منذ أزيد من شهر ومئات الشباب يتقاطرون من كل بلدة ومدينة ومن جهات المملكة على المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وكلهم رغبة في ولوج المعهد والخروج إلى ميدان التمثيل والمسرح والتنشيط الثقافي.
هؤلاء الشباب الذين تترواح أعمارهم بين 17 و24 سنة، يحذوهم حلم واحد، وهو اجتياز مباراة ولوج المعهد بنجاح والتمكن من دروس أكاديمية تؤهلهم لولوج سوق الشغل، بحرفية ومهنية، سواء في ميدان المسرح والتشخيص أو في ميدان التنشيط أو الإخراج والسينوغرافيا.
“بيان اليوم”، حلت هذه السنة بالمعهد مزامنة مع إجراء مباراة الولوج، ووقفت على أهم المراحل التي يمر عبرها المئات من التلاميذ الراغبين في استكمال دراستهم بالمعهد لتقييم قدراتهم واختيار 20 منهم فقط، ومن خلال هذا الروبورتاج تقرب أكثر الطريقة والكيفية التي تجري بها المباراة وكذا المتطلبات التي يمكن أن تساعد على ولوج المعهد في المباريات القادمة.
تلقي طلبات الولوج إلى المعهد
هذه السنة، وعلى غير السنوات التي مرت، وضعت إدارة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بوابة إلكترونية خاصة، استقبلت من خلالها طلبات المشاركة في المباراة الخاصة بالموسم الجامعي الجديد 2019 – 2020، حيث وضعت قبل نهاية الموسم الدراسي السابق (2018 – 2019) منصة رقمية وفريق عمل خاص لتسهيل تحميل الوثائق الضرورية لمعرفة قدرات التلاميذ الراغبين في المشاركة في المباراة، وذلك وفق آجال محددة.
يجري تحليل معطيات التلاميذ والبيانات التي تم تحميلها عبر المنصة الرقمية وجرى دراسة جميع الملفات، ليتم قبول المترشحين المستوفين لجميع الشروط التي وضعها المعهد سلفا.
وتعليقا على هذه المرحلة، أوضح رشيد منتصر مدير المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي أن رقمنة الترشيحات لولوج المعهد جاءت من أجل تسهيل عملية المشاركة، وأساسا تسهيل العملية أمام مجموعة من الشباب القاطنين بجهات وأقاليم بعيد عن مدينة الرباط، والذين يعانون جراء التنقل بين مناطقهم والعاصمة الرباط من أجل وضع ملف الترشح.
وأضاف منتصر أن عدد المرشحين هذه السنة ناهز 700 مترشحا ومترشحة، بفضل البوابة الرقمية التي وضعت لهذا الغرض، إذ أنها ساهمت في تحفيز عدد من أبناء الأقاليم البعيدة في وضع طلبات ترشحيهم، بعدما كان الغالبية من الشباب المنحدرين من هذه المناطق لا يضعون الطلبات بسبب ارتباطاتهم الدراسية أو بسبب بعد المسافة بين مدنهم ومدينة الرباط.
بعد استدعاء المرشحين الذين تم انتقاؤهم من طرف اللجنة لاجتياز مباراة الولوج من خلال أجندة يتم الإعلان عنها في الموقع الإلكتروني المخصص لذلك، يتم الشروع في المباراة، والتي تنقسم إلى 3 مراحل:
المرحلة الأولى من المباراة: مقابلة اللجنة
بعد قدومهم، إلى الرباط، تنطلق المباراة، والتي يقابل فيها المرشح لجنة خاصة مكونة أساتذة والذين يقيمون أداء المرشح وسهولة الإلقاء والتمكن من اللغة، حيث يتم خلال لقاء مفتوح مع المرشح أو المرشحة طرح مجموعة من الأسئلة من قبيل كيفية تعرفه على المعهد وسبب اختياره، بالإضافة إلى طموحه، وهو ما يعطي فكرة لتوجه المرشح للمجال الذي يتقنه وهي 3 مجالات: فن الأداء، السينوغرافيا، التنشيط الثقافي.
بعد هذا اللقاء، يطلب من المرشح أن يقوم بارتجال مباشر والذي يتم من خلاله تقييم الطاقة الشخصية وسهولة تواصله وتمكنه من الجسد، وغيرها من النقط الأساسية التي تعتمد عليها اللجنة لتشرع في انتقاء الناجحين للمرحلة التي تليها.
وتعليقا على هذه المرحلة، كشف رشيد منتصر مدير المعهد أنه تم خلال هذه السنة وضع 5 لجان بالنظر لعدد المرشحين، وكذا من أجل تسهيل عمل اللجان وإعطاءها الوقت الكافي للتأكد من مهارات المرشح وإعطاءه الفرصة للتعبير عن ذاته ومهاراته، قبل أن يتم وضع معدل محدد، وفقه يتم قبول الناجحين.
وتابع منتصر أن اللجنة تتكون من ثلاثة أساتذة يمثلون بالأساس الشعب الثلاثة بالمعهد وهي شعبة التشخيص وفن الأداء وشعبة السينوغرافيا، وشعبة التنشيط الثقافي، وذلك لمراعاة الكوطا الخاصة بكل شعبة ضمن المرشحين الذين سيتم قبول ولوجهم إلى المعهد، والذين لا يتجاوز عددهم 20 طالبا، حيث يتم ضمنهم اختيار 8 على الأقل لشعبة فن الأداء و5 على الأقل لشعبة التنشيط الثقافي، و4 على الأقل شعبة السينوغرافيا.
المرحلة الثانية: مرحلة تقييم الثقافة العامة والتشخيص
بعد المرحلة الأولي التي يتم اجتيازها في يومين وتختار فيها اللجنة أسماء الناجحين بعد بضعة أيام، يتم الشروع في المرحلة الثانية عبر استدعاء المرشحين المقبولين، وبدأ تقييم ثقافتهم العامة.
ويتم خلال المرحلة الثانية وضع امتحان كتابي في موضوع عام، قصد تقييم الحمولة الثقافية لكل مرشح، بالإضافة إلى امتحان كتابي ثان يتضمن ترجمة نص من العربية إلى الفرنسية، للتأكد من إتقان المرشح للغة، فضلا عن امتحان ثالث يهم التحليل الدراماتولوجي، وذلك من خلال تحليل فقرة من نص مسرحي.
وقبل استدعاء المرشحين، يتم إعلامهم من أجل اختيار مشهد مسرحي قصير من الريبرتوار العالمي مهيأ من طرف المرشح، ليقدمه أمام اللجنة، هذه الأخيرة وعبر ملف المرشح تكون على علم مسبق باختياره والمشهد الذي سيؤديه لتقييم عرضه.
المرحلة الثالثة: التقييم النهائي
خلال هذه المرحلة يتم تنظيم دورة تدريبية يستدعى لها المرشحون المتفوقون في المرحلة الثانية، والتي تعمل فيها اللجان على ملاحظة تميز الطالب وإبداعه، عبر وضع حيز زمني متسع للقاء الطالب واكتشاف مهاراته، في مجال التشخيص، الرسم،
وبناء على هذه المرحلة يتم على إثرها الإعلان على الناجحين في مباراة الالتحاق بالمعهد والذين يحدد عددهم في 20 طالبا، يدرسون الجذع المشترك خلال السنة الأولى، فيما يتم خلال نهاية السنة توجيههم إلى الشعب الثلاثة الموجودة بالمعهد وهي التشخيص، السينوغرافيا، التنشيط الثقافي.
تعليقا على ذلك، شدد مدير المعهد على أن المرحلة الثالثة هي مرحلة ترتكز بالأساس على منح وقت أكبر للمرشحين، حيث تتم على مدى 3 أيام تنظيم ورشات في جميع التخصصات الموجودة بالمعهد والتي تتم خلالها، مشيرا إلى أن الجذع المشترك يلعب دورا مهما في توجيه الطلبة المقبولين إلى التخصصات التي يتقنونها.
طموح شعب مستقلة ومباريات مستقلة
بعد نهاية المباراة يتم الولوج إلى المعهد ومباشرة الدراسة في الجذع المشترك، الذي يؤكد رشيد منتصر مدير المعهد على أهميته ودوره في توجيه الطلبة بشكل صحيح إلى المسار الذي يتفوقون فيه، سواء التنشيط الثقافي أو التشخيص أو السينوغرافيا.
هذا، لا يخفي رغبة المدير في وضع نظام جديد بالمعهد، حيث يعبر منتصر عن رغبته في إحداث شعب مستقلة بالمعهد بمباريات مستقلة، حيث يتم الإعلان عن مباراة شعبة التنشيط الثقافي لوحدها، ونفس الأمر لشعبة فن الأداء، وذلك لتطوير المعهد، وفتح الفرص أمام عدد من الشباب الراغبين في ولوج المعهد، لكنه، يتشبث بما سماه “روح الجذع المشترك” التي من شأنها إعادة توجيه الطلبة في المسار الصحيح.
وأوضح المتحدث أن الدروس التي يتم أخذها خلال الجذع المشترك تساهم في تكوين الطالب أكبر وتعطيه وعي أكبر بالشعب الأخرى، فالسينوغراف مثلا يجب أن يكون على دراية بالتحليل الدراماتولوجي وعلى معرفة بالريبرتوار العالمي للمسرح ونفس الشيء بالنسبة للمنشطين الثقافيين، مشيرا إلى أن الجذع المشترك يقوي معرفة الطالب في جميع التخصصات، قبل أن يستكمل يتعمق في المجال الذي يميل إليه.
العمل على الماستر والدكتوراه
المعهد ومنذ افتتاحه في الثمانينات من القرن الماضي، ساهم في إخراج حوالي 500 طالب موجز في الفن المسرحي والتنشيط الثقافي والذين اندمجوا بسرعة في سوق الشغل.
في هذا السياق، أوضح رشيد منتصر أن هناك طموحا وعملا مستمرا من أجل تطوير التكوين والرفع من عدد الطلبة خصوصا وأن عددهم لم يفق 486 خريجا بعد 30 سنة من افتتاح المعهد، مشيرا إلى أن هناك طاقات من الطلبة تبحث عن التعمق الأكاديمي في مجموعة من التخصصات الفنية.
وكشف رشيد منتصر عن إعداد ملف تم إيداع لدى وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي من أجل منح اعتماد ماستر “الإخراج والدراماتولوجيا” داخل المعهد، والذي قال إن عدد من الأساتذة المختصين بالمعهد يعملون على إخراجه في الموسم الدراسي المقبل.
وأبرز منتصر أن توجه عدد كبير من الخريجين إلى البحث العلمي، يشكل مسألة جد إيجابية، مشيرا إلى أن خريجي المعهد أصبحوا يميلون إلى استكمال دراستهم المعمقة بالجامعة، وإتمام دراستهم بسلكي الماستر والدكتورة، معتبرا أنهم يساهمون في تطوير البحث العلمي في المجال الفني.
وأوضح مدير المعهد أن هذا التوجه نحو البحث العلمي في المجال الفني سيساهم مستقبلا في إيجاد لبنة لتطوير التكوين داخل المعهد، خصوصا بعد العمل على وضع شعب مستقلة والتوجه إلى اعتماد سلكي الماستر والدكتورة بالمعهد، مشيرا إلى مستقبل المعهد مرتبط بالمستقبل الأكاديمي لخريجيه.
> محمد توفيق أمزيان