الأديب محمد صوف: فوز كتابنا بجوائز عربية يعد أبرز أحداثنا الثقافية

مع نهاية سنة، حافلة بالأحداث والأنشطة الثقافية، يكون من الضروري القيام بوقفة تأمل، من أجل استشراف المستقبل. بعيدا عن النزعة العدمية أو التفكير المغرق في مثاليته وطوباويته.
 لهذه الغاية كان لبيان اليوم اتصال بنخبة من الكتاب المغاربة، يمثلون أجيالا مختلفة، وينتمون إلى مشارب متعددة، للحديث عن الحصيلة الثقافية لهذه السنة التي نودعها، وعن أبرز حدث ثقافي فيها، وتطلعاتهم المستقبلية، والأولويات التي يرونها جديرة بمباشرتها خلال السنة الجديدة.

الأديب محمد صوف : فوز كتابنا بجوائز عربية يعد أبرز أحداثنا الثقافية

هل هناك حدث  ثقافي يمكن اعتباره الأبرز؟ الأحداث الثقافية يمر عليها مرور الكرام. ومع ذلك  قد يعتبر حدثا ثقافيا بارزا فوز كتابنا بجوائز عربية ووصول آخرين إلى اللائحة القصيرة في جائزة بوكر العالمية للرواية، وإدراك القصة القصيرة المغربية  مكانة متميزة  في الكويت.
 إضافة إلى فوز الشاعر محمد بنطلحة بجائزة أركانة للشعر. وكل ذلك ناتج عن جهود فردية لكتابنا وشاعرنا. الحدث إذا كان هناك حدث، يكون ذا حمولة كبرى ناتجة عن إرادة سياسية تمنح إشعاعا للثقافة في بلدنا.
 الحدث يكون أبرز لو أن أدباءنا تم الاحتفاء بهم في محفل محلي.. وأعطاهم الإعلام الرسمي ما يستحقونه من الاهتمام ولم لا يتم تنظيم  لقاءات على امتداد الخريطة الوطنية للتعريف بالأعمال الفائزة  عبر برنامج تتبناه المركبات الثقافية والكليات  والوسائطيات  ومندوبيات وزارة الثقافة.
عندها سنعطي دفعة للثقافة ونثير الغبطة لدى الغير.
ومادام الأمر غير ذلك، فلنكتف بفوز أدبائنا بالجوائز ولنفتخر بأسمائهم التي تلمع خارج الوطن وترفع رايته أيضا.

**

هي ليست تطلعات شخصية، بقدر ما هي حلم بسيط بأن  تمنح الإرادة السياسية للثقافة ما يجعلها  تزيد من رفع راية البلاد عالية. وهي  أيضا  أمنية بأن نتجاوز  بعض السلوكات  ونرقى بها إلى مستوى يليق بالثقافة والرقي الجدير بها، عبر فتح الآفاق لمن يكتب، أن يكتب أكثر تحت رعاية رسمية، لن تكون في حقيقة الأمر سوى حق  يمنح لصاحبه.

***

الشاعرة فتيحة النوحو :دينامية  ضرورية لعملية التراكم  في الحقل الثقافي

sans-titre-11

 لا يمكن تقييم حصيلة ثقافية لسنة كاملة دون السقوط في عملية الجرد لتظاهرات وأنشطة  ثقافية  وإصدارات أدبية  فكرية تاريخية وعلمية، وهذا يمثل دينامية  ضرورية لعملية التراكم  في الحقل الثقافي،  هي مبادرات مهمة تنخرط فيها الوزارة الوصية على القطاع أو الشركاء والمتدخلين الآخرين في الفعل الثقافي، سواء كانت  هذه الجهات حكومية أو غير حكومية.
 لكن ما ينقص مشهدنا الثقافي هو ذاك الحراك الفعلي الذي نجني ثماره ونراه متوهجا في المجتمع، بعيدا عن الرقعات الضيقة  والموسمية، نود أن نزرع في أرضية المجتمع إلحاحية وضرورة لا محيد عنها للثقافة في يومنا المعيشي، وأن لا نبخس من أي من العناصر التي تشكل ركيزة وعصب هذا الغذاء الفكري والروحي.
 للأسف، هذا هو ما حدث ونحن  نراقب هذا اللغط  الدائر ونحن نوشك على إنهاء العام حول المساعي غير الحميدة للنيل من المعرفة، آلا وهو  ضرب مجانية التعليم،  ناهيك عن  التبخيس الذي طال  اللغة العربية والسعي لتعويضها بلغة مبتذلة وهجينة  لا ترقى إلى العامية التي صيغت بها الثقافة الشفهية  بالمغرب، والتي نود الحفاظ عليها من خلال آلية التدوين، والتي لن تستقيم من دون تعليم  سوي  يحترم خصوصية البلد الثقافية والمعرفية والفكرية، لينفتح على الآفاق الإنسانية  بجذور ثابتة في الأرض وليس باستيراد سطحية ثقافات أخرى، والتي لن يزيدها التعليم الخصوصي المبني على آفة المال إلا تكريسا.
 لذا أعود لسؤالك عن تطلعاتي للمستقبل الذي أصبح قصير المدى مع عبثية ما يحدث، فعوض التطلع الذي فيه كثير من المثالية أرتكن إلى واقعية الأمنيات الصغيرة، فأتمنى أن تصبح الثقافة خبز العامة بأضلاعها الأساسية التعليم، المعرفة..  لنخلف إرثا حضاريا ثقافيا مغربيا حقيقيا ساهم وسيساهم فيه أبناء البلد بمكوناته المختلفة وطبقاته المتباينة.

***

 الأديب عبد اللطيف الوراري: قرأت أكثر مما كتبت

sans-titre-9

كما سابقاتها، كانت السنة سنة أفراح وسنة أتراح.
ودّعنا معها كثيرًا من الناس ممن أثروا في مجريات العصر وبصموا تحولاته الفكرية والأدبية بمعنى من المعاني، مثل السوريين جورج طرابيشي وصادق جلال العظم، والإيطالي أمبرتو إيكو، والفرنسيين إيف بونفوا وميشال بوتور، والمصري فاروق شوشة، والتونسي أولاد أحمد، والمغربي الطيب الصديقي وغيرهم. لكن حزنت لغرق الروائي عزيز بنحدوش صاحب رواية “جزيرة الذكور” التي خلقت جدلا واسعاً قبل أشهر وحوكم بسببها.  
وفي المقابل، ظهر إلى السطح مبدعون جدد برعوا في الشعر والسرد، أذكر منهم مغربيّاً: ليلى السليماني صاحبة الغونكور الفرنسية، وطارق بكاري الذي لفت الناس بروايته (نوميديا). كما تألق جيل جديد من النقاد المغاربة في المحافل العربية، ونالوا الجائزة والاحترام.
وكانت السنة سنة جوائز الرواية، وقد أثير حولها اللغط في المغرب والمشرق. مثلما أثير حول جائزة نوبل التي منحت للأمريكي بوب ديلان، إذ لم يسبق أن حصل عليها مُغنّي روك قبل هذا الوقت، وقد فُسّر ذلك بأنه تغيير في معايير الجائزة الأدبية.
وفي الشعر، سعدتُ بأن تُمنح جائزة المغرب للكتاب لرائد الشعر الحديث عبد الكريم الطبال، وأن تُمنح جائزة الأركانة العالمية للشعر إلى محمد بنطلحة أحد أهمّ أصوات جيل السبعينيات في الشعر المغربي وأكثرهم تأثيراً في من جاء بعده.

**

شخصيًّا، قرأت أكثر مما كتبت.
قرأت أو أعدت قراءة كتب كثيرة في الأدب والنقد والفلسفة. وبالأخصّ، انصرف اهتمامي إلى السير الذاتية التي كتبها الشعراء تحديداً، وذلك ضمن انشغالي بهذا النوع الأدبي في علاقاته المتوترة بأنا الشاعر داخل خطابها بين ما هو مرجعي واستعادي، أو ما هو تخييلي يعاد ابتكاره باستمرار.
  وخلال السنة، صدر لي ثلاثة كتب متنوّعة من حيث المادة، لكنها تشترك في الجوهر:
• “من علوِّ هاوية”، ديوان شعر عن منشورات بيت الشعر في المغرب؛ وهو عملٌ سعيت فيه إلى “شعرنة” الهاوية بكلِّ إيحاءاته الدلالية والرمزية من صميم ما نعيشه اليوم من جهة، وإلى تطوير حاستي الشعرية في علاقتها بالذات واللغة والعالم.
•”عبد الكريم الطبال ناسك الجبل”، وهو عبارة عن حوار في الحياة والشعر مع رائد الشعر المغربي الحديث، وذلك من أجل توثيق الذاكرة الشعرية ومعرفة سياقات تشكُّلها وانفتاحها.
•”ضوء ودخان”، وهو عبارة عن شذرات من السيرة الذاتية، لا تخضع لـترتيب كرونوجي صارم يحدُّ من بعدها البيوغرافي الحميمي والشذري المفتوح. وهي ليست سيرة فرد فحسب، بل سيرة جيل بأكمله فتح عينيه على واقع كان يتحول باستمرار.
بموازاة مع ذلك، كانت لي مساهمات نقدية في بعض الملتقيات الشعرية، أذكر منها على الخصوص: ملتقى قصيدة النثر المصرية الذي أصدر أنطولوجيا قصيدة النثر في المغرب، وملتقى المضيق للشعر المتوسطي الذي احتفى بتجربة الشاعر محمد السرغيني.
ومن المتوقّع أن يصدر لي خلال السنة الجديدة ديوانان شعريّان: الأول تحت عنوان “مثنى بصيغة الجمع” عن منشورات مقاربات، وهو عبارة عن قصيدة مُطوّلة حظيت بجائزة القصيدة العربية بالمغرب. والثاني بعنوان “إذا لم يخنّي النسيان” عن الهيئة العامة المصرية للكتاب، وهو مجموعة قصائد نثر أسعى عبرها إلى تجريب هذا الشكل الشعري والتعايش مع مفاجآته غير السارة.
   غير أنَّ مشروعي الرئيسي الذي أعمل عليه وأنذر له كلّ وقتي ومجهودي هو بحثي العلاقة بين السيرة الذاتية والشعر ضمن بحث جامعي، وآمل أن أفرغ منه في بحر هذه السنة.

****

الأديب إبراهيم الحجري: تألق الأدب والنقد المغربيين في محافل عربية كبرى

sans-titre-3
 تبقى مسألة اختيار الحدث الثقافي للعام مسألة شخصية جدا، لتقديرات متفاوتة، تتحكم فيها الأمزجة حينا، والإيديولوجيا حينا آخر، وأحيانا أخرى كثيرا من الذاتية السمجة.
 وبالنسبة لي في هذا الاختيار الصعب، لن أكون خارج هذا السرب أو ذاك مهما اجتهدت. لذلك أعتبر حدث السنة الثقافية التي نعيشها أنفاسها الأخيرة، هو تألق الأدب والنقد المغربيين في محافل عربية كبرى، ومنابر مشهود لها عربيا ودوليا… فسنة عن سنة يزداد هذا الحضور المطرد، بمبادرات شخصية  لا تسهم فيها المؤسسة من بعيد ولا قريب، ولا عجب أن يأتي الاعتراف من الخارج في غفلة مقصودة من المسؤولين عن الثقافة بالبلد، فالمغاربة حازوا حظوة كبيرة في أرقى الجوائز العربية  والدولية: البوكر، كتارا، الشيخ زايد، الفيصل، العويس، الطيب صالح، الشارقة، الملتقى، الغونكور…
 وهذا يتكرر كل عام وربما يتزايد، مبعدا فرضية الصدفة، كما أن الأقلام المغربية في جميع التخصصات تلاقي ترحابا لافتا في أغلب المنابر…
 وهذه الأحداث التي تقع دون اهتمام من طرف الجانب الرسمي، وبتقصير من بعض الجهات الإعلامية الرسمية، وبغفلة من الرأي العام، لا يمكن إلا أن تكون أحداث العام بامتياز، لأنها تعطي صورة بديلة لما يشاع عنا في الإعلام الغربي المغرض؛ ذاك الرأسمال الحقيقي الذي يمكنه أن يصنع الفارق بين الهويات.
 وأتطلع في العام المقبل وما يستقبل من الزمان، بنظرة تفاؤلية كما العادة، أن يستمر اكتساح الشباب، لتثبيت هذه الاستحقاقات، ورفدها وتطويعها، على مستويي الممارسة والملمح، مثلما أتطلع، ولو بطوباوية حالمة، إلى أن تفطن المؤسسات لأهمية هاته المكاسب، والسعي إلى ترسيخها واستثمارها، بدل تغييبها وتهميشها، والعمل على دعم الثقافة الحقيقية التي تنمي الذائقة والفكر وتصقل العقل، وتضع الإنسان المستقبلي، خاصة الجيل الجديد، على سكة الأمان، بدل شحنه بالخزعبلات والوصلات الفاسدة وأنواع الفعل الثقافي التي لن تجني على الشخص وحده، بل على المحيط الذي يعيش فيه ككل. ولنا في ما يقع في العالم الآن، خير شاهد على هذا.

***

الناقد الأدبي عثماني الميلود: من أجل مجتمع يرنو إلى المستقبل دون خوف أو مركب نقص

sans-titre-10

 قبل أن أشير إلى أهم حدث ثقافي أثار انتباهي، أود أن أبدي عدة ملاحظات مركزة بخصوص الحياة والتدبير الثقافيين إن على مستوى العمل المؤسساتي أو الفردي، لكي أختتم ذلك بجملة أمان تروم إرساء حياة ثقافية مغربية مختلفة.
 بعد مرور أكثر من سبعين سنة على الاستقلال، لم تستطع لا المؤسسات الرسمية ولا غير الرسمية إرساء ممارسة ثقافية واضحة المعالم، أقصد أنه في الوقت الذي تنتعش فيه الإنتاجات الثقافية، بمختلف هوياتها، وتحوز الرضا والتقدير والتثمين شرقا وغربا، نجد السياسة الثقافية ما تزال رسمية محافظة، على مستوى الدولة، وفردية شعبوية على مستوى السلوك الفردي أو الجمعوي لأسباب مختلفة؛ منها سطحية التصور والإعاقة في الإنجاز وغياب روح المشاريع متوسطة وبعيدة المدى، على أن المختبرات الجامعية وغير الجامعية، تبقى الحاضن المثالي لسلوك ثقافي منظم ومنسجم وفعال إن على مستوى النظرية أو الإنتاجية أوالخبرة، الأمر الذي أفضى إلى تراجع قيمة الحقلين الرمزي والثقافي لدى شرائح كبيرة من مجتمعنا المغربي. وقد انعكس هذا الوضع على كثير من الحاضنات الثقافية ( اتحاد كتاب المغرب، مؤسسات المجتمع المدني، الصحافة الثقافية ، إلى آخره)، وهو ما سينتج الاحتجاجات بدل ثقافة الاحتجاج، وخفوت صوت المثقف والمجتمع المشروع، ولولا الجوائز التي حازتها الكثير من الإنتاجات الثقافية المغربية عربيا وغربيا لأنتشر اليأس والقنوط  من فاعلية الثقافة والحاجة إليها.
 قد لا يكون للجوائز التي تمنح من خارج المغرب للعديد من المثقفين المغاربة كبير أثر، غير أنها أفضل بكثير من التعتيم الممارس على الثقافة الأكاديمية والنقدية محليا. وفي هذا الباب شعرت بكثير من التقدير والرضا على جوائز نالها باحثون وأدباء مغاربة ( سعيد يقطين، إبراهيم الحجري، حسن المودن، محمد بوعزة، محمد بنطلحة وغيرهم كثير). ولعل تتويج هؤلاء وغيرهم إنما هو إدانة خفية للمؤسسات الرسمية التي تعانى عمى من نوع خاص، ينضاف إلى العمى الإيديولوجي لكثير من الأحزاب الوطنية والديموقراطية، إذ ما يزال  ينظر إلى المثقف كمجرد تابع لما هو سياسي.
  إن الأفق ليس قاتما، بشكل تام ونهائي، والحلول كثيرة ومتعددة؛ أهمها صياغة وبلورة مشروع ثقافي وطني يحرس على حماية التنوع والاختلاف ويجعل من حرية التعبير عقيدة رسمية، مع جعل العمل المؤسساتي الرسمي آلة لتمكين الجميع من نيل نصيبه من الثقافة والدفع إلى الإبداع، وحث القطاع الخاص على الاستثمار في الثقافة باعتبارها واجهة للتنمية المستديمة، مع إرساء القوانين التي تشجع على بروز صحافة ثقافية أكثر اتساعا من حيث الحجم والرؤية، وجعل الثقافة مدخلا لكل السياسات العمومية، إن على المستوى الجهوي أو الوطني، مع ما يصاحب ذلك من تثمين للثقافة والمثقف، وفصل الصورتين عن الناشطين الحزبيين. كل ذلك بغرض بناء مجتمع معرفي مغربي يعتبر فيه إنتاج الثقافة واستهلاكها وتحويلها إلى قيم مشروع بلد، ومن القراءة وقيم التضامن والحوار والاندماج والتعايش عناوين حقيقية لمجتمع يرنو إلى المستقبل دون خوف أو مركب نقص.

 إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top