إن المريض مرض الموت له أن يتصرف في أمواله بجميع أنواع التصرفات مادام في كامل قواه العقلية وغير سفيه، لكنه مقيد بعدم المحاباة ، باستثناء الوصية في حدود الثلث.
وسبب ذلك أن المريض مرض الموت، قد يشعر بدنو أجله، فيبدأ في تسوية وضعيته المالية وهو بذلك قد يمس بحقوق الورثة أو الغير فيما لو حابى احد الورثة. وإثبات مرض الموت يطرح إشكالا على مستوى القضاء، وذلك عندما تتعارض الشهادة الطبية مع شهادة العدول.
فما المقصود بمرض الموت؟ وما هي وسائل إثباته؟ وما هو حكم بيع المريض مرض الموت؟
هذا ما سنعرض له، وذلك على الشكل التالي:
الفصل الأول: الأحكام العامة لمرض الموت
الفصل الثاني: الآثار المترتبة عن بيع المريض مرض الموت
الفصل الأول: الأحكام العامة لمرض الموت
سوف نتطرق في هذا الإطار إلى تعريف مرض الموت أولا ثم إلى إثبات مرض الموت ثانيا
المطلب الأول: تعريف مرض الموت
لم بعرف المشرع المغربي مرض الموت، وقد أحسن صنعا لأن التعريف من اختصاص الفقهاء. وقد عرفه القانون المدني الأردني في المادة 543، ومشروع القانون المدني الموحد في المادة 509 كما يلي:
” مرض الموت هو المرض الذي يعجز فيه الإنسان عن متابعة أعماله المعتادة كما يغلب فيه الهلاك ويموت على تلك الحال قبل مرور السنة، فان امتد مرضه وهو على حالة دون ازدياد سنة أو أكثر، تكون تصرفاته كتصرفات الصحيح “.
من خلال هذا التعريف.يتضح أن شروط مرض الموت ثلاثة هي:
– أن يكون المرض قاتلا
– أن يحدث تخوفا لدى المريض
– أن يحدث الموت داخل سنة
هذا ويلاحظ أن الفقه الإسلامي قد اعتبر بعض الأمراض من قبيل مرض الموت، كمرض السل، لكن بفضل التطور العلمي أصبح التحكم في هذا المرض ممكنا.
كما أن هناك أمراضا قاتلة، ولا تودي إلى الموت إلا بعد أكثر من سنة كمرض الايدزA I D S وهو أخطر مرض عرفته البشرية ولم يتوصل العلم حتى الآن إلى علاج فعال له، فالمصاب به ينتظر الموت عاجلا أو آجلا. فهل يأخذ تصرف صاحب هذا المرض، حكم تصرف المريض مرض الموت ؟
أما الفقيه التسولي فقد عرف مرض الموت كالتالي: “المراد بمرض الموت هو المرض المخوف الذي حكم أهل الطب بكثرة الموت به ” . وهذا التعريف هو الذي تبنته محكمة النقض) المجلس الأعلى سابقا ( حيث جاء في إحدى قرارتها ما يلي :
” أهم شرط لاعتبار المرض مرض الموت، أن بكون مخوفا، أي أن يكون من الأمراض الخطيرة، التي لا يرجى منها أي شفاء من الناحية الطبية، وتؤدي بصاحبها غالبا إلى الوفاة مرض تشمع الكبد والنزيف الهضمي، مرض مخوف وقاتل، ويعتبر مرض موت ” .
المطلب الثاني: إثبات مرض الموت
يقع إثبات مرض الموت على الورثة، ويثبت باعتباره واقعة مادية بجميع وسائل الإثبات. و مرض الموت غالبا ما يثبت بالشواهد الطبية، إلا أن العدول، غالبا ما يستعملون عند تحرير العقد، عبارة:” على أتمه ” والأتمية كما عرفتها محكمة النقض) المجلس الأعلى سابقا (هي الصحة و الطوع و العقل . فهل يرجح القضاء شهادة العدول على شهادة الأطباء أم العكس ؟
باستقراء بعض قرارات محكمة النقض )المجلس الأعلى سابقا ( ، يتبين أن القضاء لم يحسم في الأمر، فتارة يرجح شهادة العدول، وتارة أخرى يرجح شهادة الأطباء.
وهكذا فقد رجح القضاء شهادة العدول على الشهادة الطبية استنادا إلى ما ورد في الفصل 419 من قانون الالتزامات والعقود الذي يعتبر الورقة الرسمية حجة قاطعة على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره و ذلك إلى أن يطعن فيها بالزور.
لكن في قرار آخر لم يعط القضاء لشهادة العدول الحجة القاطعة لإثبات مرض الموت حيث أكد في قراره: ” الأتمية التي يضمنها العدلان في الرسم إنما تتعلق بصحة التعاقد ظاهريا ولا تثبت عدم إصابة المتصدق بمرض الموت الذي يمكن الاستعانة بالأطباء المختصين لإثباته ” .
وحبذا لو عممت محكمة النقض موقفها هذا في إثبات المرض بصفة عامة، سواء تعلق الأمر بمرض الموت أو بمرض معين .
فما هو حكم بيع المريض مرض الموت ؟ هذا ما سنتطرق إليه في الفصل الموالي .
الفصل الثاني : الآثار المترتبة عن بيع المريض مرض الموت
بالرجوع إلى الفصل 479 من قانون الالتزامات والعقود، نجد المشرع قد ميز بين البيع الذي يجريه المريض مرض الموت لأحد ورثته حيث تطبق عليه أحكام الفصل 344 من قانون الالتزامات والعقود ) أولا (، و البيع الذي يجريه المريض مرض الموت لغير و ارث حيث تطبق عليه أحكام الفصل 345 من نفس القانون ) ثانيا( .
المطلب الأول: بيع المريض مرض الموت لأحد ورثته
يستفاد من الفصل 344 من ق ل ع ، أن البيع الذي يجريه المريض مرض الموت لأحد ورثته بقصد محاباته ، كما إذا باع له شيئا بثمن يقل كثيرا عن قيمته الحقيقية أو اشترى منه شيئا يفوق قيمته الحقيقية ، فإنه في هذه الفرضية ، تتوقف صحة البيع على إقرار باقي الورثة وهذا ما أكدته محكمة النقض في أكثر من مناسبة .
وفي نفس السياق، ورد في قرار آخر: ” إن بيع المريض في مرضه الذي مات منه يعتبر نافذا إن لم تكن فيه محاباة، إذ لا حجر على المريض في المعاوضات كماهو مفهوم من قول الشيخ خليل : ” وحجر على المريض في غير مؤونته وتداويه ومعاوضة مالية “
المطلب الثاني : البيع الذي يجريه المريض مرض الموت لغير وارث
إن البيع الحاصل من المريض مرض الموت لغير وارث ، يخضع لمقتضيات الفصل 345 من ق ل ع الذي ينص على ما يلي : ” الإبراء الحاصل من المريض مرض الموت لغير وارث يصح في حدود ثلث ما يبقى في تركته بعد سداد ديونه و مصروفات جنازته ” .
إذن فالحكم الذي أعطاه المشرع في هذا الإطار هو حكم الوصية لا يجوز إلا في حدود الثلث .
خاتمة
إذا كانت الحكمة من تقييد تصرفات المريض مرض الموت هي حماية الورثة و الدائنين الآخرين، فإن تشخيص المرض هو من اختصاص أهل العلم و الخبرة و هم الأطباء و ليس العدول والموثقون، لذلك يجب على القضاء أن يرجح الشهادة الطبية على شهادة العدول عند إثبات مرض الموت .
* باحثة في العلوم السياسية
الهوامش :
1- حابي يحابي محاباة . و المحاباة في البيع و الشراء هي العطية بدون مقابل ، لكنها استترت بالبيع حيث تأخذ صورة البيع بأقل ثمن و الشراء بأعلى ثمن .
للمزيد من التوضيحات ، انظروا :
الدكتورعبد الرحمان بلعكيد ، وثيقة البيع بين النظر والعمل ، مطبعة صوماديل 2001 ص: 214 وما بعدها .
2 – إسم AIDS هو اختصار لتعبير Aquired Déficience Syndrome . ويطلق عليه بالفرنسية SIDA وهو اختصار للتعبير Immuno Déficience Aquise Syndrome ، وبالعربية ، مرض فقدان المناعة المكتسب ، أورده جميل عبد الباقي الصغير في كتابه – القانون الجنائي والإيدز- دار النهضة العربية القاهرة 1995 ص : 9
3- التسولي ، البهجة في شرح التحفة ، الجزء الثاني ، مطبعة البهجة مصر 1304 هجرية ص : 264
4- قرار محكمة النقض رقم 6741 الصادر يتاريخ 29-10- 1997 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 55 ، سنة 2000 ص : 492
5 – قرار محكمة النقض رقم 380 الصادر بتاريخ 10- 9- 2003 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 61 سنة 2003 ص :
101
6 – قرار محكمة النقض رقم 165 الصادر بتاريخ 16 – 3 – 2003 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 64-65 سنة 2006 ص 155
7 – قرار محكمة النقض رقم 1083 الصادر بتاريخ 14- 4 – 2004 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 62 سنة 2003 ص 56 وما بليها
8 – قرار محكمة النقض رقم 6013 الصادر بتاريخ 21 نونبر 1995 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 49- 50 سنة 1997ص:24
ابناو فاطمة*