العنف ضد النساء

يجدر بداية تسجيل الإفراج عن مشروع القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء بايجابية، فضلا على أن الحوار الذي أفضى إليه داخل المجتمع، ووسط النسيج الجمعوي والنسائي والحقوقي يبقى كذلك ايجابيا ومفيدا، ويجب أن يقود إلى النتائج المرجوة. بعد ذلك، لابد من التأكيد على أن إصدار نصوص قانونية، أو الإقدام على التشريع في مغرب اليوم، يجب أن ينتظم ضمن الأفق المشترك الذي كرسه الدستور الحالي، وتؤطره الالتزامات الحقوقية للمملكة، أي أن التوجه العام لابد أن يكون واضحا وإراديا وبلا تردد أو لبس، ويقوي المسار الديمقراطي الحداثي للبلاد، وينسجم مع محددات الزمن المغربي الجديد المنتصر لقيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
من جهة ثانية، ليس مقبولا دفع بلادنا لتسير بإيقاعين مختلفين، أي أن يكون النص الدستوري في واد وقانون يعنى بالنساء وبمحاربة العنف ضدهن في واد آخر، أو يتحول إصدار قوانين إلى فعل قطيعة مع ما تراكم من اجتهادات خلال السنوات السابقة، ومع خطوات ومبادرات حكومية قبل الوقت الحالي، أو حتى مع الأفق العام الذي يؤطر مسلسل إصلاح العدالة الجاري كذلك الحوار والتفاعل بشأنه.
إن منظومتنا القانونية والتشريعية  يجب أن تمتلك وضوح الرؤية والتوجه، وأن تكون ذات انسجام داخلي أفقي على مستوى النصوص ومجالات التشريع، وأن تكرس صيرورة التطوير التدريجي التقدمي إلى الأمام، وليس العودة دائما إلى نقطة البداية.
وعندما نتحدث هنا عن زمن مغربي جديد، وعن أفق دستوري يختلف عن سابقه، فإننا نقصد كذلك الأسلوب والمقاربة، أي الانتصار لخيار التشارك والحوار الواسعين وسط المجتمع.
في المغرب دينامية جمعوية مدنية ونسائية وحقوقية راكمت طيلة عقود كثير تجارب ومهارات، وصارت تمتلك الخبرة الميدانية والأدبية والقانونية، ومن غير المعقول عدم استحضار كل هذا قبل وأثناء إعداد النصوص ومشاريع القوانين، وبالتالي لابد من تمتين المقاربة التشاركية في مسلسلات إعداد القوانين وصنع السياسات العمومية، خاصة أن المبادرة التشريعية، بموجب الدستور الحالي، باتت اليوم واسعة وتشمل المواطنات والمواطنين أيضا.
وفي نفس الوقت لابد من التنبيه أيضا إلى حاجة جماعية، لدى الحكومة والبرلمان وأيضا لدى المنظمات غير الحكومية المعنية، لاستحضار الواقعية والجدية، ممارسة وأسلوبا، وإبداء الاستعداد للعمل المشترك، بدل كل هذا التوتر الذي صار واضحا عند كل حديث عن قانون أو قرار أو مبادرة.
في مقابل السجال المتنامي بين الوزارة المكلفة بالقطاع والنسيج الجمعوي والنسائي والحقوقي، تستمر ظاهرة العنف ضد النساء في التنامي والتوسع، وفي التسبب في مآسي  شخصية وأسرية واجتماعية ونفسية بمناطق مختلفة من البلاد، والمؤكد، على ضوء ذلك، أن هناك حاجة واقعية  وملحة اليوم لمواجهة الظاهرة، والسعي للحد منها ومحاربتها، بالقانون والآليات والتربية والتوعية والتحسيس، ومن ثم إنقاذ مجتمعنا من مواصلة إنتاج  ثقافة العنف، وترسيخ التمييز ضد النساء، والتعبئة الجماعية لصالح إشعاع المساواة والعدالة الاجتماعية، وتحقيق الكرامة لكافة المغاربة، نساء ورجالا.
[email protected]

Top