كان الوقت ليلا، وامرأة تجوب الطرقات الموحلة وهي تضم الملاءة الحريرية السوداء على جسدها الفارع الممتلئ، لا يظهر منها إلا خدها الناصع، وعينها الكبيرة المائلة. تظل تمشي حتى تلمح النور الخفيف الذي ينحدر من الدكان البعيد، والرجل الذي يجلس على دكته الخشبية عند المدخل الجانبي المفتوح. ذلك هو الفحام الذي راقبته طويلا، وعرفت أنه هكذا يقضي ليالي الشتاء في انتظار صبيان المقاهي الذين يأتون قبل نهاية الليل لاستلام وجبة الصباح من الفحم البلدي الثقيل.
إنه يرتدي جلبابه الصوفي المعهود، ويدخن السيجارة وهو يمسكها تحت شاربه الكث، ويكلم نفسه دون أن ينتبه إلى المرأة التي اقتربت، وطلبت قدرا من الفحم الناعم.
يقوم هو لكي يعد لها القرطاس. تتبعه حتى يجاور الأجولة التي تصنع جدارا يعزل النصف الخلفي من الدكان. تتناول حفنة من تراب الفحم تنثرها، يشعر الفحام كأن ريحا هينا مس رقبته من الجنب، ويلتفت.
تقف أمامه وقد انزلقت ملاءتها، بشعرها المحلول وصدرها العريان.
يراها هكذا بين هباب الجدران ومقاطف الفحم وعتمة المكان.
تبسم له بعينين كسيرتين وهو ساهم. تمد يدها وتمسح له آثار الفحم عن وجهه وفمه بمنديلها القطني المبلول.
يشم هو الرائحة الغريبة.
يسري الوهن في جسده وهو واقف.
قرطاس الفحم بين يديه.
تتناول المرأة قرطاس الفحم وتضعه في كفة الميزان النحاسية المعوجة، تقتاده إلى ما وراء الأجولة المرصوصة.
تجعله يجلس وظهره إلى الجدار.
تترك الملاءة تسقط حول قدميها،
تقترب منه عارية وقد تشوه بطنها اللدن من آثار حرق قديم.
الفحام يرى دون أن يملك القدرة على رفع يد، أو تحريك ساق.
يراها، فيما يشبه الخدر المريح، تجثو أمامه، تحرك شفتيها الممتلئتين بكلمات متمهلة لا يعيها وقد حملت يده الخشنة المسودة بين يديها، المرأة تضغط راحته على نهديها، نهد وراء الآخر، يرى، في ما يرى، صدرها الثري وهو يعلو ويهبط بينما هي تتكلم، تعبث بأصابعه، تمرر أطرافها الجافة على جراح بطنها العارية، وقبة عانتها المندملة.
تواصل الكلام.
الفحام يداهمه ما يشبه الندم.
يؤمن بذلك حين يسيل دمعها، ويلوث الكحل خدودها المحمرة، وهو عاجز.
لما تترك يده تسقط في حجره، تكون هدأت.
غابت في ما يشبه الغيمة. ومر وقت.
تنهض عارية من العتمة بجسدها المضيء.
الملاءة كومة حول قدميها.
تميل عليه تبسم في وجهه، تلطمه بشدة على صدغه وتميل أكثر.
تحدق في عينيه بوجه مائل كمن ينصت إلى شيء ما، زمنا، واعتدلت.
رأى طرف الملاءة الحريرية السوداء في يدها. سحبتها على ظهرها حتى غطت شعرها المحلول، ولمتها على صدرها العريان.
خبأت نفسها جيدا. لم يعد ظاهرا منها إلا عينها الكبيرة المائلة، ابتعدت.