رسالة ثانية للحكومة الاجتماعية .. لماذا شهيتكم مفتوحة لهضم حقوق الموظفين التقنيين

لست مغرمة بالرسائل لكنني مغرمة بإيماني بالترافع والدفاع عن الحق كثائرة لا تفنى وثورة لا تموت ومغرمة بقناعاتي التي تشبه الترياق إذا زاد عن حده ضر بأخذه وإذا قل عن المطلوب ضرَه. نحن شعب لا يعيش بالخبز بل بالحق “بالحق نصور طرف الخبز” وما دمت أعيش في دولة الحق فمن حق بلدي أن تمتاز بالحق وأن ننعم بالمساواة الحقوقية في صون الضمانات الدستورية والمعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان. فحقوق الإنسان متأصلة في كرامة الشخص والعدالة الأجرية ثم العدالة في الترقية كسائر الفئات. كما أنه لا يترافع عن الحق إلا من عشق وطنه.

لهذا ألتمس منكم أن تضعوا حدا لرسائلي هاته وأن تتفاعلوا مع مطالب الموظف المواطن المغربي الذي يعاني من حيف مادي واضح، ومن لا عدالة أجرية صارخة، ومن وضعية مهنية حاطة من الكرامة ثم التهميش والحكرة في إطار الحكومة الاجتماعية التي تطرب آذاننا في كل خرجاتكم والتي أبانت بالملموس عن إقصاء العديد من القطاعات الحكومية من نظام الترقية وتغيير النظام الأساسي في ظل الدولة الاجتماعية التي لا يمكنها أن تفاضل أو تميز تمييزا سلبيا، يحط بالكرامة الإنسانية، بين مواطنات ومواطني المغرب.

كما تعلمون، فإنه في نطاق تحديث القطاعات وتطوير نظام الترقي، تعاملت حكومتكم بتدبير الترقية قطاعيا وفئويا حيث تم تغيير النظام الأساسي والزيادة في الأجور لقطاعات محسوبة في رأيكم حيوية وإن توقفت تشل الخدمات الأساسية كقطاع التعليم، الصحة، العدل.. أما باقي القطاعات فلم تعيروها أي اهتمام أو التفاتة اجتماعية للنهوض بأوضاعها وإنصافها وكأنها قطاعات على الهامش غير ضرورية.

فمنذ الشروع في إصلاح الأنظمة الخاصة لموظفي الدولة، والتقنيون يناضلون من أجل تكريس العدالة الأجرية عملا بأحكام الدستور، بعد أن أصبح الفرق بين أجر المهندس والمتصرف والتقني المترتبين في نفس السلم يصل إلى أكثر من 6000 درهما، فيما لم يكن في السابق يتجاوز هذا الرقم. وفي الوقت الذي جرى فيه تحسين أجور العديد من فئات الموظفين، تم فرض حالة الاستثناء على التقنيين الذين يمثلون عددا مهما في الوظيفة العمومية، ومواجهتهم من طرف الحكومات بالتجاهل والضرب بعرض الحائط مطالبهم المشروعة في مساواة أجورهم بالمهندسين والمتصرفين، علما أن التقنيين لا يقلون عن هؤلاء، لا في مستوياتهم الجامعية، ولا في كفاءاتهم العملية. ورغم كل ذلك يجدون أنفسهم يتفرجون على استفادة العديد من أصناف الأطر من الزيادة المهمة في أجورهم والاستفادة من ترقية خارج السلم.

 لقد نصت كل المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب على مبدأ المساواة الأجرية في حالة ممارسة عمل متساو أو عمل ذي قيمة متساوية كحق من حقوق الإنسان، الذي يجب على الدول الالتزام به والحفاظ عليه. أما الفصل الأول من ظهير (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي للوظيفة العمومية بالمغرب، فينص على ما يلي: “لكل مغربي الجنسية الحق في الوصول إلى الوظائف العمومية على وجه المساواة”، وكذا مقتضيات الدستور الذي بني على مبادئ المساواة بين المواطنين أمام القانون، ويمكن لجميع المواطنين أن يتقلدوا الوظائف والمناصب العمومية حسب الاستحقاق، وما ينطبق على الوظيفة العمومية ينطبق أيضا على المرتب والتعويضات المرتبطة به (نفس السلم، نفس الأجر).

لكن للأسف، فلغاية اليوم، تعتمد آليتان وحيدتان في ترقي التقنيين؛ تتمثل في المباريات المهنية أو الاختيار (الأقدمية) والتي تصطدم بنظام الكوطا المجحف الذي يقف سدا منيعا في وجه هؤلاء لتجميد وضعيتهم الإدارية لسنوات، بالمقارنة مع باقي أطر الدولة الذين عرفت وضعيتهم تحسنا بالنظر لمرونة الأنظمة الأساسية المعتمدة. كما أن أفق الترقية للتقنيين، يبقى محدودا نظرا لعدم السماح لهم بالحصول على ترقية خارج السلم ناهيك عن عدم تسوية وضعية التقنيين الحاملين للشهادات العليا.

من المستحيل التكلم عن حكومة اجتماعية لا تراعي الإكراهات والمشاكل الاجتماعية في شموليتها للتفاوتات الغريبة في الأجور بين جميع القطاعات كيفما كانت… فالأجور عليها أن تتساوى بين الجميع رغم اختلاف الوظائف وغيرها.. فلا فرق بين إنسان يشتغل في قطاعات، العدل، التعليم أو الصحة أو البناء أو الفلاحة أو الإعلام أو النظافة في أي شيء آخر.. فالمساواة الأجرية هي الجوهر الأساسي لبناء حياة العيش السليمة للأبناء والأسرة والعائلة والمجتمع ككل.. فالضروريات والحاجيات واحدة.. لذا، فالتفكير في توحيد الأجور كيفما كانت طبيعة العمل، هو بمثابة ثروة وثورة جديدة في واقع يعلم علم اليقين أن الحاجيات هي حاجيات متشابهة للبشر كافة.. لكن بسياسة أجرية غريبة، أضحت تلك الحاجيات في يد البعض وبعيدة المنال عن البعض الآخر.. فهكذا أنظر للعدالة الاجتماعية المفقودة ببوصلة لا زالت تائهة في متاهة التفرقة قد تؤدي إلى فتنة اجتماعية.

وبالرغم من كل الاحتجاجات التي خاضها التقنيون لسنوات، والحجج التي قدموها للمسؤولين على كافة المستويات، لإقناعهم بعدالة قضيتهم وتمكينهم من حقوقهم العادلة والمشروعة في العدالة الأجرية وعدالة الترقية، بالمقابل لا تجد الحكومات أي حرج في تكرار لازمة أن الإمكانيات المالية لا تسمح بمعالجة مطالب هذه الفئة من موظفي الدولة، أو محاولة تهريب الملف، لما سمي زورا بـ “الإصلاح الشمولي”، أو محاولة إقحامه في الحوار الاجتماعي، رغم إقرار عدد من المسؤولين بعدالة الملف ومشروعيته، هناك إصرار على معاقبة هذه الفئة لنزع الكرامة عنها وإذلالها جزاء لها عما أسدته من خدمات لصالح البلاد والإدارة العمومية. وأمام هذه الوضعية المكرسة للحيف الواضح، يحق التساؤل ماذا تنتظرون من مواطن موظف تهضم حقوقه على شهية مفتوحة باللامساواة وبالقمع؟

وماذا عن الذنب الذي اقترفه الموظف التقني تجاه بلده وإدارته ليستحق هذا التعامل اللامسؤول من طرف الحكومات، التي جعلت من إصلاح وتحديث الإدارة العمومية ورشا أساسيا في برامجها؟، أين الحق في المساواة الذي رددته الدساتير المغربية جميعها، باعتباره أساس العدل والحرية والسلم الاجتماعي؟، هل سياسة التمييز والإقصاء والكيل بمكيالين التي تنهجها حكوماتنا ستجعلنا نطمئن على مستقبل البلاد والعباد؟…

بقلم: حسناء شهابي

Top