وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في سلوك غريب وغير مفهوم، رسالة مصورة إلى الشعب المغربي، وذلك على خلفية السعار الإعلامي المتفشي في بلاده ضد المملكة عقب زلزال الحوز.
هذه الخطوة من ماكرون تؤكد، مرة أخرى، أن فرنسا العاقلة تعيش أسوأ مراحلها، وأن نخبتها الحاكمة حاليا تندحر كل يوم نحو الدرجة الصفر في السياسة والديبلوماسية و… اللياقة.
ماكرون تجرأ على أن يوجه خطابا مباشرا للشعب المغربي دون أي مراعاة لأبجديات التعامل بين الدول الحديثة وذات السيادة.
من جديد، الرئيس الفرنسي لم يفهم أن المغرب دولة مستقلة منذ 1956، وأن البلد له مؤسسات دستورية، وجميع دول العالم يجب أن تخاطبه من الباب الذي يلزم، أي من خلال مؤسساته، وأساسا ملك البلاد.
أما اختيار أسلوب الرسالة المصورة الموجهة إلى الشعب المغربي، فهذا سلوك لا يليق برئيس دولة مثل فرنسا، ويقترب من عنترية فتيان الحواري.
الرئيس الفرنسي أيضا لم يفوت فرصة هذه الرسالة المصورة، وقام، خلالها، بتسطير خطته القادمة تجاه المملكة، وكاد يحدد شركات البناء الفرنسية بالاسم والصفة والعنوان، وتقديم عروض لحيازة صفقات الإعمار، وبذلك رسم معالم البشاعة والابتزاز بشكل يبعث على التقزز.
وبلا أي خجل، تكلم الرئيس الفرنسي عن السجال الإعلامي دون أن يدري أن ذلك السعار افتعله الإعلام الفرنسي وليس سواه، ولا يزال بعض هذا الإعلام إلى اليوم يمارس الشرود نفسه والضغط ذاته، وحتى من خلال بعض المبعوثين الخاصين الذين يعملون في منطقة الزلزال بكل حرية، ومن ثم فضح ماكرون نفسه باعتباره من ضمن جوقة الضغط الإعلامي والسياسي التي تقودها الدولة العميقة في فرنسا ضد المغرب منذ مدة.
لقد صدمت فرنسا العتيقة وذات الحنين الاستعماري من قول المغرب: (لا) لتعاليها وأنانيتها، وتخشى اليوم أن تسير دول إفريقية أخرى على طريق المملكة، ومن ثم تتعمق جراح القوة الاستعمارية السابقة في البلدان التي كانت تعتبرها منطقة نفوذ لها.
المغرب اختار أن يدبر المأساة التي أصابته وفق منطق الدولة المسؤولة عن شعبها، وأن يحدد احتياجاته بشكل مستقل، وأن ينظم عمليات المساعدات الدولية بحسب الخصاص الذي يقدره هو وليس غيره، وبذلك قال لفرنسا، ولباقي الدول أيضا: “نحن نقدر حاجياتنا وطبيعة ما سنطلبه من عون ودعم، وسنتصل بكم متى كنا بحاجة إليكم فعلا”، وهذا ما أجج سعار ماكرون وجوقته، وبدوا مصدومين من صرامة الموقف المغربي.
المشكلة مع فرنسا ماكرون ليست مجرد ضغط إعلامي أو تحول قنوات تلفزيونية وصحف وإعلاميين إلى أدوات ضغط، ولكن المعركة هي مع سياسة ماكرون والدولة العتيقة هناك، وهذا ما أنتج الدوخة الإعلامية الواضحة في باريس هذه الأيام.
في كل الأحوال، كان بالإمكان عدم الاهتمام أصلا بصبيانية ماكرون، والتركيز، بدل الحديث عنه هنا، على المأساة المستمرة في منطقة الحوز وضواحيها، وما يبرزه الشعب المغربي من تلاحم وتعبئة رائعين وقويين في الميدان، ولكن، كان يجب تسجيل تدني عقلية الرئيس الفرنسي وافتقاده للياقة رؤساء الدول لديه.
المغرب اليوم في لحظة حزن، والعالم كله يتضامن معه ويسانده، وفرنسا ماكرون وحدها بدت عارية من كل القيم النبيلة، وفضح رئيسها نفسه وكشف كل عوراته.
الشعب المغربي ملتف اليوم وملتحم مع بعضه البعض، ويقدم للعالم درسا كبيرا في التضامن والتطوع والمساعدة، وجميعنا لا نبالي بضغوط ماكرون وأدواته الإعلامية، وعلى الرئيس الفرنسي أن يفهم أن المغرب دولة مستقلة، ومن يود مخاطبتها عليه أن يفعل ذلك من حيث يجب، أي من الباب وليس من النوافذ، أي عبر الأسلوب الديبلوماسي والمؤسساتي الرسمي الذي تتعامل من خلاله الدول.
محتات الرقاص
[email protected]