دأب حزب التقدم والاشتراكية دائما على عقد مؤتمرات وطنية، التي يتم فيها تجديد الهياكل التنظيمية للحزب، ورسم خططه السياسية للسنوات المقبلة. اليوم نحن على أبواب حدث سياسي هام، إذ سيعقد الحزب مؤتمره الوطني الحادي عشر ببوزنيقة، أيام 11 و12 و13 من السنة الجارية.
في هذا الصدد، قال عبد الرحيم بنصر، عضو المكتب السياسي، عن رئاسة اللجة التحضيرية للمؤتمر، في حوار خص به جريدة بيان اليوم، إن اللجنة الوطنية لتحضير المؤتمر الوطني كانت واعية بالمهام الجسيمة الملقاة على عاتقها، وتأسيسا عليه بذلت جهودا جبارة لبلوغ الحصيلة الإيجابية المسجلة اليوم، مثمنا عاليا مجهودات مختلف اللجن وما أقدم عليه أعضاءها من إسهامات جادة ونقاشات عميقة تدل على مدى اهتمام الرفيقات والرفاق بما راكمه الحزب من معارف وتجارب أثرت رصيده الفكري الجماعي وفعله النضالي العملي.
كما أوضح عبد الرحيم بنصر أن تنظيم المؤتمر يأتي في سياق وطني تطبعه الأزمة الاقتصادية والبيئية، وغياب النقاش الديمقراطي السياسي في المجتمع، نظرا للاختفاء التام للحكومة في المجال العام.
وكشف بنصر أنه على المستوى التنظيمي، تمت تقوية جميع الأشكال التنظيمية للحزب بطاقات بشرية جديدة، التي من شأنها أن تجعله يقوم بدوره ويحضر أكثر في الحقول الاجتماعية مع المواطنين، نظرا لوجود نقص على هذا المستوى، لأنه لا يمكن الاهتمام بالتواجد داخل المؤسسات التمثيلية والتنفيذية فقط، ولكن الحزب محتاج إلى التجدر في محيطه الاجتماعي عن طريق الاهتمام بالفروع المحلية والقطاعية بالأساس، لأنها البنية التنظيمية الأكثر قربا من المواطنين، وبالتالي يجب الانطلاق من هذا الفرع المحلي أولا، بالمواكبة والتأطير. فيما يلي نص الحوار:
> ها نحن اليوم في محطة المؤتمر الوطني الحادي عشر. وما كنا لنلج هذه المحطة دون تحضير مسبق من قبل اللجنة التحضيرية الوطنية. ماذا يمكنكم القول عن مشوار عمل هذه اللجنة وهل أنتم راضون عن الحصيلة؟
< هذه اللجنة، التي أحيلت رئاستها لكل من الرفيقة ثريا الصقلي والرفيق عبد الرحيم بنصر، والرفيقة خديجة الباز والرفيق محمد صلو كمقرران، بادرت، تفعيلا لقرار اللجنة المركزية المتخذ خلال دورتها التاسعة المنعقدة بتاريخ 18 يونيو 2022، بعقد اجتماعها الأول بتاريخ 22 يونيو 2022 بحضور ومشاركة رئيسات ورؤساء، مقررات ومقررو لجنة الوثيقة السياسية، ولجنة القانون الأساسي والنظام الداخلي، ولجنة الانتداب، ولجنة التواصل، ولجنة اللوجستيك والمالية.
وبعد الاتفاق على المنهجية العامة للعمل وبرمجة اجتماعات اللجنة الوطنية واللجن الفرعية، وتحديد السقوف الزمنية لإنهاء الأعمال واعتماد مشاريع مخرجات أعمالها، وجهت اللجنة التحضيرية الوطنية مذكرة إلى جميع الرفيقات والرفاق عضوات وأعضاء اللجنة المركزية للتسجيل في اللجن، كل حسب اهتمامه، شرعت بعدها اللجن الفرعية في عقد اجتماعاتها حضوريا وعن بعد، وفتح باب المساهمات الفردية بأوراق حول مواضيع معينة لمن رغب في ذلك من الرفيقات والرفاق.
وهكذا، عقدت اللجنة التحضيرية الوطنية أربعة اجتماعات أخرى بحضور أعضاء وعضوات مختلف اللجان الفرعية لتتبع ومواكبة تقديم أشغالها ومخرجات تفكيرها الجماعي. ولقد حرصت اللجنة الوطنية على إخبار المكتب السياسي بتقدم أشغال عمل اللجن وتقديم عروض تركيبية لكل ما أسفر عنها من إسهامات فكرية واقتراحات عملية تم التفاعل معها من طرف كافة أعضاءه بروح منفتحة وبكثير من الرحابة.
وحرصا على تمكين الرفيقات والرفاق الذين عبروا عن رغبتهم في المشاركة والمساهمة في أشغال اللجان الفرعية من مختلف الفروع وبالخصوص المتواجدة بالمجالات الترابية البعيدة، بادر رؤساء اللجن السياسية والتنظيمية، برفع عائق إكراهات تنقلهم، عبر تنظيم لقاءات مفتوحة حضوريا وعن بعد، لقيت نجاحا واستحسانا من طرف المساهمين.
بالنسبة للجنة الوثيقة السياسية التي ترأسها كل من الرفيق عزوز الصنهاجي والرفيقة عائشة لبلق، والرفيق عبد الصادقي بومدين والرفيقة دليلة لوديي كمقررين، ووفقا لما تم تحديده بصفة جماعية، اشتغلت هذه اللجنة تحت ضغط زمني كبير؛ خصص الحيز الوفير منه – شهر كامل – للنقاش والتفاعل الكتابي؛ من خلال مقاربة منهجية للعمل اعتمدت محور الأوضاع الدولية، ومحور الأوضاع الوطنية، ومحور البديل ثم محور الأداة الحزبية. وقد تميز عمل اللجنة، بالإضافة إلى المساهمات الشفهية والمداخلات، بتقديم عدد من الرفيقات والرفاق لمساهمات مكتوبة طبعتها الوجاهة والغنى، ومستحضرة ومعتمدة، في نفس الوقت، ما راكمه الحزب من اجتهادات وتجارب لا زالت أسباب وشروط تفعيلها قائمة وملائمة لما تقتضيه مهام المرحلة التاريخية المتمثلة في بناء الدولة الوطنية الديموقراطية الحديثة بارتباط وثيق مع ما تستلزمه مهام دمقرطة المجتمع.
ومباشرة بعد اختتام المناقشات، تكلفت لجينة مصغرة بتحرير مسودة أولى؛ تم عرضها على المكتب السياسي واللجنة التحضيرية الوطنية نهاية يوليوز الماضي؛ تلتها مسودة ثانية منقحة في نهاية غشت الماضي تولدت عنها النسخة الحالية التي بين أيدي أعضاء اللجنة المركزية بغاية المناقشة والمصادقة قبل إرسالها إلى جميع أعضاء الحزب وكل من يرغب في المشاركة معنا من المواطنات والمواطنين لإثرائها قبل اعتمادها من طرف مؤتمرنا الوطني الحادي عشر.
من جانبها، شرعت لجنة القانون الأساسي والنظام الداخلي التي يترأسها كل من الرفيقين رشيد روكبان ومجدولين العلمي، والرفيقين محمد حجيوي وفاطمة الزهراء برصات كمقررين أثناء اجتماعها الأول بوضع جدولة زمنية للاشتغال وآليات ومنهجية عمل والاتفاق على اعتماد القانون الأساسي الحالي كأرضية لمشروع القانون الأساسي المقبل.
ولقد عقدت اللجنة ستة اجتماعات، كما نظمت لقاء حضوريا موسعا ومفتوحا في وجه جميع الرفيقات والرفاق حول مقتضيات القانون الأساسي مع منح الإمكانية للتتبع والمساهمة عن بعد، بثت مضامينه وتفاعلاته عبر المنصة الرقمية الرسمية للحزب بشبكات التواصل الاجتماعي. وبالموازاة مع ذلك، عقد مكتب اللجنة ثمان اجتماعات منها اجتماعات مطولة وعدة جلسات عمل حضورية وعن بعد بشأن ترتيب التعديلات وصياغتها. وموازاة لذلك، أقدمت اللجنة على تكليف بعض الرفاق من أعضائها بالقيام بدراسات وأبحاث مقارنة بهدف إغناء عملها.
وتجدر الإشارة، أن المقاربة المعتمدة لصياغة القانون الأساسي الجديد للحزب حكمتها ضمنيا رؤى تشكلت انطلاقا من تفكير جماعي شارك فيه أعضاء مجلس رئاسة الحزب وأعضاء المكتب السياسي حول ما عرفه مجتمعنا من تحولات عميقة. وسعت اللجنة إلى بناء تصور تنظيمي يتماشى وروح العصر ويجيب على ما يسم محيط الحزب من تعقد ومن تغير دائم، تنظيم يمنح فضاءات مناسبة للعمل المشترك لجميع المناضلين ومحفز للانخراط في العمل السياسي .
تأسيسا، تقترح اللجنة إطارا تنظيميا يحافظ على المستويات التنظيمية العمودية مع اختراقها بأشكال تنظيمية أفقية لتكثيف العمل المشترك ولتقاسم التجارب والممارسات الفضلى تاركا للمناضلات والمناضلين مساحات للتجريب ولإبداع أشكال تنظيمية مناسبة لظروف اشتغالهم وقدرات ورغبات الفئات المستهدفة من طرفهم.
لكن مهما بلغت وجاهة الإجراءات والأشكال التنظيمية المقترحة، تعتبر اللجنة بأن الرهان التنظيمي الأساسي لحزبنا يتمثل في التوفر على تنظيمات محلية وإقليمية وجهوية محمولة بطاقات نضالية تشتغل بذاتها، مبادرة، مبدعة وفعالة؛ تنظيمات لا تنتظر الإشارة من المركز لأخذ المبادرة أو الفعل، تنظيمات متجذرة في محيطها البشري عبر تملك القضايا العادلة للمواطنين والدفاع عنها بجانبهم.. ففي النضال السياسي كذلك، تكتسب وتبرز الكفاءة بتحمل المسؤولية وبممارستها وبالاجتهاد الشخصي والعمل الجماعي عبر مسلسل تراكمي من الإخفاقات والنجاحات ولن تتحصل دفعة واحدة.
أما لجنة التواصل، التي ترأسها كل من الرفيق كريم التاج والرفيقة خديجة أروهال والرفيق محتات الرقاص والرفيقة ليلى داكيري كمقرران، فباشرت، فور تشكيلها، المهام المتعلقة بالجوانب التواصلية لتحضير وانعقاد للمؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب حيث عقدت ستة اجتماعات حضورية وعن بعد بمساهمة جل عضوات وأعضاء اللجنة إضافة للعديد من جلسات وورشات عمل للفرق الموضوعاتية.
وقد اعتمدت اللجنة مقاربة تقوم على تدقيق مهام اللجنة عبر ثلاثة مراحل تتعلق الأولى بمهام ما قبل المؤتمر، وتتعلق الثانية بفترة انعقاد المؤتمر، والمرحلة الأخيرة بما بعد المؤتمر للتعريف بمخرجات اشتغاله.
وأثمرت أشغال اللجنة، بالخصوص، اقتراح شعار المؤتمر التي تم اعتماده بعد تعديله من قبل المكتب السياسي ليعرض على مصادقة اللجنة المركزية. كما يتواصل العمل على الهوية البصرية للمؤتمر لتكون جاهزة قبل منتصف شتنبر الجاري حتى يتسنى توظيفها في كل الأنشطة والمحطات التحضيرية وطنيا وجهويا ومحليا.
وعلى صعيد آخر باشرت فرق العمل المتفرعة عن اللجنة باقي المهام المتعلقة بتنظيم اعتماد الصحفيين ووسائل الإعلام خلال المؤتمر، وكيفية اشتغال شبكة تواصل الحزب على فعاليات المؤتمر، والشراكات الإعلامية التي سيتم اعتمادها مع وسائل إعلام بعينها.
وبخصوص لجنة اللوجستيك والمالية، التي يترأسها الرفيقين سمية منصف حجي وكمال الشرايطي، والرفيقين فوزية الحرشاوي وأناس الصبيحي كمقرران، فقد عقدت أربعة اجتماعات حددت خلالها بتفصيل جميع التدابير والعمليات القبلية لتحضير المؤتمر وما يجب توفيره من وسائل لوجستيكية وموارد بشرية ومالية لتوفير أمثل الشروط لانعقاد وإنجاح المؤتمر. وحتى تتمكن من التحكم في كافة عمليات التحضير المادي، صممت اللجنة لوحة لقيادة العمليات وتتبعها بتسلسل مع تحديد المسؤوليات وتفسير النتائج المنتظرة منها. وموازاة لهذا العمل التحضيري، قامت اللجنة بزيارة لمكان عقد المؤتمر للوقوف على ما هو متوفر من تجهيزات وإمكانيات للاستقبال وللمبيت. كما عقدت اجتماعات مع ممثلي بعض الشركات الخدماتية المختصة لتحديد الكلفة الإجمالية لعقد المؤتمر.
أما لجنة الانتداب التي يترأسها الرفاق مصطفى عديشان ونادية التهامي وشرفات أفيلال وكمقرران الرفيقين إدريس الرضواني ولبنى الصغيري فقد واكبت بانتظام أعمال اللجن عن طريق مشاركتها في اجتماعات اللجنة التحضيرية الوطنية في انتظار إنهاء عمليات الانخراط لمباشرة عملها وفق الجدولة المحددة بالمقرر التنظيمي.
> لماذا في نظركم تأخرت عملية تجديد الانخراط وفتح باب الانخراط للطاقات الجديدة؟
< ليس هناك تأخير. فقد وجه الأمين العام للحزب، وفق ما حدده المقرر التنظيمي، مراسلة بتاريخ 28 يونيو 2022 إلى أعضاء اللجنة المركزية والكتاب الجهويين والكتاب الإقليميين والكتاب المحليين يدعوهم إلى التعبئة والمساهمة الفعالة في الحملة الوطنية من أجل فتح باب الانخراط وتجديد بطائق العضوية خلال الفترة الممتدة ما بين 18 يونيو و7 شتنبر 2022. ولقد وفرت إدارة الحزب بتعاون مع اللجنة التحضيرية الوطنية تطبيقية معلوماتية لتسجيل طلب الانخراط يمكن اللجوء إليها عن بعد، كما قامت بتنظيم لقاء تفاعلي لفهم وتملك استعمالها شارك فيه العديد من الكتاب الإقليميين والمحليين للفروع الحزبية. ولقد تمكنت الإدارة الحزبية، ولأول مرة وبوسائل ذاتية، من طبع بطاقات الانخراط الإليكترونية تتضمن الاستجابة السريعة فضلا عن تكثيف الاتصالات اليومية وبجميع الوسائل التواصلية لتحقيق الأهداف المرسومة.
غير أن هذه المجهودات الكبيرة لم تسفر عن النتائج المأمولة والمنتظرة بفعل تزامنها مع فترات الدخول في اهتمامات نهاية السنة الدراسية والعطل الصيفية ومع ظرفية اجتماعية لا تترك حيزا للعمل المطلوب فضلا عن عدم استجابة جل التنظيمات الحزبية المحلية. وأمام هذه الوضعية بادر المكتب السياسي بتكوين لجنة خاصة من أعضائه في بداية شهر شتنبر الجاري عهد إليها ربط الاتصال بكافة مسؤولي التنظيمات الحزبية لإطلاق حملة واسعة لتجديد الانخراط وفتح باب الانخراط لطاقات جديدة، أعطت هذه المبادرة نتائج أولية إيجابية في نهاية الفترة المحددة، مما دفع العديد من المناضلين توجيه ملتمسات لتمديد فترة الانخراطات.
> ينعقد المؤتمر الوطني 11 في سياق سياسي واجتماعي واقتصادي خاص، إلى أي حد استحضرتم كلجنة تحضيرية للمؤتمر هذه المعطيات والرهانات؟
< في المجمل لا يمكننا إلا نسجل التراكم الذي حصلت عليه بلادنا سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الديمقراطي، أو على صعيد الدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب التي تعتبر أولوية الأولويات بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية.
فعلى المستوى الديمقراطي نسجل تراكما مهما منذ سبعينات القرن الماضي المستوى الديمقراطي يجب التمسك به والحفاظ عليه وتوسيعه.لكنه تقدم يعرف مدا وجزرا. أي أن هذا التقدم الديمقراطي ليس خطيا أو تصاعديا.
ففي السياق الحالي هناك تراجعات خصوصا على مستوى الحريات التي يجب تداركها والعمل على احترام ما ينص عليه الدستور والقوانين المنظمة للحريات العامة.
لكن بالنسبة لنا ليس للديمقراطية بعد سياسي فحسب. بل هناك أبعاد أخرى. فإذا كانت الديمقراطية تسمح بتوزيع السلطة مع الفاعلين السياسيين عن طريق الانتخابات والتمثيلية يجب أن تكون أيضا آلية لتوزيع الخيرات. هنا يكمن المشكل فالتراكم على المستوى الديمقراطي لا يوازيه تراكم على مستوى العدالة الاجتماعية. فالفوارق الاجتماعية والمجالية لازالت مهيمنة رغم التقدم المسجل على المستوى الاقتصاد وعلى صعيد الاستثمارات والبنية التحتية إلى غير ذلك.
إن قوة بلدنا في ظل محيط إقليمي ودولي صعب تكمن في متانة جبهته الداخلية ومدى قدرته على توسيع مجال الديمقراطية والحريات، ومشاركة فئات عريضة من شعبنا. ولكي يتم ذلك لا بد أن نؤمن الحد الأدنى من العيش الكريم للمواطن. فبالنسبة لنا التنمية لا يمكن أن تنتج عن الليبرالية. أي أن دور الدولة في هذه المرحلة التاريخية لازال له أهمية كبيرة. بطبيعة الحال نتمنى أن يكون لدينا قطاع خاص وطني في مستوى التحديات وعلينا أن نشتغل على هذا المستوى لدعم المقاولة الوطنية التي تعيش صعوبات جمة لأن التنمية لا يمكنها إلا أن تكون تنمية وطنية مستقلة تعتمد بالأساس على الذات وعلى المؤهلات الوطنية، بعيدا عن التبعية للخارج ودون انغلاق على الذات.
ويمكن القول أن المنحى على مستوى سياسة بلادنا الخارجية إيجابي وعلينا مساندته لأنه يهدف إلى الدفاع عن مصالح الوطن وحوزته الترابية.
أما على المستوى السياسي، فيلزمنا نفس ديمقراطي جديد وانفتاح للحكومة على المجتمع لتنشيط النقاش العمومي لأنها حكومة سياسية وليست حكومة لحل المشاكل التقنية بوصفات تقنية.
كما يلزمنا تنزيل الدستور الحالي نصا وروحا من خلال احترام الحريات العامة والتوجه نحو المساواة، وتحسين الخدمات الاجتماعية سواء في التعليم والصحة وغيرها من القطاعات، وتأهيل القطاع العمومي حتى يكون قادرا على منافسة القطاع الخاص، إذن، يأتي تنظيم المؤتمر في سياق وطني تطبعه الأزمة الاقتصادية والبيئية، وغياب النقاش الديمقراطي السياسي في المجتمع، نظرا للاختفاء التام للحكومة في المجال العام، التي من المفترض أن تتواصل مع المواطنين بشكل مستمر، علما أن غلاء الأسعار يكوي جيوب المغاربة، نتيجة الأزمة التي يعرفها العالم، ولكن أيضا، بفعل أسباب داخلية، لأن دول أخرى، تعيش نفس الظروف، وجدت حلولا للحفاظ على القدرة الشرائية لمواطنيها.
> طبعا كل مؤتمر هو محطة ليس فقط لجرد الحصيلة، بل هو أيضا مناسبة لنقد ذاتي. ماذا عن حصيلة حزب التقدم والاشتراكية وأفقه الاستراتيجي؟
< حزب التقدم والاشتراكية سجل تقدما يتجسد في الحصول على فريق برلماني دون الحاجة إلى تحالفات مع تنظيمات أخرى.. لكن هذا لا يخفي وجود نواقص تتمثل أساسا في غياب الاهتمام بالتواجد على مستوى الحقول الاجتماعية الأخرى إلى جانب المواطنين. الامر الذي انعكس نسبيا على أداء الحزب. وهذا ما يجب تداركه في المستقبل. والأكيد أن قراءة لشعار المؤتمر “بديل ديمقراطي تقدمي” تؤكد أن حزبنا واع بذلك وبضرورة نحو تنمية الحاجيات للفئات العريضة من شعبنا، ولتعميق كل ما هو إيجابي في هذا الاتجاه. بالإضافة إلى مواكبة التطور الذي يعرفه المجتمع، من قبيل المرونة التي تسمح بإبداع أشكال تنظيمية جديدة. ولعل التنظيم الذي يقترحه الحزب ليس جامدا بل متحركا، يترك فضاء كبيرا لمبادرة المناضلين، ولا يقدم شكلا تنظيميا قارا ومستقرا، بل يفتح الفرصة للمناضلين أن يخلقوا جميع الأشكال التي تسمح لهم بالابتكار والإبداع، لأنه وسيلة للتقرب أكثر من المواطنين.
ويولي حزبنا اهتماما بالغا لفئة المثقفين، في ظل ما نشهده مع الأسف من غياب تام للمثقفين عن الفضاء السياسي، وفي جميع الأحزاب بما فيها حزبنا، حيث تم تخصيص الاهتمام أكثر للمنتخبين على حساب المثقف.
والتقدم والاشتراكية اليوم، يجب أن يؤثث الفضاء لاستقبال المثقف، لأن أهميته تتجلى في صنع الوعي والإدارة وتحضير القرار استنادا إلى تأطير الكادحين. صحيح أن الحزب محتاج إلى قواعد اجتماعية، ولكن في حاجة كذلك وبالأساس إلى من يؤطر هذه القواعد، وبالتالي لا بد من أن يربط حزبنا علاقة مع محيطه الثقافي، بتأثيث مكانة خاصة للمثقف داخل الحزب.
والمثقف في فلسفتنا، ليس من يتوفر على شواهد عليا، ولكن من يملك قدرات التفكير والإبداع ويرتبط بواقعه، ويمكن أن يوجه ويؤطر ويحضر ويرفع وعي المواطنين، ويتملك المرجعية الفكرية للحزب، يوزعها على المناضلين ويوجههم، ويحضر البنية التحتية لاتخاذ القرارات، فنحن في حاجة إلى بنية اجتماعية عريضة، ولكن محتاجين أيضا بنفس القوة والحدة إلى مثقفين ملتزمين بقضايا الكادحين، من أجل الرفع من مستوى الوعي العام سياسيا، ونشر قيم التقدم والعقلانية ومواجهة الفكر النكوصي والظلامي.
ومن جهة أخرى، لا يمكن أن نغفل مشاكل خريجي الجامعات الذين يواجهون معضلة كبرى في المغرب، فالآلاف من المتخرجين لا يجدون فرص الشغل، ويعود هذا المعطى إلى غياب الاستثمار المنتج.
ما هي الاختلافات الحاصلة بين ظروف انعقاد المؤتمر الوطني 10 و11 والرهانات الموضوعة بعد انتخاب القيادة الجديدة؟
< السياقات تختلف. التاريخ يتطور ولا يتوقف. لا يجب أن ننسى أننا نحضر للمؤتمر ونحن في موقع المعارضة. كما كنا نشارك خلال المؤتمر السابق في تدبير الشأن العام، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، هناك تراكمات إضافية جديدة، والذي أعتبره أساسيا هو أنه وقع نقاش حول تجديد قيادة الحزب، خصوصا تركيز الإعلام على قضية من سيخلف الأمين العام الحالي الرفيق محمد نبيل بنعبد الله.
نحن بالنسبة لنا، هذا مشكل ثانوي جدا، لأن الحزب أولا يسير بطريقة جماعية، أهم القرارات التي تخص مستقبل المجتمع أو الحزب اتخذت بصفة جماعية وديمقراطية، وبالتالي توجد بالمكتب السياسي أو اللجنة المركزية طاقات شبابية مهمة، كما يوجد رفاق قدامى.
وما يهمنا ليس مسألة السن أو الشيخوخة أو الشباب، الأساسي هو هل هؤلاء الرفاق يحملون الفكر الهوياتي لتوجه الحزب، هذه مسألة ضرورية وحاسمة، وبالتالي هل الحزب يتوفر على المقومات البشرية الداخلية التي تسمح له بالاستمرار في بناء شروط بروز المجتمع الاشتراكي الذي ينشده.
وأعتقد، أن الحزب له مقومات شبابية داخلية تضمن له الاستمرارية في نفس التوجه، بطبيعة الحال انطلاقا من واقعنا الوطني، بمعنى أن استحضار الأفق الاستراتيجي ضروري، لأنه بدون هذا الأفق لا يمكننا أن نعمل بشكل يومي في غياب بوصلة لتوضيح الطريق، ونحن نشتغل في أفق أربع سنوات، مع استحضار الأفق الاستراتيجي الذي هو بناء مجتمع اشتراكي تقدمي..
أكيد أن المرحلة الراهنة التي توجد عليها بلادنا، ليست مرحلة لبناء الاشتراكية، ولكن مرحلة لبناء دولة وطنية ديمقراطية حديثة، الاشتراكية لا تبنى في بلد ينخره التخلف، أو بلد لا زال في طريق النمو، الاشتراكية هي مستوى أرقى من الرأسمالية، وبالتالي يجب أن يحدث التراكم على جميع المستويات الأساسية وهو تراكم تاريخي.
وهذه المرحلة التاريخية التي عليها حزبنا، نتقاطع فيها مع قوى أخرى، وهي حليفة، كمكونات اليسار أو كقوى متناقضة معنا، بيد أننا نتقاطع في هذه المرحلة التاريخية، في إنجاز بعض المهام، على سبيل المثال لا الحصر حزب الاستقلال نشترك معه في بعض القضايا، والأمر نفسه يتعلق ببعض القوى السياسية الأخرى.
وتكمن الصعوبة في أن مجتمعنا لم تعد توجد به قطبية اليسار واليمين واضحة، اليسار لا زال ضعيفا وهذا واقع تقر به جميع مكوناته، لأنه ليس لديه الوزن الكافي ليقود البلاد، مع كامل الأسف كانت هناك إمكانية مع حكومة التوافق التي ترأسها السي عبد الرحمان اليوسفي، ولكن كانت أخطاء ساهمنا فيها أيضا، والتي لم تجعلنا نعمق هذا المنحى والتوجه.
وهذا الوضع، يوضح لنا، كيف أنه خلال كل انتخابات، يفرز النظام الانتخابي، مشهدا سياسيا لا يضم الأغلبية المطلقة، وهو ما يفرض بعض المرات الدخول في ائتلافات ببنية توافقية مطلقة، أو جزئية تتعلق بالتوافق حول أرضية مشتركة، ويحصل هذا الأمر مع أحزاب سياسية تحمل بعض المرات إيديولوجية مختلفة أو متعارضة مع إيديولوجيتنا.
وتخلق مثل هذه الائتلافات الضبابية لدى المواطنين، وتجعل الأمور غير واضحة بالنسبة لهم، حيث لا يستوعبون تحالف حزب يساري مع آخر يميني، لهذا أقول بأن الأمر يتعلق في هذه الحالات بائتلاف واضح الأجندة تفرضه الشروط الموضوعية، وليس تحالف دائم.
ويركز حزبنا على ضرورة الحفاظ على المنحى التقدمي الديمقراطي، الذي يبقى مستمرا في بلادنا، لأن الديمقراطية لا تأتي دفعة واحدة بل هي تراكم يجب أن نبقى متشبثين به، وبالتالي نتفاوض مع هذه الائتلافات على أساس أرضية نحرص فيها على أن لا تزيغ بلادنا على التوجه الديمقراطي العام، مع العمل على تحصيل مكتسبات أخرى إضافية.
ويصرح حزب التقدم والاشتراكية بمرجعيته اليسارية الديمقراطية على عكس بعض الأحزاب التي تدعي الليبرالية في مرجعيتها، غير أنها أثناء الانتخابات تتحدث عن العدالة الاجتماعية، ومشاكل الفقر، والهشاشة..
ويتسم السياق التاريخي الذي توجد عليه بلادنا بنوع من الغموض، لهذا يفرض الوضع على حزبنا أن يقوم بعملية توضيح بيداغوجية أساسية فكرية، لكشف التناقضات التي تخترق المجتمع والعمل على تفسيرها، وبالمناسبة يعد تموقعنا في المعارضة فرصة تسمح لنا للقيام بهذا العمل التوضيحي الفكري الإيديولوجي، لتمكين المواطنين من التمييز بين من يدافع ويعارض مصالحهم.
وفي التجربة الأخيرة هناك نوع من الانسجام بين الأحزاب المكونة للأغلبية رغم أنها استعملت المال بكثرة خصوصا الحزب الأول في هذا التحالف، الشيء الذي زاد من تعميق العزوف عن السياسة، علما أن الفريق الذي يشكل الحكومة هو في المجمل يميني، وبالتالي يجب أن يدفع هذا المعطى قوى اليسار التقدمية إلى البحث عن إعادة البناء.
ويحتاج المشهد السياسي المغربي إلى توحيد مكونات اليسار، والانفتاح أكثر على القوى الديمقراطية غير المنظمة في الأحزاب السياسية ولكنها ديمقراطية، لخلق حركة وطنية حداثية داخل المجتمع، تسمح لقوى اليسار بالأساس في الاستحقاقات المقبلة أن تكون في موقع أحسن للدفاع عن قضايا الكادحين.
ولا يجب أن ننسى مسألة أساسية وهي القضية الوطنية، لأن الوطن يسبق جميع الانتماءات الأخرى، والانتماء للوطن داخل حزبنا يعلى عن الانتماءات الاجتماعية. عندما تمس مصالح الوطن يجب على مكونات شعبنا والطبقات الاجتماعية أن توحد لمواجهة أي خطر يهدد الكيان الوطني.
والقضية الوطنية بالنسبة لحزبنا قضية مركزية أساسية، ونربط دعم الكيان الوطني باستكمال الوحدة الترابية لتعميق المسلسل الديمقراطي، لأنه بدون هذه العلاقة الجدلية لا يمكن لنا أن نحصن صمود شعبنا وبلادنا، وبالتالي الجبهة الوطنية ليست شعارا للاستهلاك وإنما توجد لديها مجموعة من الشروط، تتجلى أساسا في تلبية مصالح غالبية المواطنين، على مستوى العيش الكريم، وذلك لمواجهة الأشخاص والكيانات التي تشتغل لمعاداة مصالحنا، وأعتقد أنه يجب أن نحافظ على هذه اللحمة الوطنية، وبالتالي تعد القضية الوطنية مركزية وأولية بالنسبة للتقدم والاشتراكية.
< حاوره مصطفى السالكي –يوسف الخيدر
< تصوير: عقيل مكاو