إن المُطّلع بعين التفاؤل على خلاصات النموذج التنموي الجديد لَيَلْمَح إضاءات واضحة لتأهيل الرأسمال اللامادي وتمكينه اقتصاديا، باعتباره الضامن الأساسي للانتقال السليم للعهد الجديد للاستثمار. وذلك من خلال اقتناع الفرد أنه قادر على مواكبة كل التغيرات المؤثرة والتحديات الراهنة والمستقبلية، وقدرته على خلق فرص ذاتية للعمل.
إن التحصيل العلمي، سواء في بعده المتعلق بالرأسمال المدرسي من شواهد وديبلومات، أو في شقه المرتبط بالبحث العلمي وتشجيعه والزيادة في ميزانيته، يعد اللبنة الأساس لتأهيل الرأسمال اللامادي وجعله أكثر فعالية. فاليوم هناك حاجة ملحة إلى تجسير الهوة السحيقة الموجودة بين أسس التكوين ومجالاته وميكانيزماته من جهة، وبين سوق الشغل في كل قطاعاته الأساسية المختلفة من جهة ثانية، خصوص إذا ما تعلق الأمر بوظائف غير كلاسيكية. فمواكبة كل التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية بات ضروريا لتحسين بيئة الاستثمار، إذا ما أردنا تجاوز ما خلفه زمن كورونا. مما يجعل الحصول على الشهادة الدراسية أو المهنية في وضعية بطالة قسرية، تحول بين الفرد وسوق الشغل.
فعلى مر السنين والعقود يظهر أن ما تنتجه المدرسة العمومية والجامعة المغربية باختلاف تكويناتها، يبين بالملموس تجدر فكرة التوظيف كرافد أساسي للدخل، وهذا راجع بالأساس للعقلية السائدة ولطبيعة التكوين الأكاديمي المقدم. كما أن تغيير العقلية اللصيقة بفكرة تحصيل الدخل عبر التوظيف، لن يتأتى إلا بإرساء جو الثقة، الثقة في الدولة ومؤسساتها السياسية وجعل المواطن يؤمن بخياراتها الاقتصادية ويقتنع ببرامجها التنموية. اليوم لا يكفي الحديث عن التحصيل العلمي وإنما وجب الحديث عن التمكين وعلاقته بالانخراط في الفعل الاقتصادي. لقد شكل التكوين المهني دفعة مهمة لفئة عريضة من الشباب، تجد فيه بديلا عن الدراسات الأساسية والنظرية في كثير من الأحيان، وتيسر له ولوج سوق العمل. لذا وجب الحديث عن شُعب وتخصصات جديدة تواكب التحولات المتسارعة والتحديات المطروحة والفرص التي تتيحها إمكانيات البلاد الطبيعية الكلاسيكية منها أو المستحدثة (الفوسفاط، الفلاحة، المنتجات البحرية، النسيج، الطاقة النظيفة، الهيدروجين الأخضر، صناعة قطع غيار السيارات والطائرات وغيرها..) دون إغفال الجانب التمويلي (تمويل المشاريع والمبادرات المقاولاتية) وفق استراتيجيات فيها الكثير من الحكمة. لأن الظرفية الاقتصادية الحالية تستلزم التصالح مع متغيرات داخلية وأخرى خارجية، والتي تستوجب سحب البساط من الشركات، أي ضرورة تراجع سلطة الشركات لتحل مكانها سلطة الحكومة. بما يتيح وصاية السياسي على الاقتصادي وليس العكس، لضمان توازن اقتصادي طويل المدى.
لقد أعطي صاحب الجلالة خلال الخطاب الملكي الأخير بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة رسالة واضحة لمغاربة العالم، على الانخراط الفعال في الميثاق الجديد للاستثمار وأكد على ضرورة تسهيل المساطر الإدارية، وتيسير اللامركزية وعلاقتها بإنعاش الاستثمار الوطني. وجدير بالذكر والتذكير، أن من بنود الميثاق الوطني للاستثمار تقليص الفوارق بين أقاليم وعمالات المملكة، وذلك من خلال تيسير الدعم وترشيده واستثمار المؤهلات المحلية لكل جهة حسب إمكاناتها وخصوصيتها.
في الأخير لا يسعنا هنا بعد حشد كل هذه الملاحظات والأفكار والمقترحات، إلا أن نتساءل حول مدى إمكانية تحقيق هذا التمكين المنشود.. في جو يسوده الاحتكار والاقتصاد الريعي والفساد والبيروقراطية؟
< بقلم: فاطمة الزهراء زيرار