ذلك اليوم، عندما كنت في القطار المتوجه من أمستردام إلى باريس، بادر جاري إلى إثارة الحديث. عادة، أتظاهر بأنني أصم أو أنني لا أتحدث سوى بتقتير شديد كما في اللغة التاغالوغية، لكن الرجل كان قد رآني أتبادل الحديث مع المراقب.
لا يمكن لي أن أتذرع بالصمم بكيفية شديدة وفجائية، ولا أن أدعي بأنني صرت أحادي اللغة (اللغة التاغالوغية) على إثر هزة من هزات القطار.
إذن، الرجل الذي كان بصدد قراءة برجه، طلب مني أن أكون شاهدا على فضيحة لا أعتقد أن أحدا قد فكر فيها، بما في ذلك أنت، أيها القارئ، يا شبيهي ويا أخي:
– لماذا لا يكون من حق المرء أن يغير برجه؟
مر القطار عبر حقول التوليب ووقع فكي من جراء الاستغراب.
– عفوا؟
الأبله شرح بهدوء.
– كل واحد له الحق في تغيير ديانته، اسمه، هويته، لماذا إذن لا يحدث ذلك مع العلامة التنجيمية؟ هل نحن مضطرون، في عالم متحرك، للبقاء في برج الدلو مدى الحياة؟ العذراء الأزلية، لم تعد من زماننا، أم لا؟
عند ذاك، ثرت بعض الشيء، هناك حدود للغباء السككي:
– لكن، بعد كل شيء، ليس نفس الأمر. أنت ولدت في يوم ما، إذن أنت من برج الأسد أو الثور وهكذا، لا يمكنك فعل أي شيء.
نظر إلي الغبي وهو يكمش عينيه ويباعد وجهه بخفة، كما لو أنني أنا الذي ينبغي أن يتم حجزه على وجه السرعة.
– حقا؟ وهؤلاء الأشخاص الذي يولدون رجالا، ثم بكيفية شرعية يصيرون نساء في سن الثلاثين، أليس ذلك أكثر غرابة من تغيير البرج؟ وبالرغم من كل شيء، نعاين ذلك كل يوم.
الشيء المثير للإحباط في الغباء الإنساني، هو أن براهينه لا تقبل النقاش أحيانا..
طأطأت رأسي وصمتت. فيما واصل الرجل تعميق دق المسمار:
– أنا ولدت في برج التوأم لكنني أشعر بالأحرى أنني أنتمي إلى برج الدلو. أحلم بمحكمة تصغي إلى براهيني وتقوم بصف أصدقائي الذي يقرون بأن كل شيء في برج الدلو ينطبق علي وهم يحسمون بالقول: طارطومبيون (الذي هو أنا) من برج الدلو.
مرهقا، لم أقو على الامتناع عن الخروج من صمتي:
– لكن في نهاية المطاف، سيدي، ما الفائدة من القيام بمثل هذا الإجراء؟ لا أحد يعبأ بذلك، أن تكون من برج الدلو أو التوأم أو الأقرن الملتحي.
نظر إلي، مستغربا:
– أنت ربما. لكن البقاء من برج التوأم يمكن أن يسبب لي ضررا في العالم المهني: العرافات يعدون مبحثا نجميا لفائدة الإدارة وهذا أهم من نهج السيرة الذاتية.
وهناك، في ضوء هذه الملاحظة الأخيرة، حيث أدركت أن ما تقوله تلك العرافة الغريبة لم يكن ينقصه الحس السليم.
في عالم عبثي؛ فإن الأحمق هو من يستفيد من اللعبة. أنا الذي من برج الأسد، أتساءل إذا لم يكن من واجبي أن أتغير وأجعلني من برج الحوت عوض الجدي.
بقلم: فؤاد العروي
ترجمة: عبد العالي بركات