حكايات عديدة نسجت في كل مراحل التاريخ عن طبيعة المرأة الفيزيولوجية والبيولوجية واعتبار هذه «الطبيعة» محددا لتدني مكانتها في المجتمع قياسا بموقع الرجل فيه. وقد كان حيفا كبيرا في العديد من مراحل التاريخ البشري أن يُزج بالمرأة، فقط لأنها امرأة، في الدرك الأسفل من المجتمع. لقد كانت المرأة وما تزال ضحية الذهنية الذكورية التي تجعل منها كائنا لا يستقيم إلا بتبعيتها للرجل وموالاتها له، ولهذا، فالأدوار الأساسية والمناصب ذات الحساسية في أي مجتمع كانت وما تزال تسند، في عمومها، إلى الرجل ولا يُلتفت إلى المرأة حتى ولو كانت كفاءتها وأهليتها العلمية تؤهلها لتحمل المسؤولية والوصول إلى مراكز القرار السياسي إسوة بالرجل. من قلب هذه المعاناة التاريخية للمرأة، جراء إقصائها الظالم، يظهر بين الحين والآخر الاستثناء الذي معه تتبوأ المرأة مناصب عليا قد تكون بالغة الحساسية في بعض الأحيان، كما تبرهن على ندّيتها للرجل، وتدحض بذلك كل «الحجج» أو الادعاءات التي تتدرع بها عقلية الذكورة من أجل تثبيت دونيتها. وإنصافا للمرأة من ظلم التاريخ، نورد في ما يلي نماذج من هؤلاء اللواتي كسرن ادعاءات الرجل بشأنهن، بوصولهن لمناصب النخبة والقرارات السياسية في بلدانهن.
سونيا غاندي …من بين أقوى نساء العالم
سونيا مينو غاندي إمراه إيطالية المولد هندية الجنسية تتمتع بنفوذ كبيرعلى 1.2 مليار نسمة في الهند. فمن هي هذه المرأة؟ ولدت سونيا غاندي في ايطاليا لأسرة من الطبقة الوسطى وخلال دراستها اللغة الانجليزية بإنجلترا قابلت مينو راجيف غاندي، ابن أقوى رئيسة وزراء للهند انديرا غاندي. عاشت سونيا وراجيف قصة حب دامت 3 سنوات وتوجت بزواجهما عام 1968. عاشت سونيا في منزل والدة زوجها رئيسة الوزراء الهندية انديرا غاندي في نيودلهي. بعد خمسة عشر سنة كاملة من زواجها أصبحت سونيا مواطنة هندية. لم تكن ترغب يوماً في دخول عالم السياسة الى أن اغتيل زوجها عام 1991، هنا بدأت حياتها السياسية.
زعامة حزب المؤتمر الوطني الهندي
في البداية واجهت سونيا ضغطاً كبيراً من حزب المؤتمر الهندي كي تنخرط في عالم السياسة في الهند نظراً لسيطرة اسم غاندي على وجدان الهند، ولكنها نجحت في تولي زعامة حزب المؤتمر الوطني الهندي عام 1998، ثم فازت بمقعد بالبرلمان الهندي عام 1999، وأعيد انتخابها لتتولى رئاسة حزب المؤتمر الهندي لفترة رابعة عام 2004 الأمر الذي عزز مكانتها كوريثة لسلالة نهرو- غاندي السياسية..
صنفت سونيا من بين أقوى نساء العالم بحسب مجلة فوربس الأمريكية وأقوى شخصية في الهند لقدرتها على إدارة شؤون البلاد في ظل مشاكل جمة لحكومة الهند الائتلافية المتهمة بالإخفاق في التعامل مع احتجاجات حاشدة ضد الفساد.
في عام 2011 كان من المتوقع أن تترشح لرئاسة الهند، ولكن الحكومة الهندية تعتبرها أجنبية رغم جنسيتها الهندية وفي نفس العام تعرضت سونيا لوعكة صحية منعتها من مزاولة نشاطها السياسي، ولكن ابنها راهول يدير الحزب أثناء غيابها وينظر إليه على أنه رئيس وزراء الهند القادم إذا فاز حزب المؤتمر في الانتخابات البرلمانية التي في 2014.
رفض منصب رئاسة الوزارة من أجل وحدة الهند
تولت سونيا غاندى رئاسة حزب المؤتمر لمدة عشر أعوام متتالية وفازت برئاسة حزب المؤتمر لفترة رابعة عام 2004 بعد أن فاز حزب المؤتمر في الانتخابات رفضت وأصرت على ذلك وخصوصا أنها واجهت انتقادات عدة نتيجة كونها من جذور إيطالية وفى ذلك إشارة إلى نجاح القوميين المتشددين في حملتهم الضارية ضدها نظراً لرفضهم أن تتولي “سونيا غاندي” إدارة البلاد لأصولها غير الهندية كما أن رفض الأحزاب الشيوعية الاشتراك في الإتلاف الحاكم بزعامتها والاكتفاء بدعم الحكومة في مواجهة المعارضة قد وضع العديد من علامات الاستفهام وأثار العديد من الشكوك حول تأييدها … و كذلك بسبب مخاوف أسرتها من أن تلقى نفس مصير زوجها، كل تلك العوامل كانت سبباً أساسياً في القرار الجريء الذي اتخذته سونيا غاندي ودفعها إلي العدول عن رئاسة الوزراء مؤكدة أن هذا المنصب لم يكن أحد أهدافها بقدر ما كان عودة حزب المؤتمر إلي السلطة لمواجهة تحديات الداخل الإنساني المتدهور. وقد تنازلت سونيا غاندى عن مكانها في رئاسة الوزارة إلى “مانموهان سينج” ليصبح رئيسا للوزراء وبهذا يمكن لسونيا غاندى أن تتحرك بحرية خارج نطاق قيود الوظيفة الرسمية مما يخفف الضغط عليها كما أن اختيار مانموهان سينج “لرئاسة الوزراء وهو بذلك أول شخص من طائفة السيخ يتولى هذا المنصب الرفيع في دولة ذات أغلبية هندوسية” يعتبر اختيارا موفقا للغاية، فمانموهان سينج قائد سياسى بارز وعمل وزيرا للمالية ومحافظا للبنك المركزى كما أنه يتمتع بسمعة طيبة في الهند مما يساعد على تقليل حجم الخلافات التى يمكن أن تثار عليه من قبل القوى الهندية الأخرى ويساعد على رأب الصدع بين المسلمين الموجودين في الهند و الهندوس وخصوصا أن عقيدة السيخ تجمع في طقوسها بين تقاليد المسلمين وعاداتهم وتقاليد الهندوسية، وجدير بالذكر أن طائفة السيخ تلك كان لها الدور الأكبر في اغتيال أنديرا غاندى على أثر الخلافات العرقية التى حدثت في عهدها، ومن هنا يمكن القول أن سونيا باختيارها هذا جاءت لتؤكد احترامها لهذه الطائفة وللتعددية العرقية والدينية في الهند.
إعداد: سعيد أيت اومزيد