تواجه الزوجة المغربية حيفا قاسيا في مقتضيات مدونة الأسرة بالمقارنة مع الزوج، على مجموعة من المستويات، نذكر من بينها أساسا حق الولاية على الأبناء، حيث تظل هذه السلطة حصرا بيد الوالد، سواء أثناء الزواج، أو في حالة الطلاق.
ويبرز هذا المعطى اختلال التوازن الحاصل في القانون المغربي، الذي يجسد تمييزا صارخا بين المرأة والرجل، حتى وإن تعلق الأمر بأبنائهما الذين يشتركون معهما سقف بيت واحد، ويسهر الأب والأم على تربيتهما معا، لكن مع ذلك يبقى التمييز على أساس النوع حقيقة وجودية بـ”قوة” القانون، الذي لا يخول للأم أن تقوم بأي إجراء إداري لأبنائها في حضور الأب، مهما كانت مكانتها الثقافية والعلمية والتدبيرية (وزيرة، برلمانية، طبيبة، ربة بيت،…).
وتظل أي خطوة إدارية، مشروطة بالحصول على وكالة موقعة من قبل الأب، ومصادق عليها من قبل السلطات المحلية، وهو ما يعد ظلما للمرأة التي تعاني مع الإدارة المغربية سواء في المصالح العامة أو الخاصة، التي ترفض تنفيذ أي إجراء أو تعاقد بدون الحضور الفعلي للأب، أو الحصول على تصريح بالوكالة منه.
ولا يكرس هذا الإقصاء والظلم الذي يمارس باسم القانون، دونية المرأة والأم المغربية التي تناضل في تربية أبنائها كما يكافح الأب في ذلك، بل يضيع كذلك، مصالح الأبناء أمام الإدارة المغربية، التي لا تعترف إلا بمسؤولية الأب على الأبناء، مقابل إهدار حق المرأة على أبنائها، بفعل تخلف المشرع، أو تغافله عن الإقرار بقيامها بأي التزام يخص أبنائها.
واستنادا إلى المادة الرابعة من مدونة الأسرة، فإن “الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة”، أي أن الرعاية مسؤولية الزوجين معا، وليس الأب أو الأم فقط، غير أنه في المسائل الإدارية كما في أشياء أخرى يبقى دور المرأة ضعيفا، ويتجلى ذلك في مثال حق الأم في الولاية الشرعية، التي تطالب الهيئات الحقوقية بأن تكون مشتركة بين الوالدين معا، بدل اقتصار الأمر على الأب.
سلطة مطلقة
يكفي العودة إلى مدونة الأسرة، للوقوف على خمس مواد قانونية تخول للأب بشكل واضح الولاية “الشرعية” المطلقة على أبنائه، في حين تبقى الأم مقيدة بمجموعة من القواعد، لتسلم المسؤولية بتفويض من الزوج. ويتعلق الأمر بـ:
المادة 230: “يقصد بالنائب الشرعي في هذا الكتاب:
1- الولي وهو الأب والأم والقاضي؛
2- الوصي وهو وصي الأب أو وصي الأم؛
3- المقدم وهو الذي يعينه القضاء”.
المادة 231: “صاحب النيابة الشرعية:
– الأب الراشد؛
– الأم الراشدة عند عدم وجود الأب أو فقد أهليته؛
– وصي الأب؛
– وصي الأم؛
– القاضي؛
– مقدم القاضي”.
والمادة 236: “الأب هو الولي على أولاده بحكم الشرع، ما لم يجرد من ولايته بحكم قضائي، وللأم أن تقوم بالمصالح المستعجلة لأولادها في حالة حصول مانع للأب”.
والمادة 237: “يجوز للأب أن يعين وصيا على ولده المحجور أو الحمل، وله أن يرجع عن إيصائه. تعرض الوصية بمجرد وفاة الأب على القاضي للتحقق منها وتثبيتها”.
والمادة 238: “يشترط لولاية الأم على أولاها:
1- أن تكون راشدة؛
2- عدم وجود الأب بسبب وفاة أو غياب أو فقدان للأهلية، أو بغير ذلك.
يجوز للأم تعيين وصي على الولد المحجور، ولها أن ترجع عن إيصائها.
تعرض الوصية بمجرد وفاة الأم على القاضي للتحقق منها وتثبيتها.
في حالة وجود وصي الأب مع الأم، فإن مهمة الوصي تقتصر على تتبع تسيير الأم لشؤون الموصى عليه ورفع الأمر إلى القضاء عند الحاجة”.
يتبين إذن، من خلال المادة 236 من مدونة الأسرة، بالملموس، إسناد مسؤولية الولاية على الأبناء، بشكل شبه حصري، للأب: “الأب هو الولي على أولاده بحكم الشرع”، كما أن المادة 238 تقيد ولاية الأم بـ”عدم وجود الأب بسبب وفاة أو غياب أو فقدان للأهلية، أو بغير ذلك”؛ أي أن القاعدة في مسؤولية الولاية بالمدونة تبقى في يد الأب، والأم شيء ثانوي وعنصر احتياط، لا تجوز ولايتها إلا بشروط محددة، يصعب في حالات أخرى غير الوفاة تبريرها، أو وجود اجتهاد قضائي متقدم.
والحاصل، أن هذه المواد تتعارض مع المادة 51 و54 من مدونة الأسرة، لأنهما تضعان الأب والأم على قدم المساواة فيما يخص المسؤولية والواجبات المشتركة تجاه الأبناء، لضمان حقوقهم في العيش الكريم والتعليم والصحة والسكن، وهو ما توضحه ديباجة المدونة أيضا؛ بيد أن الضبابية والتردد في التنصيص والإقرار بحق الأم في الولاية على أبنائها بشكل متساو مع الأب تبقى قائمة، خصوصا وأن المادة 236 صريحة في منح الوالد سلطة الولاية على الأبناء.
ظلم وتمييز
وقفت بيان اليوم عند مجموعة من الحالات التي وجدت فيها الأم المغربية أبواب الإدارة مغلقة في وجهها، لأن الأب هو المسؤول الأول عن القيام بأي إجراء إداري.
اشتكت فتيحة (48 سنة) من عدم سماح مدير مؤسسة تعليمية بمدينة فاس، بداية الموسم الدراسي الجاري، بنقل ابنها إلى مدرسة أخرى، بحجة أن الأب هو المسؤول عن القيام بذلك، علما أن الزوج على دراية بهذا المستجد، والقرار تم اتخاذه بشكل مشترك بينهما، وليس بشكل انفرادي من طرف الأم.
ودفع هذا الرفض الذي لم يستسغه الأب، إلى أخذه عطلة عمل وشده الرحال من مدينة العيون الجنوبية، للإشراف على نقل ملف ابنه نحو المؤسسة الجديدة، وهو ما بعثر برنامج عمله، ليضطر إلى قطع مسافات طويلة للقيام بهذا الإجراء، لا سيما وأن المدير رفض الاعتراف بالتفويض الإلكتروني الذي بعثه الزوج لزوجته.
ولم تجد هذه الأسرة، بحسب تصريح فتيحة لبيان اليوم، أي بديل عن قدوم الوالد من العيون إلى فاس، على اعتبار مدير المؤسسة الجديدة وضع حيزا زمنيا ضيقا، لا يسمح لوالدي التلميذ بالدخول في متاهات البحث عن مخرج قانوني، بتعيين محام لتتبع الموضوع، الذي تتكرر قصته كل سنة مع العائلات وإدارات مؤسسات وزارة التربية الوطنية.
في سياق متصل، وجدت غيثة (37 سنة)، مباشرة بعد قرار انفصالها عن زوجها، صعوبات في وضع ابنها بإحدى مؤسسات الحضانة بالدار البيضاء، لأنها تشتغل طيلة اليوم، ولا يوجد من يتكفل برعايته نهارا. لكن الذي حصل هو رفض هذه المؤسسات لاستقبال ابنها لأنها لم تكن تتوفر بعد، على القرار القضائي بالطلاق، وشهادة الحضانة من المحكمة، على اعتبار جميع المؤسسات طالبتها بوثيقة الحضانة، وهو ما لم يكن في حسبانها أبدا.
وقالت غيثة في تصريح للجريدة، إنها اهتدت إلى دعوة والدتها للقدوم من مدينة أسفي، للسهر على صغيرها إلى حين توصلها بقرار الحضانة، وذلك بعد 5 أشهر من الإجراءات القانونية والإدارية الخاصة بمسطرة الطلاق.
ولم تخف غيثة انزعاجها من هذا التكبيل الذي تضعه مدونة الأسرة في وجه الأم، التي تحس وكأنها غريبة عن ابنها مقارنة بالأب، لأنها تواجه مساطر معقدة للحصول على أي شهادة من الإدارة المغربية.
“الإدارة والزوج يظلمان المرأة، ويسرقان منها حق الولاية على أبنائها”، تقول ربيعة (56 سنة)، لأنها عانت بشدة مع والد ابنتها والإدارة المغربية، في شخص “الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين”.
وتعود أطوار هذا الظلم، إلى منح تعويضات التأمين الخاصة بحادث سير، تعرضت له ابنتها الصغيرة (9 سنوات)، بمدينة تازة، إلى الزوج المهووس بالقمار، لأنه “وليها الشرعي”، علما أن سلوكه “يتسم بالإفلاس والرعونة في التربية ومعاقرة المخدرات والكحول”، على حد تعبيرها.
وأوضحت ربيعة أنها وضعت اعتراضا لدى إدارة الصندوق على منح تعويض التأمين لزوجها، والاحتفاظ به إلى حين وصول ابنتها السن القانوني، بيد أن جواب الصندوق كان صادما، وهو يرد عليها بأنه لا يمكنه ذلك، طالما أن القانون يمنح للأب حق تسلم هذا التعويض في حال طلبه، لأنه الولي على ابنته.
حيف بطعم الابتزاز
تزداد معاناة الأم في وضعية الطلاق، خصوصا في تنقلاتها خارج المغرب، لأنها تحتاج إلى إذن من طليقها للسفر بابنتها أو ابنها، وإلا ستواجه المنع أثناء العبور في المطار أو الميناء، ناهيك عن الشروط التعجيزية التي تفرضها السلطات لتحضير جواز السفر الخاص بالابن.
وحكت فاطمة الزهراء (28 سنة) لبيان اليوم واقعة منع ابنها من السفر معها، لأن الأمن المغربي بمطار محمد الخامس، طلب منها رخصة من طليقها، هذا الأخير الذي ابتزها بتقديم 3 آلاف درهم مقابل الحصول على الإذن بالسفر، وكانت النتيجة هي السفر لوحدها نحو تركيا مع احتفاظ والدتها به إلى حين عودتها.
ولا يتوقف مسلسل استغلال الولاية بعد الطلاق عند هذا الحد، بل إن كريمة (34 سنة)، تعرضت لأشد ابتزاز، ويتعلق الأمر بتنازلها عن التعويضات المالية التي أقرها القاضي بعد الطلاق، نظير نقل حق الاستفادة من التعويضات العائلية على ابنتها من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) من زوجها إليها.
وما دفعها إلى هذه الخطوة، توضح كريمة للجريدة، هو أن ابنتها كانت تعاني من ضعف في البصر، وتزور الطبيب بشكل مستمر لإجراء الفحوصات، وتبديل النظارات بفعل تغيير القياسات، حيث لم تستفد في البداية من أي تعويض لأن ابنتها كان مصرحا بها من قبل طليقها. وما زاد من حدة الأمر هو الإقبال على إجراء عملية جراحية كلفتها 7 آلاف درهم، وعندها كان من المستحيل أن تدفع كل هذا المبلغ لوحدها، بدون تعويض أو مساعدة من الأب الذي رفض المساهمة.
وأوضحت كريمة أنها اضطرت إلى انتظار 3 أشهر لنقل ملف ابنتها لحساب اشتراكها بـ CNSS لتمكن ابنتها من إجراء العملية الجراحية، متحسرة كثيرا عن كل هذه التعقيدات وعدم المساواة بين الطليقين في الولاية على الأبناء.
وقاد هذا الملف الذي فتحته بيان اليوم مع الأمهات إلى طرح كثير من النساء قصصهن مع مسار الأبواب الموصدة في الوجوه، بفعل الولاية التي تكبل أيدي المرأة وتنسف مصالح الأبناء الذين قد يتعرضون للهدر المدرسي والإهمال الصحي وضياع أموالهم، لا لشيء إلا لأنهم رهينة للقانون الذي يضعهم في أيدي بعض الآباء، الذين يدخلون في حسابات ضيقة مع طليقاتهم مقابل ضياع مصالح الأبناء.
وتوجد عدة حالات لنساء يعشن خارج المغرب ولم يزرنه منذ سنوات طويلة، خوفا من عدم السماح لأبنائهن من السفر فور علم الطليق بوجود الزوجة في المغرب.
ومن جهة أخرى، لا يسمح للأم بأن تتصرف في الحساب البنكي لأبنائها في حين يحق للأب ذلك، لاسيما وأنه يفتح باسمه، إلى حين بلوغ الابن أو البنت السن القانوني.
وتراهن جميع الأمهات المغربيات على مشروع مدونة الأسرة الجديد الذي تم فتح النقاش بشأنه، لوضع حد لهذا التمييز الذي لا سند فكري له، ويكرس الدونية والتمييز في حق المرأة، مع الإشارة إلى أن الأم المطلقة تعاني بشكل مضاعف مع مزاجية الطليق، الذي يستغل ورقة الولاية لتحقيق مزيد من الابتزاز والضغط النفسي عليها.
ولاية مشتركة
قالت سعيدة الإدريسي الفاعلة الحقوقية بالجمعية الديمقراطية للنساء المغربيات، إن المطلب الحالي للحركة الحقوقية النسائية، هو فتح إصلاح جذري وشامل لمدونة الأسرة، لتمتيع كل فرد من أفراد الأسرة بحقوقه، أي حقوق المرأة والرجل والطفل، مؤكدة أنه “حين تكون هناك حقوق، يتم اقتسام الواجبات كذلك”.
وشددت سعيدة الإدريسي، في تصريح لبيان اليوم، على أن الحديث عن المساواة يجب أن يكون بشكل عرضاني في مدونة الأسرة، مع مراعاة المصلحة الفضلى للطفل ووضعها فوق كل اعتبار، منبهة إلى روح وفلسفة المدونة الحالية المأسسة على التمييز، وغير المنصفة تجاه النساء.
وترفض الإدريسي تجزئة حقوق النساء، طالما أن المرأة تعاني من الحيف والتمييز والاعتداء، من قبيل تزويج القاصرات، وعدم السماح للأم بالولاية على أبنائها، “فكيف نتحدث عن المسؤولية المشتركة للزوج والزوجة على الأبناء وعندما نأتي إلى الولاية الشرعية نمنحها للأب؟!”، بحسب تعبيرها.
ونبهت الفاعلة الحقوقية النسائية إلى الابتزاز الذي تتعرض له النساء، لأن الولاية تصبح ورقة ضغط على الأمهات في الكثير من الوضعيات، “ونحن نستقبل في مراكز الاستماع مجموعة من الحالات، لأمهات يواجهن صعوبات في نقل أبنائهن من المدارس، أو إعداد منحة الباكالوريا، أو إجراء عملية جراحية، أي أنه دائما هناك سيف مسلط على المرأة في الولاية الشرعية”.
وأوضحت المتحدثة ذاتها، أن الأم تحتضن الأطفال في طعامهم ولباسهم وتسهر على تعليمهم ومرافقتهم إلى المدرسة، وفي بعض الأحيان بدون أن تحصل على النفقة، بيد أنه في القرارات الحاسمة للطفل يجب أن تعود إلى الأب الذي تضطر إلى البحث عنه في الكثير من المرات، لأنه لا يولي أبناءه أدنى اهتمام، ولا يراعي مصالحهم، واصفة رحلة بحث الأم عن الأب لقضاء الأغراض الإدارية بـ “المساومة”.
وذكّرت سعيد الإدريسي بالمطلب الذي لا رجعة عنه، المتمثل في الولاية المشتركة بين الأم والأب، بمعنى أن يقررا معا في مصلحة الطفل، مشيرة إلى أنه في حالة الطلاق، يجب أن يكون القرار بمن بيده الحضانة، خصوصا، أن الأم تجد جميع الأبواب مغلقة في وجهها من قبل الإدارة، بحجة أن الأب هو المسؤول عن الولاية ومن يجب أن يوقع على الوثائق.
واعتبرت انفراد الأب بالولاية، “غبنا وحيفا وتجريدا للمرأة من إنسانيتها، كما أنه عدم اعتراف بوجودها كمواطنة لها كامل الحقوق ببلدها، لأن هذا التمييز يمسها في كرامتها ورمزيتها، كأم يقتصر دورها على السخرة في الحضانة والتربية فقط!”.
وتمني الإدريسي النفس، بأن لا يتم التعاطي مع مدونة الأسرة كورقة سياسية للمساومة الضيقة من قبل الأحزاب، نظرا للحاجة الملحة إلى إصلاح مدونة الأسرة والقوانين غير المنصفة، والتي تضم تمييزا بين النساء والرجال.
وترى بأن المقاربة الحقوقية هي التي يجب أن تتخذ في ورش مدونة الأسرة، بتقدير مكانة النساء الإنسانية والمواطناتية، ذلك، أن مواطنتها الفعلية لا تكتمل إلا بوجود حقوقها في تشريع القوانين، “بمعنى، يجب أن نتمتع كنساء بجميع حقوقنا، وفق مبدأ المساواة، كما ينص عليه الدستور”.
وأكدت سعيدة الإدريسي أنه لم يعد من المقبول التطبيع مع هذا الواقع الذي يوضح التمييز والإقصاء، في تناقض مع ما نعيشه، “ونتمنى أن لا تتم المزايدة على المشروع بالرجوع إلى الورقة الدينية لحرمان النساء من الإنصاف، أي أن المقاربة التي يجب أن تحضر في المشروع هي المقاربة الحقوقية التي تنطلق من واقع النساء ومعاناتهن”.
تمييز غير مقبول
قال محمد ألمو، المحامي بهيئة الرباط، “إن فلسفة المشرع في مدونة الأسرة، تتماهى مع تمثلات المجتمع بخصوص التوزيع التقليدي للأدوار، والولاية على الأبناء بين الأم والأب تندرج في السياق القائم على إسناد المهام التقليدية للأم (التربية، الطبخ، الغسيل..)، والأدوار الحضارية الأخرى للأب (تدبير أمور الأسرة القانونية والإدارية، التصرف في شؤونها، رسم معالم مستقبلها..)، ويتأكد هذا الأمر، بإعطاء دور الحضانة للأم، لأن الحضانة تحيلنا على رعاية الأبناء والاهتمام بهم، في اللباس، والرضاعة، والأكل، والنظافة.. أي الأدوار التقليدية”.
وانطلاقا من هذا التحديد، أكد محمد ألمو، في تصريح لبيان اليوم، بأن “المشرع يعتبر المرأة خارج الحضانة، غير قادرة على القيام بمهام الولاية، لذلك أسندها للأب، مما يشكل تمييزا غير مقبول بين الرجل والمرأة، وتحقيرا وتنقيصا من مكانة الأمهات ودورهن في الأسرة”.
وتساءل ألمو حول الاستمرار في قبول مثل هذا التمييز في عصرنا الحالي؟، نظرا لأن المرأة تبوأت مكانة دستورية وسياسية كبيرة، سواء على مستوى تدبير الشأن الحكومي أو الترابي، من خلال توليها لمناصب القيادة في إدارة المؤسسات العمومية، والمجالس المنتخبة، دون الحديث عن المرأة كقاضية ومحامية وطبيبة ومهندسة.
وأبرز المحامي بهيئة الرباط، أنه مقابل كل ما وصلت إليه النساء من مكانة في مراكز القرار، بتدبير رئاسة جماعات وبلديات كبيرة، ووزارات لقطاعات مهمة، مازالت مدونة الأسرة، تحجر عليها وتعتبرها غير قادرة على تدبير شؤون أبنائها الإدارية والقانونية، كنقلهم من المدرسة، أو إنجاز وثائق جواز السفر لهم، أو فتح حساب بنكي لفائدتهم.
واعتبر المتحدث ذاته، أن هذا التمييز، “مفارقة غريبة وغير مقبولة. لذلك؛ يجب إصلاح مدونة الأسرة لتتماشى مع المكانة السياسية والدستورية والحقوقية التي وصلت إليها المرأة في بلادنا، وحذف كل المقتضيات القانونية التي تسعى إلى فرض الحجر عليها، والتنقيص من دورها في الأسرة”.
وتحدث محمد ألمو عن كفاءة النساء اللائي يدبرن شؤون أسرهن بمؤهلات عالية، حيث يستشرفن مصير أبنائهن، في حين نجد الأب فاشلا وسفيها، “والحل في نظري هو تعديل مدونة الأسرة، وجعل الولاية مشتركة بين الأبناء تحت رقابة القضاء”، على حد تعبيره.
وشدد ألمو على دور القضاء في الإشراف على المسؤولية المشتركة للزوجين على أبنائهما، والتي “تعني توفر القاضي بشكل حصري على سلطة نزع الولاية من أحد الآباء وإسنادها للآخر، أو سحبها منهما نهائيا، في حال المساس بالمصلحة الفضلى للأطفال كتسببهما في الانقطاع الدراسي للأبناء، أو استغلالهم في التسول والعمل”.
وكشف المحامي بهيئة الرباط، أن جميع المكونات السياسية للمجتمع متفقة على حذف هذا التمييز في الولاية، لاسيما وأن الواقع العملي يبين بأن النساء يكن أكثر حرصا على مصلحة أبنائهن.
وأتى محمد ألمو على ذكر قصة لسيدة اتصلت به، مؤخرا، تشكو إهمال زوجها الذي توجد في نزاع قضائي معه، بخصوص المطالبة بواجبات النفقة، تطلب منه رفع دعوى قضائية استعجالية، بشأن حق تسلمها لمنحة دعم برنامج “تيسير” الذي تقدمه وزارة التربية الوطنية لأسر التلاميذ من الفئات الهشة، نظرا لأن إدارة المؤسسة التعليمية حيث يتابع أطفالها الدراسة رفضت أن تمنحها ترخيصا لأخذ هذا المبلغ من المؤسسة البنكية الشريكة في البرنامج، بحجة أن الأب هو الولي القانوني على الأبناء، علما أن الأطفال الآن في حضانتها حيث تستقر في منزل والديها، موضحا أنه “ما كانت لتجد نفسها في هذا الموقف لو كانت مدونة الأسرة عادلة بين الزوجين”.
إنجاز: يوسف الخيدر