بعد الإعلان الرسمي عن مواقيت الانتخابات للمجالس المهنية والجماعية والإقليمية والجهوية والتشريعية، بات لزاما علينا المطالبة بتعجيل القصاص القضائي من كل المنتخبين الفاسدين الذين تحتفظ الدولة بملفاتهم داخل رفوف المجلس الأعلى للحسابات والنيابة العامة ومختلف محاكم المملكة. واسترجاع الأموال والممتلكات المنهوبة، بالإضافة إلى منعهم من الترشيح ومنافسة الشرفاء والشباب الوطني الواعد. والبحث والتدقيق في مالية هؤلاء المنتخبين الذين اعتادوا أن يقضوا ولاياتهم في تكديس أموال الرشاوي وشراء الذمم، مدعومين من طرف بعض المستثمرين المستفيدين من الصفقات والامتيازات في الرخص والبناء.
الكل يدرك خطورة استفحال ما بات يعرف بفنون «الارتشاء». فلم تعد الرشاوي حبيسة الغرف والمكاتب المظلمة، ولا مجرد صفقات سرية، تنتهي بتبادل المال والخدمات.. ولم يعد الراشي والمرتشي يكتفيان بتغليف الرشاوي بمفردات من قبيل «قهيوة» أو «هدية» لتسهيل مرورها بسلاسة وبدون عواقب محتملة. بل إن هناك من ذهبوا إلى حد تقنينها وجعلها موردا رسميا لمعيشتهم اليومية. وصفوها بالحلال والمستحقة. وتم إلباس الدولة جلباب «الرائش»، لتكون عبر إداراتها، وسيطا دائما بين الراشين والمرتشين.
لم يعد صعبا على مدمني النصب والنهب من داخل زمرة ممثلي الشعب، وخصوصا بمكاتب مجالس الجماعات الترابية، ومجالس العمالات والمجالس الإقليمية والجهوية والغرف المهنية.. إيجاد الطرق والوسائل الكفيلة لتبرير كل ما يقترفه المنتخبون من فساد إداري وما ينفقونه من أموال عمومية بدون وجه حق. وما يتقاسمونه من أموال غير مستحقة، وسيارات الخدمة وخدمات خاصة، والتفاوض الفاضح من أجل الرئاسة وتوزيع باقي المهام النيابية ومهام رئاسة اللجان الدائمة داخل المجالس المنتخبة (التعمير وإعداد التراب والمحافظة على البيئة، الميزانية والشؤون المالية والبرمجة والممتلكات، المرافق العمومية والممتلكات والخدمات، الشؤون الاجتماعية والثقافية والرياضية والمجتمع المدني.. التعاون والشراكة).. حيث الاستغلال للسلطة والجاه وابتزاز المواطنين الراغبين في استخراج بعض الوثائق أو الحصول على تراخيص البناء أو الإصلاح أو.. وبعدها الظهور بمظاهر الشرفاء والأخيار. يقع كل هذا في ظل قصور مظلات الرقابة وغفلة أو تواطؤ سلطات الوصاية وبطء المساطر القضائية وضعف تأثير أحكام القضاء. لم يعد هناك من مانع يعيق استمرار فرض قوانينهم الخاصة. فبعد أن تمكنوا من كسب مقاعدهم، بشراء الذمم ولجم الأفواه، كان لابد لهم من تجنيد كل الموالين لهم من فعاليات جمعوية وحقوقية وسياسية ونقابية، لدعم وتبرير فسادهم وتدبيرهم العشوائي والفوضوي. وذلك باستئجارهم على طول ولايتهم الانتخابية. وكان لابد أن يتم تبرير صرف أجور هذه الفعاليات المتواطئة، وفق قوانين الصرف المالي الجماعاتي. لكي لا تثقل كاهل هذه الطينة من المنتخبين، وحتى تبقى تلك الأموال رشاوي حلال يقبل بها المستأجرون وترضى بصرفها كل الجهات الوصية، لجأ هؤلاء القادة المنتخبون إلى عمليات التلاعب في الأموال المرصودة لدعم العمل الجمعوي. حيث يتم رصد منح مالية سنوية أو ظرفية للجمعيات، تزيد وتنقص بحسب درجات ولاء أعضاء مكاتبها المسيرة.
مئات الجمعيات يتم تأسيس مكاتبها المسيرة مع إطلالة كل ولاية انتخابية جديدة، وطبعا خلف التأسيس منتخبون من داخل نفس المجلس. مكاتب في معظمها مشكلة من أقاربهم والموالين لهم، هدفهم الأسمى الحصول على المنح المالية (الرشاوي). كما لجأ هؤلاء القادة إلى دعم الموالين لهم من أصحاب المقاولات والشركات الخدماتية، ومن أجل تأسيس شركات ومقاولات وهمية بدون أرصدة مالية، مقراتها منحصرة في هواتف أصحابها. حيث يتم التلاعب في الأغلفة المالية المرصودة لبعض المشاريع، وفرض استفادة شركات بعينيها دون أدنى احترام لمساطر الصفقات، ولا للشروط والمعايير اللازمة. حيث ترصد (البونات) وصولات الأداء، لهؤلاء. وخصوصا الصفقات الصغرى، التي عادة ما تكون تأشيرتها محصورة لدى رؤساء الجماعات الترابية وباقي المجالس المنتخبة إقليميا وجهويا ومهنيا، أو تلك المتعلقة بالوقود وباقي عمليات الصرف اليومية. كما يتم التغاضي عن عمليات استخلاص الضرائب والأكرية الخاصة بمرافق الجماعات، والغرامات وكل الباقي استخلاصه. يستمر تبذير أموال المجالس المنتخبة باسم القانون. ويزداد عدد المرتشين مع كل ولاية انتخابية. حيث يتم تفريخ الجمعيات والشركات والمقاولات. وطبعا وراء كل هذا الفساد مجموعة من المنتخبين، الذين فرضتهم المسماة «الديمقراطية» على المواطنين الأبرياء، باسم ما يعرف بـ «القانون». ترى أين يكمن الخلل؟.. هل في المواطن أم في القوانين التنظيمية أم في الجهات التي صنعتها والعالمة بكيفية الطرب بأوتارها؟. أم أننا لازلنا لم نصل بعد إلى مستوى انتقاء الأصلح والأجدر؟. الأكيد أن «الرشوة» وباء لا يمكن تطهيره ولا تقنينه، وأنه بدون ساسة شرفاء لا أمل لهؤلاء في الشفاء. ويبقى الحل الوحيد هو بتر الأعضاء المتعفنة واستئصال الداء. لأن البديل الانتخابي لن يتحقق بدون محاسبة المتورطين ووقف زحف الفساد والمرتشين.. فما رأي المطالبين بزيادة صلاحيات المنتخبين؟.
بقلم: بوشعيب حمراوي