أطلقت منظمة العفو الدولية بالمغرب حملة توقيعات على عريضة تطالب برفع التجريم عن الإجهاض الطبي المأمون ، وبضمان الصحة النفسية والجسدية والإنجابية للمرأة المغربية الحامل.
المبادرة تأتي بعد نشر المنظمة العفو الدولية عبر فرعها المحلي بالمغرب تقريرا يحمل عنوان: “حياتي تدمرت…ضرورة وقف تجريم الإجهاض بالمغرب”، وثقت من خلاله شهادات نساء مغربيات تعرّضن لعواقب وخيمة بسبب الاستمرار في تجريم الإجهاض، رغم مرور حوالي تسع سنوات على رفع نتائج المشاورات الملكية حول هذا الموضوع.
عريضة دولية لرفع التجريم عن الإجهاض الطبي المأمون بالمغرب
أطلقت منظمة العفو الدولية عبر فرعها المحلي بالمغرب عريضة دولية لرفع التجريم عن الإجهاض الطبي بالمغرب، وقالت المنظمة في العريضة التي اطلعت عليها “المفكرة القانونية”، أن “النساء والفتيات يتعرضن في المغرب لخطر الحكم عليهن بالسجن إذا حاولن إنهاء حملهن، فالإجهاض يُجرَّم في كافة الظروف تقريبًا، حتى عندما ينتج الحمل عن الاغتصاب”.
وأضافت المنظمة أن “النساء والفتيات الحوامل يضطرن إلى اللجوء لعمليات إجهاض سرية وغير آمنة تؤدي غالبا إلى إصابات ووفيات. وعلاوة على ذلك، تخاطر النساء والفتيات اللواتي يسعين للحصول على الإجهاض غير المشروع بتعرضهن للاعتقال واتهامهن بإقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج”. وقد اعتبرت العفو الدولية أن “التقاعس عن إتاحة سبل الحصول على الإجهاض الآمن والجيد وتقديم رعاية ما بعد الإجهاض ينتج عنه انتهاكات لحقوق النساء والفتيات في الحياة، والصحة، والكرامة، والاستقلالية الجسدية، والمساواة، وعدم التمييز، وعدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة”.
ودعت المنظمة إلى التوقيع على العريضة لمطالبة السلطات المغربية بوقف تجريم الإجهاض بالكامل وإتاحة سبل الحصول على خدمات الإجهاض بحيث تكون آمنة وجيدة وفي متناول كل من تحتاجها.
شهادات نساء ضحايا الإجهاض السرّي بالمغرب
تأتي مبادرة إطلاق العريضة، بعيد نشر منظمة العفو الدولية لتقرير يحمل عنوان: “ حياتي تدمرت…ضرورة وقف تجريم الإجهاض بالمغرب”، وثقت من خلاله المنظمة شهادات نساء مغربيات تعرضن لعواقب وخيمة بسبب الاستمرار في تجريم الإجهاض، وذلك في إطار إطلاق حملة دولية تستمر لغاية سنة 2027، للفت الانتباه للتداعيات الصحية الخطيرة لحالات الإجهاض السري، وتداعياته المجتمعية التي تزيد وضع النساء سوءً.
التقرير المكون من 76 صفحة، كشف عن عدة مشاكل تعيشها نساء رغبن في التخلص من حمل غير مرغوب فيه، سواء كن عازبات تعرضن لابتزاز المشغل، أومطلقات وأرامل كن يبحثن عن زوج يمنحهن الأمان المفقود، أو زوجات قاصرات لا يرغبن في إنجاب أطفال في جو متوتر أو من زوج حامل لأمراض جنسية معدية… وغيرها من الحالات التي كان مصيرها إما السجن، أو التشرد، أو مغادرة مقاعد الدراسة أو الطرد من العمل أو النبذ المجتمعي أو تداعيات صحية خطيرة بسبب مغامرة الإجهاض.
وأشار التقرير إلى أنّه في غياب “الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتجريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، والتمييز القانوني ضد النساء غير المتزوجات وأطفالهن، يؤدي تجريم الإجهاض إلى تأجيج أشكال متعددة من التمييز والعنف القائمين على النوع الاجتماعي، ومفاقمة الإقصاء الاجتماعي والحرمان الاقتصادي والفقر”.
ووصفتْ عدّة نساء أجرت المنظمة مقابلة معهن – ممّن تعذر عليهن الحصول على إجهاض قانوني- كيف اضطررن للجوء إلى شتى الأساليب الخطيرة للإجهاض السري، بما في ذلك الاستخدام العشوائي للأدوية، وتجريب وصفات خلطات الأعشاب، وحتى التعرض لأشكال من العنف البدني الذاتي أو الممارس من طرف شخص آخر؛ بل إن بعض النساء حاولن الانتحار أمام عجزهن على التخلص من حمل غير مرغوب فيه قد يعرضهن للوصم الاجتماعي.
كما وصفت نساء وفتيات أخريات ما قاسينه من الإيذاء اللفظي أو البدني أو الجنسي أثناء خضوعهن لتجربة الإجهاض السري.
تعديل قانون الإجهاض بالمغرب مشاريع طموحة مع وقف التنفيذ
يأتي إطلاق عريضة رفع التجريم عن الإجهاض السري بالمغرب بعد تعثر عدة مشاريع ومقترحات قوانين، ففي سنة 2015 كلف العاهل المغربي كلا من وزير العدل ووزير الأوقاف ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، قصد إطلاق المشاورات مع مكوّنات المجتمع المدني ومع الهيئات والمؤسسات حول تقنين الإجهاض، وقد خلصت نتائج اللجنة إلى إضافة استثناءات جديدة للسماح بالإجهاض الطبي.
وفي سنة 2016، تضمن مشروع مراجعة القانون الجنائي تقنينا للاستثناءات الجديدة حيث تضمنت المسودة ثلاث حالات، كالآتي:
الحالة الأولى ينصّ عليها الفصل 1-453 من “عدم المعاقبة على الإجهاض إذا كان ناتجاً عن اغتصاب أو زنا المحارم، وذلك شريطة الإدلاء بما يثبت تقديم شكاية في الموضوع، وأن يقوم به الطبيب في مستشفى عمومي أو مصحة معتمدة لذلك، وأن يتم قبل انقضاء تسعين يوماً على الحمل”. وينصّ هذا الفصل على “إرشاد الحامل من قبل الطبيب شخصياً أو بواسطة مساعدة اجتماعية إلى الإمكانيات القانونية المتاحة لها بخصوص كفالة الطفل وإلى الأخطار الصحية التي يمكن أن تتعرض لها من جرّاء الإجهاض. وتمنح عند الاقتضاء مهلة للتفكير لا تقل عن ثلاثة أيام. ويعدّ الطبيب تقريراً بذلك يوضع في ملف المعنية بالأمر”.
الحالة الثانية ينص عليها الفصل 2-453 من “عدم المعاقبة على الإجهاض إذا كانت الفتاة الحامل مختلة عقلياً شريطة أن يقوم به طبيب في مستشفى عمومي أو مصحة معتمدة لذلك، وأن يتم قبل انقضاء تسعين يوماً على الحمل، وأن يتم بموافقة الزوج، أو أحد الأبوين إذا لم تكن متزوجة، أو النائب الشرعي إذا كانت قاصراً، أو الشخص أو المؤسسات المعهود إليها رعايتها”. وينصّ الفصل على “ضرورة إشعار مندوب وزارة الصحة في المنطقة أو الإقليم قبل إجراء عملية الإجهاض”.
أما الحالة الثالثة فينص عليها الفصل 3-453 الذي جاء فيه: “يسمح بالإجهاض في حال ثبوت إصابة الجنين بأمراض جينية حادة أو تشوهات خلقية غير قابلة للعلاج وقت التشخيص، بواسطة شهادة تسلمها لجنة طبية يعينها وزير الصحة في كلّ جهة من الجهات، على أن يتم الإجهاض قبل مرور 120 يوماً من الحمل”.
ويعاقب مشروع القانون على حالات الإجهاض الأخرى التي تتم دون احترام الشكليات القانونية بالحبس من شهر واحد إلى سنة واحدة مع غرامة تراوح بين 2000 و5000 درهم (تعادل ما بين 200 و500 دولار)، ويلزم كلّ مستشفى عام أو مصحة معتمدة لإجراء الإجهاض أو يحتمل أن تجرى فيها عمليات الإجهاض المسموح بها، أن تفتح سجلاً خاصاً تحدّد نموذجه وزارة الصحة ويوقَّع قبل البدء في استعماله من قبل وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية. ويعاقب على عدم توفّر السجل، بغرامة من 10.000 الى 100.000 درهم (ما بين 1000 و10.000 دولار).
وتعليقا على هذا المشروع اعتبر رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري شفيقالشرايبي إنّ “الحالات الثلاث المحددة غير كافية، لأنها لا تمثّل إلا 10% من الحالات الواقعة في المجتمع. القانون لا يشمل القاصرات مثلاً، ولا الحمل غير المنتظر الذي قد يسبّب الاكتئاب إلى درجة انتحار الحامل، أو الفتاة المهدّدة بالقتل من طرف أهلها، أو المهدّدة بالطرد من البيت”.
بدوره اعتبر المجلس الوطني لحقوق الانسان أن التعديلات المقترحة في المشروع “ما زالت محدودة لا ترقى إلى مستوى الإشكاليات والممارسات المجتمعية التي تطرحها ظاهرة اللجوء إلى الإجهاض السري بالمغرب. وهي ظاهرة تهم فئات عريضة من النساء لا يزال بعضهن قاصرات ومراهقات وكثير منهن يوجدن في ظروف مادية ومعنوية صعبة تدفعهن إلى اللجوء إلى الإجهاض في ظروف تشكل خطرا على صحتهن الجسدية والنفسية وتعرض حياتهن للخطر”، ولاحظ المجلس أن إجراءات الإجهاض الطبي المأمون الواردة في المشروع في حالة التعرض إلى اغتصاب أو زنا المحارم تتصف بالتعقيد مما قد يجعل اللجوء إلى الإجهاض السرّي أبسط من سلوك المسطرة القانونية، معتبرا أنّ منح النيابة العامة دورا في مسطرة اللجوء إلى الإجهاض سوف يجعلها مفزعة لمستعملاتها ومستعمليها المحتملين لدرجة قد تدفعهم إلى العزوف عن طرق الأبواب القانونية.
أمام هذه الانتقادات تقدم حزب التقدم والاشتراكية بمقترح قانون لتنظيم الإجهاض يستهدف إخراجه من القانون الجنائي وإدراجه ضمن قوانين الأخلاق البيوطبية، وذلك من أجل تمكين الأطباء من العمل في إطار قانوني شفاف للقيام بعمليات الإجهاض يحترم السلامة الصحية والحدّ من وفيات الأمهات الناجمة عن الإجهاض السري، وقد تميز المقترح باقتصاره على غرامات مالية في حالة مخالفة مقتضياته، إلا أن كل مشاريع ومقترحات تعديل مقتضيات الإجهاض في القانون المغربي ظلت معطل، بعد سحب مشروع مراجعة القانون الجنائي عقب تشكيل الحكومة الجديدة، واحتدام الجدل من جديد حول الحريات الفردية بالمغرب.
وبحسب تقديرات منظمات المجتمع المدني بالمغرب يتراوح عدد عمليات الإجهاض السري بين 50 ألف إلى 80 ألف حالة، بمعدل 200 عملية يوميا، بينما لم تسجل إحصائيات رئاسة النيابة العامة سوى 180 حالة خلال الفترة الممتدة من 2017 إلى 2021، وهو ما يؤكد ندرة القضايا المتعلقة بالإجهاض السري التي تصل إلى علم السلطات القضائية.