صادق مجلس النواب بالأغلبية في جلسة عمومية، يوم الأربعاء الماضي، على مشروع القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، في قراءة ثانية، وذلك بمصادقة 168 نائبا واعتراض 55 آخرين، فيما لم يسجل امتناع أي نائب عن التصويت. ومن المرتقب أن ينشر هذا القانون قريبا في الجريدة الرسمية ليدخل بعد ذلك حيز التنفيذ وفق المقتضيات القانونية المنظمة.
هكذا، وبعد سنوات من الجدل والتعثر، تمكنت الحكومة أخيرا من تمرير هذا القانون الذي قالت عنه بسيمة الحقاوي، وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، خلال جلسة المصادقة، إن «حمله كان ثمينا ومكلفا، ووضعه عسيرا، وخروجه مما تشرئب له الأعناق».
وبالفعل فإن القانون الذي شكل مطلبا ملحا على مدار سنوات طويلة للمجتمع المدني، وشرعت حكومات سابقة في إعداده ووضع مسوداته (الوزيرة السابقة في التنمية الاجتماعية نزهة الصقلي كانت قد وضعت مشروع قانون لدى الأمانة العامة للحكومة في سنة 2009)، قبل أن تتمكن الحكومة السابقة من تمرير صيغة جديدة للمشروع في مجلس حكومي في سنة 2016، لكنه واجه عرقلة شديدة في جميع تلك المراحل وكان موضوعا لصراع سياسي كبير بين الحكومة والمعارضة، فضلا عن الانتقادات التي وجهت إليه باستمرار من قبل هيئات المجتمع المدني، مما جعله يتأرجح بين رفوف التجميد لفترات طويلة وجلسات النقاش البرلماني المتشنج والتي كانت تنتهي في كل مرة بالمعارك الكلامية والانسحابات والاعتراضات لتعيد مسيرة المشروع إلى نقطة البداية.
لكن كلا من الحكومة والمعارضة قررا أخيرا وضع حد لهذا المخاض العسير، يدفعهما ربما في ذلك- دفعا- الواقع المرير الذي تنقله وسائل الإعلام يوميا وتقارير مراكز الاستماع والرصد سنويا عن معاناة نصف المجتمع من أنواع واشكال من العنف، مع كل ما يترتب عنه من مآس لا تمس النساء فقط بقدر ما تؤثر على المجتمع ككل من خلال تفكيك الأسر وتشريد الأمهات والأطفال الذين يمثلون أيضا ضحايا لاحقين لما تواجهه أمهاتهم وأسرهم. وتؤكد الإحصائيات الرسمية أن حوالي 6 ملايين مغربية يتعرضن للعنف في المغرب، بنسبة 62 بالمائة، وتمثل المتزوجات أكثر من نصف الحالات، مما جعل من إخراج هذا القانون يرتقي إلى مستوى مطلب واقعي ومجتمعي أكثر مما يكون تجاوبا مع مطالب الجمعيات النسائية كما قد يتبادر إلى بعض المشككين في جدوى القانون وجديته.
وفي هذا السياق، أكدت الحقاوي بنفس المناسبة، أن إخراج هذا القانون يندرج في سياق تعزيز الديمقراطية وتحقيق الإنصاف وقيم العدل، مستندا إلى العمق الحضاري لثقافة تنبذ الظلم والعنف، وتنتصر للحق والسلام، وكذلك ترجمة لدستور المملكة، الذي يمنع التمييز و”يمؤسس” لمكافحته ومحاربته، وينص على المساواة والمناصفة وحفظ سلامة الجسد وتأمين الحقوق.
ويتضمن مشروع القانون آليات للوقاية والحماية والتكفل لفائدة النساء ضحايا العنف، إلى جانب إجراءات زجرية ضد الجاني. كما يتضمن في مواده الأولى عددا من التعريفات القانونية المؤطرة لمقتضياته.
ومباشرة بعد الإعلان عن المصادقة عن القانون، شرعت عدد من الهيئات الحقوقية والنسائية في إصدار مواقف متباينة منه تتفاوت بين التأييد والرفض، فيما اعتبرت بعض الجمعيات أنه يشكل خطوة ومكسبا مهما يتوج مسارا طويلا من النضال من أجل إقرار قانون خاص بمكافحة العنف ضد النساء، وذلك على الرغم من اعتبار مضمونه، حسب تلك الجمعيات، لا يرقى إلى المستوى المطلوب في التجاوب مع مطالب الحركة النسائية والحقوقية.
يذكر أن الترسانة القانونية الداعمة لتوجه حماية المرأة والأسرة من آثار العنف والتفكك الأسريين، قد تم تعزيزها أيضا من خلال المصادقة في نفس اليوم (14 فبراير) على مشروع قانون يقضي بتغيير القانون رقم 10/41 المتعلق بتحديد شروط ومساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي، لتشمل النساء المهملات والمعوزات وأطفالهن.
وتمت بموجب هذا التعديل إضافة فئات أخرى إلى قائمة المستفيدين من صندوق التكافل الاجتماعي لتشمل، فضلا عن مستحقي النفقة من الأولاد بعد انحلال ميثاق الزوجية المنصوص عليهم في القانون المطبق حاليا، مستحقي النفقة من الأولاد خلال قيام العلاقة الزوجية بعد ثبوت عوز الأم، ومستحقي النفقة من الأولاد بعد وفاة الأم، ومستحقي النفقة من الأطفال المكفولين والزوجة المعوزة المستحقة للنفقة، وذلك مع تبسيط الإجراءات الخاصة بالاستفادة من هذا الصندوق وتعزيز آليات الحكامة في عمله وحماية أمواله من أي غش أو تحايل أو تدليس، كما جاء في بلاغ لوزارة العدل حول الموضوع.
ومن المؤكد أن المقتضيات الجديدة سواء في مجال مكافحة العنف ضد النساء أو تعزيز التكافل الاجتماعي، ستوضع على المحك الفعلي بعد دخولها حيز التطبيق، حيث تقع على عاتق السلطات المعنية بتطبيقها وتنفيذها مسؤولية كبيرة في جدية التعامل مع المقتضيات والتدقيق في تكييفها مع الحالات المعروضة يوميا على السلطات الأمنية والقضائية. علما أن إصلاح القانون يفترض أنه يشكل جزءا فقط من رؤية شمولية لحماية الأسرة ورعايتها ضمن منظور لتنمية الإنسان المغربي عموما وتعزيز حقوقه الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية.
سميرة الشناوي