مشاكل وجودة
قال بوبكر شركاوي رئيس تعاونية نخلة تغجيجت، ورئيس المجموعة ذات النفع الاقتصادي تمور واد نون، إن النظام الواحي بالمغرب يواجه اليوم مجموعة من التحديات من قبيل الزحف العمراني على الواحات والمشاكل المتعلقة بالإرث، وكذا مشكل مرض البيوض الذي يصيب نخيل الواحات التقليدية، مؤكدا خطورته على هذه السلسة.
وكشف بوبكر شركاوي في تصريح لجريدة بيان اليوم، على هامش مشاركته في الملتقى الدولي للتمور بالمغرب الذي نظم بأرفود، من 24 إلى 27 أكتوبر الجاري، أن وزارة الفلاحة عملت على تقديم بعض أصناف التمور المقاومة لمرض البيوض الفتاك، خصوصا على مستوى الضيعات والواحات الحديثة التي تعتمد أساليب تقنية في الزرع والسقي بالتنقيط الذي يساعد في الحد من انتقال عدوى هذا المرض عن طريق المياه أو التربة.
ومن بين الأنواع التي تصاب بمرض البيوض نظرا لحساسيتها، ذكر شركاوي صنف البوزكري، الذي يعتبر وفقه منتوجا جيدا وذا قيمة اقتصادية في منطقة واد نون، مشيرا إلى أن هذا المرض يؤثر بشكل سلبي على دخل الفلاح، مرجعا ذلك إلى عدم العناية بالواحة والسهر على تنقيتها.
وبالرغم من حملات التقنية التي تقودها مصالح وزارة الفلاحة بمختلف المناطق الصحراوية، إلا أن ذلك يبقى محدودا وغير فعال بحسب رئيس تعاونية نخلة تغجيجت، مشددا على ضرورة إعطاء كل نخلة حقها في التنقية بشكل سليم ويحافظ على بيئتها الطبيعية.
ودعا المتحدث إلى ضرورة إشراك الفلاح أثناء برامج التنقية، مع إعطاء الفرصة للشباب والتعاونيات الخدماتية والتنظيمات المهنية أثناء القيام بهذه الحملات، مشيرا إلى أن الفلاح له دراية بالذي تحتاجه شجرة النخل.
وأوضح بوبكر شكرواي للجريدة، أنه من بين التحديات التي تواجه الواحات اليوم هو مشكل الموارد المائية، خصوصا وأنه خلال السنة الماضية سجل ضعف في التساقطات المطرية الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على الإنتاج خلال هذا الموسم الحالي.
من جانبه، تحدث لحسن أكومان، مسؤول التسويق بالتعاونية الفلاحية تمور واحات درعة، عن مشكل الجودة الذي كان يواجه التمور المغربية، موضحا بأن العديد من الفلاحة في السابق كانوا يجنون التمر ويعبئونها مباشرة بدون عزل أو فرز وتنقية.
ومع مجيء التعاونيات إلى القطاع، استطاعت هذه الأخيرة بحسب لحس أكومان من تقديم تمور ذات جودة عالية، نظرا لاعتمادها على تقنيات تهم الفرز والتصفيف والتلفيف، وهي التقنيات التي تمكن من تحديد تمور VIP، والرويال، والإكسترا، وكذا الجامبو، موضحا بأن هذه التصنيفات تعتمد على مدى جودة حبة التمر، وكذا حجمها الخارجي.
وأوضح أكومان في تصريح لجريدة بيان اليوم، أنه نتيجة هذا التحديد للجودة، استطاعت التعاونيات أن ترجع الثقة لفائدة المستهلك المغربي، وشجعته على اقتناء التمور المغربية، مشيرا إلى أنه في السابق كان أزيد من 80 في المائة من المغاربة لا يقتنون التمور المغربية نظرا لعدم ثقتهم في جودتها.
ووفق مسؤول التسويق بالتعاونية الفلاحية تمور واحات درعة، مكن النظام التعاوني الفلاحين من فتح محلات تجارية خاصة بالتمور بمختلف المدن المغربية، إلى جانب التوقيع على عقود تجارية مع بعض الأسواق العصرية بالمغرب.
ونبه المتحدث عينه، إلى إشكالية جني التمر وهو في حالة طرية، موضحا بأن ذلك يؤدي إلى فساده خصوصا في المدن الساحلية التي تعاني من الرطوبة، داعيا إلى توفير أفرنة تنشيف تساعد على تنشيف التمر وتساهم في الحفاظ على جودته الطبيعية.
وكشف لحسن أكومان أنه خلال السنة الماضية تم إتلاف كمية كبير من التمور ببعض الوحدات نظرا لعدم وجود أجواء جيدة لتخزين هذه التمور، خصوصا مع الارتفاع المفرط لدرجة الحرارة، مطالبا بإعادة النظر في اقتناء تجهيزات وحدات التخزين، التي يجب أن تراعي خصوصية البيئة المغربية وليس الأجنبية.
وفي هذا السياق، أشار أكومان إلى أن الفلاح ليست لديه الإمكانيات لاقتناء معدات وآليات من شأنها حماية إنتاجه، مشددا على ضرورة دعم التعاونيات من أجل توفير منتوج وطني جيد، إلى جانب تنبيهه إلى ضرورة تفكير الدولة في إحداث شركات كبرى كما هو الحال بدولة الجزائر وتونس.
وتأسف من عدم إقدام الفلاحين على التعاونيات والاشتغال تحت مظلتها، مقدما رقما هزيلا لانخراط الفلاحين في هذه التعاونيات بحيث لا يتجاوز العدد ألف فلاح من أصل 20 ألف فلاح صغير، داعيا المصالح الوصية على القطاع إلى إلزامهم بالنظام التعاوني.
وعن سبب عدم الإقبال على التعاونيات، أرجع لحسن أكومان ذلك إلى عدم توفر التعاونيات على سيولة مادية كافية لاقتناء منتوجات الفلاحين الذين يرفضون الأداء بعد تسويق المنتوج، لا سيما وأن العديد من التعاونيات تعاني من مشكل التسويق على حد تعبيره.
وذكر المتحدث ذاته في الأخير، إلى أن المنتوج الوطني خلال هذه السنة كان منخفضا نوعا ما، غير أن الجودة كانت حاضرة، مرجعا ذلك إلى جودة المناخ على عكس السنة الماضية التي شهدت تساقط أمطار أدى إلى فساد الإنتاج المحلي من التمور.
إكراهات ودعم
وفي سياق متصل، تؤكد وزارة الفلاحة إلى أن سلسلة إنتاج التمر لا زالت تواجه العديد من الإكراهات، من بينها الأضرار الناجمة عن مرض البيوض، وهي الآفة الحقيقية التي أدت إلى تدمير أكثر من ثلثي رصيد التمر (مجهول، بوفكوس وأصناف أخرى).
بالإضافة إلى تأثيرات فترات الجفاف المطولة التي أدت إلى ذبول أزيد من 500 ألف نخلة، إلى جانب التدهور البيئي الناجم عن عوامل التعرية كانجراف التربة بسبب المياه، والتصحر نتيجة الرياح التي تحرم الفلاحين من 7 هكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة سنويا، وغيرها من الظواهر التي تهدد الحفاظ على بساتين النخيل.
وإذا كان تمرد الطبيعة من بين الإكراهات التي تواجه الواحات، فإن العوامل الإنسانية لها نصيب في تدهور هذا المجال، من قبيل البحث عن التمدن، وتخلي الساكنة عن النخيل وتحولها نحو قطاعات مدرة لدخل أكبر.
ومن بين المعيقات التي تواجه الدفع بهذه السلسة نحو الأمام كذلك، نجد ضعف التقنيات الفلاحية والتنظيم المهني، وضعف البنية التحتية لتثمين الإنتاج، من هنا، فإن هذه الإكراهات بحسب منشور لوزارة الفلاحة تحد بشكل كبير من التنمية الفلاحية بهذه السلسلة.
بيد أنه بالرغم من هذه التحديات الكبرى، تعمل الدولة على وضع مجموعة من المخططات والبرامج لمواكبة هذه الإكراهات الكبيرة، كالعمل على دعم وتشجيع الاستثمار الفلاحي بمناطق الواحات
من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية لقطاع النخيل في إطار مخطط المغرب الأخضر.
وفي هذا الإطار، وضعت الدولة سلسلة من التحفيزات، ولا سيما من خلال صندوق التنمية الفلاحية لتشجيع الاستثمار الفلاحي في هذه السلسلة، حيث يتم تدعيم جميع المشاريع التي لها علاقة بالسلسلة، كالدعم الموجه لتكاليف عملية إزالة الأحجار العميقة من الأراضي المخصصة لزراعة النخيل، بنسبة 30 في المائة، بالإضافة إلى دعم الري بنسبة 100 في المائة للفلاحين المجمعين والذين، و80 في المائة للمستثمرين الآخرين.
وتخصص الدولة دعما ماليا بنسبة مئة في المائة بالنسبة للبساتين الجديدة، حيث تتكفل أجهزة وزارة الفلاحة بالكلفة المالية الخاصة باقتناء الشتائل من أجل تكثيف وإعادة تأهيل بساتين النخيل، بالإضافة إلى دعم اقتناء التجهيزات والمعدات الفلاحية، بنسبة تتراوح بين 30 و50 في المائة من تكلفة الاقتناء مع علاوة إضافية بنسبة 10 في المائة بالنسبة للمجمعين.
كما يخصص الدعم أيضا، لوحدات التبريد بنسبة 25 في المائة من تكلفة الاستثمار مع سقف 800 ألف درهم عن كل وحدة، علاوة على تخصيص نسبة 30 في المائة كدعم لمشاريع وحدات التلفيف، ثم دعم وحدات التثمين بالتحويل بنسبة 20 في المائة من تكلفة الاستثمار.
وللمصدرين كذلك، نصيبهم من الدعم حيث تخصص الدولة مبلغا ماليا بقيمة ألفي درهم عن كل طن تم تصديره نحو الخارج، وهو الأمر المعمول به مع المجمعين أيضا، الذين يتلقون حول كل وحدة تثمين التمر مبلغ مالي قدره ثلاثة آلاف درهم للهكتار.
وتوضح وزارة الفلاحة بأن هذه التدابير هي مخصصة لجميع الفلاحين، فرادى أو مجمعين في تعاونيات أو مجموعات ذات النفع الاقتصادي، مع تخصيصها لحوافز إضافية أخرى لصالح المنخرطين في مشاريع التجميع.
ولا بد من الإشارة في هذا السياق، إلى الحوافز والمساعدات، التي تقدمها مجموعة القرض الفلاحي للمغرب، التي تعد شريكا رئيسا للفلاحة في القطاع البنكي، حيث أنشأت برنامجا لـ “تمويل الفلاح” الذي يمنح القروض لصغار الفلاحين دون ضمانات وبأسعار منخفضة، والذي يستند إلى 3 محاور رئيسية، قروض مخصصة للإنتاج، قروض مخصصة للتثمين، قروض مخصصة للتصدير، ويقدم القرض الفلاحي للمغرب أيضا، ميزة الدفع المقدم على السلع والإعانات وكذا التأطير على المستوى الدولي.
عقد وإنتاج
وتشير وزارة الفلاحة في إحدى وثائقها حصلت جريدة بيان اليوم على نسخة منها، إلى أن مخطط المغرب الأخضر استطاع بفضل عدد من التدابير المعتمدة تحسين هيكلة القطاع، من قبيل إضفاء الطابع المهني على سلسلة إنتاج التمر، الذي طالما شكل نمط عيش سكان الواحات، إذ أن جميع الفاعلين اليوم في إنتاج التمور تم تجميعهم في إطار مهني واحد، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، أوضحت الوزارة أنه كان قد تم توقيع عقد برنامج رصد له غلاف مالي يقدر بـ 7.8 مليار درهم بين الدولة والمهنيين للفترة 2010-2020، لتطوير القطاع وتنسيق جميع الإجراءات المتخذة لتنميته.
وعلى ضوء هذا العقد، تم تحقيق العديد من أهداف هذا البرنامج، خاصة في مجال الضيعات الفلاحية، ويتجلى ذلك خصوصا في بلوغ هدف غرس 3 ملايين نخلة بحلول نهاية 2019، أي بسنة واحدة قبل الموعد المحدد.
وعلى مستوى الإنتاج، استطاع المغرب الحفاظ على مكانته دوليا، حيث يحتل الرتبة 12 ضمن مصاف أكبر منتجي التمور، ومن المنتظر أن يعزز موقعه بتوقعات إنتاج قياسية تناهز 143 ألف طن برسم الموسم 2019-2020، أي بزيادة 41.3% مقارنة بموسم 2018ـ2019.
وترتقب الوزارة المسؤولة على القطاع، أن ترتفع هذه المؤشرات في سنة 2020، مع دخول جميع أشجار النخيل المزروعة دورة الإنتاج، التي تنتظرها وحدات تثمين تقارب سعتها الإجمالية 25 ألف طن، والتي من المنتظر أن تصل مستقبلا إلى 30 ألف طن.
وهذا الارتفاع في الإنتاج، عاد بشكل إيجابي على المداخل المالية للفلاحين، حيث أصبحت اليوم سلسلة نخيل التمر تساهم بـ 60 % من تركيبة الدخل الفلاحي للواحات، مساهمة بذلك في توفير 3.6 ملايين يوم عمل لأزيد من مليونين من الساكنة.
وكشفت وثائق وزارة الفلاحة، أن سلسة النخيل في تطور متزايد في المساحة المزروعة، التي وصلت هذه السنة إلى 61 ألف هكتار مقابل 45 ألف هكتار في سنة 2010.
ومن هذا المنطلق، أصبحت هذه السلسة تعد اليوم رافعة أساسية لاقتصاد ساكنة الواحات، إذ يسمح هذا النشاط بتحقيق رقم معاملات سنوي يصل إلى ملياري درهم، وذلك نتيجة عدة نقط أساسية في هذا الإطار، من بينها خلق تعاونيات بهدف تأطير صغار الفلاحين في فضاء الواحات، إذ تم الانتقال من 1128 عند انطلاق المخطط الأخضر في 2008 إلى حوالي 5000 تعاونية حاليا.
وهذه النتائج هي حصيلة اهتمامات مخطط المغرب الأخضر، الذي ساهم في تحقيق إنجازات ومكتسبات مهمة لصالح ساكنة مناطق الواحات، وذلك بمبادرة من القطاعين العام والخاص، من هنا فإنه تمت المساهمة في التنمية الشاملة والمتكاملة والمستدامة لمناطق الواحات.
ولقد مكنت هذه المشاريع بحسب وزارة الفلاحة من تسريع عملية التحول الهيكلي لاقتصاد هذه النظم البيئية، وإنعاش القابلية للتشغيل، خاصة لدى الشباب، وأيضا التقاط القيمة المضافة من قبل هذه المناطق.
وتلتزم الوزارة بمواصلة مسار تقوية الإنجازات والحفاظ عليها، بالإضافة إلى الاستمرار في بذل الجهود بدعم من جميع الفاعلين، وكل ذلك قصد تحقيق التنمية المستدامة والعادلة في مناطق الواحات، بالتركيز على دعم المبادرات لصالح الشباب وريادة الأعمال، بما في ذلك المبادرات التضامنية المحلية، بهدف تمكينها من زيادة إمكاناتها في خلق فرص الشغل من خلال الولوج إلى الابتكار والتمويل وبرامج التكوين وتعزيز القدرات.
الملتقى..
جدير بالذكر في الأخير إلى أن فعاليات الدورة العاشرة للملتقى الدولي للتمر بأرفود، تضمنت برمجة متنوعة وغنية بالعديد من الأنشطة الثقافية والعلمية، والمحاضرات والعروض الفولكلورية، وحصص لتذوق المنتجات المحلية وبعض المسابقات.
وفي هذا الصدد، تم تنظيم مجموعة من الورشات التي شهدت مشاركة أساتذة ومختصين عالجت مواضيع تهم التقنيات الحديثة والري بتقنية النانو، وتقنيات تثمين المنتجات الثانوية لنخيل التمر، والتبريد والطاقة الشمسية.
ويهدف هذا الموعد الاقتصادي السنوي، الذي تنظمه وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات بشراكة مع جمعية المعرض الدولي للتمر بالمغرب والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان وشركاء آخرين، إلى تسليط الضوء على الدور الرئيسي لقطاع زراعة التمور في تنمية اقتصاد الواحات.
من هنا، فإن ملتقى ” SIDATTES ” سلط طيلة الثلاثة أيام الأخيرة، الضوء على دور وحجم مساهمة القطاع في انبثاق طبقة متوسطة من الفلاحين، من خلال خلق فرص للتشغيل ذات قيمة مضافة.
< يوسف الخيدر- أرفود