الغطرسة

الحلقة السادسة

في يوم السبت الماضي، كنت في معرض الكتاب ببروكسيل. كانت تمطر. المدينة كما العادة كانت في شغل. حوالي العاشرة ليلا، ملحقي الصحافي طلب سيارة أجرة للعودة إلى الفندق. بمجرد جلوسنا على المقعد الخلفي للسيارة، وصل رجل، نحيل، حازم، فتح الباب الأمامي وجلس كأنه في بيته. بدون أن ينبس بكلمة. لا مساء الخير ولا أي تحية. خاطب السائق المغربي آمرا إياه بأن يحمله إلى فندق بلازا. أنا وصديقي تفاجأنا، صدمنا. هذا السلوك الفج لا يمكن إلا أن يجرح مشاعرنا.
 قال له صديقي بالفرنسية: “كان يمكنك أن تأخذ رأينا، سيارة الأجرة هاته نحن من طلبناها وانتظرناها لمدة ربع الساعة تحت المطر”.
 أجاب بالإنجليزية: “لا أفهم الفرنسية”. شرح له بأنه يفهم استغرابنا. لم يعتذر وقال إنه في كل الأحوال فإن ” سيارة الأجرة تذهب في نفس الاتجاه، أين المشكل إذن؟”.
ألقيت عليه السؤال لمعرفة من أين أتى. قال لي: “أنا إسرائيلي”. لم أقل أي شيء.
  ساد صمت على امتداد المسافة بكاملها. عند الوصول إلى الفندق، قال لنا إنه لم يفهم سبب عدم رضانا عليه، سوء تفاهم، “أنا يهودي، إذن ضحية عزل”. هنا، تدخلت وقلت له بصوت هادئ، لكن صارم: “من الطبيعي أن تتصرف بتلك الطريقة، لقد عودوكم في بلدكم على احتلال أراضي ليست في ملككم، احتلال بيوت الغير، لهذا تعتقدون أن الجميع ينبغي أن يكون في خدمتكم وفوق ذلك يعتذرون لكم على عدم تحملكم”.
 عند ذاك، طأطأ رأسه وقال لي بالإنجليزية: “لا أفهم الفرنسية”. وانصرف. هنأني السائق على رد فعلي: “كدت أن آمره بالنزول من سيارتي، لكن في اللحظة التي عرفت أنه إسرائيلي، صرت على يقين أنه قد يعتبرني معاديا للسامية”.
 في اليوم الموالي أعدت التفكير في هذه الحادثة واستحضرت همجية إسرائيل، إفلاتها من العقاب، سياستها الاستعمارية والعدوانية، الفصل العنصري الذي ما فتئ يترسخ في الأراضي المحتلة، مجرد وضع رمز “إسرائيل” على مواد قادمة من الأراضي الفلسطينية والرفض المنهجي للبدء في مفاوضات جادة تقوم على أساس سيادة السلم بين الشعبين، كلاهما له دولة ذات حدود.
 خطر ببالي أن قلة التربية هاته هي في حد ذاتها “سلوك تربوي”. هكذا يتصرف الاستعماري، المحتل. وأعدت التفكير بالتالي في أطروحة ما فتئ يؤكدها مثقفون وحتى رجال السياسة بفرنسا، تقوم على أساس تمرير سياسة الدولة الإسرائيلية، السياسة الصهيونية لأجل معاداة اليهودية.
 إنها طريقة ناجعة لإخراس العالم. الوزير الأول الفرنسي مانييل فالس قال ذلك وكرره عدة مرات: “أن تكون معاديا للصهيونية فأنت معاد بالضرورة لليهودية”. حتى تحت القبة، في يوم استقبال الأكاديمية الفرنسية لألان فانكلكروت، ذكر في خطابه تلك الأطروحة ذاتها التي أخذ بها بيار مورا الذي استقبله في هذه المؤسسة العتيدة.
 الإسرائيلي الذي يفرض نفسه في سيارة أجرة ذات مساء شتائي ببروكسيل ليس بذي أهمية، إنه فعلا حقد مدبر من طرف دولة تعتبر نفسها فوف القوانين، فوق قرارات الأمم المتحدة التي لم تحترم قط.       

 بقلم: الطاهر بنجلون

ترجمة: عبد العالي بركات

Related posts

Top