لا يمر يوم إلا ويشهد فيه بلدنا إزهاق الأرواح بدون سابق إنذار.. لا يمر يوم إلا ويعنف الجهاز التناسلي لامرأة بفعل الإجهاض.. لا يمر يوم إلا ويفقد المجتمع مبادئه بفعل اعتماد السرية اللاشرعية في عملية الإجهاض.. فما هي الطرق المعتمدة في هذا الفعل، وما نتائج الإجهاض السري على الفرد والمجتمع؟
تولد الفتاة عذراء بغشاء يرمز لطهارتها وأنوثتها. عند خروج الجنين من رحم أمه تتوالى ردود الفعل بين من يستحب الأنثى ومن يعتبر ولادتها دليلا على ضعف فحولة الرجل. من هنا تبدأ مسيرة الرضيعة لتصبح فتاة تحرص أسرتها على الاحتفاظ على عذريتها باعتبارها رمزا للطهارة الأنثوية. تنمو أعضاء الفتاة سنة بعد أخرى، تبرز مناطق من جسدها لترمز لجنسها البيولوجي. ينتفخ الثديان، ينمو الشعر في الإبطين والعانة، تنمو مناطق متعددة من جسم الفتاة. عندها تدخل الفتاة مرحلة البلوغ، مرحلة تتميز بنزول قطرات من الدم تبرهن على بلوغ الفتاة وانتقالها إلى عالم السيدات.
من هنا تبدأ رحلة المطاردة التي يتجسس فيها الرجل على الفتاة البالغة. يبدأ بذكره لمفاتنها، يغازلها سرا وعلانية، يحاول جذب اهتمامها، ليوقع بها في عالمه. يعتمد في المراحل الأولى على الطرق اللينة: تعارف فلقاءات متكررة ثم مواعيد تصبح عادة. بين المقاهي، السينما والأماكن العامة.. يمر الطرفان إلى مراحل متقدمة يعتمدان فيها على الخلوة، على اللقاءات الانفرادية واللحظات الحميمية. عندئذ، يتطور التعارف الأولي إلى غوص في الأجساد، إلى سباحة في الأطراف وغرق في الأطراف الحساسة. تنصهر أجساد الرجل والفتاة ليقعوا فيما لم يكن منتظرا. ينصهر الطرفان في جسد واحد، تلتصق الأطراف ليحدث التغيير. تصبح الفتاة امرأة، تفقد عذريتها، تسيل منها دماء توديع العذرية، لتدخل الفتاة في عالم العلاقات الجنسية بدون سابق إنذار.
تتوالى الممارسات الجنسية للفتاة التي فقدت عذريتها لتسقط في الحدث الغير منتظر. إنه الحمل بكل تداعياته على الفرد والمجتمع. حمل يضع المرأة في مأزق، تفقد هويتها، تحس بفقدان مكانتها داخل المجتمع، لتبدأ بذلك محاولات التخلص من الجنين قبيل انتفاخ البطن وبروز المحظور اجتماعيا. هو إذن حمل خارج الإطار الشرعي يلزم المرأة الحامل على اتخاذ طريق الإجهاض لتخفي الممنوع اجتماعيا وتحتفظ بالوجه المقبول جماعيا.
من هنا تبدأ رحلة التخلص من الجنين. جنين هو روح بريئة لم تكن لتنتظر مصير القتل الإجباري. لن يكون مسار الحامل نحو الإجهاض القانوني. فكونها حاملا خارج الإطار الشرعي، تبحث المرأة عن ملاذ آمن لتحرير بطنها من العار الاجتماعي. حينها تحمل الحامل حملها إلى طبيب سري أو إلى مولدة تقليدية تمتهن الإجهاض السري. تتخذ المولدة من الوسائل التقليدية طرقا لإتلاف الجنين. تحضر وصفات طبيعية من العشوب والسوائل السامة، تمزج الصالح بالقاتل لتقدم للحامل وصفات للشرب. تؤكد المولدة للحامل أن المشروب يساعد على التنزيل السريع للجنين دون أدنى ألم. تثق الحامل في المولدة لتواظب على أخذ المشروب بدون أدنى ريب لتنتظر بعدها التخلص من الجنين. ومن المولدات السريات من تعتمدن على أدوية تمزجنها لتحدث نزيفا ينتج عنه فقدان الجنين. ومنهن من يستعملن الأدوات الطبية لإجهاض نساء في نطاق سري وغير قانوني.
هي إذن طرق سرية مختلفة تلجأ إليها نساء تورطن في حمل غير شرعي أو غير مرغوب فيه من أجل مسح آثار صورة العار التي يرسمها البطن المنتفخ بدون إطار قانوني. طرق تخلف لا محالة آثارا سوسيواقتصادية على المرأة بذاتها. تبدأ المرأة باعتبار نفسها شخصا بلا توجه اجتماعي، بلا إطار سوسيواقتصادي، فتضيع بوصلتها وتتوجه نحو المجهول. تشعر المجهضة بأنها أجهضت حياتها بفقدان عذريتها، فتتيه بين إحساس بالذنب ونظرة المجتمع. كيف لا وهي الفتاة التي منحت نفسها إلى مغتصبها أو حبيبها بدون سند قانوني، هي الفتاة التي انصاعت نحو اللذة والشهوة لتحدث في حياتها ضجة وتيها. نعم إنها هي الفتاة التي تلذذت الرعشة الجنسية لفترة قصيرة من الزمن، فعانت من جرائها لفترة طويلة من الزمن تبدأ من الحمل إلى سنوات متقدمة من عمر المرأة.
أصبحت الفتاة التي فقدت عذريتها غير مؤهلة اجتماعيا للزواج. بل الأخطر من ذلك أن المرأة التي أجهضت يمكن لها – وذلك يحدث في كثير من الحالات – أن تصاب بأمراض في جهازها التناسلي أو خلل في أعضائها وذلك بسبب إجهاض عشوائي، غير علمي، يفتقر للشروط الطبية المتعارف عليها علميا والتي تفرض تواجد معايير وشروط خاصة للقيام بالعمليات الطبية والشرعية للإجهاض. حينها، تعيش المرأة مشاكل صحية يمكن لها أن تجعلها حبيسة الفراش أو تدفعها إلى عزلة تامة.
ومن النساء اللواتي يجهضن لتجنب العار من يقعن فريسة العار والذل بسبب الظروف السوسيواقتصادية التي يعانينها. فمنهن من يضطرن إلى امتهان الدعارة كوسيلة للعيش خصوصا إن كن بدون مستوى معرفي، أو دراسي متقدم. ومنهن من يمتهن الدعارة بالرغم من المستوى الثقافي المتقدم بسبب الإحساس بالذل والرغبة في الانتقام العكسي. كيف لا والمرأة التي أجهضت تمني النفس لتنتقم لنفسها بامتهان الدعارة كوسيلة للإيقاع بكل مفترس يحاول الإيقاع بها، ليحدث العكس وتوقعه في الخيانة، في ممارسات جنسية لا شرعية. بل منهن من يجعلن طموح الانتقام أكبر فيحاولن الضرر بالصحة الجسدية لكل الرجال. تتخذ إذن المرأة كل رجل يمر أمامها وسيلة للانتقام وتواصل مسيرتها إلى أن تضعف قواها فتجد نفسها دون ضمان سوسيواقتصادي. تدفع ثمنا مرتفعا نتيجة تهور ناتج عن حب اكتشاف النشوة الجنسية، فترمي بنفسها في ردهات المجهول دون عيشها لحياة عادية. تحرم نفسها من الزواج، ومن الإنجاب الشرعي، ومن دفء أسرة معترف بها قانونيا واجتماعيا، لترمي بنفسها في حياة العلاقات السرية، حياة العلاقات غير الشرعية، حياة البغاء، حياة انحراف يمكن أن يصل حد التعاطي للتدخين، والإدمان على الخمر والمخدرات.
هي إذن سلسلة حياة فتاة انساقت مع شهواتها الجنسية، أطاعت أوامر جسدها فدفعت بنفسها إلى إحداث ضرر جسدي، عضوي بفعل قساوة الإجهاض السري. هي كذلك صورة عن تقلب مسار فتاة أفقدتها شهواتها عذريتها بدون إطار شرعي لتجبرها على خوض غمار تجربة الإجهاض السري بوسائل غير وقائية، غير معقمة يمكن أن تسبب لها مشاكل صحية خطيرة كالسيدا مثلا. ذلك العدو الفتاك الذي تتناقله المرأة بواسطة الدعارة لتصيب رجالا ونساء ثم أسرا كثيرة بمعاناة صحية تلزمهم التعايش معها لسنوات، كون السيدا تعد من الأمراض الصامتة الخطيرة المعدية التي يتناقلها الرجال كما النساء بشتى الطرق.
هو إذن إجهاض خارج الإطار الشرعي تتجه إليه الفتاة بسبب حمل غير مرغوب فيه، تسعى من خلاله إلى طمس معالمه، فتتخذ من المولدة السرية وسيلة لتمارس عليها الإجهاض السري الذي يضر بالفتاة من كل النواحي. فإلى متى ستظل العيادات السرية للإجهاض والمولدات السريات والوصفات السامة تنخر أجساد النساء الحوامل، ألا يمكن تقنين الإجهاض والاعتراف بالحمل غير الشرعي كدافع من الدوافع الممكنة للإجهاض مع اعتماد طرق زجرية تمنع من تفاقم الظاهرة.