لم أكن أتصور أن مقالي الافتتاحي للعدد الماضي من هذا الملحق الثقافي سيثير كل تلك الزوبعة في صفحات التواصل الاجتماعي، مع أنني لم أتطرق فيه سوى لمسألة بسيطة جدا، سواء ما تعلق منها بفن القصة القصيرة جدا أو الهايكو.
لم يرق لمبدعي ما يسمى بالهايكو المغربي، أن أذكر في مقالي ذاك أن التسمية لا مبرر لها ما دام أن ما يبدعونه لا يخرج عن نطاق النصوص القصيرة جدا، في حين أن الهايكو له ارتباط جذري بثقافة معينة، الثقافة اليابانية تحديدا.
كما أنه لم يرق لمبدعي القصة القصيرة جدا مؤاخذتي لهم على اختيارهم الإشارة إلى هذا الجنس الإبداعي برمز: ق ق ج.. مع أن التجنيس يعد جزءا لا يتجزأ من العملية الإبداعية بكل أبعادها الجمالية.
تلك هي أبرز الملاحظات التي تضمنها مقالي الافتتاحي السابق، وهي ملاحظات بسيطة كما هو واضح، لكن الكثيرين عبروا عن انزعاجهم، سيما عندما استعملت بعض العبارات الساخرة، مع أن السخرية فن، وأن الواعين بهذا الفن لا ينزعجون منه في الأصل، وقد رأينا على سبيل المثال كيف أن هناك شخصيات مرموقة بمن فيهم الرؤساء في البلدان المتحضرة، يتعرضون للسخرية من حين لآخر من طرف رسامي الكاريكاتير، دون أن يشكل ذلك إزعاجا لهم، لأنهم يتعاملون معه باعتباره فنا بالدرجة الأولى، لكن مبدعينا الصغار، ربما يعتبرون أنفسهم أكبر من هؤلاء وأن انتقاد إنتاجهم
وسلوكاتهم كذلك، يعد خطا أحمر لا ينبغي تجاوزه بأي حال من الأحوال، وأعتقد أنهم لو صاروا رؤساء لا قدر الله، لكانوا قد أسسوا دولهم على قاعدة ديكتاتورية وأعدموا كل رسامي الكاريكاتير الذين قد يجرؤون على مجرد التلميح إليهم.
صباح اليوم التالي لنشر مقالي الافتتاحي، فاجأني زميلي في العمل يوسف بالقول إن مقالي حول الهايكو خلف ردود فعل على العديد من الجدران، وأن الكثير من التعليقات أكلت لحمي المر، كنت في حالة سهو، وسألته:
آش من جدران؟
عقب:
في الفيسبوك.
فتحت هذا الويل المسمى فايسبوك، ولم أصادف شيئا، واستغربت، وسرعان ما انتبهت إلى أن بعض الأسماء الفاعلة في ما يسمى بالهايكو المغربي، قد اختفت بغتة من لائحة أصدقائي، لا بل لم يعد بمقدوري الاطلاع على ما تنشره من خلال حسابي الخاص.
تمالكت نفسي، وتناولت رشفات من القهوة بالحليب، ووضعت التعليق التالي على إحدى التدوينات التي كان لا يزال صاحبها يحتفظ بصداقته معي:
لن أرد على التدوينة ولا على تعاليقها وسأكتفي بالإشارة إلى مسألة أساسية، وهي أن كل المؤيدين هنا تقريبا ليس لهم حضور يذكر في الإنتاج الأدبي، أكان شعرا أم غيره، في حين أن المؤيدين لما كتبته أنا بخصوص الهايكو المغربي، هم من بين الأسماء البارزة والأساسية في الإبداع الأدبي الحديث، ويمكن التأكد من ذلك، فمن المحق إذن؟
عبد العالي بركات