نعيش جميعنا من حين لآخر، أو بشكل مستمر، صراعات طاحنة وعنيفة مع أنفسنا. فينعكس الأمر بشكل مباشر من الوعي على العالم المادي. ننتبه إلى كيفية تعاملنا مع الآخرين، وكيفية تعاملهم معنا.. نحاول ونسعى جاهدين لكسب صفات يمنحنا إياها المجتمع: شخص لطيف لا يرفض طلبا لأحد، شخص معطاء وكريم، شخص اجتماعي له علاقات جيدة مع الجميع…
نطمح إلى أن نكون نموذجا في الطيبة والتسامح مع كل من يعرفنا. ننسى أن الحياة تتطلب منا أن نسير وفقا لأولويات واختيارات. الحياة أحيانا إما سوداء أو بيضاء، فتدرجات الرمادي ليست دائما متاحة. ننسى أن الأولية الكبرى هي نفسنا. تلك النفس التي لا نرحمها أبدا وتقصف بشكل يومي وعلى أتفه الأسباب.
عندما نخطئ الاختيار نلوم أنفسنا بشدة، لا نسامحها ونسامح الآخرين.. لسنا متصالحين مع أجسادنا، وننزعج من عيوب طفيفة قد تلحق بها، في حين نتقبل الآخر كما هو.. نحاسب نفسنا على كلمة تفوهنا بها، وفعل متسرع أقدمنا عليه، في المقابل قد نلتمس للآخرين الأعذار وأحيانا مجرد أعذار واهية.. من الجيد أن نتقبل الآخر وأن نغفر له، لكن ليس على حساب تلك النفس التي لطالما تجاهلنا أنينها ولا ننصت لها أبدا ونقاوم رغباتها..
علينا البدء دائما بالأشياء والخطوات الصغيرة، كأن نسامح نفسنا على أخطاء تافهة قديمة ارتكبناها، أن نغير الكلمات التي نوجه لأنفسنا كل يوم ونمنحها فرصة ثانية حين تخطئ… مع مرور الوقت سيقل الألم وستتغير كثيرا، ستفكر مليا في النتيجة قبل أن تعلن الحرب على نفسك مرة أخرى.. ستقتنع أخيرا أنها في صفك ولم تكن ولن تكون أبدا عدوا لك.. وإذا ما فكرت يوما في أن تعاقبها وتقلل من شأنها ستكون بذلك قد أشعلت نارا في داخلك وبيديك..
لا شيء في هاته الحياة أهم من أن تحب ذاتك، أن تقدرها وأن تتقبلها. كل شيء نراه ونتفاعل معه في محيطنا الخارجي ما هو إلا انعكاس لحالة دواخلنا. إذا كان وعينا في حالة سلام، مهما اشتدت الصعوبات وعمت الفوضى، نستطيع أن نستشعر وجود آمال مهما كانت صغيرة. أما إذا نشبت الحروب والنزاعات الفكرية في عقلنا، فمهما ساد السلام وعم المكان، لن نتمكن من رؤية شيء سوى السواد.
بقلم: هاجر أوحسين