رغم الجهد التواصلي المهم الذي تجسده الإيجازات اليومية لمديرية علم الأوبئة وما تعرضه من أرقام ومؤشرات حول الحالة الوبائية الوطنية، وذلك ما يجعل المواطنات والمواطنين متابعين لواقع تفشي الوباء، ولآخر أخبار ومؤشرات ذلك، ويتلقون النصائح بشأن الوقاية والإجراءات الاحترازية، (رغم هذا) فقد صار الناس اليوم يعبرون عن حاجيات تواصلية أخرى تجاه الحكومة والمسؤولين.
لقد بات الانشغال الشعبي هذه الأيام يتمحور مثلا حول موعد رفع الحجر الصحي ويوم الخروج من هذه العزلة، وهذا عاد ويحدث لدى كل شعوب الدنيا هذه الأيام.
لا يتعلق الأمر هنا بتلك الممارسات المتهورة والمشاهد التي تناقلتها الأخبار حول شباب قاموا بخرق مقتضيات حالة الطوارئ وخرجوا متوجهين للشواطئ مثلا، وإنما يتعلق الأمر بآلاف الناس الفقراء ينتظرون يوم الخروج من المنازل بغاية توفير قوتهم اليومي.
لا شك أن الأمر ليس بسيطا، ورفع الحجر الصحي يقتضي توفر شروط طبية وميدانية لا بد منها، ولكن مع ذلك، يجب أن نفسر للناس بكل الطرق الممكنة، وأن نسعى لإقناعهم وتعبئتهم وتقوية انخراطهم المواطن.
يعني ما سبق، أنه من الضروري اليوم جعل التواصل الحكومي مع شعبنا يتركز حول ما يطرحه الناس يوميا وما يعبرون عنه من انشغالات، وأهمها هذه الأيام: موعد الخروج من الحجر الصحي، وهواجس أخرى.
صحيح، لقد أتاح الجهد المالي الكبير الذي بذلته الدولة تأمين حد أدنى من شروط العيش لفئات واسعة من شعبنا، ولكن العملية لها سقف زمني ستبلغه على كل حال، وهذا ما يفرض كذلك التفكير فيما بعد، كما أن عددا من المستهدفين والمستحقين للدعم الحكومي لا زالوا لم يتسلموه أصلا، وهذا أيضا يزيد من حدة ضغط الحجر الصحي، ويستوجب، علاوة على بذل جهد إداري وتدبيري أكبر في توزيع المساعدات المالية والاجتماعية، التواصل كذلك مع الناس، وهم يريدون أيضا الخروج للبحث عن عمل وعن مصدر رزق لهم ولذويهم.
التواصل الضروري اليوم لا يعني فقط موعد رفع الحجر الصحي، وسيناريوهاته المتوقعة ومختلف حيثياته، ولكن يعني أيضا مصير الموسم الدراسي الحالي.
هناك تكتم رسمي ملحوظ بهذا الخصوص، ومع التفهم الكامل لإكراهات ذلك وتعقيداته وحساسيته، وأيضا لكون الأمر لا يهم فقط قطاع التربية والتعليم لوحده أو وزارة الصحة لوحدها، ولكن، مع ذلك، يبقى من حق الأسر وأولياء التلاميذ، والتلاميذ والطلبة أنفسهم، أن يعرفوا مصيرهم، هل ستجرى الامتحانات أم لا؟ وهل ستجرى في كل المستويات أم فقط في الإشهادية منها؟ وكيف ستجرى؟ وأين ومتى؟ ومتى سينتهي العام الدراسي الحالي؟ ومتى سيكون انطلاق العام المقبل؟
هذه أسئلة يجب التفكير في سبل تقديم أجوبة للمغاربة بخصوصها، وذلك لإشعاع الطمأنينة، وحتى لا تضاف ضغوط التفكير في الامتحانات أو في السنة البيضاء إلى ضغوط الحجر الصحي وكوفيد – 19.
إن هذه الأسئلة والشروحات المرتبطة بشروط رفع الحجر الصحي وتوقعات موعد الخروج، والأسئلة الخاصة بالمنظومة التعليمية والامتحانات ومصير السنة الدراسية، هي انشغالات آنية لدى المواطنات والمواطنين، ويجب على الحكومة أن تتواصل بخصوصها وتقدم أجوبة وشروحات، ويمكن أن تستثمر ذلك لمواصلة تقوية تعبئة المغاربة وتقيدهم بالحذر وتدابير الوقاية.
إن التواصل المنتظم والشفاف مع الشعب في مثل هذه الأزمات، والسعي لإشراكه وتعبئته، يبقى من أهم أسلحة وتدابير مواجهة الأزمة.
ولهذا لا يجب إغفال أهمية الحديث مع الشعب، وأن يجري ذلك بالكثير من المهنية والخبرة والذكاء، وأن تحرص السلطات العمومية على بسط المعطيات ونشر التوعية، وأيضا أن تجيب على انشغالات الناس بشكل مباشر ومقنع.
وهذا يفرض نفسه اليوم وفي هذه المرحلة، وأيضا مطروح على كل ما يتصل بمهمات المستقبل.
لجنة اليقظة الاقتصادية، وبرغم العمل المهم والجوهري الذي تقوم به حاليا، فهي بدورها مدعوة لتقوية حضورها التواصلي بشكل أكبر، ويجب أن تكون أكثر انفتاحا أيضا في تركيبتها، ذلك أن البرامج التي تنكب الآن على بلورتها وإعدادها، سيقتضي الأمر غدا إعمالها على أرض الواقع، أي إقناع الناس بها، ومن ثم يجب تعريف الناس بها من الآن، والسعي لتكريس حوار وطني عمومي واسع يقوم على الانفتاح والتعدد وبعد النظر، وذاك حول مختلف التحديات المطروحة على بلادنا.
يكشف ما سبق أهمية تواصل الحكومة مع الشعب في مثل هذه الظروف الصحية والمجتمعية الصعبة، وعلى الأقل في المرحلة الراهنة يجب طمأنة الناس بخصوص مصير السنة الدراسية وكل ما يتصل بذلك، والتفاعل أيضا مع الانشغالات والأحاديث المتعلقة بموعد رفع الحجر الصحي، ولاحقا، لما ينتصر بلدنا على الوباء، لنهتم حينها أيضا بالتواصل والحوار بشأن المستقبل ومهام مرحلة ما بعد كورونا.
محتات الرقاص