتمتع به المواطن الخليجي عامة سواء كان قطريا أو كويتيا أو إماراتيا أو المواطن الأميركي أو المواطن الكندي: فالمواطن الألماني مثلا يتطلب ثلاث كرات أرضية أخرى مثل التي نعيش عليها، في حين يحتاج المواطن الامريكي خمس كرات أرضية، وتؤكد هذه الدراسات أن البصمة البيئية للولايات المتحدة لوحدها تستحوذ على أكثر من 20% من المساحة الكلية لكوكب الأرض.
ومن أبرز المفاهيم التي طورها الفكر الاقتصادي الأوروبي المستدام مؤخرا، مفهوم “المساحة البيئية والذي يرتبط إلى حد ما مع مفهوم البصمة البيئية، إلا أنه يستخدم في تحديد الحصة العادلة لكل دولة في العالم من الموارد الطبيعية ومدى تجاوزها لهذه الحصة، ويقوم بتحليل معيار العدالة البيئية في ذلك، وهذا ما أدى أيضا إلى تطور مفهوم الديون البيئية.
ومن أبرز المحاولات في هذا الصدد ما قام به الباحثون الألمان في معهد “فوبرتال” للبيئة والمناخ في الدراسة الشهيرة ” تخضير الشمال” والتي قدم فيها المعهد خلاصة لنتائج أبحاثه في كيفية انتقال المجتمعات الأوروبية إلى الاستدامة، وطور من خلال الدراسة مفهوم المساحة البيئية.
وينطلق المفهوم من حقيقة أن معظم السياسات البيئية في العالم تركز في عملها على تقليل انبعاث الغازات الدفيئة من الأنشطة الاقتصادية وتكون بذلك حققت نجاحا ملحوظا خاصة لدى الدول الأوروبية، حيث تركز الدراسة الألمانية على دورة حياة السلعة الإنتاجية كونها مادة خام ومن ثم مرورها بعمليات الإنتاج وأخيرا انبعاث الغازات الدفيئة وطرح النفايات في الأوساط الطبيعية.
وتشير المساحة البيئية إلى المساحة من الأرض التي يمكن استغلالها بدون إحداث ضرر نهائي لا يمكن تصليحه في عناصرها الأساسية، ويعني المفهوم بالتالي القدرة الاستيعابية للأرض والموارد الطبيعة على دعم النشاطات الاقتصادية ويركز على الحدود الاستثمارية لها، وتؤكد الدراسة أن الدول الصناعية قد تجاوزت بكثير المساحات البيئية المحددة لها طبيعيا بينما لا تزال الدول النامية غير قادرة على الوصول إلى استغلال المساحة البيئية التي تستحقها، وهذا ما يؤكد عدم وجود عدالة بيئية في استثمار الموارد الطبيعية.

تزايد استهلاك المواطن الفرنسي

كلما زاد استهلاكنا واستنزافنا للموارد الطبيعية لكوكب الأرض وبشكل كلما زادت نفاياتنا، وهذا لا يخلو من عواقب على صحتنا وبيئتنا، وفي زمن كورونا تغير نمط استهلاكنا وأثر بشكل كبير على محيطنا، ففي فرنسا مثلا قام الفرنسيون “بتغيير نمط استهلاكهم بالكامل مما تسبب في إعادة تنظيم عامة لإمدادات الغذاء”.
و قدرت رئيسة الاتحاد الوطني لنقابات المزارعين كريستيان لامبرت: “زيادة كمية استهلاك المواطن الفرنسي في زمن كورونا بـزيادة 140٪ في مبيعات الدقيق، وبزيادة 99٪ في المعكرونة، إنه أمر لا يصدق من حيث التغيير، لكننا اتبعنا ذلك” و تؤكد الرئيسة: “كان هناك الكثير من عمليات الشراء والمشتريات الاحترازية من جانب الفرنسيين الذين يخشون من النقص والذين يخافون من نفاذ الكمية والذين يخرجون أقل، لذا قام الفرنسيون بشراء المنتجات الجافة التي وتم ملأ الخزائن من المنتجات التي يمكن أن تستمر لفترة طويلة حيث هناك عدد أقل من الجبن واللحوم “.
في زمن كورونا وبعد إغلاق المطاعم والمقاهي تضيف الرئيسة: “تغيرت طرق اقتناء المواد الغذائية والمستلزمات الضرورية للبيت، حيث أصبحت أماكن الشراء هي الانترنت نظرا لظروف الحجر الصحي، الشيء الذي أدى إلى ارتفاع أثمنة بعض المواد بنسبة 65٪ في عمليات البيع والتسليم والإيصال للمنزل بالسيارة ما لم يسبق رؤيته من قبل”.
وبشكل عام، ظلت الأسعار مستقرة في فرنسا باستثناء بعض أنواع الفواكه والخضروات الطازجة في حين تم التخلي عن مجموعة من الخضر والفواكه التي بقيت في الحقول. وقالت رئيسة الاتحاد الوطني لنقابات المزارعين: ” لا يحصد المزارعون عندما لا يكون ذلك مربحا “
وعلى الرغم من الفيروس التاجي، واصلت فرق التنظيف في مدينة باريس جمع القمامة وتنظيف الشوارع الباريسية من خلال تكييف معدات الحماية وتطهير المعدات والمركبات.
بالنسبة للمدينة فإن الأولوية هي ضمان المهام الأساسية للخدمة العامة بما في ذلك جمع النفايات وتنظيف الشوارع، وبالتالي يتم تعبئة 1000 عامل تنظيف يوميا على الأرض و130 شاحنة تفريغ في المدينة و130 مركبة من مزودي الخدمات الخاصة تجمع النفايات يوميا، وأخيرا يتم استخدام ما يقرب من 100 مركبة لتنظيف الأرصفة والأرصفة.
ومع إغلاق المطاعم انخفض حجم النفايات المنتجة يوميا في باريس، حيث في أيام الحجر الصحي يتم جمع ما معدله 12900 طن من النفايات يوميا في حين كان يتم جمع حوالي 19000 طن في الأيام العادية.

تقرير البنك الدولي

إذا كانت إدارة هذه المليارات من أطنان النفايات تتم بشكل جيد نسبيا في البلدان الغنية، فغالبا ما ينتهي بها الأمر في مطارح عشوائية مفتوحة في البلدان التي لا تملك القدرة على جمعها ومعالجتها، حيث من المنتظر أن تعرف كمية النفايات الناتجة عن الاستهلاك الفردي زيادة بنسبة 70٪ في غضون 30 عاما القادمة، هذا ما جاء به البنك الدولي في تقريره الأخير، وهذه الزيادة تثير الانزعاج لأنها ستحدث إلى حد كبير في البلدان النامية حيث غالبا ما يتم الاعتناء بالنفايات ومصادر التلوث بشكل سيئ.
ويتجاوز الإنتاج السنوي للنفايات المنزلية والنفايات الشبيهة لها بالفعل ملياري طن في السنة، بسبب التحضر السريع، وارتفاع مستويات المعيشة والنمو السكاني ومن المرجح أن يزيد هذا الحجم بنسبة 70٪ إلى 3.4 مليار طن في عام 2050، وفقا للبنك الدولي.
في دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ستضطر البلدان إلى مواجهة تزايد كتلة النفايات الى ثلاثة أضعاف أي بأكثر من 516 مليون طن مقارنة بــــــــــــــــــ 174 مليون طن المسجلة حاليا. هي كارثة إذن تنتظر دول افريقيا غرب الصحراء خاصة وأن هذه البلدان لديها القليل من البنية التحتية لإدارة هذا التدفق الخطير.
عبر العالم ينتج كل فرد في المتوسط 0.74 كيلوغرام من النفايات يوميا، الرقم الذي يخفي تفاوتات واسعة حيث من 0.11 كيلوغرام في ليسوتو الإفريقية إلى 4.50 كيلوغرام في برمودا الكاريبية، و ترتبط هذه الاختلافات ارتباطا وثيقا بمستوى تقدم و تطور الدول، فكلما ارتفع مستوى معيشة الأفراد زاد استهلاك السكان للمنتجات الجاهزة مما يؤدي إلى إنتاج المزيد من العبوات البلاستيكية المخصصة لتعبئة المنتجات وبالتالي يكون مصيرها في نهاية المطاف هو التخلص منها في أقرب حاوية للنفايات، فبالرغم من أنها لا تمثل سوى 16٪ من سكان العالم فإن الدول المتقدمة تنتج 34٪ من نفايات العالم.
وتمثل مخلفات الطعام والنباتات حوالي 44٪ من الحجم الإجمالي للنفايات عبر العالم، وتأتي النفايات البلاستيكية في المرتبة الثانية بنسبة 17٪ من حجم النفايات، ومرة أخرى يمكن ملاحظة الفوارق الكبيرة اعتمادا على مستوى تقدم البلدان، وتنتج الدول ذات الدخل المنخفض المزيد من المخلفات الغذائية، بينما تنتج الدول المتقدمة المزيد من المخلفات الغذائية “الجافة” عبارة عن بلاستيك أو ورق أو معدن أو زجاج خاصة تلك القادمة من قطاع الصناعة الغذائية والمنتجات الاستهلاكية.

تجميع النفايات بكندا في زمن كورونا

في كندا من المعتاد رؤية شاحنة جمع النفايات تمر عدة مرات في الأسبوع خارج المنزل، ولكن للأسف هذا بعيد عن كون هذا السيناريو يمكن نسخه في أماكن أخرى عبر العالم، فبالكاد يتم جمع 39٪ من النفايات في البلدان المنخفضة الدخل، وفي كثير من الأحيان يتم حرق ما تبقى من النفايات التي لم يمكن مجمعها في الجزء الخلفي من المنزل أو إلقاؤها في الشارع من قبل الأسر مما يؤدي إلى مشاكل مرورية في المدن ويعزز انتشار الأمراض.
في كندا يتم طمر الغالبية العظمى من نفايات المجال الحضري فمن بين كمية النفايات التي يتم تجميعها نجد 37٪ مدفونة و33٪ متبقية في العراء، وبالكاد يتم إعادة تدوير 19٪ منها أو تسميدها و11٪ منها يتم حرقها.
ولا تزال إعادة التدوير من صلاحيات الدول الغنية، ففي البلدان منخفضة الدخل إذ يتعلق الأمر بـنسبة 4٪ فقط من النفايات، وتنتهي الأغلبية الساحقة من النفايات أي حوالي 93٪ في مطارح النفايات العشوائية أو تلك المفتوحة على الهواء الطلق والتي بشكل أو بآخر لا تدار بشكل جيد حيث تتسرب الليكسيفيا والمركبات السامة في التربة ثم إلى الفرشة المائية وبالتالي فهي تصبح ضارة بالبيئة وبصحة الإنسان.
وينتج عن جمع ومعالجة النفايات 1.6 مليار طن من الكربون سنويًا أي حوالي 5٪ من إجمالي انبعاثات الغازات الدافئة المسببة للاحتباس الحراري، وإذا لم يتم فعل شيء يمكن أن يصل هذا الرقم إلى 2.6 مليار طن في أفق عام 2050 مما سيزيد من تفاقم الاحترار العالمي، وتأتي هذه الانبعاثات بشكل رئيسي من غاز الميثان الناتج عن تحلل النفايات في مطارح النفايات، والجميل في الأمر أن هذا الميثان يمكن استرداده كمورد للطاقة لتدفئة المباني، وللإنارة العمومية.
ويمثل البلاستيك 12٪ فقط من النفايات التي يتم تجميعها، ولكن له عمر ا طويلا بشكل خاص، بينما تختفي نفايات النباتات في غضون أيام أو أسابيع قليلة فقد تستغرق الزجاجة البلاستيكية ما بين 100 إلى 1000 عام لتتحلل، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تخنق الأكياس البلاستيكية الحيوانات والأسماك إذا تم تناولها و تلوث جزيئات البلاستيك الدقيقة المحيطات والكائنات البحرية، و وفقا لمؤسسة إلين ماك آرتور سيكون هناك بلاستيك أكثر من الأسماك في المحيطات في عام 2050 إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء.
وتشغل السوق غير الرسمية للنفايات 15 مليون شخص، غالبيتهم من السكان الأكثر فقرا وضعفا من النساء والأطفال والمهاجرين الذين يجمعون ويرتبون ويعيدون بيع النفايات مقابل بعض التغيير الطفيف، ويغذي هؤلاء العمال في بعض الحالات اقتصادا محليا حقيقيا يحرم الأطفال من التعليم ويعرضهم للمنتجات والأمراض الخطرة.
وخلاصة الأمر هي أنه لا يمكن اعتبار الأسر المصدر الرئيسي للنفايات، فالقطاع الصناعي ينتج 18 مرة أكثر من كمية النفايات التي تلقي بها الأسر المعيشية أو بصيغة أخرى يتم إنتاج 12.7 كيلوغرام من النفايات للفرد يوميا حيث يمكن استعادة هذه النفايات غير الخطرة من ورق مقوى وزجاج وخشب بلاستيك وتدويرها كوقود بديل البترول، وتأتي المشكلة بشكل رئيسي من النفايات الخطرة كالنفايات الطبية ومثيلاتها والتي يصعب معالجتها بشكل خاص والتي تتميز بمستوى عال من السمية على البيئة. و تعد الزراعة أيضا منتجا رئيسيا للنفايات حيث غالبا ما يتم تجميع النفايات العضوية بشكل منفصل ويتم إعادة استخدامها كسماد للأرض أو لتغذية الحيوانات.

إغلاق مراكز فرز النفايات بكندا

وفي زمن كورونا، ونظرا للتدابير الاحترازية والحجر الصحي للأفراد الذي فرضته كندا على مواطنيها، دفع إغلاق مراكز فرز النفايات كجزء من تدابير منع العدوى إلى تعليق أنشطة إعادة التدوير، وتقول بيتي آن فورتين المديرة العامة للجنة الخدمات الإقليمية إن: “مركز الفرز الذي تم فيه إغلاق مركز إعادة التدوير لدينا بسبب العزلة الاجتماعية.”
وتدعو بيتي آن فورتين أولئك الذين يستطيعون حسب إمكاناتهم الاحتفاظ ببصمتهم البيئية وتخزين المواد القابلة لإعادة التدوير، وتطالب بيتي آن فورتين الأشخاص الذين يمكنهم وضع حاوية أخرى في المرآب حتى يتمكنوا من الاحتفاظ بها الى غاية استئناف الأنشطة العادية.
في كندا وعلى عكس بعض الدول الأوروبية تستمر عملية جمع النفايات كالمعتاد في زمن كورونا، بغض النظر عن السبب، وفقا لبيتي آن فورتين نظرًا لأنها خدمة أساسية، وأضافت المديرة العامة المؤقتة فرانسيس بيروبي أن تعليق أنشطة إعادة التدوير يهدف إلى حماية العمال من الاصابة بفيورس كورونا.
“كان علينا أن نتوقف لأن الناس يتلامسون المواد بأيديهم ولو بارتداء القفازات فهناك حاويات قابلة للإرجاع مثل زجاجات المياه والعصير والخمور، وكلها توضع في الفم، ويمكن أن يكون هناك شخص واحد فقط في جميع أنحاء المنطقة مصاب بفيروس كورونا ويمكنه أن ينتقل بسهولة الى عمال التدوير” كما توضح فرانسيس بيروبي.

أنشطة تدوير النفايات متوقفة

في كندا تم تعليق أنشطة إعادة التدوير والسماد ومع ذلك فإن المواطنين مدعوون لفرز المواد كالمعتاد ووضع الحاويات على طول الشارع وفقا للجدول الزمني المعتاد، وفي هذه المناطق سيتم طمر كل شيء ستلتقطه شاحنات شركات النظافة.
ومع اجراءات رفع الحجر الصحي الجزئي في كندا استأنفت المحلات التجارية الكبرى جمع الحاويات القابلة للإرجاع، حيث تراكمت حاويات المواطنين الكنديين بالنفايات القابلة للإرجاع لمدة شهرين وبالتالي وفي غضون أيام قليلة سيكون من الممكن إعادتهم إلى مواقف السيارات في بعض المحلات التجارية الكبرى، بعد التوصل إلى اتفاق بين أصحاب المحلات التجارية الكبرى وجمعية تدوير كيبيك ووزير البيئة، وينص هذا على أنه سيتعين على المحلات التجارية الكبرى تثبيت أكشاك التجميع في مواقف السيارات.
يجب أن تتم هذه العمليات “خلال أيام مختلفة من شهر ماي 2020 وفي عدة مناطق من إقليم كيبيك”، تحدد الاتفاقية.
ورحبت جمعية تدوير كيبيك بالتوقيع على الاتفاقية: “أتمنى مخلصا أن تعمل، وأشيد بجهود التجار حتى ولو كان على المستهلكين تغيير عاداتهم”، كما عبر مديرها العام باتريس ليجر بورغوين.
وقال المدير العام إنه تم بيع ما بين 350 و400 مليون حاوية زجاجية قابلة للإرجاع في كيبيك منذ بداية انتشار الوباء في كندا، وما يزيد قليلا عن 300 مليون علبة وزجاجات قابلة للاستخدام مرة واحدة وزجاجات متعددة التعبئة كان يجب أن يقوم بتجميعها تجار التقسيط والمساحات التجارية الكبرى.
جميع الزجاجات القابلة لإعادة الاستخدام تتسبب في نفاذ مخزون المصانع من الزجاجات الفارغة المعدة للتعبئة، وبالتالي لذلك ضغطت كيبيك على التجار في نهاية شهر أبريل لبدء جمع الحاويات القابلة للإرجاع وفي أقرب وقت ممكن، حيث بالنسبة لبعض المصانع المشروبات يعد الأمر كارثيا فالقارورات الزجاجية الجديدة تكلف ضعف التكلفة للحصول على زجاجة مستعملة.
ويخشى عمال الأغذية والتجارة المتحدة الذين يمثلون موظفي سلاسل الغذاء الرئيسية الثلاث في كيبيك على سلامة العمال، مرحبين بالاتفاق: “إن الأشخاص الذين سيتحملون المسؤولية الدقيقة لاستعادة الحاويات القابلة للإرجاع سيكونون قادرين على القيام بذلك في بيئة أكثر أمانًا تتكيف تماما مع هذه المهمة”.
وللعلم فإنه بإقليم كيبيك وعند إرجاع الحاويات القابلة للتدوير سواء كانت زجاجية أو معدنية أو بلاستيكية يحصل تجار التقسيط على مبلغ 2 سنتيم على الحاويات ذات الاستخدام الأحادي أو مبلغ سنتيم واحد مقابل كل حاوية متعددة التعبئة مثل العديد من زجاجات المشروبات، وعموما يمثل هذا حوالي 30 مليون دولار في السنة.
إذن بعد ما يقرب من ثمانية أسابيع من توقف جمع الحاويات القابلة للإرجاع في أسواق المقاطعات ومحلات البقالة والمحلات التجارية بكندا، بدأ بعض مالكي المحلات التجارية في جمع علب وزجاجات الخمور في منتصف شهر ماي في مواقف السيارات الخارجية في مؤسساتهم.
سلسلة المركبات التجارية الكندية “ماكسي” للمواد الغذائية، المملوكة لشركة “لابلوز” التي تنظم في مواقف السيارات في متاجرها الـ 41 في إقليم كيبيك عملية استرداد للحاويات القابلة للإرجاع لصالح المنظمات المجتمعية، حيث يمكن للعملاء التبرع بالإيداع إذا رغبوا في ذلك، وقال مدير الاتصالات لماكسي جينيفيف بورييه: “سيتم دعوة المستهلكين للبقاء في سيارتهم حتى يصلوا إلى المكان المخصص لإيداع الحاويات”.
وقد رحبت جمعية تجار كيبيك لتجارة المواد الغذائية بهذا الإصدار والتي أطلقت الفكرة قبل أسبوعين بناء على اقتراح التجار.
وقالت المتحدثة باسم جمعية تجار كيبيك لتجارة المواد الغذائية روكسان لاروش: “بقدر ما يتم ذلك خارج المؤسسات التجارية فإننا نرى ذلك بعين جيدة”، نجد أن هذه خطوة في الاتجاه الصحيح، كان هذا هو الاقتراح المطروح على الطاولة”.
وتعتزم روكسان لاروش أن ترى كيف يتم تجميع الحاويات من مختلف الشركات من أجل ضمان أن الآليات الموضوعة “تحترم صحة وسلامة العمال ومن المؤكد أننا في بيئة مفتوحة في الخارج حيث سيكون من الممكن احترام مسافة مترين وهذا هو هدفنا”.
تعتقد روكسان لاروش أن كيبيك يجب أن تعيد التفكير في طريقتها لاستعادة الحاويات القابلة للاسترجاع: “في كل مكان آخر في كندا هناك مراكز فرز تجمع الزجاجات في إقليم أونتاريو، متجر الخمور يلتقط الزجاجات، فقط في إقليم كيبيك يقع الحمل على تجار التقسيط لتخزين ومعالجة هذه الحاويات، أعتقد أنه على المدى الطويل سيتعين علينا التفكير في طرق أخرى بديلة”.
في غضون ذلك تأمل روكسان لاروش أن يثبت تجار التقسيط أن اقتراحهم قابل للتطبيق: “إنها تظاهرة عظيمة وأعتقد أن أتمكن من وضع إجراء الانتعاش مع توفير مكان عمل آمن للعمال”.
وبفضل الاتفاقية الموقعة في 11 ماي 2020 مع الجمعيات المتدخلة في الميدان تأمل كيبيك في استعادة ما يقرب من مليون زجاجة يوميا حيث منذ بدء الاتفاقية تم استرداد ما يقرب من ستة ملايين حاوية وفقًا لمجلس تجار التقسيط الكندي بالكيبيك.
ختاما، إن حياة ورفاهية الإنسان ترتبط ارتباطا وثيقا بصحة بيئته، ولا يمكن لمجتمع أن تستمر حياته من دون غابات، أو مصادر نظيفة للمياه أو أراضي خصبة أو مناطق رطبة تلك التي تعتبر “رؤوسا للأموال” البيئية التي تزود بالموارد وتمتص المخلفات التي ينتجها الإنسان.
وعلى الرغم من علاقة الإنسان الوطيدة ببيئته، فإنه غالبا ما يغفل عن حالة التدهور والاستغلال المفرط للمنظومات البيئية، ولعل اضمحلال مناطق صيد الأسماك وفقدان الغطاء النباتي واستمرار تراكم الملوثات ومخلفات النفايات خير مثال على ذلك، في عالم ترتفع فيه مستويات عيش الأفراد على الكوكب الأزرق، ويزداد معها تعداد السكان إلى ما يناهز ثمانية ملايين نسمة، مما يخلق عجزا بيئيا ملموسا ويجعل العالم يعيش مدينا لأشهر عديدة.

> محمد بن عبو

Related posts

Top