خرج حكيم زياش عن صمته من أبوظبي ردا على ما قاله المدرب وحيد خاليلوزيتش، كاشفا عن قراره النهائي، وعلاقته بالمنتخب المغربي.
قال زياش في رسالته بصوت يحمل نبرات الحزن والتدمر والأسى، “لن أعود للمنتخب الوطني .. أتفهم غضب الجمهور المغربي، لكنه قرار نهائي، فالأمر واضح بالنسبة لي، وتركيزي سينصب على ما أقدمه مع النادي الذي أنتمي إليه.. أشعر حقيقة بالحزن، وأنا أتخذ هذا القرار الصعب، لكنه قرار أمام كل الكذب، فالأمر واضح…”.
جاء رد حكيم زياش على مضض، مضطرا بعد ستة أيام من الخرجة الإعلامية لوحيد، خروج إعلامي خاطئ حاول خلاله المدرب الإجابة عن أسئلة القلق، التي تشغل بال الرأي العام الوطني، معرجا على موضوع زياش، دون أن يخفي إصراره على إبعاده !!!
ندرك جيدا أن قرارا من هذا الحجم يتعلق بمصير فريق الوطن يتطلب الكثير من التفكير و التريث، وعدم التسرع، إلا أن وحيد الذي أقصى كل من حكيم زياش ونوصير مزراوي، من المشاركة بدورة الكامرون، مبررا قراره بالتلميح بارتكابهما مخالفات، تتعلق بسلوكات تسيء إلى المنتخب الوطني، وجازما بأن اللاعبين لا مكانة لهما داخل المنتخب، دون أن يتردد في توجيه التهم للاعبين الاثنين، وخاصة حكيم زياش، كلما تلقى أسئلة في الموضوع.
والغريب أن صك الاتهامات التي يعتمدها “سي” وحيد ظل فضفاضا، بعيدا عن تقديم توضيحات دقيقة وتفاصيل إضافية، بنبرة انفعالية، يطغى عليها نوعا من الغل يترجم الرجل (المربي) حسرة فشله في مهمة التأطير المبنية على التربية داخل فريق يمارس لعبة جماعية.
لا ننزه حكيم اللاعب الشاب والنجم، لأنه معرض للخطأ، ويمكن مواجهة مخالفاته بعقوبات تأديبية ترمي إلى نوع من المرافقة الإيجابية، تساهم في تقويم السلبيات، دون اللجوء إلى الإجراءات السهلة والخاطئة الرامية إلى الإقصاء والطرد، والذي يشبه القتل مع سبق الإصرار والترصد.
حكيم من مواليد تاسع عشر مارس 1993 بهولندا من أسرة مغربية الجذور، تكون وترعرع بمدارس أمستردام، تألق داخل نادي أجاكس، شد اهتمام مؤطري المنتخب الهولندي في فئات أقل من 19 سنة و20 سنة و21 سنة، وفي شتنبر 2015 رصدته عيون تقنية من بينهم الإطار الوطني بادو زاكي، في وقت ضغط الاتحاد الهولندي لضمه إلى منتخبه الأول، لكن الولد “حكيم” وبدعم من والدته ومحيطه، لم يتردد في اختيار اللعب لمنتخب بلده الأصلي المغرب.
شارك في أول مباراة له بالقميص المغربي يوم 9 أكتوبر 2015 في مواجهة منتخب كوت ديفوار، و في لقاء ودي ضد منتخب الكونغو يوم 27 ماي 2016 سجل هدفين، ساهم في تأهل المنتخب الوطني إلى “الكان” سنة 2017، لكن المدرب الفرنسي هيرفي رونار أسقط اسمه من اللائحة ظلما.
ظهر خلاف واضح بين المدرب رونار واللاعب حكيم، مما دفع رئيس الجامعة فوزي لقجع بمبادرة منه ليجبر رونار، على مرافقته لأمستردام يوم الجمعة 30 يونيو،كمبادرة لإصلاح ذات البين بين المدرب واللاعب، منذ ذلك الحين، ظل المدرب رونار يعترف بالخطأ الذي ارتكبه في حق زياش، والآن يتكرر نفس الخطإ من مدرب آخر، وعلى عكس رونار، وجدنا وحيد يتشبث بقرار الإبعاد، معلنا رفضه الصفح والعفو عند المقدرة.
حكيم زياش القوي بمؤهلات موهبته المقرونة بأدواته التقنية رائعة وثقافة تكتيكية كبيرة، لكن يطغى عليه نوع من الميزاجية، إلا أن دور المدرب المربي، هو التأطير والمواكبة، فما قام به زياش من سلوكات أغضبت وحيد، لا تصل حتى إلى ربع مما كان يصدر عن الراحل ديغو مارادونا الذي عانى من الإدمان على المخدرات الصلبة ومظاهر الانحراف، امتدت لمجالات عديدة، والأكيد أن مدربين واكبوه في مراحل حياته و لم -يقتلوه- بالإقصاء، والإبعاد بل عملوا على تطوير إبداعه، وتحويله إلى نجم كبير داخل بلده والعالم، وأهدى وطنه كأس العالم سنة 1986.
فحكيم لم يكن مثلا مشاغبا في مستوى إيريك كانتونا الذي هاجم متفرجين، وارتكب أخطاء فادحة، لكن مؤطريه رافقوه، وتوج بألقاب وبصم على مسار رياضي وحياتي ناجح، تماما كما هو الحال بالنسبة للايطالي الأسمر والمشاغب من الدرجة الأولى، ماريو باليوتيلي، تعامل مثالي سبق أن لقيه أيضا اللاعب الإيطالي الشهير باولو روسي، رغم تورطه في قضية المراهنات “توتو رينو”، وهي جريمة يعاقب عليها القانون، شملت شركات وأندية، روسي اعترف بالمنسوب إليه، كما أقر بحدوث تلاعب في مباراة لفريقه في دجنبر 1979 وأدين بالسن 3 سنوات نافذة، وتم تخفيف المدة إلى سنتين، وبعد فترة قصيرة عاد إلى الملاعب، ودعاه المدرب إيمزورن بيرزوت للمشاركة مع المنتخب الإيطالي، وكانت شراكة ناجحة بمونديال 1982، رغم هجوم الصحافة عليه، روسي لم يبرز خلال هذا المونديال في الدور الأول، لكنه تألق في لقاء منتخب البرازيل مسجلا ثلاثية تاريخية، أبكت البرازيليين وأضاف أهدافا أخرى، وساهم في فوز بلاده بكأس العام.. نعم باولو روسي السجين توج أفضل لاعب في العالم وهدافا المونديال 1982 بـ 6 أهداف، كان هذا بفضل مؤطرين صنعوا المجد خلال 270 دقيقة في المونديال.
المدرب وحيد، جاء بقرارات لا تحظى بالإجماع داخل الأوساط الرياضية التي أعلنت عن رفضها للظلم المنافي للتربية فالمدرب أجير، ولا حق له في اتخاذ قرار تأديبي يبقى من اختصاص مؤسسة الجامعة التي تتوفر على لجان تعالج مختلف المجالات، وتبذل بفضل رئيسها فوزي لقجع قصارى الجهود لضم المواهب من المهجر، لكن للأسف نجد هذا المدرب أبعد مزراوي، وحاريث وزكى التخلي عن حمد الله، و دفع حكيم مكرها ليدير ظهره لمنتخب وطنه …
كل الأمل أن يتراجع حكيم بدوره عن قرار الاعتزال، لأن الأمر يتعلق بفريق وطني، وليس فريقا لوحيد.
< محمد أبوسهل