تقرير الدورة الرابعة للجنة المركزية

    حزب التقدم والاشتراكية يدعو الفاعلين السياسيين إلى حوار وطني جاد

صادقت اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية في ختام أشغال دورتها الرابعة، بالإجماع على التقرير الذي قدمه الأمين العام محمد نبيل بنعبد الله، باسم المكتب السياسي، والذي ننشره كاملا في هذا العدد. لقد حمل التقرير مجموعة من الرسائل السياسية الواضحة الموجهة إلى مختلف الفاعلين في المشهد الوطني، والتي يتوخى منها، وفق تعبير التقرير، إحداث رجة إيجابية وضرورية لخلق أجواء جديدة تتميز بالانفراج، وتدفع في اتجاه إحداث دينامية سياسية قوية، من أجل بلورة البدائل الممكنة، وضخ نفس ديمقراطي جديد في شرايين الحياة الوطنية، وفي كل مفاصيلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء،
تلتئم اليوم الدورة الرابعة للجنة المركزية، كمحطة سياسية أساسية، بعد مضي ستة أشهر على الدورة الثالثة، وقناعتنا عميقةٌ وعزمنا لا يــليــن، في الانتقال بدورة حياة حزبنا إلى الصرامة في المسؤولية والنجاعة في الأداء، بالنسبة لكافة مستويات الحزب، بما في ذلك اللجنة المركزية.
وسيرا على ما تربينا عليه من قيمٍ ومنهج في هذا الحزب الذي يمتد تاريخه النضالي المشرق إلى 76 سنة، فإننا لا نعتبر هذا التقرير مجــرد خطاب عــابــر، كما لا نــتعاطى معه على أنه تأليف انطباعي أو انفعالي يخضع لمزاج بعضنا مهما كانت مكانة أو مسؤوليةُ هذا البعض في حزبنا، بل إنه، كما كان دائما، وثيقةٌ مرجعيةٌ تركيبية بمثابة محصلَة تأمل وتفكير وتبادل جماعي لقيادة الحزب بوصفها مثقفا جماعيا عضويا وملتزما، وثيقة تسعى إلى التحليل الملموس لواقعنا الملموس، بموضوعية وتجرد ووطنيٍ صادقة، وتحاول، قَدر الإِمكان، أن لا تـكـتــفيَ بتحليل الأوضاع وتفسيرها، وإنما تسعى أيضا إلى تجاوزِ ذلك نحو الاضطلاع بالوظيفة الاستشرافية والبيداغوجية والتأطيرية.
وليس في ذلك أي وجه للغرابة، ما دام حزبنا كان ولا يزال وسيظل متمسكا بقولِ كلمة الحق والجهر بها، والتنبيه إلى مكامن الخلـل في منظومتنا العامة، باستباقية واتزانٍ وتوازن وصرامة، وبمسؤولية وجدية ووطنية، لكن وأساسا باحترام تام للمؤسسات وللدستور، هاجسه الأول والأخير الإسهام في تحقيق المصلحة العليا لوطننا وشعبنا.
إن هذه المميزات الجينية لحزبنا هي ما جعله ويجعله محافظا على ذاته، متناغما مع هويته، نافعا لبلده، معتزا بصواب ووجاهة مواقفه، بثقة وتواضع متلازمين.
هذا هو قَدَرنا في حزب التقدم والاشتراكية، ولــو أن المواقعَ التي نحتلها في البناء المؤسساتي لوطننا، لا تُسْعِـفُــنَــا دائما وبالقدر الكافي للأسف على تجسيدِ كافةِ أفكارنا وتصوراتِنَا وترجمتِهَا إلى قوةٍ أكثرَ دفعًا وتأثيرًا.
لكن، في نفس الوقت، فليسَ كُلُّ شيءٍ يُقاسُ بالأحجام والأرقام وثقافةِ الاستعراض،،،، فاقتراحاتُنا ومواقفُنا وتوجهاتُنا التي سنستمر في حَمْلِهَا والسيرِ عليها، تجد لها، لحسن الحظ، أصداءً طيبةً وتفاعلا يدعو للاعتزاز، في أوساطَ مختلفةٍ، لا سيما لـدى عقلاءِ هذا الوطن المَسْكُونِينَ بهاجسِ مصلحتِهِ العامة دون غيرها.
ذلك ما يُثـلـج صدرَنَا ويـمنحـنا شحنةَ أملٍ قويةٍ في أَنَّ وَقْعَ مَقُولاَتِنَا السياسيةِ الصادقة يُمْكِنُ أن يكونَ له إسهامٌ، بقدرٍ ما، في مجرياتِ الأحداثِ وتطوراتِ الأوضاع، وفي القراراتِ التي يمكن أنْ تُــتَّخَذَ لفائدةِ وطننا وشعبنا.
وقبل الشروع في تناول القضايا المتصلة براهنية أوضاعنا العامة، من المهم جدا التأكيدُ على أنَّ قضيةَ وحدتِنَا الترابية تُجَسِّدُ مَرْكَزَ اهتمامِ حزبِنا الذي ما فَــتِــئَ يُومِنُ بأنَّ تمتينَ الجبهةِ الوطنية الداخلية، والتقدمَ في المجالات الاجتماعية والديمقراطية والاقتصادية، لَـهُـمَا العامِلانِ الأكثرُ حَسْمًا في معركة تثبيتِ هذه الوحدة، على أساسِ مقترح الحكم الذاتي بالنسبة لأقاليمنا الجنوبية،،، وكذلك في ما يتصل باستكمال هذه الوحدة عبر استرجاع سبتة ومليلية والجزر الجعفرية المُستعْمَرَة،،،، وهو المنطقُ الذي لا يتعارض أبدا مع ضرورة مواصلةِ بلادنا لجهودها السياسية والديبلوماسية على هذا الصعيد الهام، حيث في هذا السياق لا بد لنا، ونحن نـستـقـرئُ القرارَ الأخير لمجلس الأمن الدولي رقم 2468 ليوم 30 أبريل 2019، أن نسجل ما تضمنه من عناصرَ إيجابيةٍ في مُجْـمـلها.

الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء،
مما لا شك فيه، أنَّ المسارَ الديمقراطي لبلادنا قد تَمَيَّـــزَ بدينامية ملْــفـتــة، وأَفْـضى إلى مكتسباتٍ مُحَقَّــقَــة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والمؤسساتية، وعُولِجَتْ في إطاره قضايا عديدة، وذلك بفضلِ تظافرِ جهودِ جلالةِ الملك والقوى الوطنية والديمقراطية الحية، والتقاءِ إرادتهما، وهو ما أَكْسَبَ وَطَنَنَا طابعَ التـفـرد ومُقوماتِ المناعة.
ولأَنَّ هذا المسارَ الديموقراطيَ غيرُ متناهي بطبيعته، فإنه يتطلب الاهتمامَ المستمر، لأجل مُوَاصَلَــتِـةِ ومُعالجةِ جوانبِ النقص ومظاهر الفتور التي تعتريه.
وانطلاقا من حرصنا، في حزب التقدم والاشتراكية، على الوقوف دائما في صف الدفع بهذا المسار وتطويره، ومن موقع المسؤولية الوطنية والحكومية، فإننا نعتبر أن المرحلة الراهنة تستدعي تَــرْصِيدَ الإيجابياتِ المُحققَــةِ لأجل استكمال مسيرة البناء والإصلاح، لا سيما من خلال بث نفَس ديموقراطي جديد في حياتنا الوطنية، وتفعيلِ نموذجٍ تنمويٍ جديدٍ وجريء، وبلورةِ البدائل الكفيلة بإعطاء دفعةٍ قويةٍ لمشاريعِ الإصلاح والدمقرطة والتحديث والتنمية.

الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء،
في ما يتعلق براهنية الأوضاع الوطنية، يَقْتَضِي واجبُ الموضوعية الإقرارُ بأن الحكومةَ الحالية، التي نُشاركُ فيها، تشتغل فعلاً على ملفاتٍ وقضايا وتجتهد فيها، كما هو الحالُ مثلاً بالنسبة للاتفاق الاجتماعي المُوَقَّعِ أخيرا يوم 25 أبريل 2019، والذي نثمنه ونهنئُ عليه كافةَ الفرقاء الاجتماعيين، وعلى رأسهم الطبقة العاملة المغربية بنضالاتها وصمودها وكفاحها، مع تسجيلِ أَسَـفِـنَا لكونِ الحساباتِ السياسوية والمزايدات العقيمة كانتْ وراء عدم توقيعه منذ سنة 2016، مِمَّا فَوَّتَ على الشغيلة المغربية فرصةَ الاستفادة من مكاسبه لمدة ثلاث سنوات كاملة،،، ولا يسعنا هنا بالمناسبة سوى التأكيدُ مرةً أخرى على ضرورة مأسسةِ الحوار الاجتماعي ومُواصلتـه، والحرصِ على تحصينه بالمسؤولية السياسية والنَّـــأْيِ به عن كُلِّ الحساباتِ الضيقة والظرفية.
إنما على الرغم من المجهود المُشار إليه، ودون الحاجةِ إلى إعادة تفسيرِ منطلقاتِ حزبنا في تحليله للراهنية العامة ببلادنا، ذلك أَنَّ القراءةَ التي أَقَرَّتْهَا الدورةُ الثالثةُ للجنة المركزية لا تزال معطياتُ الواقعِ تؤكدُهَا، حيث السماتُ الغالبةُ على فضائنا الوطني العام هي الضبابيةُ والالتباسُ والارتباك، والحيرة والقلق والانتظارية،،، أَمَّا تلك المبادراتُ القليلةُ التي تبرز هنا وهناك أحيانا، فإنها لا تصمدُ أمام هَوْلِ الفراغ وجمودِ الأجواءِ العامة، فبالأحرى أن تكون قادرةً على تحريك الأوضاع وتبديدِ المخاوفِ والتساؤلاتِ لدى مختلف الأوساط والشرائح والطبقات.
ولن نتردد هنا، من باب الموضوعية والتجرد أيضا، في القول إنَّ الانطباعَ العام لدى مُعظمِ الرأي العام هو أن مِلَــفَّاتِ الإصلاحِ الكبرى والأساسية تكاد تكونُ معطلة، من جَرَّاءِ عددٍ من القضايا الخِلَافِيَة التي برزتْ في الفترة الأخيرة، سواءٌ بشكل طبيعي أو مُفتعل، والتي تم استعمالُهَا سياسويًا من قِبَلِ عدد من الفرقاء الذين من المفترض أنْ يكونوا شركاء،،، وهو ما يزيدُ من تأزيم الوضعِ والتباسه، ويُخَفِّضُ إلى أدنى المستوياتِ مَنْسُوبَ الأملِ في إبداع الحلول للإشكالات والملفاتِ المجتمعية المطروحة، فما بَـالُـكَ في القدرة على تنفيذها وتفعيلها بتماسكٍ وتضامنٍ والتزام.
فإذا كان من الطبيعي أَنْ تكون هناك اختلافاتٌ حول قضايا بعـينها، وهو أمرٌ صِحِــيٌّ في الغالب، فإنَّ حزبَنَا يتحفظُ، بل يرفضُ تماما، أَنْ يَــتـِـمَّ افتعالُ الخِــلافَــاتِ أو تضخيمُ الاختلافاتِ أو إخضاعُهَا لحساباتٍ أقلُّ ما يُقال عنها إنها صغيرةٌ وسياسوية ولامسؤولة،،، كما أن حزبَنَا يهمه جدا أن يَعْرِفَ الرأيُ العام بأننا مِنَ الذين يُصِرُّونَ على أنْ يضطلع الفاعلون بمهامهم الانتدابية داخل المؤسسات، وأن لا يجعلوا منها مُجرَّدَ بابٍ ضيق تــشرئِب أَعْنَاقُهُمْ من خلالها نحو سنة 2021.
فالحكومةُ، هنا والآن، بأعضائها وقطاعاتها، وبمكوناتها التي نحن جزء وَفِــيٌّ لميثاقها وملتزمٌ ببرنامجها، يُنتظر منها العمل، وتُرْجَى منها الحصيلة، ومُبَرِّرُ وجودِهَا هو حُسْنُ الأداءِ والفعالية والإنجاز،،، وأَيُّ مَعارِكَ أخرى غيرُ هذه، نعتبرها في حُكْمِ الاستهتارِ غيرِ المقبولِ بمصالح وطننا وشعبنا.
ففي ثنايا المزايداتِ العقيمة يَضِيعُ التواصل الحكومي مع الناس والمؤسسات، وتضيع الإصلاحات الكبرى، ويضيع الزمنُ والجهــد، وتخبو آمال الشعب، ويزداد الشعورُ باللامعنى واللاجدوى من الفعل السياسي والمؤسساتي، ويتراجعُ الحماس والاهتمام، وتتعمق الهوةُ بين المواطنين والأحزاب والسياسة، وتضيعُ الجديةُ والمسؤولية….
ولأن الطبيعةَ لا تقبل الفراغ، فإن مُؤَدَّى ذلك هو احتمالُ تفاقمِ أجواءِ اليأسِ واللامبالاة والعدمية والشعبوية والعفوية وثقافة التبخيس المتبادل، والرداءة، وفقدانِ ما تبقى من مصداقيةٍ في مؤسساتنا التي نبنيها جميعا حجرًا حجرًا منذ فجر الاستقلال.
إننا نقول هذا الكلام بصوتٍ مرتفع وباقتناعٍ تام، وبمسؤوليةٍ كبيرة، دون أن يعني ذلك أبدا أننا نتملص مما يقتضيه انتماؤُنَا إلى الأغلبية الحالية،،، لكن يكفينا أننا نمارس حقَّنَا، بل واجبَنَا، في التنبيه الإيجابي، ولا نسمح لأنفسنا بالمقابل أن نشتغل، لا في الظاهر ولا في الخفاء، على ضرب أو نَخْرِ الحكومةِ من الداخل، ولا نسعى إلى إضعافها أو تبخيس جهودها أو تحجيمها أمام الرأي العام، خلافًا لما يقوم به البعض للأسف الشديد،،، لأن الأهمَّ بالنسبة إلينا هو مصداقيةُ المؤسسات، وهو نجاحُ هذه الحكومة، لأنَّ في نجاحِهَا بكل تأكيد نجاحٌ لوطننا وشعبنا.
فدفاعُــنَا عن هذا التوجه السليم هو ما يدفعنا لأن نُسَمّيَ الأشياءَ بمسمياتها، وننتقد، ونكشف، ونعبر، بلا تردد،،، بِلُغَتِنَا وأسلوبنا، وباستقلاليتنا التي من مُـؤَدَّيَـاتِـهَا أَلاَّ نكونَ مَطِيَّةً أو استنساخًا،،، لا لهذا،،، ولا للآخر،،، فحزبُنا سيواصلُ تَحَرُّكَهُ بمنطق الاستقلالية عن كل التموقعات، حافزُهُ الوحيد هو خدمةُ الوطن والشعب، بمصداقيةٍ ووطنية،،، حسبُنَا في ذلك كُلِّهِ أننا مُومِــنُــونَ حتى النخاع بِأَنْ لا أحدَ منا له الحقُّ في تأخيرِ أو تعطيل مسارِ الإصلاح، أو في تأبــــيدِ انتظارات الشعب المغربي بمُخْتِلِفِ فئاته وطبقاته،،،، فالحساباتُ السياسية لا يتعين أن تَسْمُوَ على مصلحة الوطن وتطلعات المواطنات والمواطنين،،، هذه قناعتُـــنَا التي لا لن نَحِيدُ عنها.

الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء،
إن الأجواءَ السلبية التي نتحدث عنها اليوم، ومن تجلياتها الانحباسُ الذي تشهده شرايينُ فضائنا السياسي الوطني، هي ما دعانا ولا يزال يدعونا إلى أَلاَّ نَكُفَّ على توجيه النداءِ تِــلْـوَ النداء للجميع، من أجل إحداثِ تلك الرجةِ الإيجابية في حياتنا الوطنية العامة، والتي سبق أن فَسَّرنا تفاصيلَهَا واسْتَفَضْنَا في تِبْيَانِ مَنْطِقِ بِــنَائِهَا، في أكثرَ من مناسبة، وأَطْلَقْنَا عليها ” النفس الديموقراطي الجديد”،،، والذي يمكن اعتبارُه بمثابةِ نقطةِ نظامٍ قوية تنطوي على ضرورة التجسيد العملي والمتواصل لما تكتسيه تجربةُ المسارِ المغربي من استثناءٍ في محيطٍ إقليمي يتعينُ استخلاصُ العِـــبَر مما جرى ويجري في عدد من بلدانه،،، فليس هناك أشدُّ خطورةً على مسارنا الإصلاحي من هذا الفراغ الذي تتسعُ رقعتُهُ، للأسف، يوما بعد يوم.
وحتى لا يعتقد البعضُ أَنَّ تشخيصَنَا لما يتخــلــل مسارَ بلادنا من سلبياتٍ ونقائصَ تحتاج إلى المراجعة والمعالجة هو مجردُ مبالغةٍ أو تَحَامُلٍ مجاني، يكفي أن نَسُوقَ هنا، بما يسمح به الحيزُ الزمني، بعضا من نماذج التخبط والتنازع السياسوي وضعف الجدية:
فحين برزتْ قضيةُ الأساتذةِ أُطُــرِ هيئة التدريس بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، واتخذتْ ذلك المنحى الاحتجاجي العارم،،، لم نلمسْ تضامنا ولا تماسكا حكوميا، ولا تقديرا صحيحا لدقة الوضع، ولا اعتبارا جادا لمصلحة التلميذ، ولا إرادةً جماعيةً في مواجهةِ الإشكالِ وتقديمِ جوابٍ سياسي وعملي بخصوصه.
ما شاهدناه فقط هو تسابقٌ محمومٌ بين مَنْ سـعـى نحو شد الحبل مع هؤلاء الأساتذة في قفزٍ غيرِ محسوبٍ على الواقع الذي لا يرتفع،،، وبين مَنِ اختار الانتهازيةَ السياسوية في أبشع صورها، بمحاولة التبني الوهمي للقضية،،، فقطْ من أجل إظهارِ الحكومة أنها ضعيفةٌ وباهتةٌ وعاجزة، متناسيا أنه كان ولا يزال من أشرس المدافعين عن آلية التعاقد التي عارضناها بوضوحٍ كحزب التقدم والاشتراكية منذُ أَنْ تَمَّ عرضُهَا لأول مرة، وقلنا إنها آليةٌ لا تستقيمُ مع ما تقتضيه استدامةُ المرفق العمومي، ومع ما يستلزمه الأمرُ من ضرورةِ الابتعاد الكُـــلِّــي عن الهشاشة واللاستقرار بالنسبة للموارد البشرية، لا سيما في قطاع حيوي مثل التعليم.
وعلى كل حال، لا يسعنا اليوم سوى أن نُثمنَ عودةَ الأستاذاتِ والأساتذةِ أُطُرِ هيئةِ التدريس بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين إلى الأقسام، ونُعَـبِّـرَ عن تطلعنا لأَنْ تشكلَ اللحظةُ مُقدمةً لخلقِ الأجواءِ الملائمةِ من أجل الانكباب على الإصلاح الجدي والعميق للمنظومة التعليمية الوطنية في شُمولية جوانبها.
كذلك، عندما تم عَرْضُ مشروعِ القانونِ الإطار للتربيةِ والتكوين للنقاش والمصادقة، غابتْ مرةً أخرى الرؤيةُ الموحدةُ لأطرافِ الأغلبية، ولِـــمــُكـــَوِّنَـيـــْـــنِ منها بالأساس، وغابتْ معها روحُ تحمل المسؤوليةِ الجماعية وتَوَارَى مبدأُ التضامن، لِيَـحُـلَّ مَحَــلَّـهُ صراعٌ تبسيطي وتسطيحي، حتى لا نقول إنه ذاتي وسياسوي،،، صراعٌ اختزل كلَّ فلسفةِ إصلاح منظومتنا التعليمية في مسألةٍ وحيدة، لا نَدَّعِي أنها غيرُ مُهِمة،،، وهي لغاتُ التدريس،،، وصِرنا أمامَ وضعٍ سُوريالي يتجاذبه خطابٌ هُوِّيَاتِـــي غارقٌ في المحافَظَة، وخطابٌ مُقابلٌ كأنما يريد أن يضربَ بِعَـرْضِ الحائط اللغتين الوطنيتين الدستوريتين، وخاصة العربية.
ولقد تابعتم، رفيقاتي رفاقي، كيف بــــــَــــحَّ صوتُنا وتصاعدتْ مَساعينا من أجل أن نُعيد الأمورَ إلى نصابها والنقاشَ إلى مجراه، من خلال الدفعِ بكونِ اللغة العربية هي لغةُ التدريس الأولى إلى جانب الأمازيغية التي يُــنتــظــرُ تفعيلُهَا، وأَنَّ الانفتاحَ على اللغاتِ الحية ليس خيارا دستوريا فقط، وإنما هو أمرٌ حتميُّ بالنسبة لبلدنا، بالنظر إلى ما يُــتِـيـحُهُ من انفتاحٍ على العالم وعلى العلم والمعرفة والتطور التقني والتكنولوجي.
وفي خضم ذاك النقاش البيزنطي المبتذل، اختفى كُلُّ نقاشٍ جِـــدِّي حول معنى وتفاصيل إصلاحِ منظومتنا التعليمية، وتأخرتِ المصادقةُ على مشروع القانون الإطار، وسقطنا في ما سقطتْ فيه بلادُنَا كل مرة، أَلاَ وهو تفويتُ فرصةِ الانكبابِ المسؤول على النهوض بمكانة المدرسة العمومية الضامنة لمبدأ تكافؤ الفرص، وتجويدِ وتعميمِ التعليم،،، وعلى الارتقاء بمناهجنا وبرامجنا وبيداغوجيتنا المعتمدة، وبأوضاعِ هيئةِ التدريس والإدارة التربوية، وغيرها من المواضيع التي تستأثر باهتمام الأسر المغربية، وتتطلبُ سنواتٍ أخرى من الجُهد المؤسساتي المُضْنِي قبل العبور بتعليمنا إلى بَــــرِّ النجاح.
أيضا، لا يمكن أن ننسى تلك الاحتجاجاتِ التي جَــرَتْ مَطْلَعَ السنةِ الحالية، والتي قادها التجارُ على خلفيةِ اعتمادِ نظامِ الفوترة الإلكتورنية ومراقبةِ الجمارك للطرق السيارة، وهي تدابيرٌ اتخذتها الحكومة، ولا سيما القطاعاتُ المعنيةُ بالموضوع، وصَوَّتَ عليها البرلمان،،، علما أن التجارَ ومقدمي الخدماتِ الصغار لم يَثْبُتْ أنهم مَــعْــنِــيُــونَ بتلك الإجراءات ما داموا يخضعون لنظام التصريح الضريبي الجزافي،،، لكن المُـثِـيــرَ فعلا هو أنَّ أولئك التجارَ الصغار البسطاء هم بالضبط من تَمَّ السعيُ إلى استعمالهم وشحنهم لأجل إفشالِ عَـزْمِ الدولة على إخضاع التجار الكبار لمبدأ الشفافية في أداء واجباتهم الضريبية.

الرفيقات والرفاق،
تأسيسا على كل هذه النماذج وغيرها، نطرح السؤال بقوة: من الرابح من كل هذا؟! فهل كَسْبُ أصواتٍ إضافية أو الحفاظ عليها في سنة 2021، بتعاطفٍ مغشوشٍ ومواقفَ مهزوزةٍ، أَهَــمُّ إلى هذه الدرجة من مصلحة الوطن والشعب، ومن التضامن والتماسك والوفاء والالتزام.
نعم، رفيقاتي رفاقي، في هكذا سياق، يَحِقُّ للشعب أن يَــزْدَرِيَ السياسوية،،، لكن حذارِ من التعميم والتنميط،،،، فمن واجبنا أن نشرحَ ونبرهنَ لشعبنا أنَّ هناك اختلافا بين ممارسة السياسة بقواعد النبل والمصلحة العامة والأخلاق، وبين ممارسة ما يَــصِحُّ نعتُـــــــــــهُ بــ” العبث السياسي”
لذلك، فالحاجة اليومَ مَاسَّةٌ أكثرَ من أيِّ وقت مضى من أجل تجاوزِ هذا العبث الذي يُنَفِّرُ المواطن من كل عمل سياسي هادف، وبالتالي يُبعده عن الإسهام في البناء الديموقراطي الرصين، كما أن الحاجةَ مُلِحَّةٌ أيضا إلى ترشيد آليات التحالف الأغلبي الذي يشتغل، للأسف، بعيدا عن منطق الحكامة الجيدة، وتتحكم فيه المقارباتُ السياسوية ومتاهاتُ حساباتِ حملةٍ انتخابيةٍ سابقة لأوانها.
وفي سياق ذات التحليل ونفس المواقف، يجدر بنا أن نشير إلى أنه إذا كان تعاطي مُعظمُ الفاعلين الذين يحتلون الساحة اليوم، دون أن يملؤوها، مع الأوضاع العامة يَنِمُّ عن عدم التقدير الصحيح للحظة التاريخية وتحدياتها، فإنهم للأسف غيرُ قادرين أيضا على الإسهام الفعلي في تجسيد وتفعيل النداءات التي ما فتئ يوجهها صاحبُ الجلالة من أجل أن يتحركَ الفضاءُ العمومي، ومن أجل إفراز نموذجٍ تنموي جديد، ومن أجل الإقدامِ على مبادراتٍ تطويريةٍ جديدة في المجالاتِ الاجتماعية والسياسية والمؤسساتية، وفي ميادينِ الإصلاح بشتى تجلياتها، كفيلةٍ بخلق أجواءَ ملائمةٍ تُعيدُ الثقةَ والمصداقية والحماس.
ومن جانب آخر، لا ننفي بالطبع، كَوْنَ وضع الجمودِ والالتباس الحالي يُــفَسَّـــرُ في جزءٍ منه أيضا بالثغرات التي عرفتها حياتُــنا السياسية، وببعض الاختيارات التي أبانتْ عن فشلها ومحدوديتها، وحَرَّفَتْ، قليلا أو كثيرا، مسارا ديموقراطيا كان لِيَكُونَ أكثرَ تألقا وأشدَّ تفردا في محيطنا الإقليمي،،، وعلى كل حال، فمواقــفُــنا بهذا الباب معروفةٌ لدى الجميع.
هكذا،،، نوجد اليوم في قلب كل هذه المعادلات التي بعضُهَا مُعقدٌ وشائــك، وبعضُها اعتباطيٌّ ولا منطقي،،، مُطَوَّقِينَ بما أخذناه على عاتقنا خلال الدورة الثالثة للجنة المركزية، على أساسِ مواصلةِ العمل من داخلِ التجربة الحكومية الحالية، بالرغم من كل ما تعرض له حزبُنَا وأَضْعَفَ من قدراته عموما،،،، لكن دائما مع الاحتفاظ بحريتنا واستقلاليتنا في اتخاذ كل مبادرةٍ مُـــخَـــالِـــفَـــةٍ إذا فرضتها الضرورة.
فعلى ضوء هذه المقاربة العامة، سيظل حزبُنَا مرتبطا بما قررته اللجنة المركزية السابقة، على أن تظل كافةُ الاحتمالاتِ واردةً، بِحَسَبِ قُـــدْرَةِ هذه الحكومة على تحريكِ الإصلاحاتِ الأساسية، أو التخلف عليها.
نعم، مجهودُنا سنواصله، بِحُسْنِ نيةٍ وصدقٍ ومسؤوليةٍ ووطنيةٍ عالية، لتصحيح ما يمكن تصحيحُهُ، ومن أجل أن يكون لنا دورٌ إيجابيٌّ في تقريب وجهات النظر بنَفَسٍ إصلاحي قوي،،،، وإِنْ لم ننجحْ في ذلك بالدرجة المُرْضِيَة،،، فأكيدٌ أنه سيكونُ لذلك الحادثِ حديثٌ آخر، وأنتم من سيقرر في الوقتِ المناسبِ أيَّ موقعٍ مناسبٍ على حزبنا أن يصطف فيه.

الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء،
إنَّ البلوكاج الذي نشهده في فضائنا العام، منذ ثلاث سنوات على الأقل، لا يمكن أن يُجَسِّدَ نمطًا لتدبيرِ وحكامةِ شأننا العام، حيث أن الفراغَ السياسي والحزبي والنقابي، وانكماشَ وظائفِ الوساطة المدنية بجميع أشكالها، لا يمكن إلا أن يُعَمِّقَ من أزمة الثقة في العمل المؤسساتي والمسؤول، وأن يُدخلنا في متاهاتِ نظامٍ يُؤْمِنُ كُلِّيًا بالشارع والشعبوية والعفوية، وهو ما حدث في كثير من التجارب وعواقبُهُ الوخيمة نشهدُها بأم أعيننا.
فبهكذا أسلوبٍ ومقاربة، تظل المشاكلُ مطروحةً بلا حلول،،، ولذلك نقول إن الوضعَ يدعو إلى القلق فعلا، ويُحَــتِّـــمُ علينا التفكير في البدائل وتفعيلها في الوقت المناسب، مادامت نفسُ البدائل إذا ما طُرِحَتْ متأخرةً فإنها تكون غيرَ ذاتِ جدوى، أو أنَّ كُلفتَـــهَا تكون باهظة.
على هذا الأساس، فإن البديلَ الذي على بلادنا أن تعتمد عليه لتفادي الماضوية والانغلاق، لا يمكن أنْ يستقيم إلا بالتشبث بالمسار الديموقراطي وبالممارسة السياسية السوية والاحتكام إلى المصداقية.
في نفسِ الوقت، ولأن حزبَنَا ليس موجودًا سوى من أجل أن يبحث عن مَــنَافِـــذِ الأمل أمام وطننا وشعبنا، فإننا نعتقد بأن الكُرَةَ اليوم، على كل حال، في مُعتركنا كفاعلين سياسيين، لا سيما بالنسبة لأولئك المنتمين إلى فضاء الطَّــيْفِ الديموقراطي والتقدمي والحداثي، والمدافعين عن مجتمع الحقوق والحريات وعن قيم المساواة والعدالة الاجتماعية.
إن المعركةَ معركتُنَا في نهاية المطاف، لأجل استنهاض الهِمَم، وإحداثِ الرجة الضرورية والمطلوبة،،، فالحاجةُ مُلِحَّةٌ اليوم أكثر من أي وقت مضى لربط الصلات بيننا، وتطوير العلاقات، وإعادة بناء أرضياتِ العمل المشترك، ونسج شبكاتٍ مفتوحةٍ لا عَيْبَ في أن تتجاوزَ الموجودَ من الإطارات والتنظيمات، لِتشملَ كافةَ الطاقاتِ وذوي النيات الوطنية الحسنة والصادقة، وجميعَ الإراداتِ الإيجابية التي تتطلع إلى التغيير ومُستعدةٌ للعمل من أجله، وكُلَّ العزائم التي تَـــتُـــوقُ إلى مستقبلٍ أفضلَ لبلدنا وشعبنا، لا سيما من خلال الحرص على بلورة وتفعيل دستور سنة 2011 بكل مضامينه وأهدافه وقيمه ومبادئه المتقدمة، في سَعْيٍ متناسقٍ ومتكاملٍ لكل مكوناتِ شعبنا وقواهُ الحيةُ المُــلْــتَـفـَّـةُ وَرَاءَ صاحبِ الجلالة المُجَسِّدِ للوحدة الوطنية والضَّامِنِ لاستمرارها.
ذاك هو طريقُــنا، نُعْــلِـنُـــهُ بوضوحٍ واختصارٍ شديدين، وهو ما نريد كحزب التقدم والاشتراكية أن ننخرط فيه بقوة على كافة المستويات، دعمًا لإرادة البناء الديموقراطي ودولة المؤسسات التي تضطلع فيها كُلُّ مؤسسةٍ بِسُلُطاتِها وصلاحياتها الدستورية الكاملة، وتُباشَرُ بها الإصلاحاتُ الهامة التي تحتاجها بلادُنَا بعزمٍ وإقدامٍ وثبات، وتُبْعَــثُ فيها تلك الروحُ القويةُ التي أعطاها صاحبُ الجلالة لبلادنا في السنوات الأولى من الألفية الحالية، بشكل يَكْفُلُ دفعةً جديدة لازدهارِ الحرياتِ الفردية والجماعية، ونَفَسا قويا لاتساع مساحات الديمقراطية.
ومن بين ما يُمْكِنُ أن يساعدَ في ذلك هو المبادرةُ الجماعيةُ إلى خلق أجواءَ جديدةٍ تتميز بالانفراج، والعملُ على الطي النهائي للملفات المؤثرةِ سلبًا على المَناخِ العام لبلادنا، من قَبِيلِ مِلَفِّ معتقلي حراك الريف وملف بعض الصحفيين.
فمغربُنَا نجح في ما فَشِلَ فيه الكثيرون، ليس اعتباطًا أو صدفة، بل لأنه تَمَلَّكّ دائما رصيدا ديموقراطيا ومؤسساتيا حيا ومتطورا، ولأنه اتخذ باستمرار المبادراتِ والخطواتِ الاستباقية، وبَذَلَ مجهودا إصلاحيا هادئا ورصينا، على امتداد سنوات سابقة، مَــكَّــنَــهُ من المناعةِ اللازمة لتجاوز مَطّبَّاتِ وسلبياتِ ما وُصِفَ بالربيع العربي، ومن تفادي التوجه نحو المجهول، بذكاء واستشراف.
لذلك، نتوجه اليوم، من خلال لجنتنا المركزية هذه، بنداءٍ وطني صادق، من أجل حوارٍ وطني، تشارك فيه كلُّ الفعاليات والقوى الحية ببلادنا، حوارٍ هادئ وعميق، ينصب حول البدائل والمخارج التي يتعين الاتفاقُ حولها من أجل ضخ نفس ديموقراطي جديد في شرايين ومفاصل حياتنا الوطنية، على الأصعدة السياسية والمؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والقيمية.
ونرى أنَّ الحوار الوطني الذي ندعو إليه اليوم سيكون متلائماً تماما مع ما نعيش على إيقاعه من تفكيرٍ جماعي في بلورة نموذج تنموي وطني جديد لا يمكن في تصورنا اختزالُهُ فقط في الجوانب الاقتصادية والمادية والاجتماعية، بقدر ما يتوجب جعلُهُ نموذجا مُدْمِجًا لمختلِفِ أبعادِ السؤال التنموي، من خلال تمديد مشمولاته إلى إصلاحِ المشهدِ السياسي وقضايا الديمقراطية والحكامة والتنمية المستدامة بامتداداتها الإيكولوجية المهمة، وكذا منظومة القيم والثقافة،،، فضلا عن الحرص على أن يكون نموذجًا يُكَرِّسُ مُعظمَ الجهد التنموي وثمراته في سبيل معالجة انتظارات الشرائح والمجالات المحرومة والتجاوبِ مع مَطالبها، على أساس التوزيع العادل للثروة الوطنية.
كما ستكون، في تقديرنا، مناسبةُ هذا الحوار الوطني لحظة تاريخية فارقة تنم عن الاستباق واليقظة الوطنية المعهودة في بلادنا، على أن يكون جدولُ أعماله شاملا ومفتوحا على كافة المواضيع والقضايا الحيوية التي ترهن حاضر ومستقبل بلدنا في كافة مجالات الشأن العام، بما فيها تلك المتعلقة بالديموقراطية والتعددية السياسية وما يرتبط بهما من آلياتٍ ومقارباتٍ للمنظومة الانتخابية في شموليتها.
في هذا الأفق المَؤَطَّرِ بمضامين النَّفَسِ الديموقراطي الجديد، قدمنا تصورنا بخصوص النموذج التنموي، والذي نظمنا حوله ندوةً صحفية استعرض فيها حزبُنا مَحَاوِرَ الإصلاحاتِ الكبرى التي نقترحها في المجالاتِ الاجتماعيةِ والاقتصادية والديموقراطية والمؤسساتية، وفي ميادين الحكامة والقيم والثقافة أيضا.
وهو الأمر الذي قُمنا به أيضا عبر ما تقدم به حزبُــنا من آراءَ ومقترحاتٍ تهم إصلاح السياسة الضريبية الوطنية، بمناسبة انعقاد المناظرة الوطنية الثالثة حول هذا الملف الهام، أمس واليوم، وذلك في اتجاه إقرار إصلاحاتٍ تهم العدالة والنجاعة والمردودية والحكامة الجبائية، كمدخل أساس لتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، وتوفير الإمكانيات الكفيلة بضمان حقوق وكرامة الإنسان في المدن وهوامشها، وفي البوادي ودواويرها التي لا زالت مُعظمُها تعاني الفقرَ والهشاشةَ والظلمَ الاجتماعي.

الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء،
هذا هو خَطُّــنا وتدبيرُنا السياسي للمرحلة المعقدة،،، وهذه هي مواقفُنا وتوجهاتُنا،، نسير على نهجها بوحدةٍ فكريةٍ وسياسية وتنظيمية قَــلَّ نظيرُها في مشهدنا الحزبي الوطني.
إلا أن خلقَ الالتفافِ الجماهيري اللازم حولها، وامتلاكَ القدرة على التأثير بها في الواقع، لا يتأتيان فقط بإنتاجِ وِجْهَاتِ النظر مهما كانت وجيهة، فنحن في آخر المطاف لسنا منتدًى فكريا وَحَسْبْ، كما نؤكد على ذلك دائما، بل نحن فاعلٌ سياسي جِدِّيٌّ يَتُوقُ لِإِحْلاَلِ التغيير وعدمِ الاكتفاء بالمُطَالَبَةِ به أو رسم طريقه نظريًا.
لذلك، لم نتردد أبدا، خلال المؤتمر الوطني الأخير، في اتخاذ قرارِ تكريسِ الفترة الانتدابية الحالية من أجل تقوية آلتنا الحزبية، لا سيما عبر تفعيل خطة تجذر، وما تَبِعَهَا من تدابيرَ وإجراءاتٍ ومبادراتٍ من طرف المكتب السياسي.
في هذا الإطار، حَرِصَنَا على مواكبة الفروع الإقليمية على عقد مجالسها الإقليمية، سواء في دورتها الخريفية أو الربيعية، وسَعَيْنَا إلى توجيه وتحفيز نشاط الهياكل الحزبية من خلال دوريات تأطيرية تَمْزِجُ بين لُزُومِ ضبط التنظيمات من جهة، وبين ضرورةِ استنهاضِ فعلها ونشاطها السياسي والإشعاعي والترافعي ونضال القرب، من جهة ثانية، كما حرصنا على أن نُواصلَ مجهودَ إرساءِ ثقافةِ المسؤولية والنجاعة والانضباط والالتزام بالواجبات، وأَرْسَـيْـنَا شبكةً لتقييم أداء الفروع.

رفيقاتي العزيزات، رفاقي الأعزاء،
إن الانخراطَ النضاليَ القوي والمسؤول والجاد، وتضحياتِ وعطاءاتِ رفيقاتنا ورفاقنا في جل الفروع، والتجاوبَ الكبير للمناضلات والمناضلين، عبر كافة ربوع الوطن، مع كل الخطوات التي نقوم بها معًا يدا في يد، هي ما يُعطي اليوم هذه الدينامية المُلفتة لحياة حزبنا الداخلية، وما يمنحه هذه الصورةَ المشرقةَ في ما يتصل بحركيته وحيويته الملحوظة.
فلا يسعنا اليوم سوى أن نهنئ تنظيماتنا المحلية والإقليمية، ومسؤولاتها ومسؤوليها، ومناضلاتها ومناضليها، ونحييهم عاليا على أجواء التعبئة وروح النضال ووتيرة العمل المتصاعدة،،، فنحن مُعْــتَــزُّونَ أَيَّمَا اعتزاز بفروع حزبنا التي برهنتْ عَنِ استعدادٍ بَــيِّــنٍ وقُـدرةٍ هائلةٍ على تجويد أدائها وضمانِ انتظام أشغالها وتواتر نشاطاتها وتطوير آلياتها،،، مُسْتَحِقة بذلك، عن جدارة، تنويها خاصا من طرف لجنتنا المركزية هاته.
ولأن حزبَنَا يستحق منا ذلك وأكثر، فإننا سوف لن نكتفيَ فقط بالحفاظ على هذه الدينامية الإيجابية جدا، بل سنحرص على مواصلتها والرفع من وتيرتها معكم، جنبا إلى جنب، بروحٍ نضاليةٍ عالية، وطموحٍ كبير، والتزامٍ ثابت،،، حيث من بين ما يتعين علينا الانكبابُ عليه، بكل ما يستدعيه الأمرُ من جدية وفعالية، هو عقدُ المؤتمرات الجهوية خلال الفترة المقررة لها، بالإضافة إلى ضخِّ روحٍ جديدةٍ في القطاعات الموازية للحزب، وتعزيزِ تواجد الحزب في أوساط مغاربة العالم.
وهي مناسبةٌ أيضا لِـنُعْرِبَ لمنظمة الشبيبة الاشتراكية ولمنتدى المناصفة والمساواة عن دعم الحزب الكامل لهما في مسار التحضير لالتئام مؤتمرَيْهِمَا الوطنيين اللّذَيْنِ نحن على يقين أنهما سيشكلان عرسيين نضاليين، ومحطتين بارزتين، تُقَدِّمَان لحزبنا القيمةَ المُضافة المنتظرة منهما.
ولأن تقييمنا يتعين أن يكون صريحا وموضوعيا، لا بد من أن نوجه دعوتنا من جديد، لأجل أن تحرص كافةُ فروع حزبنا، بنفس درجة الحماس والقوة، على تكثيفِ حضورها الميداني والنهوض بأنشطتها وتحركاتِها واجتماعاتِها، وأن تنخرط بشكل أقوى إلى جانب المواطنات والمواطنين في حملِ قضاياهم المشروعة،،، كما على القطاعات السوسيومهنية أن تبذل ما في وسعها لتطوير أدائها وتجديد دمائها وتكثيف مبادراتها،،، كما أدعوكم كأعضاءَ في اللجنة المركزية إلى التواجد القوي في قلب النشاط النضالي والتنظيمي المحلي وفي الهيئات السوسيومهنية.
أما الجماعاتُ والأقاليم التي نتوفر فيها على منتخبات ومنتخبين، فعلينا أن نعزز فيها تواجدنا وتنظيمَنَا، وأن نرفع فيها من وتيرة وحجم الانخراط في صفوف الحزب، بشكل يعكسُ وَزْنَ حضورِنَا الانتخابي،،، وفي نفس الوقت، على تنظيماتنا المحلية والإقليمية، ومنتخباتنا ومنتخبينا، الشروعُ مِنَ الآن في تخطيطِ وتنفيذِ أفضلِ السبل من أجل ضمان حضورٍ انتخابي وتنظيمي مُشَرِّف مستقبلا في المناطق التي لا نتواجد فيها بالشكل المطلوب،،، فلا شك أنكم على أتم وعي بأننا نسعى، بأسلوبٍ مشروع وطرق نبيلة وطبيعية، أن نصل إلى الاستحقاقات المقبلة بروح عالية وتنظيمات جيدةِ التهييئ، وبنظرةٍ وأهداف واضحة.
وهي مناسبة أيضا، لنشد بحرارة على أيدي منتخباتنا ومنتخبينا، في كل مواقع مسؤولياتهم الانتدابية، فهم في واجهة النضال المؤسساتي ونضال القرب، يَشَرِّفُونَ حزبهم الذي يثق فيهم ويثقون فيه، وندعوهم للاستمرار في ذلك،،، ونؤكد لهم أن ارتكازَهُم على تنظيماتٍ محلية وإقليمية فاعلة ومؤثرة يمثلُ قيمةً مُضافة حقيقية، وله وقعٌ إيجابيٌّ بالغٌ على نجاعة أدائهم حالا وغدا.
وهي فرصة لِنُعِيدَ التأكيد على التكامل والتناغم والدعم المتبادل الذي يتعين أن يُـمَــيِّــزَ عملَ منتخبينا ووزيري الحزب اللذَيْنِ ندعم مجهوداتهما في تدبيرِ القطاعين المكلَّفَيْنِ بهما، ونرجو منهما المزيد، تجاوبًا مع الانتظارات الحزبية المشروعة، ونتمنى لهما كامل النجاح والتوفيق في أداء مهامهما.

رفيقاتي رفاقي،
إننا ونحن نفتخر بالأداء المتميز لقواعد الحزب، ونحرص على تجاوز أوجه القصور في حياتنا الداخلية، إنما نفعلُ ذلك ونحن نستحضر بإجلال رفيقاتٍ ورفاقًــا ضَحُّــوا بأرواحهم وراحتهم وبأجملِ سنواتِ عمرهم، مِنهم من قضى نحبه ومنهم من لا زال ينتظر وما بدلوا تبديلا.
أجل،،، لن أبالغ إذا قلتُ إنَّ حوالي 90 بالمائة في هذه القاعة لم يجايِـــلــوا ولم يُعَايِــشوا الرعيلَ الأول من القيادات التاريخية والمؤسِّسَة لحزبنا،،، إلا أنه علينا أن نكون مُسْــتَــوْعِــبِينَ جيدا ومُتَّفِقِين على أننا جميعا، هنا والآن، لسنا بصدد رهان الحفاظ على تنظيمٍ وَحَسْبْ،،،، بل إننا بصدد مواصلة اعتناق فكرة بَنَاهَا وحَمَلَهَا هؤلاءُ الرواد،،، فكرةٍ نبيلة اسمُها اليوم حزبُ التقدم والاشتراكية،،، والأفكار، كما يُقال، لها أجنحةٌ تسمو على الأزمنة والأمكنة والأشخاص والظرفيات.
ولكي يستمر حزبُنا،،، أو بالأحرى لكي تستمر الفكرة،،، فالتغييرُ أمرٌ ضروري وطبيعي ومُحبذ،،، إذْ بهذه القناعةِ الراسخةِ تَمَلَّكَ روادُ حِزْبــِنَا الأريحيةَ الكافية لِــيَــأْتُــوا بجيلٍ ثانٍ وثالث ورابع، وسَــلَّــمُوا لهذه الأجيال المسؤولية في مختلف مستوياتها.
واليوم، على جميعِ مَنْ في هذه القاعة، الإيمانُ بضرورة تكوينِ جيلٍ خامس وسادس وسابع، وإفساحِ المجالِ أمامه ليواصل الطريق بثبات،،، إنها سُنَّةُ الحياة وطبيعةُ الأشياء،، هكذا فقط يمكننا الاطمئنانُ على استمرار فكرة التقدم والاشتراكية،،، فمواقعُنَا في التنظيم ليست مُقدسة، والتنظيمُ ليس غايةً في حد ذاته،،، إنه فقط وسيلتُنَا لحمل القيم والمبادئ والأفكار التي تجمعنا.
هذه ثقافتنا التي تربينا عليها، والتي تستند إلى قيم حزبنا ومرجعيته وهويته،،، وهذا هو المَنْطِقُ والواجب الذي يدفعنا، دون تردد، إلى اتخاذ قرار تشكيل لجان تحضيرية انتقالية بالنسبة لبعض التنظيمات التي برهنت على عدم جديتها في التعاطي مع مسؤولياتها أو أثبتت تَقَاعُسَها الواضح،،، فالحزبُ في نهاية المطاف ليس مِلْكًا لأحد، وليستْ لأيٍّ منا تلك الصلاحيةُ في أن يفعلَ ما يريد، أو أن لا يفعلَ ما يتعينُ عليه القيامُ به من واجبات.
هذا القرار نريده اليوم أن يكتسيَ قوةً أكبر من لَدُنِكُم، أنتمُ القيادة التقريرية لحزبنا، لأن الارتقاءَ بآلتنا التنظيمية وجَعْلَهَا مؤهلةً ومنسجمةً مع القوة السياسية والإشعاعية التي نمثلها، هو أحدُ أهمِّ رهاناتنا الحالية والمستقبلية،،،، وكونوا على يقين أننا سوف لن نذخر جهدا في سبيل ذلك، ما دامتْ قوَّتُنَا كامنةً فقط في سلامةِ تنظيمنا، وفي التحامنا ووحدتنا، وفي هويتنا وقيمنا، وفي ثباتنا على المواقف والمبادئ.

الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء،
لا يمكن أن تمر مناسبةٌ التئامِ جهازنا التقريري هذا من دون أن نؤكد على بعض المواقف من التطورات والمستجدات الأهم التي يشهدها المحيطُ الإقليمي لبلدنا.
فبخصوص القضية الفلسطينية، نعتبر أن الوضع المُقلق اليوم يــنْحو في اتجاه مزيد من التأزيم والتعقيد والتراجع، بفعل الخطورة الشديدة التي تكتسيها الإجراءاتُ والمخططاتُ الإمبريالية والصهيونية على المنطقة برمتها، في ما يسمى بصفقة القرن، لا سيما تلك المتصلة بقرار الاعتراف بالقدس عاصمةً لدولة الاحتلال، ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، ومحاولة تصفية قضية اللاجئين وشرعنة وتأبيد الاستيطان، وكذا قرار الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري…
وإذ نعبر عن رفضنا وشجبنا لهذه المخططات الكارثية على مستقبل واستقرار المنطقة برمتها، فإننا نؤكد على أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال مَداخلَ أهمها تحقيقُ الوحدة الوطنية الفلسطينية، والتزامُ القوى والضمائر الحية عبر العالم بإعادة الوَهَجِ إلى التضامنِ والدعم العارم بمختلف مستوياته وتجلياته، لإسناد الشعب الفلسطيني وهو يُواصلُ النضالَ لأجل قضيته العادلة.
في هذا السياق، نجدد إشادةَ حزب التقدم والاشتراكية بنداء القدس التاريخي الذي أطلقه صاحبُ الجلالة الملك محمد السادس والبابا فرنسيس، مؤخرا، والذي أكد على ضرورة أن تظل هذه المدينةُ مدينةَ سلامٍ ومكانا للقاء ورمزا للتعايش السلمي ومركزا لقيم الاحترام المتبادل والحوار.
وهي مناسبة كذلك، ليعبر حزبُنَا عن اعتزازه بزيارة البابا لبلادنا كمؤشر قوي على المكانة التي يتميز بها وطنُنَا كأرضٍ للحوار والتعايش والسلام، وكمركزٍ ذي إشعاعٍ وجاذبية على الصعيد العالمي، بِحُمولاتٍ تاريخيةٍ وحضارية متعددة الروافد، قادرٍ على ربط الجسور بين الديانات والثقافات، وتقديمِ جوابٍ دَالٍّ على تواتر العنف والحقد والكراهية والإقصاء والتطرف.
أما بالنسبة إلى الأحداث الأخيرة في ليبيا الشقيقة،،، ونحن نستحضر التهديداتِ الجدية التي باتت تُرْخِي بظلالها على مستقبل البلد، فإننا نُحذر أطرافَ الساحة الليبية جميعَهُم من مَغبَّة السقوط في ظُـــلماتِ حربٍ أهلية نرى أنَّ طُبُولَهَا بدأتْ تَــدُق للأسف الشديد.
وإذ نعبر عن قلقنا من هذه التطورات السلبية، فإننا ندعو كافة مكونات المشهد الليبي إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، حفاظا على الوحدة الوطنية، واستشرافا لتحقيق الاستقرار والانكباب على ورش البناء الإصلاحي الشامل، بعيدا عن أيِّ تدخلٍ أجنبي كيفما كان.
أما في ما يتصل بتطور الأوضاع في السودان، فإن حزب التقدم والاشتراكية يحيي صمود الشعب السوداني وقواه الحية، في رفع مَطالبه عاليا، ومواجهته المقدامة للقمع الذي وُوجهتْ به مُطالبَاتُهُ وتحركاتُهُ في محاولةٍ فاشلة لإسكات صوته المتطلع نحو الديمقراطية والكرامة والعدالة ودولة الحق والقانون.
ومن حيث ما يجري في اليمن، فإن حزب التقدم والاشتراكية إِذْ يستحضر المآسي الإنسانية الفظيعة وحجمَ الدمارِ في هذا البلد العربي، من جَرَّاءِ الحرب الطاحنة فيه، فإنه يدعو كافة المعنيين بها والمتسببين فيها إلى وقفها، والشروع في مُباشرةِ المساعي السلمية الحقيقية، الكفيلة بأن تُـفـضِيَ إلى إعادة بناء البلد وضمان أمنه ووحدته وحظوظ تنميته.
كما نعرب عن أملنا في أن يعود السلمُ والوئام إلى سوريا، حتى تتمكن من إعادة بناء نظام ديمقراطي في إطارٍ من الاستقلال والاستقرار.
في ذات الإطار، يجدد حزبنا إعرابه عن تقديره واحترامه الكامل لإرادة الشعب الجزائري في أن يجد طريقه سريعا نحو الديمقراطية والاستقرار والتقدم.

الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء،
بهذه التصوراتِ والمواقفِ والتحاليل، سواءٌ منها المتعلقةٌ بالقضايا الوطنية، أو تلك المتصلة بالأوضاع الدولية وخاصة منها الإقليمية، وبهذا الطموحِ الكبيرِ الذي يحذونا في أن نجعل حزبنا يتبوأ المكانة التي يستحقها في المشهد الوطني،،، وبهذه اللغةِ الصادقة والجريئة والمسؤولةِ في ذات الوقت،،، وبهذه الرؤية الواضحة،،، نريدكم أن تتواجدوا في الميدان إلى جانب المواطنات والمواطنين، بِهَامَاتٍ مرفوعة، وبضميرٍ مرتاحٍ ويقظ، معتزين بحزبكمُ الذي يبادلكم نفس الاعتزاز،،،، متسلحين بتلك الشحنة القوية التي تجعلكم حاملين لِمِشْعَـلِ النضال، وشُعْــلةِ العطاء، وحب الوطن، ولكل القيم الجميلة، وعلى رأسها نكرانُ الذات وتغليبُ المصلحة العامة.
فرمضان مبارك سعيد، أدخله الله عليكم وعلينا وعلى الجميع بالخير والطمأنينة، ولْتجعلوا من هذا الشهر الفضيل، كما كان دوما، مناسبةً لأجل العملِ وتكثيفِ أنشطة حزبكم.

شكرا على تتبعكم وإنصاتكم.

Related posts

Top