إشراك الشباب في التنمية بين إكراهات الاندماج ورهانات السياسات العمومية

“إن المجتمعات تؤدي غاليا عندما تهمل شبيبتها” دومنيك رينيي

إن الحديث عن “إشراك الشباب في التنمية بين إكراهات الاندماج ورهانات السياسات العمومية” تشكل مناقشته ضرورة آنية ملحة باعتبار أن الشباب يشكل رحى المجتمع وعماده، ومصدر قوته، وتماسك نظمه وأنساقه من جهة؛ وعلى اعتبار أنه من المفروض اليوم على الحكومة تبني مشروع مجتمعي متكامل يهتم بقضايا الشباب وانتظاراتهم مما يستدعي توفير الشروط المناسبة لنجاحه     والالتزام السياسي الكافي الكفيل بتنزيله وتقييم أثره.. ولعل أهمية هذا الموضوع تتجلى في كونه يتناول المسألة الشبابية بالمغرب من خلال دراسة موقعها في نسق الخطة الاستراتيجية الوطنية وسياقاتها الوطنية والدولية، باعتبارها مؤشرا رسميا يحيل على مرحلة جديدة في تدبير إشكالات الشباب لاسيما بعد دستور 2011 والدينامية السياسية والثقافية والفكرية التي أعقبته، رغم أن مناقشة موضوع، بمثل هذه الإشكالية، يعتبر صعبا بدليل ندرة الدراسات حول الاستراتيجة الوطنية للشباب، بسبب حداثة هذه الأخيرة، لكن يمكن الاعتماد على تحليل مضامين الخطة الاستراتيجية الوطنية للشباب ورهاناتها؛ من خلال الوقوف عند سياقاتها السياسية وتداعياتها على واقع الشباب وحال اندماجهم، مما يستدعي الوقوف على جملة من المتغيرات الأساسية والثانوية من قبيل السياسات العمومية وقضايا الشباب، المشاريع الوطنية في صفوف الشباب، الإرادة السياسية الملكية، أزمة الشباب، التحديات القيمية والسياسية، وغيرها من المواضيع التي تفرض نفسها، لاسيما في اللحظة السياسية الراهنة التي عرفت دينامية سياسية وثقافية جديرة بالدراسة السوسيوسياسية لمساءلة مساراتها ورهاناتها.ولعل موضوعا بهذا الحجم، وقبل التعمق في مناقشته، لابد أن نفهم كلماته المفتاحية والمتمثلة في: الشباب، الاندماج، السياسات العمومية، الاستراتيجية الوطنية، والإرادة السياسية. فمفهوم الشباب يحيلنا على فئة عمرية اجتماعية، ويتم حصر هذه المرحلة من قبل الباحثين في الفترة ما بين 15 و25 سنة، وهو المعيار نفسه الذي تبنته السنة الدولية للشباب سنة 1985، بينما الأمم المتحدة تعرّف “الشباب” على أنهم الأشخاص ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما، وتستند جميع إحصاءاتها بشأن الشباب إلى هذا التعريف. كما نجد هذا التعريف ذاته في بعض المؤسسات الرسمية في المغرب (المندوبية السامية للإحصاء، 2014)، بينما تبنت وزارة الشباب والرياضة في تقريرها الأخير التعريف الموسع لفئة الشباب الممتد ما بين 15 و29 سنة، وتجدر الإشارة إلى أن هذا التحديد العمري لمفهوم الشباب يكتنفه الغموض واللبس؛ لأن الظاهرة الشبابية لا ترتبط بمحدد عمري فقط، بل تحكمها معطيات أخرى؛ فيزيولوجية، ونفسية، وثقافية اجتماعية، وجغرافية.. كما أن المقاربات العلمية تختلف فيما بينها؛ فالسيسيولوجيا تؤكد على كون الشباب كغيره من الفئات الأخرى نتاج المجتمع وثقافته وقيمه وعقله الجمعي وأفكاره وتحولاته والمفاهيم السائدة فيه والمرجعيات التي تحكم تصورات مكوناته، ومن ثمة يتحدد مفهوم الشباب بناء على الخصائص والمعطيات السائدة في مجتمع ما، مما يعني أن لكل مجتمع شبابه، ولكل شباب إشكالاته وأسئلته واحتياجاته.. ومن وجهة نظر فيزيولوجية نفسية يتم التركيز على الملامح والتطورات الفيزيولوجية التي تطرأ على الفرد في حياته وتبصم لحظة انتقاله من الطفولة إلى الشباب، ومنه إلى الشيخوخة. من هذا المنطلق، هناك من يعتبر أن المقاربة السوسيولوجية في تحديد مفهوم الشباب أكثر وجاهة من المقاربة العمرية السائدة، لأنها ترهن مسألة الشباب بشروط المجتمع الذي يستمد منه قيمته الاجتماعية وهويته الثقافية، ويتأثر باتجاهاته القيمية والفكرية، بينما هناك من يعتبر أن استبدال الشباب بالمرور إلى سن الرشد أكثر علمية وإجرائية؛ لاسيما في مجال الدراسات السوسيولوجية.

أما السياسات العمومية فهي مجموعة من الخطط والبرامج التي تنهجها الدولة أو إحدى إداراتها من أجل حل مشاكلها والاستجابة للمطالب المتنوعة، وما يميزها هو شمولية نتائجها لشرائح واسعة من المجتمع إن لم نقل المجتمع كله، ويعرفها الباحث في العلوم السياسية فانسان لوميو باعتبارها مجموعة من القرارات المترابطة التي يقرها فاعل سياسي أو مجموعة فاعلين سياسيين. وتتطلب السياسة العمومية مسبقا وضع مجموعة من الأهداف الواضحة، ثم الوسائل والآليات الكفيلة بأجرأتها وتطبيقها، وتحديد مؤشرات الإنجاز والجهات المسؤولة عن التنفيذ، لتسهل عملية التقييم والتتبع والتقويم، وتجويد الأداء، ومن ثمة دراسة أثرها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والبيئي، من جهة أخرى يعرف توماس داي السياسة العمومية باعتبارها “تقديرا أو اختيارا حكوميا رسميا للفعل أو عدم الفعل، كما هي توضيح لماهية أفكار الحكومة وفلسفة عملها ورؤيتها التدبيرية”، بينما ير ى كارل فردريك بأن السياسة العامة هي “برنامج عمل مقترح لشخص أو جماعة أو حكومة في نطاق بيئة محددة لتوضيح الفرص المستهدفة والمحددات المراد تجاوزها سعيا للوصول إلى هدف أو لتحقيق غرض مقصود”.

إن السياسة العمومية إذن هي برنامج حكومي هادف وقاصد يروم تقديم إجابات رسمية عن جملة من الأسئلة التي يعج بها المجتمع، والتي تشمل مختلف مجالاته المتعددة، وكل مكوناته وأنساقه. وبتعبير الفهداوي، فهي منظومة فاعلة مستقلة متفاعلة مع محيطها والمتغيرات ذات العلاقة بمجال اهتمامها، من خلال صك جملة من البرامج والقرارات الكفيلة بمعالجة مشكلات معينة، أو القضاء على أزمات تقض مضجع المجتمع، وتهدد بنيانه القيمي.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك فرقا بين “السياسة العامة” و”السياسات العمومية”؛ فالأولى تعبر عن التوجه السياسي العام للدولة والتي تهم تدبير الشأن العام الوطني والمجالي والترابي، بينما السياسات العمومية هي مجالات لتنزيل البرنامج الحكومي ومحاور السياسة العامة بهدف حل الإشكالات التنموية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. فالسياسة العامة إذن تعبر عن المواقف السياسية والتوجهات الاستراتيجية العامة التي تتبناها الدولة أو الحكومة، والسياسات العمومية تشكل مستوى من مستويات التخطيط التنموي، التي يتوجب أن تكون منسجمة مع فلسفة السياسة العامة.

أما عن مفهوم الاندماج فيشير اللفظ في معناه العام إلى الترابط والتماسك والانسجام والتبعية البينية بين عناصر أو وحدات مجموع ما أو التلاؤم بين مكونات النسق الاجتماعي، ويطرح عادة كنقيض لعدم الانسجام والتفكك والإقصاء والاستلاب والتمييز وانعدام الترابط وتلاشي أواصر التعاون والتضامن وهشاشة قيم التقدير والتضامن، وهنا لا بد من التمييز بين أربعة أشكال من الاندماج: الاندماج الثقافي، والاندماج المعياري، والاندماج التواصلي، والاندماج الوظيفي، ونضيف في هذا السياق “اندماج الشباب” بمفهومه الواسع الذي يشمل تطوير قدرات الشباب الفكرية والثقافية، وإشراكهم في مسار الدمقرطة والتنمية، فضلا عن إدماجهم في سوق الشغل، والنهوض بمختلف قضاياهم ومطالبهم.

أما الاستراتيجية الوطنية فهي مجمل الخطط بعيدة المدى لتطور الدول في مختلف المجالات وحمايتها من كافة الأخطار واستعدادها لمواجهة المستقبل. وهي تشمل خططا اقتصادية وصناعية وزراعية وعلمية وإنسانية وصحية… وتستند هذه الخطط على حساب ثروات البلاد، واحتياجاتها وطرق الحفاظ عليها وتغطية هذه الحاجات وخلق طاقات بشرية من مواطنيها قادرة على قيادة دفة الأمور في المستقبل، بهدف الارتقاء بمستوى الحياة في البلاد وتخفيف حدة الطوارئ التي قد تحدث بعمل حساب لها والتخطيط لمواجهتها.

لننه تفسير الكلمات المفتاحية لمفهوم الإرادة السياسية التي تعبر عن القدرة على الفعل السياسي من منطلق التحليل السياسي الذي يمكن من فهم الواقع واستشراف المستقبل واستكشاف التوقعات. وهو ما يكفل لها مشروعية هذا الفعل، وهي تستند إلى مجموعة من الأفكار والتصورات التي صنعتها تجارب التاريخ والهوية والثقافة.. وتصب الإرادة السياسية في مصالح الدولة العليا إذا تمكنت من التمثيل العام للإرادة، وفي أيديولوجيتها التي تحكم المسيرة السياسية للقوى السياسية والفاعلة في الحركة السياسية، كإرادة فعل سياسي يوظف باتجاه مصالح البلد العليا.

ولعل هذه المفاهيم مجتمعة تربطها علاقات وطيدة تتمثل في كون الشباب يحتاج لسياسات عمومية وبرامج حكومية وقرارات جريئة وتدابير واقعية وإرادة سياسية حقيقية، تضمن لهم حياة اجتماعية وثقافية مستقرة، واندماجا سياسيا مؤثرا وفعالا، يحقق لهم مواطنة حقوقية خلاقة، أو بتعبير آلان تورين “اندماجا ديمقراطيا” يحفظ كرامتهم، ويصون حريتهم، ويعكس مطالبهم وحقوقهم، ويترجم إرادتهم داخل نسق المجتمع وفي مختلف اتجاهاته وحقوله. غير أن المطابقة بين القيم السياسية الرسمية والواقع الاجتماعي للشباب تشكل تحديا سوسيولوجيا؛ لاسيما في السياق السياسي المغربي حيث يعتبر الخطاب السياسي الرسمي، في شكله الحالي، خطابا فاقدا للمصداقية والمشروعية الاجتماعية طالما لا يجد سبيله لواقع الشباب ومطالبهم وتطلعاتهم؛ وهذا يعني أن سياسات الاندماج الرسمية يمكن أن تكون عائقا أمام التفاعل الإيجابي بين الشباب والنسق السياسي الرسمي، وحاجزا يحول دون بلوغ الغايات المنشودة.. إذ أن الشاب يكون مندمجا في المجتمع، حينما يكون عنصرا فاعلا في نسقه الثقافي، متفاعلا مع همومه ومشكلاته ودينامية التنمية وبنائها الاجتماعي والقيمي، حرا في اختياراته، كريما في حياته، مواطنا صالحا يخدم وطنه، ويذود عن حاضره ومستقبله، كما له كامل حقوقه ومستحقاته. فالاندماج الاجتماعي إذن ليس ترفا فكريا، أو نظرية سوسيولوجية حالمة، بل هو مطلب واقعي لا محيد عنه، ليكون الشباب قيمة مضافة وقوة اجتماعية واقتصادية وثقافية في مجالات المجتمع؛ لاسيما وأن الاهتمام به يشكل لحظة فارقة في الرقي والتنمية، وتحقيق التقدم والتغيير الحقيقي. فإذا كانت السياسات العمومية تعكس توجهات السياسة العامة للدولة، وتعبر عن منطلقاتها وفلسفتها في التدبير، فهل بإمكانها أن تبدد تحديات الاندماج الاجتماعي للشباب، وتجيب عن أسئلة واقعهم الملحة؟

إن موضوع الشباب يحتل مكانة مهمة في مختلف البرامج والاستراتيجيات التي تصدرها القطاعات، إذ لا يمكن أن نتصفح وثيقة من وثائقها دون أن تجد هذا المفهوم حاضرا في فصولها ومضامينها. ويبدو، من الناحية النظرية، على الأقل، بأن فئة الشباب تحضر كأولوية وكهاجس حقيقي لدى الفاعلين السياسيين، وأن قضاياه تشغل اهتمامات مختلف المتدخلين: المؤسسة الملكية، الحكومة، المجتمع المدني، المؤسسات المركزية والمحلية..

لكن هل هذا الاهتمام الرسمي أخرج الشباب من هشاشته وحقق مطالبه وانتظاراته وأجاب عن أسئلته؟ إن ربط الشباب برهانات التنمية وتوظيفه كقوة إيجابية وطاقة خلاقة، يستوجب بلورة رؤية شاملة في مجالاتها، ومتكاملة في أهدافها وغاياتها، واستراتيجية في أفقها، ومندمجة في أبعادها والقيم التي تحملها. وهو ما غاب عن السياسات القطاعية التي اهتمت بقطاع الشباب منذ الاستقلال، إذ باتت المقاربة الرسمية محكومة برؤية قطاعية تفتقد للشمولية والاندماج والتنسيق بين مختلف القطاعات المهتمة بشؤونهم، والمتدخلين في إدارة ملفاتهم، مما ساهم في تعميق الأزمة الشبابية، وتناسل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.. وهنا تطرح الإشكالية الحقيقية: هل أزمة الشباب في المغرب، أزمة سياسات أم أزمة مشروع قيمي ام هما معا؟ يقول دومنيك رينيي: “إن المجتمعات تؤدي غاليا عندما تهمل شبيبتها”. فالشباب هو الرأسمال الذي لا يعوض، بل هو الأمل والمستقبل والحامل الحقيقي لهموم المجتمع، الناهض بشؤونه وقضاياه، لذلك نعتبر أن تدبير المسألة الشبابية يستوجب مشروعا مجتمعيا متكاملا، وليس فقط خيارا سياسيا أو استراتيجية محكومة بإطار زمني وفلسفة حكومية محددة؛ لاسيما وأن الإشكالات السوسيولوجية للشباب ليست وليدة اليوم، بل هي ذات طبيعة بنيوية وجذور تاريخية، ولا أخال التغيير الفعلي سيتحقق دون تشخيص موضوعي شامل لأصل الداء؛ بحيث يتخلص من الاجتزاء والهواجس السياسية والرهانات الموسمية. ومن جهة أخرى فإن تحديات الشباب في العصر الراهن لا ترتبط بضعف الإمكانيات المادية، والبنيات التحتية، والأنساق المؤسساتية المحتضنة له فحسب، بل كذلك وأساسا بتحدي قيمي كبير وملح، لأن التحولات القيمية والاجتماعية والثقافية التي تمر منها المجتمعات المعاصرة بفعل العولمة وثقافة الويب، اكتسحت عقول الشباب، وأثرت في القيم المجتمعية الأثيلة والبانية، وأفرزت واقعا اجتماعيا مختلا في قيمه وثقافته ووظائف مؤسساته وأنساقه التربوية. إن الشباب المغربي يعرف “تغريبا لاشعوريا”، وهو ما يتطلب نسقا جديدا في مقاربة مشكلاته، وتناولا اجتماعيا ناضجا ينطلق من أرضية أولية تتفاعل مع قضايا الشباب ورهاناتها الكبرى في واقع متحول.

تبين العديد من التقارير أنه يوجد في المغرب ما يربو عن 51 بالمائة من الشباب المغاربة يتعاطون للمخدرات بشكل منتظم، وأن 81 في المائة منهم تقل أعمارهم عن 52 سنة، وفي دراسة علمية أخرى حول ظاهرة “الأمهات العازبات”، توضح أن أكثر من 500 ألف امرأة وضعن خارج إطار الزواج، توضح هذه المؤشرات الرقمية أن تحدي الشباب المغربي لا ينحصر في ما هو مادي أو اقتصادي فحسب، بل يشمل أساسا مجالي “القيم والأخلاق” والثقافة السلوكية السائدة في أوساطهم حيث يطبعها الانحراف واللاتوازن، وهذا يعني أن إصلاح المنظومة الشبابية يتطلب مشروعا تغييريا يرتكز على البعد القيمي والثقافي، من خلال إعادة الاعتبار للوظيفة التربوية للمدرسة، وخلق فضاءات ثقافية وتوعوية تحتضن الشباب، وتلبي احتياجاتهم الروحية والوجدانية ضمن نسق انتقال ديمقراطي يعكس التحولات الحقيقية للمسألة الشبابية بالمغرب، ويسائل الواقع السياسي والعقليات التدبيرية التقليدية.

وبعودتنا للاستراتيجية المندمجة، نجد أن الرهان المؤسساتي والتشريعي والتدبيري هو السمة الغالبة في فلسفتها، ولاشك أنه رهان غير كاف لوحده، بالنظر لما يعرفه الواقع الشبابي من اضطرابات قيمية وثقافية يستدعي تدخلا جادا يرصد المشكل في أساسه، ويعري الأزمة الشبابية وتجلياتها السوسيولوجية سواء في اهتمامات الشباب، أو أنظمة تفكيرهم، أو سلوكاتهم وأفعالهم، لأنها تعكس وعيهم والعقل الجمعي الذي يحدد وجودهم. إن المفارقات الثقافية التي ينطوي عليها واقع الشباب تسائل هوية المسألة الشبابية بالمغرب، وتضع على محك الاختبار مختلف السياسات الموجهة للشباب؛ لاسيما الإستراتيجية الوطنية المندمجة، التي تحتاج إلى فلسفة قيمية وسوسيولوجية واقعية تخرجها من أفقها الإداري التدبيري، لتعكس حقيقة المشروع المجتمعي للشباب، الذي لا ينفصل البتة عن مطالب كل الفئات العمرية، ومختلف مكونات المجتمع وأطيافه الثقافية والسياسية.

وتبقى الأسئلة الراهنة قائمة: هل الإستراتيجية الوطنية المندمجة أسست لواقع شبابي جديد أم كرست فلسفة التدبير التقليدي للمسألة الشبابية؟ وهل السياق السياسي الذي برزت فيه كفيل بتحقيق أهدافها وبلوغ رهاناتها؟ وهل الخمسة عشر سنة المبرمجة كافية لتضميد جراح وطن الشباب وترميم واقعه؟ وكيف يمكن ضمان نجاح الإستراتيجية في ظل واقع سياسي حكومي يفتقد للجرأة السياسية؟
إنها الأسئلة التي تطرح عند كل حديث عن مآلات التدبير الاستراتيجي المندمج للمسألة الشبابية بالمغرب؛ حاملة في طياتها رؤى نقدية وجيهة حول الحقيقة السياسية للإستراتيجية، وأفقها المحدود في ظل تغييب النموذج التنموي الذي لا تلامس مضامينه الشباب فحسب بل المجتمع بأسره ومختلف مكوناته.

وكخلاصة لما سبق، فإن الشباب، كما قال بيير بورديو، ليس مجرد كلمة، بل هو نتاج تفاعل المجتمع مع التاريخ والثقافة والقيم والسياسة، وبالتالي فكل قراءة إصلاحية مجزأة لأزمة الشباب، ستفرز لا محالة واقعا إصلاحيا متفككا طالما لم تستحضر أبعاد المسألة الشبابية السوسيولوجية والثقافية والقيمية والسياسية والاقتصادية، مع وضعها في سياقها الصحيح؛ إذ لا يمكن فصل قضايا الشباب عن العناصر البنائية للتنمية، وفلسفتها الاجتماعية والثقافية والبيئة والسياسية المناسبة لتحقيقها، المنفتحة على مستقبل مجالات ذات أولوية كبيرة أهمها؛ هوية الشباب، مسألة القيم، إدارة التحولات السوسيولوجية، النموذج التنموي، مشاركة الشباب وتفعيل أدوارهم… وهو ما يستوجب نسقا قيميا ومنظومة سياسية وثقافية تفعل دور الشباب، وتشركه في بلورة السياسات وإنجازها وتقييمها وتقويم مخرجاتها.. غير أن حضور الشباب في أغلب السياسات يقتصر على كونه “فئة مستهدفة فقط”، عوض جعله مشاركا وفاعلا ومستفيدا في سياق انتقال ديمقراطي أساسه حكامة ديمقراطية تشاركية حقيقية، وهو الأمر الذي نلمس اليوم تغييبه وقوفا على تعطيل تنزيل ورش الجهوية المتقدمة، وتأثير ذلك على تنزيل البرامج الموجهة إلى الشباب وفق خصوصية كل جهة والتنزيل المنفرد لجواز الشباب، وسياسة التعتيم التي تمارسها الحكومة اليوم حول المزايا والأهداف التي يتضمنها، والإبعاد التام للفعاليات الشبابية سواء في مرحلة التحضير أو الاعداد، بالإضافة إلى كون البرامج الموجهة اليوم للشباب من قبيل أوراش وفرصة تبقى ضعيفة وغير ناجعة ودون أثر مستدام، ولا ترقى إلى مستوى التطلعات وحجم الانتظارات الكبرى للشباب من الحكومة التي لا تزال إلى حدود اليوم عاجزة عن إيجاد سياسات عمومية شمولية مندمجة ومتكاملة..

إن اهتمام الخطاب السياسي الرسمي لا يكفي وحده للنهوض بقضايا الشباب، طالما تؤكد مؤشرات رقمية عديدة تنامي نسبة التهميش الذي يتعرض له الشباب، مما يجعل رهان تحقيق الاندماج والمواطنة الكاملة مطمحا رسميا معاقا، يوسع الشرخ بين طموحات الشباب ورهانات السياسات العمومية. وهذا يعني أن فلسفة الاندماج سيرورة تتطلب مقومات سياسية مهمة لنجاحها، أهمها دمقرطة المسألة الشبابية، وتبني مقاربة تشاركية في تدبيرها، فضلا عن الالتزام المجتمعي في تتبع مسارها وتقويم عثراتها.

بناء على ما سبق نستنتج على أن:

* أزمة الشباب في المغرب لا تنحصر فقط في غياب اندماج اقتصادي واجتماعي مناسب، أو انعدام فضاءات ثقافية وشبابية تحتضن قدراتهم وكفاءاتهم وتلبي احتياجاتهم، لكن كذلك في تأزم المجتمع بأسره، باعتباره نسقا ثقافيا واجتماعيا يعبر عن منظومة قيمية هشة ينخرها الانحراف والأمراض الثقافية المعولمة.

* إدارة القضايا الشبابية تتطلب نفسا استراتيجيا مندمجا، ووعيا وطنيا وإرادة مجتمعية حقيقية تقودها إرادة سياسية ديمقراطية تكفل للشباب حقه في التعبير عن وجوده، وضمان حقوقه، وصقل إمكانياته، وتأكيد هويته.

* الانتقال بالمسألة الشبابية من التدبير القطاعي الاختزالي المتجزئ إلى التفكير الاستراتيجي المتكامل والمندمج، بالموازاة مع انتقال ديمقراطي حقيقي، يمثل فيه الشباب الفاعل الأول والأخير، ليس بالنظر لقوته الديمغرافية فحسب، ولكن لأنه أمل الوطن ومستقبله، وهذا يشكل ضرورة ملحة آنية ورئيسية.

بقلم: حنان سعيدان

عضو المكتب الوطني للشبيبة الاشتراكية

Related posts

Top