تشييع جثمان الفنان الطيب الصديقي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء

تم، بعد صلاة عصر يوم السبت الماضي بالدار  البيضاء، تشييع جثمان رائد المسرح المغربي الفنان الطيب الصديقي، وذلك في موكب  جنائزي مهيب تقدمه مستشارا صاحب الجلالة الملك محمد السادس ياسر الزناكي وعبد اللطيف المانوني.
 وبعد صلاتي العصر والجنازة بمسجد طه، نقل جثمان الفقيد إلى مثواه الأخير بمقبرة  الشهداء بالدار البيضاء حيث ووري الثرى بحضور أفراد أسرة الفقيد، ووالي جهة الدار  البيضاء سطات والعديد من الفنانين ورجال الإعلام.
 وبهذه المناسبة الأليمة ، تليت آيات بينات من الذكر الحكيم، كما رفعت أكف  الضراعة إلى العلي القدير بأن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يشمله بعظيم مغفرته  ورضوانه، وأن يجعل مثواه فسيح جنانه وأن يثيبه الجزاء الأوفى عما أسداه لوطنه  وللمسرح والفن عموما.
ووري جثمان الفنان والمسرحي المغربي، الطيب الصديقي، الثرى، عصر يوم السبت الماضي، بمقبرة الشهداء بالدارالبيضاء

عرفت جنازة “أسد المسرح المغربي”، حضور العديد من الفنانين ممن عاصروه أو تتلمذوا على يديه من بينهم الفنانة ثورية جبران، وخديجة الأسد، عبد الكريم برشيد وعبد الحق الزروالي، وعائشة ماهماه، ومنى فتو، وعزيز موهوب، وعزيز سعد الله، وشفيق السحيمي، وغيرهم، كما عرفت الجنازة حضورا شعبيا ورسميا حج لتوديع . جثمان هذا الهرم الثقافي المغربي.
وبهذه المناسبة الأليمة، حيث خسرت الساحة الثقافية المغربية أحد الرواد المؤسسين للحركة المسرحية في بلدنا، بعث جلالة الملك محمد السادس، برقية تعزية إلى أفراد أسرة الراحل الصغيرة والكبيرة، مستحضرا فيها ما كان يتحلى به الراحل الكبير من حميد الخصال، ومن حس إبداعي رفيع، جسده على مدى نصف قرن، في أعمال مسرحية خالدة، سواء ككاتب أو كمخرج أو كممثل، “حيث ظل، رحمه الله، حريصا على استلهام مواضيع مسرحياته من عمق التراث الثقافي المغربي الأصيل، مما أكسبه إعجاب وتقدير جمهور واسع من عشاق فن المسرح في المغرب وخارجه”.
وقد أسالت وفاة الطيب الصديقي الكثير من المداد وتناولت الفاجعة العديد من وسائل الإعلام العربية والدولية، وجاءت مليئة بالشهادات المؤثرة في حق الفنان الذي انغرس في وجدان المغاربة جميعا.
ومن جهتها أعربت النقابة المغربية لمحترفي المسرح، في بلاغ لها، عن ” عميق حزنها  وأساها لهذا المصاب الجلل بفقدان الثقافة المغربية لأحد أهم الشخصيات المؤثرة في  تاريخها وأحد الفنانين المعبرين بصدق وبحس جمالي راق عن عمق المغرب وتراثه  وتاريخه، وفي نفس الوقت أحد المؤمنين بقيم الحداثة الفنية في بعدها الكوني  والإنساني”، وذلك لما يتمتع به الفقيد من “معرفة عميقة بالتاريخ وبالثقافة الشعبية  المغربية والعربية، وإحساسه النقدي العميق بواقع المجتمع وقضاياه، وشغفه الكبير  بالمسرح العالمي، وعلاقاته الإنسانية الطيبة”.
 “لقد أغنى المسار الفني الغني للمرحوم الطيب الصديقي المسرح  المغربي وأكسبه بعدا عربيا وعالميا، كما شكل مدرسة فنية وجمالية قائمة الذات، سار  على منوالها العديد من الفنانين المسرحيين المغاربة والعرب، وأثارت اهتمام  الفنانين والنقاد على المستوى العالمي، وستشكل لا محالة محطة خالدة في تاريخ  مسرحنا الوطني”.
وصرح  الكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد أن الصديقي هو “مؤسس المسرح المغربي  في طبعته الحديثة”، وهو “المجتهد الذي تفاعل مع التراث المغربي ونقل الحلقة إلى  المسرح والمسرح إلى الحلقة”، واطلع على التراث الشعبي المغربي.
 وأضاف “إننا أمام قامة كبيرة تنتمي لهذا المغرب الغني بثقافاته العربية  والأمازيغية والإفريقية والإسلامية”، مضيفا أن الراحل، الذي “عاش حياته كلها  للثقافة، كان فيه ذلك المثقف المعتز بمغربتيه والفنان الموسوعي والمؤلف والمخرج  والممثل والشاعر والرسام”.
 ومن جهته، أبرز الفنان محمد حسن الجندي الأعمال الكبيرة للراحل، مضيفا أن  الصديقي الذي عشق المسرح، ظل وفيا له ومجددا فيه ويحتفظ بأدق تفاصيل المسرح لأنه  رجل ثقافة شاملة وفضلا عن تخصصه في فن المسرح وفنون أخرى.
 واعتبر الجندي أن الصديقي “رجل كبير على العديد من المستويات وطنيا ودوليا”.
 أما الفنان عبد الحق الزروالي، فقد وجه للفقيد رسالة “اعتزاز وامتنان لمبدع قد  لا يجود بمثله الزمان”، معتبرا رحيل الصديقي “فاجعة كبيرة وفقدانه خسارة ليست فقط  للمسرح المغربي أو العربي بل خسارة للمسرح بصفة عامة”.
 وأشار الزروالي إلى أنه “كان للفنان الصديقي فضل كبير على الحركة المسرحية مند  أكثر من 60 سنة وهو يؤسس لتجربة كان لها صدى دولي وخدم قضايا وطنية وتراثية  وتاريخية والذوق المسرحي بالمغرب بشكل قوي”.
 وأكد أن الجميع مدين له بالفضل الذي أسداه للمسرح، مشيرا إلى أنه كان يطلع إلى جانب باقي الفنانين على أعمال الصديقي منها  “المقامات” و”المجذوب”، و”أبي حيان التوحيدي”، التي اعتبرها “قمة الإبداع”.
 وبالنسبة للفنانة الشعيبية العذراوي، فإن الراحل الطيب الصديقي “كان من  الفنانين الكبار الذين أفنوا حياتهم من أجل المسرح وخدمته”، مشيرة إلى أن الراحل  “كان يبسط يديه لمن استشف فيه حب المسرح والإخلاص لهذا الفن”، وأن الصديقي “عمل  على الرقي بالفنان وإبراز مكانته”.
 أما المخرج شفيق السحيمي فقد اعتبر أنه “برحيل الطيب الصديقي فقدت الساحة  الفنية الإبداعية المغربية أحد معالمها، والأب الروحي لجميع الفنانين الموجودين  اليوم على خشبة المسرح”.
 وأوضح السحيمي أنه رغم أنه لم يشتغل مع الفنان المسرحي الراحل إلا أنه كان  دائما يعتبره “القدوة والقلب الكبير والرسام الكبير والمسرحي البارع وصاحب  الكلمة”.
 ورأت الفنانة نعيمة المشرقي أن “هذا الرجل الكبير أعطى الكثير في العديد من  المجالات واشتغل على التراث المغربي وعلى كل ما يكون  الموروث الثقافي المغربي ووظفه في أعماله المسرحية .
 وتابعت المشرقي أنه كان “للفنان الراحل الفضل في تكوين مجموعة كبيرة من  الفنانين المغربية، من ضمنهم أنا”، معتبرة إياه “أستاذا لعدة أجيال، وله فضل السبق  في التعريف بالمسرح المغربي على العديد من المستويات”.
 واعتبر رئيس معهد العالم العربي بباريس، جاك لانغ ان  الفنان المسرحي المغربي الطيب الصديقي، يعتبر أحد الرواد المؤسسين للمسرح الشعبي التخيلي.
 كما اعتبر رمزا وأيقونة المسرح المغربي مشيرا الى ان الراحل كان يمتلك حسا فنيا راقيا، وممثلا رائعا على الركح .
 ويعتبر الطيب الصديقي، احد كبار الفنانين المسرحيين  بالعالم العربي .ويؤلف مسرحه بين الاصالة والمعاصرة .
وقد دشن منعطفه الفني بتكوين فرقة “المسرح  العمالي” سنة 1957 بالدار البيضاء، وقدم في إطارها اعمالا من توقيع مؤلفين مغاربة  وعرب وعالميين، على غرار  مسرحية “الوارث” من اقتباس أحمد الطيب العلج، و”بين يوم  وليلة” لتوفيق الحكيم، و”المفتش” لنكولاي غوغول.
 وفي بداية الستينيات، انخرط الصديقي في تجربة جديدة بتأسيس فرقة “المسرح البلدي” بالدار البيضاء، التي اشتغلت أساسا على أعمال من عيون المسرح العالمي، وظهر جليا  توجهه الى استلهام التراث الحكائي المغربي والعربي مع مسرحية “سلطان الطلبة” التي  تلتها مسرحيات خالدة في الذاكرة الفنية الوطنية : “ديوان عبد الرحمان المجدوب”،  “بديع الزمان الهمداني”، و  “مولاي إدريس”، و”الحراز” “الإبداع والمؤانسة” و” أبو نواس”، “جنان الشيبة”، وصولا الى “خلقنا  لنتفاهم”وكانت أخر أعماله مسرحية “عزيزي” التي قدمها سنة 2005 قبل أن يقعده المرض.
كما أخرج مسرحيات للكثير من المبدعين العرب مثل: “رسالة الغفران” للتونسي عز المدني، والنقشة” للجزائري أحمد الكومني، ومسرحية الفيل والسراويل” لـفرقة ” بيت الكرمة” من فلسطين، وقدم عروضا مشتركة أشهرها “ألف حكاية وحكاية من سوق عكاظ” مع فرقة “الممثلين العرب ”.
وقد كانت العلاقة بين الفنان الراحل والمسرح علاقة بحث وتأسيس، وظف خلالها العديد من العناصرالتراثية والفنية، وعمل على التخلص من مسرحية الموضوع أو القصة الواحدة، وأنشأ ما يسمى بمسرح ” البساط”، وهو عبارة عن مجموعة من المستملحات والقصص القصيرة في قالب موسيقي شعري تغيب فيه البطولة المطلقة، وكان يسميه بـ”المستظرف من كل طرف،”. كل ذلك من أجل إنتاج فرجة مسرحية جديدة، وقريبة من المتلقي المغربي حتى لا يبقى المسرح حكرا على المثقفين فقط.
وبالموازاة مع عشقه الكبير لأب الفنون، برز الطيب الصديقي،  في أعمال سينمائية على غرار فيلم “الرسالة” للمخرج الراحل مصطفى العقاد، وأخرج فيلم “الزفت”، كما عرف عنه شغفه بفنون التشكيل والخط.
حصل عميد المسرح المغربي الراحل على عدة أوسمة، منها وسام العرش عام 2008، وتم تكريمه في محطات عديدة داخل المغرب وخارجه.

Related posts

Top