العالم العربي مبتلى بشتى أنواع الأوبئة التي لا يمكن سوى أن يكون كورونا طفلا ساذجا مقارنة بأصغرها وأقلها دمارا.
العرب خائفون من تفشي وباء كورونا، كما لو أنهم لم يُضربوا بأوبئة أشد عنفا من الوباء الصيني. رأيت عددا منهم في المطارات وهو يضع على وجهه كمامات، فبدا مشهد النساء أشبه بمشهد حشود من المنقبات.
طبعا ليس العرب وحدهم مَن يفعل ذلك. رأيت بشرا من مختلف الجنسيات يقومون بالفعل عينه. غير أن ميزة العرب عن سواهم أنهم ينبغي، كما أرى، أن ينظروا إلى كورونا باستخفاف بعد أن يقوموا بمقارنته بالأسباب التي تؤدي إلى إبادتهم في كل لحظة، حتى باتت أجزاء منهم مهددة بالانقراض.
فالعرب على سبيل المثال يقتل بعضهم البعض منذ عقود عديدة. لست هنا في حاجة إلى التذكير بالمآثر العظيمة، التي راح ضحيتها الملايين. لقد فتك العرب، بعضهم بالبعض الآخر، بما لا يمكن أن يفعله الغرباء بهم. فالعدو يقف عند حدود هدفه، أما آلة القتل العربي فلا تقف لأنها لا تملك حدا.
من أيلول الأسود وما تفرع عنه من حروب فلسطينية ـ فلسطينية لا تزال مستمرة حتى اليوم إلى الدخول في نفق الحرب الأهلية اللبنانية وصولا إلى حروب العراق وسوريا واليمن وليبيا، مرورا بحروب السودان. هل في الإمكان أن نحصي عدد الضحايا الذين ضربهم وباء القتل؟
كورونا لا شيء إذا ما قورن بجزيئة من تلك الحروب. كورونا مرض يمكن السيطرة عليه في أي لحظة اعتمادا على البحوث العلمية. غير أن حفلة الجنون العربية لم يكن في الإمكان التحكم فيها أو توقع نتائجها ومتى يمكن أن تنتهي وكيف يمكن تهدئة وحوشها وإقناعها بالعودة إلى كهوفها.
في دم كل قبيلة سياسية هناك رغبة في الثأر من القبائل الأخرى.
ليست العقائد سوى ذريعة لتصفية الخصوم. فالوقائع عبر الخمسين سنة الماضية أثبتت أن العرب لم يتبنوا عقائد سياسية من أجل النهوض بسبل العيش وتطوير مفاهيم الحياة. كانت العصبية الحزبية هي الأساس وهي المبدأ الذي أقيمت من أجله ساحات الإعدام الثوري.
لم تكن الثورة لتقوم إلا على أساس إعادة القطار إلى سكة القتل، التي كان ينحرف عنها في لحظة إلهام إنساني. حين أزيل نظام جعفر النميري استبشر السودانيون خيرا فإذا بالوحش يستيقظ مرتديا وجه عمر حسن البشير قناعا ليحصد مئات الآلاف في دارفور على وجه الخصوص. أما جنوب السودان فإنه انفصل تعبيرا عن استهتار عقائدي كان الغرض منه صنع أسباب جديدة للقتل.
العالم العربي مبتلى بشتى أنواع الأوبئة التي لا يمكن سوى أن يكون كورونا طفلا ساذجا مقارنة بأصغرها وأقلها دمارا. على سبيل المثال فإن العراق ومنذ عام 1979 وهي سنة تسلم صدام حسين مهمة قيادة الدولة باعتباره رئيسا قد خسر عبر أربعين سنة الملايين من شبابه في حروب عبثية، لم تؤد واحدة منها إلى أن يشعر العراقيون بالأمان. تلك نتيجة تجعلنا نفكر في أن العراق كان يسعى إلى التخلص من شعبه بطريقة ممنهجة.
وإذا لم يحدث القتل عن طريق الحروب فإن هناك القتل عن طريق الفقر. لقد وصل الفقر في عدد من الدول العربية إلى درجة العار. الحكومات تقتل الشعوب عن طريق إفقارها المتعمد. إنها سياسة الإزالة من الخارطة السياسية. فالفقر كاتم صوت وهو لغم ينفجر بصاحبه. لا أحد يفكر في العرب الذين ماتوا بسبب الشعور بالإهانة التي سببتها حياة فقيرة.
كانت كورونا عمر البشير واحدة من أسوأ لحظات التاريخ.
أما كورونا حافظ الأسد فقد نكبت مدينة هي حماة.
هل علينا أن نتذكر كورونا الجماعات الإسلامية والجيش في الجزائر في السنوات العشر الدموية؟
خلاصة الكلام أن العرب الذين يخشون الإصابة بوباء كورونا إنما هم ممثلون فاشلون في مسرحية هي أعظم من أن يسمح لهم بالمثول على خشبتها.
فاروق يوسف كاتب عراقي