كارثة بيئية تحول محمية للأركان بغابة أدميم بأكادير إلى مستنقعات متعفنة وخطرة

بمبادرة من جمعية “بييزاج للبيئة” وجمعية “نور المستقبل القليعة”، ونشطاء في حماية البيئة بمنطقة القليعة، نظمت مؤخرا زيارة ميدانية لغابة أدميم للأركان، حيث تم الوقوف على ظاهرة متنامية خطيرة.
فالغابة تتعرض للذبح الإيكولوجي والدمار البيئي عبر تفريغ مئات الأطنان المكعبة من نفايات سوائل الصرف لعوادم المطامير  بين أشجار الأركان، وذلك غير بعيد عن مكان أكبر مطرح عشوائي في جنوب المملكة، المطرح القديم للقليعة، والذي ناضل المجتمع المدني لفترة طويلة من أجل رفع ضرره البيئي على نفس الغابة والساكنة المجاورة والمؤسسات التعليمية. وقد استجابت سلطات عمالة انزكان من أجل حل معضلته والتخلص منه، إلا أن منطقة القليعة تشهد اليوم كارثة جديدة لا تقل وقعا وأهمية وخطورة عن أكبر مطرح عشوائي، ألا وهي أكبر المستنقعات الضحلة لعوادم المطامير التي ترخي بظلالها السوداء على البيئة وعلى غابات الأركان والصحة العامة، في ضرب لكل القوانين والأعراف وفي مشاهد لا تليق بالمغرب الذي انخرط، دولة وحكومة، في عملية تنظيم مؤتمر الأطراف كوب 22.
منطقة القليعة تعيش عديد مشاكل منها انفجار سكاني هائل نتيجة نشاط الهجرة الداخلية لهذه الرقعة الجغرافية، وانتشار واسع للسكن العشوائي غير المهيكل خارج ضوابط التعمير، ونقص فادح على مستوى التجهيزات الأساسية الصحية والبيئية والاجتماعية والثقافية والرياضية، وهو ما حذرت منه جمعية “بييزاج” بمناطق تعرف نشاطا كبيرا للسكن غير المهيكل، مع تبعاته الخطيرة على كافة المستويات البيئية، الاجتماعية، الصحية والأمنية.

معضلة بيئية في منطقة ذات نفع إيكولوجي

أكبر معاناة تعرفها هذه المنطقة التي عرفت انفجارا سكانيا ونشاطا كبير في الهجرة الداخلية، كونها بنيت على العشوائية الشاملة، مع انتشار سكن “العشعش” في الأطراف. منطقة تحولت الى شبه حضرية بكثافة سكانية تتجاوز 80 ألف في مساحة جغرافية ضيقة، تعادل كثافة مدن هندية وصينية، وتتوسع على حساب الأراضي الفلاحية وغابات الأركان، وهو ما يعد خطرا على مستقبل أجيال بكاملها وعائقا كبيرا في وجه إحلال تنمية بشرية ومستدامة. وتشير الأرقام وبعض التقارير أنها إحدى أكثر المناطق كثافة في المغرب ككل، وهي تعرف مظاهر انحراف يعجز حاليا العدد القليل لرجال الدرك الملكي بالمنطقة على احتوائه، مما يتطلب إحداث مفوضيات للشرطة. وهكذا تحولت المنطقة الى جماعة شبه حضرية بدون مقومات الحضارة ولا التنمية ولا حماية للبيئة، إذ تعرف اختلالا بيئيا لا يخفى على العيان من مظاهر المياه القذرة والمتعفنة بين شبه الأزقة ونماذج أحياء لا تتوفر على مقومات الحياة الكريمة لهذه الساكنة. ويتحمل المنتخبون والسلطات المحلية بالمنطقة المسؤولية الكاملة أمام انتشار واسع للسكن العشوائي وامتداده خارج الضوابط القانونية، مما يثقل كاهل الدولة ويعقد مجهوداتها في تأهيل هذه المناطق وإدماجها وهيكلتها، وهو ما يتطلب مجهودات هرقلية لذلك في ظل الأزمات الاقتصادية الوطنية والدولية.

ويبقى الترقيع السمة البارزة

تعرف منطقة القليعة انتشار الأزبال في كل مكان وكذلك جداول بين الأزقة لمياه قذرة تنبعث من ارتفاع منسوب المطامير، إلى جانب انعدام قنوات الصرف الصحي وضيق الأزقة وعلو المباني، وضعف كبير على مستوى التجهيزات الأساسية. وأمام انتشار حوالي 30000 مسكن ترزح مبانيها تحت آلاف مطامير المياه العادمة الضحلة.
 مشاكل القليعة البيئية لا تقل عن باقي المشاكل الاجتماعية والأمنية، فأهم مشاكل المنطقة اكان هو تدبير النفايات المنزلية والنفايات السائلة للدور السكنية. ولتدبير مشكلة المياه القذرة للمطامير يقوم حوالي 27 جرارا بصهريج يبلغ سعته ما بين 3 و6 طن بإفراغ المطامير يوميا، في حركة ذهاب وإياب، لست أو ثماني مرات، بقدر مالي يبلغ ما بين 70 و100 درهم حسب السعة.

أين تقذف هذه الأطنان من المياه العادمة؟

وفي ضرب صارخ لكل القوانين التي يشرعها نواب الأمة وتعمل على تطبيقها السلطات التنفيذية، اهتدى المسؤولون الى معاكسة التوجهات العامة للقانون الإطار 12-99 بمثابة ميثاق وطني حول البيئة والتنمية المستدامة، وضرب القانون 95-10 الماء، وضرب قانون حماية المناطق الغابوية ذات المنفعة الإيكولوجية بالسماح للتسيب والانحراف البيئي غير المقبول محليا وجهويا ووطنيا، وذلك عندما سمحوا برمي حوالي 500 طن من المياه الضحلة القذرة والملوثة في مناطق متفرقة من غابة ادميم، غير بعيد عن الدور السكنية وبالقرب من مؤسسات تعليمية لكل من مدرسة أبوبكر الصديق الابتدائية وإعدادية الخوارزمي التي لا يفصلها عن المستنقعات الضحلة سوى 400 متر.
 هذه المستنقعات تعرف انتشار واسعا لروائح نثنه، وللحشرات الضارة الخطرة. كما تهدد الفرشة المائية والملك الغابوي، وتسبب ضررا بيئيا وإيكولوجيا بمنطقة تم تأهيلها لتكون منتزها ومتنفسا إيكولوجيا أخضر لساكنة الأحياء المتواجدة بجوار غابة ادميم، وشهدت المنطقة الغابوية موت عشرات أشجار  الأركان بسبب السموم المحملة في هذه المياه القذرة ومكوناتها الخطرة للمواد الكيميائية المختلطة مع البراز، والتي يجهل لحدود الساعة أية مواد ونفايات سائلة سامة يمكن أن تندس وتختلط معها لتؤدي لموت أشجار الأركان، بدون حسيب ولا رقيب لهذه الكارثة الخطرة.  

مطالب جمعية بييزاج لحماية البيئة

•تطالب الجمعية بإيفاد لجنة ولائية رفيعة المستوى لتقييم الوضع وتحرير محضر رسمي لهذا الانحراف البيئي غير المقبول، بغرض حماية الأنظمة الطبيعية من التلوث لهذه المستنقعات الخطرة المرتع الحقيقي للأوبئة والأمراض الفتاكة التي ودعها المغرب منذ عهد قديم، والمنتشرة بنظام غابوي إيكولوجي يستوجب المحافظة عليه وتأهيله وحمايته من كل أشكال التدهور والاعتداءات بغابة ادميم بجوار الدور السكنية والمنتزه الإيكولوجي بعمالة انزكان ايت ملول.
•منع قذف كل السوائل أو الغازات أيا كان مصدرها في الوسط الطبيعي، إذا كان  من شأنها أن تلحق ضررا بصحة الإنسان وبجودة البيئة بصفة عامة، مع احترام المعايير والمقاييس المعمول بها في هذا المجال.
•حماية البيئة والمجالات المرتبطة بها -المستوطنات البشرية، الطبيعة والموارد الطبيعية بما فيها التربة، النبيت والمحميات الطبيعية والغابات المحمية والمناطق الخاصة والحدائق والمتنزهات الطبيعية- وتطبيق القوانين الجاري بها العمل.
•حماية الملك المائي وحماية الملك الغابوي لأدميم، والحماية من المقذوفات السائلة التي تحتوي مواد ضارة وخطرة تؤذي الساكنة بالحشرات والروائح الكريهة.
•اعتماد مخطط للنهوض بمنطقة القليعة عبر هيكلة حضرية تقوم على مرتكزات اجتماعية بيئية وأمنية، لتلافي مشاكل المستقبل على أجيال بكاملها بهذه المنطقة التي نعتبرها بؤرة خطيرة يجب التعامل معها بكل ما يلزم من حذر واهتمام كبيرين.

 رشيد فاسح

Related posts

Top