يعد التوكيل في إجراءات الصلح بين الزوجين من القضايا الأساسية التي تتصدر اهتمام الفقهاء والباحثين والمختصين في هذا المجال، فقد شكل موضوع نقاش كبير سواء في ظل مدونة الأحوال الشخصية أو بعد صدور مدونة الأسرة، نظرا لغياب نص قانوني يجيز أو يمنع الوكالة في جلسة الصلح بين الزوجين بشكل صريح، كما فعل في إبرام عقد الزواج حسب مقتضيات المادة 17 من مدونة الأسرة.
اذ يفترض لإعمال مؤسسة الصلح أن هناك متخاصمين وحتى يتم الإصلاح بينهما يجب حضورهما معا لأجل الاستماع والإنصات لهما والسعي في اتجاه تقريب الهوة ونبذ أسباب الشقاق القائمة بينهما، إلا أنه ولظروف خاصة أحيانا تمنع المتقاضين من الحضور، فيلجؤون إلى منح وكالة لبعض الأشخاص ليحلوا محلهم في إجراءات التطليق. ومن هنا نتساءل عن مدى إمكانية قبول الوكالة في الصلح بين الزوجين ؟.
فغياب نص قانوني صريح في هذا الإطار أفضى إلى وجود تيارين متضاربين الأول يسير في اتجاه عدم مشروعية الوكالة في إجراءات الصلح على اعتبار الصلح مسألة شخصية تقتضي الحضور الشخصي للزوجين، واتجاه آخر يعطي الحق للزوجين في توكيل من ينوب عنهما لحضور جلسات الصلح في حالة تعذر عليهما الحضور الشخصي، وكل اتجاه حاول الدفاع عن رأيه وفق حجج ومبررات عديدة.
فبالنسبة للاتجاه الذي يتبنى فكرة عدم جواز الوكالة في الصلح يتزعمه ابن حزم الظاهري الذي يرفض بشدة الوكالة في مجموعة من الأمور والصلح من بينهما. إذ جاء في كتابه المحلى “لا يجوز الوكالة على طلاق ولا عتق ولا على تدبير ولا على رجعة… ولا على صلح لأن كل ذلك إلزام حكم لم يلزم قط وحل عقد ثابت ونقل ملك بلفظ، ولا يجوز أن يتكلم أحد على أحد إلا أوجب ذلك نص ولا نص على جواز الوكالة في شيء من هذه الوجوه”
ويستمر ابن حزم قائلا: لا يجوز قول أحد على أحد ولا كلام أحد على كلام غيره إلا من حيث أجازه القرآن والسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأت في طلاق أحد بتوكيله إياه قرآن ولا سنة فهو باطل. فالله خاطب الأزواج بالطلاق لا غير فلا يجوز أن ينوب عنه غيره لا بوكالة ولا بغيرها.. .
وبعض الفقهاء المغاربة انتقدوا أيضا فكرة الاعتداد بالوكالة في الطلاق على أساس أنها تتنافى مع استقرار الحياة الزوجية، إذ أنها تحمل مشيئتها بيد شخص غريب وتسمح لهذا الأخير بالاطلاع على ما لا يجب الاطلاع عليه من أحوال الأسرة وأمورها.
فمسطرة الصلح لا تنتج أثرا وتبقى فارغة من أي محتوى وفي كثير من الأحيان مع حضور الزوجين، فكيف يمكن تصور نجاحها بحضور وكيل أجنبي خصوصا وأن الطلاق من المسائل الشخصية التي تجعل الموكل لا يبوح أحيانا للوكيل بكل الأسرار كأسباب الطلاق الحقيقية، ومن تم لا يكون في مقدور الوكيل الإدلاء بالأسباب الحقيقية التي قد تساعد القاضي على أداء مهمته الإصلاحية، إضافة إلى أن الصلح يقتضي عدة تنازلات من الطرفين، وهذا يستلزم وجود الزوجين شخصيا من أجل استرشاد القاضي بالتفسيرات التي يبديانها. وحتى يتمكنا بالتالي من مخاطبة مشاعر وأحاسيس كل منهما، فإذا سمح لأحد الزوجين بأن يمثل بواسطة وكيل فسيكون قد حكم على الجلسة الصلحية مسبقا بالفشل.
وبعودتنا لمدونة الأحوال الشخصية ومدونة الأسرة نجد أن التوكيل في مسطرة الطلاق لم يشر له المشرع صراحة في مدونة الأسرة على الرغم من أنه نظمه في الزواج في المادة 17منها. مما أثار التساؤل عن هذا السكوت بينما مدونة الأحوال الشخصية الملغاة كانت تنص صراحة على الوكالة في الزواج في الفصل 10 وعلى الوكالة في الطلاق في الفصل 44.
ويمكن تفسير سكوت المشرع بحرصه على الحضور الشخصي للزوجين وإبعاد كل أجنبي دخيل بينهما ليتحقق الهدف الأساسي الذي هو إجراء محاولة صلح حقيقية تؤدي ثمارها المرجوة للحفاظ على كيان الأسرة.
بيد أن الضرورة العملية والواقع أبان عن وجود بعض الحالات يتعذر فيها على الزوجين أو أحدهما الحضور الشخصي في مسطرة الصلح، وبالتالي القول بعدم جواز الوكالة فيه قد يلحق ضررا بهما أو بأحدهما وبالتالي تنتفي الغاية من تشريعه، علما أن أغلب المذاهب الفقهية وخاصة المذهب المالكي يجيز الوكالة في الطلاق، وأن مدونة الأسرة تحيل عليه في المادة 400 في كل ما لم يرد به نص فيه.
فالأصل أن تباشر مسطرة الطلاق بصفة شخصية بين الزوجين المعنيين بالأمر، غير أنه إذا تعذر حضورهما أو أحدهما لإجراء محاولة الصلح، فيمكن استثناءا تجاوز هذه المحاولة، وإذا تعذر الحضور عند الإشهاد على الطلاق فيمكن قبول التوكيل على الطلاق إذا كانت هناك ظروف خاصة لا يتأتى معها للموكل الحضور شخصيا على أن يتم تضمين ذلك في الوكالة.
فإذا كان المشرع المغربي قد فضل عدم الحسم في مسألة الوكالة في الصلح بين الزوجين فإن بعض التشريعات الأجنبية اتخذت موقفا صريحا بعدم جواز الوكالة في الصلح بين الزوجين كما هو الحال بالنسبة لتونس.
أما فيما يخص الاتجاه القائل بإمكانية التوكيل في الصلح بين الزوجين يرى أنه إذا كان القانون المغربي لا يسمح أن يمثل أحد الزوجين بواسطة وكيل وأنه يجب حضورهما شخصيا جلسة الصلح وإلا حكم عليها بالفشل. فالضرورة العملية والواقع أبان عن وجود بعض الحالات يتعذر فيها على الزوجين أو أحدهما الحضور الشخصي في مسطرة الصلح.
والقول بعدم جواز الوكالة فيه قد يلحق ضررا بهما أو بأحدهما وبالتالي تنتفي الغاية من تشريعه، علما أن أغلب المذاهب الفقهية وخاصة المذهب المالكي يجيز الوكالة في الطلاق، وأن مدونة الأسرة تحيل عليه في المادة 400 .
لذلك نادى بعض الفقهاء بضرورة قبول الوكالة في إجراء الصلح بين الزوجين على الأقل في الحالات التي يصعب فيها على الزوجين أو أحدهما الحضور شخصيا لجلسة الصلح، إذ يعتبر الأستاذ عبد الله روحمات في هذا الصدد أن اعتماد الوكالة بين الزوجين ولو لم تحقق النتيجة والمصلحة التي سعى لها المشرع المغربي فهي مما لا شك فيه ستجلب المصلحة كلما تعذر حضور أحد أطراف النزاع لجلسة الصلح لظروف قاهرة، فقبول إجراءات الصلح عن طريق الوكالة أفضل من إهماله بالمرة
ومن خلال ما تقدم فإنه ورغم أهمية الحضور الشخصي في مسطرة الصلح فانه لا يمكن القول بمنع الوكالة في الصلح بين الزوجين بل يمكن إجازتها في حدود ضيقة جدا شريطة أن يتم إثبات المبرر أو الظروف المانعة من هذا الحضور وترك السلطة التقديرية للقاضي للتأكد من مدى جدية هذا المبرر من عدم ذلك وبالتالي الاعتداد بالوكالة أم لا.
> بقلم: انحيلي مونية