الفنانون العرب ليسوا ملائكة، إنهم شياطين أيضا، بيكاسو كان شيطانا في تلصصه على الجمال، لم يكن ابن مالقا سعيدا بأوروبيته إلاّ لأنها سطت على حضارات القارات الأخرى، لقد جهزه ذلك السطو بمصادر إلهام خيالي، ما كان يحصل عليها بمفرده.
تلك المصادر صنعت إلهامه بعد أن تمكن من أن يتعلم منها ويصهرها في مختبره الشخصي ليظهر بشخصيته التي نعرفها، وهو ما لا يتعلمه الفنانون العرب حين يصرون على البقاء أسرى لمصادر إلهامهم الجمالي المحلية.
إنهم يمدون أيديهم إلى ما هو قريب منهم، جارهم الذي قد يكون فقير الخيال مثلهم، هناك إرث جمالي عظيم في المنطقة التي هم أبناؤها، غير أنهم غير قادرين على أن يضموه إلى خزائنهم الشخصية مثلما فعل هنري مور مع الدمى السومرية حين استوحى منها عددا من تماثيله التي غيرت جزءا من مصير النحت في العالم.
لقد رأيت أعمالا فنية لمصريين استلهموا فيها الفن المصري القديم فكانوا أقزاما مقارنة بالفنان الفرعوني، وفي الفن المغربي الحديث الكثير من التجارب التي تؤكد الخضوع لما توصل إليه الفنان الفطري من نتائج جمالية.
في كل محاولات الاستلهام كان الفنان العربي خائفا من مرجعياته، لذلك لم يستطع تجاوزها مثلما فعل برانكوزي ومور وبيكاسو وبول كلي، كل ما فعله الفنان العربي لا يخرج عن دائرة الاستعمال المباشر للمفردة التراثية، من غير أن يتوصل من خلالها إلى مفرداته الشخصية التي تصنع عالمه الخاص.
يسطو الفنان العربي مثلما كان يفعل بيكاسو ومور وكلي، لكنه لا يجازف في اللعب بسرقاته التي تظل صغيرة وغارقة في النوم لأنه لم يحررها من زمنها ويلحقها بزمنه، حتى في تعامله مع تجارب الفنانين العرب الذين سبقوه فإنه لا يسعى إلى تطوير تلك التجارب من خلال العثور على مفاتيحها، فهو يكتفي بالأشكال من غير أن يلامس الجوهر.
الاستثناءات قليلة، ولكنها مع ذلك تحتاج إلى المزيد من الجرأة لكي تطرد ملائكتها المسالمين وتمضي بثقة وراء شياطينها.
> فاروق يوسف